مشهد من فيلم _الحرية لنا_ لرينيه كلير (1931) (موقع الفيلم) ثقافة و فنون الطبقة العاملة بين مخرج فرنسي وتشارلي شابلن by admin 9 أبريل، 2025 written by admin 9 أبريل، 2025 18 رينيه كلير سبق شارلو بفيلمه “الحرية لنا” ووزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز حاول تشويه سمعته عن طريق “الأزمنة الحديثة” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لا شك في أن هواة السينما العرب المبكرين وقبل الفورة المعروفة للسينيفيليا ولترجمة الكتب المتحدثة عن الفن السابع إلى لغة الضاد، تعرفوا على المخرج الفرنسي رينيه كلير، ولكن ليس كمخرج سيعلن انتماءه إلى “اليسار المتطرف” حتى قبل مجيء الجبهة الشعبية إلى الحكم في بلده، ولكن كباحث في تاريخ السينما ونظرياتها من خلال كتاب ترجمته له دمشق في سنوات الـ70 ولقي انتشاراً لا بأس به. حينها كانوا قلة أولئك الذين تعرفوا في كلير على ذلك المخرج الذي ستتبنى الجبهة الشعبية الحاكمة في فرنسا منذ عام 1936 فيلمه “الحرية لنا”، معتبرة إياه من إرهاصاتها الفكرية. ولكنهم كانوا أقل منهم أولئك الذين كانوا يعرفون شيئاً عن تلك الحكاية التي دبرها جوزف غوبلز وزير الدعاية النازية الهتلرية من ناحية لتشويه سمعة عدوه الرئيس تشارلي شابلن، ومن جهة أخرى للإيقاع بين مخرجين ينتميان إلى المدرسة السينمائية نفسها المعادية لغوبلز ولكل ما يمثله. والحكاية تتعلق مباشرة بفيلم كلير الذي نتناوله هنا من ناحية، وبفيلم “الأزمنة الحديثة” لشابلن من ناحية ثانية. وهنا قبل ولوج جوهر ما فعله غوبلز، لا بد من التوقف أولاً عند فيلم رينيه كلير الذي سبق فيلم شابلن بحضوره الناجح في دور العرض منذ عام 1931، بينما سيحضر فيلم شابلن بعد ذلك بما لا يقل عن أربع سنوات. المخرج رينيه كلير (موسوعة السينما الفرنسية) الطبقة العاملة هنا وهناك بداية لا بد من الإشارة إلى أن رينيه كلير، حين حقق “الحرية لنا” الذي سيتحول بفضل الجبهة الشعبية إلى أشهر فيلم عن الطبقة العاملة في ذلك الحين، لم يكن يعلن نفسه يسارياً، بل “دادائياً” عدمياً يكاد يسخر من كل شيء، ومن هنا فإن فيلمه لم يكن يستهدف تمجيد الطبقة العاملة بل السخرية من تفاصيل الحياة التي تعيشها، كما من أهل الصناعة وتقاعس العمال، حتى حين آلت إليهم مقاليد الأمور في المصنع. ولكن كذلك الثأر من أصحاب العمل والمقاربة بينهم وبين كبار اللصوص، وقول كل ما يتعين قوله حول السلطات وتواطئها مع ذلك النوع من اللصوص. ولقد روى كلير ذلك كله من خلال حكاية عن لص يتمكن من الهرب من سجنه بمساعدة رفيق له هو لص بدوره. وهو يتمكن إذ يفشل رفيقه في مجاراته في هربه، من الصعود تدريجاً في المجتمع والعمل المتلوي، حتى يمتلك مصنعاً كان بدأ فيه عاملاً، لكنه تمكن من ذلك الصعود لمعرفته بأواليات السرقة والتدليس. ولقربه على أية حال من ذهنية الطبقة العاملة وسلوكها هي التي تعلمت منه “التفاني” في خدمة أصحاب العمل وسط جو من الحبور والتضامن السلبي عبر مشاهد في منتهى الروعة تدنو من الكوميديا الموسيقية، وسنرى كيف أن الجزء المتعلق بأواليات العمل الصناعي التي أوصلتها كاميرا رينيه كلير إلى ذروة غير مسبوقة إلى درجة أنها أوحت بكثير إلى شابلن، هو الذي خلق بقية حكايتنا هذه واستثار تدخل الوزير النازي كما سنرى. المهم أن طفيلية صديقنا اللص السابق صاحب المصنع سرعان ما انكشفت لعماله بعدما حسبوه طيباً ورفيقاً لهم، ولا سيما بعدما انضم إليه رفيق سجنه السابق وراح يعاونه على استغلال العمال. فكان أن ابتزه العمال وطردوه بعدما انكشف تماماً أمامهم، فكانت النتيجة أننا نراه في نهاية الفيلم هائماً على وجهه مع صديقه وهما يغنيان أناشيد الحرية ضمن إطار تلك الكوميديا الموسيقية الفوضوية العدمية التي أراد رينيه كلير، ومنذ البداية أن يمجدها جاعلاً فيلمه رمزاً لها. بوستر فيلم “الحرية لنا” (موقع الفيلم) توازيات لافتة صحيح، إذا أن هذا الفيلم سيعامل لاحقاً، وعلى ضوء حكم الجبهة الشعبية بوصفه فيلماً ممجداً للطبقة العاملة وانتصارها على اللص الذي أمسك بمقدراتها، غير أنه – أي الفيلم – لم يبد في الحقيقة، رحوماً مع تلك الطبقة التي عرف كيف يصور كسلها وتفضيلها المشروب والحانات واللعب، على العمل الجاد، بينما ندرك أنها ما قامت بانتفاضتها على السيد إلا لأنه خدعها وحاول منعها من ممارسة ملذاتها، وهذا ما يتعين علينا على أية حال أن نفهمه ولا سيما من خلال المشاهد الأخيرة التي ربما كان في إمكانها أن تفهم متفرجي الفيلم أن أنشودة الحرية لم تكن شعار العمال، بل لسان حال اللص السابق الذي كان استولى على المصنع بطرقه الملتوية وها هو هنا قد تحرر من تلك “المسؤولية” ليذرع الآفاق حراً كما يشاء. غير أن هذا كله لم يتبد واضحاً تماماً ببعده الفكري أمام القوة التي بها صور الفيلم تلك التوازيات “المقلقة” بين ما كانه اللص قبل السجن وفيه، وبين ما صار إليه إذ بات رب عمل. ولعل في إمكاننا هنا أن نذكر كيف أن لا اليمين أحب الفيلم على رغم سخريته من العمال، ولا اليسار أحبه على رغم أنه مجد انتصارهم في صراعهم ضد رب العمل ذاك. وحدهم محبو السينما أحبوا الفيلم في ذلك الحين، وتحديداً بفضل تصوير رينيه كلير للمشاهد داخل المصنع ودينامية الآلات والعلاقة المريعة بين أجساد العمال والمعادن التي تتكون منها تلك الآلات. فهل يذكرنا هذا الجانب من الفيلم بشيء؟ بالتأكيد يذكرنا بفيلم “الأزمنة الحديثة” لشابلن الذي سيؤثر عنه على أية حال أنه ما إن شاهد الفيلم الفرنسي في عروضه الأولى حتى راح يهجس بأنه سيجعل من ذلك الموضوع مبرراً لفيلمه المقبل. وهو فعل ذلك حقاً، إذ ما مضت سنوات قليلة على عرض “الحرية لنا” حتى ظهر فيلمه الجديد حينذاك “الأزمنة الحديثة” الذي يمكن لأي متفرج أن يلاحظ المشاهد نفسها مشتركة بين الفيلمين وفي الأقل في المشاهد الجامعة داخل المصنع بين الآلات وعمالها معلنة تشييء البشر وسيطرة عصر الآلة والاستلاب الناتج منها، ولكن من ناحية أخرى حاملة قدراً لا بأس به من السخرية من الطبقة العاملة نفسها. غير أن غوبلز الوزير النازي كان له رأي آخر في الحكاية كلها. معركة قضائية ففي عام 1936 وبعد صول النازيين إلى السلطة وهيمنتهم على كل مجاري الحياة، اشترت وزارة غوبلز شركة طوبياس منتجة “الحرية لنا”، واكتشف الوزير أن ثمة أمامه الآن فرصة ذهبية لاقتناص شابلن، أحد أعدائه وأعداء نازيته الكبار في عالم السينما، وبالتحديد من خلال اتهامه بالسرقة الفنية من “الحرية لنا” في فيلمه “الأزمنة الحديثة”. وذلك على رغم أن شابلن كان ألحق فيلمه بكتابة رسالة يزجي عبرها شكره لزميله الفرنسي لكونه ألهمه بكثير مما في فيلمه. والغريب في الأمر أن رينيه كلير حين أبرز تلك الرسالة، وهو يقصد منها أن تكون شاهداً على نزاهة شابلن واعترافه بفضل كلير على فيلمه، نظر القضاء إلى الرسالة على اعتبارها دليلاً دامغاً ضد الكوميدي الأميركي الكبير، تدينه بأكثر كثيراً مما تبرئه. ولم يكن النازيون أقل توفيقاً في زرع الشقاق بين الفرنسي والأميركي حين نشروا الرسالة على نطاق واسع، مما دان شابلن بفضل قوة ما توحي به وأهان كلير حتى بين مواطنيه باعتباره متواطئاً مع النازيين ضد مخرج “الأزمنة الحديثة” وكاتبه. وهكذا فقد كلير سمعته واعتبر معادياً لحرية الفكر، وهي تهمة لم تختف على أية حال إلا حين تمكن كلير ما إن اندلعت الحرب واحتل النازيون فرنسا، من اللجوء إلى منفاه الأميركي حيث استعاد مكانته بالتدريح وعاد منذ عام 1947 لبلاده بعد التحرير ليستأنف مساراً سينمائياً لم يعد مجيداً كما كان في السابق على رغم تبني اليساريين بمن فيهم الطبقة العالملة، لذلك الفيلم “الاستثنائي” في تاريخه وتاريخ الطبقة العاملة وسينماها في فرنسا. ولربما يكون ساعده في تلك الاستعادة لمكانته ما ذكر به من أنه كان هو نفسه رد باكراً على اتهامات النازيين المبكرة لشابلن بإعلانه أنه إنما استوحى في “الحرية لنا” شخصية هنري صديق صاحب المصنع ورفيق سجنه، من مخزون الشخصيات الشابلنية، مضيفاً “ففي نهاية الأمر لا شك أننا نحن جميعاً ندين لذلك المبدع الذي أبجله شخصياً وأرى أن استلهامه من فيلمي يمثل أعظم تكريم حظيت به في حياتي، وذلك في وقت كان غوبلز بات فيه في مزابل التاريخ”. المزيد عن: المخرج الفرنسي رينيه كليرتشارلي شابلنالطبقة العاملةجوزف غوبلز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post قصة البورصة… دراما المال التي لا تكل الصعود والهبوط next post كتاب “قصة جريمة قتل” يبعث أدب الجريمة من مرقده You may also like مهى سلطان تكتب عن : 5 آلاف سنة من... 11 أبريل، 2025 “أطفال الإمبراطور” تعري الوسط الثقافي الأميركي 11 أبريل، 2025 بيرانديللو في “كسو العرايا” يجعل الحياة مجرد خيال... 11 أبريل، 2025 مدن من طين… بيوت العراقيين “تأكل” الأرض الزراعية 11 أبريل، 2025 إيلاري فورونكا شاعر الأخوّة الإنسانية المجهول 10 أبريل، 2025 صحراء السعودية كانت “واحة خضراء” قبل 8 ملايين... 10 أبريل، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أسلحة مزخرفة من موقع... 10 أبريل، 2025 كتاب “قصة جريمة قتل” يبعث أدب الجريمة من... 9 أبريل، 2025 “أشخاص مستهترون” يكشف كواليس “فيسبوك” 8 أبريل، 2025 فرويد درس شخصية دافنشي انطلاقا من ترجمة خاطئة 8 أبريل، 2025