يتبع _حياة وحلم_ آلية الحكي كوسيلة لاستعادة الوعي (اندبندنت عربية) ثقافة و فنون العرض المغربي “حياة وحلم” يستعير تقنيات السرد الروائي by admin 31 مايو، 2025 written by admin 31 مايو، 2025 19 استلهم المخرج نصه من مرجعيات ونصوص وأفلام سينمائية في توليفة مسرحية لافتة اندبندنت عربية / سامر محمد إسماعيل يواصل الفنان بوسلهام الضعيف عمله على مسرَحة الأعمال الروائية، والتي كان قد بدأها عام 1996 مع رواية “ليلة القدر” للطاهر بن جلون، وأتبعها بتجارب عدة كان من أبرزها مع روايتَي “كلام الليل يمحوه النهار”، و”بعيداً من الضوضاء قريباً من السكات” لمحمد برّادة. يأتي اليوم عرضه “حياة وحلم” ضمن هذا السياق، لكن عبر نص من تأليفه استفاد فيه المخرج والأكاديمي المغربي من تقنيات السرد الروائي، مستلهماً مرجعيات عرضه من نصوص عديدة منها “موسم الهجرة إلى الشمال” للروائي السوداني الطيب صالح، كما أنه أفاد من قصة فيلم “تحدث إليها” للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار. ويروي “حياة وحلم” قصة يونس (سفيان نعيم) الشاب الذي يذهب لدراسة الطب في الغرب، لكنه يقع ضحية لتجنيده في عمل إرهابي. ينجو الشاب المغربي من التفجير الذي ينفذه، ويدخل بعدها في غيبوبة طويلة، فيما تروي الأم سعيدة (هند بلعولة) ماضي الحكاية عبر استعادة أحداث تحكيها لابنها على سرير المستشفى الذي يرقد عليه. من جانب آخر يتحول يونس إلى خواء وعدم ويبحث عن المعنى في حياته، فتبدو مسألة الهوية حاضرة بقوة في شخصيته، التي تذّكر هنا بشخصية مصطفى سعيد في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، وكيف يتحول يونس إلى آلة للجنس رغبةً منه هو الآخر في إثبات فحولته مع نساء أجنبيات، كما لو أنه نسخة من “عطيل” بطل مسرحية شكسبير المعروفة. “تحدث إليها” ويأتي التناص الثاني في “حياة وحلم” كتشابك مع موضوع دراسة الأم التي تحضّر رسالة الدكتوراه عن أعمال الروائي المغربي محمد خير الدين (1941-1995)، وهذه مرجعية أخرى تستطيع الأم المفجوعة أن تسقطها على حالة ابنها، ومن ثم إنها عندما تعرف التحول الذي عاشه ولدها والمسخ الذي أصبح عليه، فإنها تكتشف -عن طريق الصدفة- قرصاً مدمجاً لفيلم “تحدث إليها” لبيدرو ألمودوفار كان موجوداً في حقيبة ابنها أثناء الحادث، وهذه مقاربة أخرى يوردها العرض مع بطلة الفيلم الإسباني، وهي هنا الفتاة التي تدخل في غيبوبة بعد تعرضها لحادث سيارة، فيما يحكي معها ممرضها الشاب أثناء جلسات المسّاج التي يجريها لها عن حبه وتلصصه عليها في قاعة تدريب رقص الباليه. “حياة وحلم” وبعد ذلك تصبح الأم مهووسة بأفلام ألمودوفار، وتعتقد أنها ربما تجد الخلاص في مشاهدتها، وربما تعتمد الوسيلة ذاتها التي أنقذ فيها بطل الفيلم حبيبته من الغيبوبة بالتحدث إليها. مشاهدة الصور والأفلام التي تجد فيها الأم تقاطعاً مع حياتها سيعكس أن الإرهاب والتطرف لا علاقة لهما بالتهميش، بل إنهما مرتبطان بأزمة الهوية والمرجعيات التي يتلقاها الإنسان منذ صغره، فمن خلال هذه الغيبوبة التي يقبع فيها يونس على سرير المستشفى، وعبر محاولته استرجاع وعيه سيقدم العرض (مسرح المركز الثقافي في دبا الحصن- الشارقة) ما يشبه سفراً داخلياً في تحولات بطل المسرحية النفسية والاجتماعية، لا سيما مرحلة دراسته الطب، إذ ستشكل نقطة تحول جذرية في شخصيته، ومنعطفاً لتقلبات شديدة في طريقة تفكيره وعلاقته بالآخر. ويتبع “حياة وحلم” آلية الحكي كوسيلة لاستعادة الوعي، فالعرض المغربي (فرقة مسرح الشامات) يصر على أنه من خلال السرد نستطيع أن نسترد وعينا ونستعيد معنى الحياة، وكأن العرض يبدو كحلقة متداخلة ومتشابكة، فكلما فتح صندوقاً نجد صندوقاً آخر في داخله، وهذا الأمر الذي حاول المخرج بوسلهام الضعيف العمل من خلاله على تشابك ما بين مرجعيات متعددة، وكيف يمكن للفن والسرد أن يخرجانا من غيبوبة مجتمعات غيبية ومتخلفة، نحو أفق آخر تزول معه المسافة مع الآخر المختلف ثقافياً وفكرياً. واعتمد مخرج “حياة وحلم” على رسم حركي مقنن لشخصية الأم وابنها ضمن شرط سينوغرافيا متقشفة، فأفرد مساحة مثلى للأداء، مرة عبر إشباع لحظات الصمت بين ممثلَيه، ومرات عبر ما يشبه توزيع أصوات الشخصيات على لسان كل من الشاب والمرأة. اللافت هو تلك اللعبة الزمنية المُحكمة في تقديم وتأخير المَشاهد التي تزاوجت مع مناظر تم بثها على شاشة في عمق الخشبة من عرض “مقهى مولر” للكريوغراف الألمانية بينا باوش (1940- 2009). لعبة استغنت عن الحبكة الأرسطية مقابل تغذية الأجواء النفسية للشخصيات، والابتعاد عن الشعبوية لمصلحة مسرح روائي يتدفق بسلاسة مع نقلات الإضاءة (حسن حميمد) وعزلها لشخصيتَي العرض، ومن ثم دمجهما بين سرير الابن ومكتب الأم. سرديتان متشابكتان لعبة معايشة مستمرة واكبتها شخصية المرأة في أثناء سرديتها المتشابكة مع سردية الابن، وبالتجاور مع موسيقى مأخوذة من أفلام ألمودوفار، إذ أضفت الأغنيات باللغة الإسبانية مزاجاً مغايراً عن بيئة القصص التي ترويها شخصيتا العرض. في المقابل اتكأ بوسلهام الضعيف على توظيف الميكرفون كوسيط بين صوت الراوي العليم وصوت الأم، وذلك بما يشبه حالة من التغريب المقصود كنوع من التعليق على أحداث المسرحية. أسلوبية لافتة وعميقة للإطلالة على عوالم روائية مختلفة يتضح من خلالها الجهد المبذول في صياغة تناص مع روايات متعددة، ومن ثم وضعها في سياق قصة العرض. هذا المونتاج المسرحي لروايات متعددة تداخل هو الآخر مع فضاء اللعب، وجعل من الفراغ طابعاً إخراجياً في السيطرة على الخشبة. على مستوى آخر يمكن ملاحظة الاقتصاد في الحالة الانفعالية للممثل لمصلحة نبرة خافتة تتسلل إلى الجمهور بعيداً من مسرح الصراخ، فقريباً مما يشبه المناجاة والبوح تتدفق حكاية العرض، وتنبري كل شخصية لعرض سرديتها ضمن سرديات متداخلة بما يشبه التفكير بصوت الآخر وسحنته. لم يرد “الضعيف” الدخول في المباشرة في إيضاح قصة بطل العرض دفعةً واحدة، بل فضّل تقديمه في ملابس تشي بخلفيته الأيديولوجية المتطرفة، في حين سمح لقطع الديكور البسيطة بالإيحاء الرمزي للأمكنة التي تتنقل عبرها الشخصيات (مستشفى- بيت- جامعة). وعليه رتّب مخرج العرض ومؤلفه فرصة لمخيلة الجمهور في تلقٍ حر للعرض، ودونما الذهاب إلى الشرط الواقعي الصرف. وعلى رغم أن العرض (مهرجان المسرح الثنائي- الشارقة) لا يصادر مخيلة الجمهور وذوقه، فإنه يتخلى عن البعد الدرامي التقليدي، ويعمل على تقديم مساحة من التفكير، والحرص على عدم الاندماج العاطفي مع الشخصيات، بل يركز على العقل في تشريح شخصية الإرهابي المعاصر، ومحاولة عزلها عن صورتها التقليدية، بما يضمن مساءلتها اجتماعياً ونفسياً، وهذا ما دفع مخرج العرض إلى تورية ذكية بعيدة من التنميط والنمذجة لشخصيته، ومحاولة نبش المسكوت عنه في إطار جمالي حركي، تصبح معه حركة الممثل ونبرة صوته وإيماءات جسده بمثابة آلات موسيقية لعزف الحوار في مساحة شبه فارغة. المزيد عن: حياة وحلمالمسرحالأعمال الروائيةبوسلهام الضعيفالمغربالإرهابالهجرة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عندما أحرق النازيون كتاب فرانتز بواس لنفيه التمييز العرقي next post إيمانويل مونييه… فيلسوف الأزمنة المضطربة You may also like مارك توين في مرآة تشيرنو… الوجه الآخر للكاتب... 1 يونيو، 2025 “لعنة لبنان”: كتاب ينكأ الجرح القديم الذي لم... 1 يونيو، 2025 المغرب يودع نعيمة بوحمالة “سيدة الدراما القوية” 1 يونيو، 2025 لفظوه للحب واستعادوه للحرب… الإيطاليون وفيردي 1 يونيو، 2025 وداعا نغوغي وا ثيونغو: لن تنساك أفريقيا 1 يونيو، 2025 إيمانويل مونييه… فيلسوف الأزمنة المضطربة 31 مايو، 2025 عندما أحرق النازيون كتاب فرانتز بواس لنفيه التمييز... 31 مايو، 2025 عبد السلام بنعبد العالي يقرأ حياتنا الراهنة في... 31 مايو، 2025 ندى حطيط تكتب عن: «الغريبة» ناهد راشلين… رائدة... 31 مايو، 2025 كيف تقوم الصورة بإعادة خلق المكان؟ 30 مايو، 2025