ميخائيل نعيمة (موسوعة الآداب العالمية) ثقافة و فنون العلاقات الروسية – الشرق أوسطية في مرجع تأخر صدوره by admin 28 مارس، 2024 written by admin 28 مارس، 2024 188 باحثة لبنانية تدنو من دون حذر من الموضوع المنسي في وجوهه السياسية والدينية والثقافية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هناك من بين الكتب التي تتنطح كي تكون مرجعية مؤلفات قد يُدهش القارئ كل ذلك التأخر في صدورها مع العلم أن ذلك التأخر قد يطول قرناً وأكثر. ولكن من بين هذه الكتب قلة لا شك أن القارئ سيجد ذلك التأخير في صدورها أمراً جيداً لأسباب غالباً ما تكون أيديولوجية. والكتاب الذي نتناوله هنا هو بالتأكيد من النوع الأخير. ونتحدث عن الكتاب الصادر بالعربية قبل سنوات قليلة بعنوان “العلاقات الروسية – الشرق أوسطية” الذي بنته مؤلفته الباحثة اللبنانية جمال القرى تحديداً منطلقة كما يفيدنا العنوان الثانوي للكتاب، من “وثائق دبلوماسيين ومستشرقين ومؤرخين روس”، ولكن أساساً بناء على كتابات العالمة الروسية إيرينا سميلينسكايا المعروفة على نطاق واسع في الأوساط الثقافية العربية من خلال ترجمة كتب أساسية لها خلال الفترة السوفياتية إلى لغة الضاد. والواقع أن الباحثة اللبنانية التي درست الطب في موسكو لكنها خاضت ميدان التأليف والترجمة عن الروسية ما أتاح لها لإنجاز هذا الكتاب الذي نتناوله هنا الركون إلى عشرات المراجع التي تناولت الموضوع لتنجز كتاباً قد لا يكون من ناحية المعلومات والتحليل على شمولية مؤلفات سميلينسكايا حول الموضوع نفسه، لكنه يتميز عن تلك المؤلفات بميزتين أساسيتين تبرران جوهر المدخل الذي افتتحنا به الكلام حول هذا الكتاب. ميزتان جوهريتان ويمكن اختصار هذا البعد الجوهري المزدوج لهاتين الميزتين أولاً بكون كتاب القرى يحمل وجهة نظر بالغة الأهمية بالنسبة إلى القارئ العربي وهي أنه مكتوب في جزئه الأهم على أية حال، من وجهة نظر عربية مقابل وجهة النظر السوفياتية التي هي منطلق سميلينسكايا بل قد يكون من المنطقي وصفها بوجهة نظر رسمية سوفياتية ما يقودنا بالتالي إلى الميزة الثانية وفحواها يتعلق بثنائنا على ذلك التأخير الملحوظ بقوة من أول الكتاب إلى آخره كما يمكن للقارئ المعني أن يلاحظ!. الواقع أن كتاباً مثل هذا كان من شأنه أن يكون شيئاً آخر تماماً لو أنه كتب وصدر خلال الفترة “الذهبية” لازدهار الحضور السوفياتي الرسمي، بل الحزبي حتى، في كل ما يتعلق بالحضور السوفياتي في البلدان والمناطق التي اشتد فيها النفوذ السوفياتي وانطلاقاً من ذلك، تلقي العرب لكل ما يتعلق بالثقافة الروسية وبتاريخ روسيا وراهنها الثقافي، ما أيقظ القارئ العربي على الحقيقة “المرة” التي تحيط بما يصل إليه ليس فقط بالنسبة إلى ما يتعلق بالدراسات الفكرية والسياسية التي يتشارك القارئ العربي الاهتمام بها مع الكتاب والمفكرين الروس. ولئن كان لا بد لنا من الإقرار هنا ودائماً، على رغم كل شيء، بأن ما وصل إلى القارئ العربي كان في أحيان كثيرة مميزاً ومنصفاً في العديد من المجالات – على سبيل المثال ما هو معروف من كشف مسؤول الخارجية بعد فترة يسيرة من الثورة البولشفية، تروتسكي عن وثائق سايكس بيكو بشكل مكن السياسيين العرب من إدراك ما يخططه “الغرب” لهم بعد مساهمتهم في تخليص الشرق الأوسط من ربقة الطغيان العثماني- لئن كان ذلك صحيحاً لا ينكره أحد فإن ذلك وكثيراً من أمور أخرى مماثلة سرعان ما طويت ليقتصر تلقي ما هو إيجابي في السلوك السياسي السوفياتي، على أقلية من متأدلجين عرب ما جعل العلاقة العربية – السوفياتية حول الحقائق السوفياتية تتحول إلى نوع من التبشير بين مؤمنين. كراتشكوفسكي (1883 – 1951) (موقع الأدب الروسي) منطق أيديولوجي ومن هنا لن يكون من المغالاة القول إن معظم ما أوصله السوفيات لنا سيبدو خاضعاً لمنطق أيديولوجي راح ينطبق بشكل غير سليم على كل الوجوه المتعلقة بتعرف القارئ العربي العادي ليس فقط إلى الأفكار السوفياتية وقد راحت تمر أكثر وأكثر بمرشح الحزبية المؤدلجة. وبما في ذلك ما يتعلق بالاستشراق الذي راح بالتدريج يبدو شبيهاً بمؤسسات بالغة الغرق في الأيديولوجيا باتت جزءاً من السياسة الخارجية السوفياتية خارج نطاق البحث العلمي الموضوعي على غرار كل ما يتعلق بذلك التكوين “الجامعي” في مؤسسات شديدة “التسفْيت” مثل جامعة شعوب الشرق وباتريس لومومبا ودار التقدم السيئة السمعة على رغم أفضالهما على طلاب وقراء بائسين ما كان يمكنهم أن يتلقوا حتى أقل من ذلك المستوى من التعليم في أية أمكنة أخرى. ومن هنا بالنظر إلى أن البعد الثقافي لذلك كله كان بالغ الأهمية بالنسبة إلى السلطات الرسمية السوفياتية – ولم يكن ثمة في هذه المجالات سلطات غير رسمية لدى تلك الأمة الحليفة والمدافعة عن حقوقنا العربية، على أية حال. ومن هنا يمكن أن نفسر ما افتتحنا به الجزء الذي يهمنا من هذا الكلام مدركين أهمية أن يكون قد طاوله هذا التبدل الجذري ولا سيما بالنسبة إلى الجزء المتعلق بالاستشراق، حتى ولو كنا نرى أن ما يتعلق منه بتاريخ روسيا نفسها وتاريخ بدء اهتمامها بنا أيام الحكم القيصري وربما منذ العقود الأولى لتأسيس تلك الإمبراطورية الشاسعة التي نعرف منذ البداية أن اهتمامها بالشرق الأوسط لم يأت فقط منطلقاً من رغباتها في الانفتاح على ما بعد حدودها الجنوبية المتاخمة لمناطق تضم سكاناً مسلمين، بل من ضرورة دعم علاقاتها القلقة مع أولئك السكان أنفسم ومن ورائهم الإمبراطورية العثمانية التي ظلت قروناً تشكل العدو الرئيسي لسانت بطرسبرغ. إعادة نظر والحقيقة أن الباحثة جمال القرى، على رغم محاولتها تكريس العدد الأكبر من فصول كتابها للشؤون الثقافية والفكرية ولا سيما لقضية الاستشراق ما أتاح لها حقاً أن تعيد النظر في النظرة إلى المسألة برمتها، فإنها أفردت فصولا بالغة الأهمية للبعد السياسي والتاريخي للعلاقات الروسية – العربية بخاصة. ولئن كانت تلك الفصول تبدو وكأنها لا تضيف جديداً إلى ما هو معروف حول تلك العلاقات فإن الجديد هنا ربما يكمن في التفسير إنطلاقاً من منظور عربي وفي ما يلوح مهماً بالنسبة إلى قارئ كان قد اعتاد قراءة تقارير المبعوثين الروس إلى البلدان العربية وجلهم من القناصل والرحالة الذي دائماً، وحتى في “العهود القيصرية” كانوا يبدون قدراً كبيراً من التعاطف مع العرب، تعاطفاً كانت تفسيراته في العهد السوفياتي تركز على أبعاده الدينية بما يجعل تلك التفسيرات تفترض طغيان البعد التبشيري الأورثوذكسي عليه. وهو أمر غالباً ما كان يتقاطع مع ما كان يفتن القارئ العربي في مذكرات ميخائيل نعيمة مثلاً، الكاتب اللبناني الذي درس في الأديرة الأورثوذكسية الممولة من الروس والخاضعة لسياساتهم منذ العهد القيصري قبل أن يتوجه للدراسة في “بلاد الموسكوب” ورفاقه من الفلسطينيين كلثوم عودة وصليبا الجوزي إلى المصري الشيخ الطنطاوي مع المرور على المراسلات بين محمد عبده وتولستوي وما إلى ذلك. والحقيقة أن جمال القرى أبدعت في تفسير تلك الظواهر السياسية – الفكرية. ومع ذلك فإن المؤلفة تميزت أكثر كثيرا في مجال تناولها المسألة الاستشراقية وما شكلها من شؤون أدبية وإبداعية حتى وإن بدت ترسانتها المعلوماتية هنا قاصرة عن إيفاء الموضوع، في هذا الجانب حقه. لكن التفسير والتجديد يأتيان هنا تعويضاً بالغ الأهمية. ولعل خير مثال على هذا، الفصل المخصص لكبير المستشرقين الروس كراتشكوفسكي الذي حتى وإن كان الكثير من إنجازاته قد طمس خلال العهد السوفياتي، فإن المؤلفة تعيد له هنا الاعتبار متحدثة عن حقيقة أن أهمية الجزء الأكبر من جهوده – ولعل المثال الأهم هنا يتجلى من واحد من أفضل الكتب الاستشراقية وهو دراسته الضخمة عن التراث الجغرافي العربي، والتي لن نمل من ذكر كون ترجمتها العربية التي قام بها السوداني صلاح هاشم واحدة من أفضل الكتب العلمية المترجمة عن الروسية؟ إلى لغة الضاد-، ومع ذلك عومل من قبل السلطات الروسية بكونه أقرب إلى الانشقاق، قبل إعادة الاعتبار له، مرة خلال المرحلة الخروتشيفية في مرحلة “إذابة الجليد” بحسب تعبير الشاعر إيليا إهرنبرغ، ومرة ثانية ونهائية على الأرجح بعد سقوط المنظومة الاشتراكية التي سيبدو كتاب جمال القرى في نهاية الأمر كنوع من التأريخ لها من وجهة نظر ما. وهو أمر سيسمح إن قرئ الكتاب على نطاق واسع اليوم، بتقويم علاقة القارئ العربي العادي بتلك الأمة “الجارة” التي دائماً ما اتسمت علاقتنا بها بمساوئ البعد الأيديولوجي الذي آن وقت التخلص منه وفي يقيننا التخلص منه يحتاج إلى جهود دؤوبة تماثل جهود مؤلفة هذا الكتاب الممتع والمنصف والذي يقرأ في لغته البديعة وكأنه رواية. المزيد عن: العلاقات الروسية الشرق أوسطيةالعالمة الروسية إيرينا سميلينسكاياالثقافة الروسيةميخائيل نعيمة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف تشكلت الحركة القومية العربية في «رأس بيروت»؟ next post “الولادة من دون مساعدة” تحظى بشعبية كبيرة فهل هي خطيرة؟ You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024