ثقافة و فنونعربي “الشيفرا” الصينية الأكثر مبيعا تدخل متاهة التخييل الوثائقي by admin 13 مايو، 2023 written by admin 13 مايو، 2023 23 ماي غيا يجعل من السارد كاتبا افتراضيا ليروي ملحمة فاوستية اندبندنت عربية \ علي عطا في الرواية الصينية “الأكثر مبيعاً في العالم”، وعنوانها “الشيفرة / DECODED”، للكاتب ماي غيا، يبدو الساردُ الرئيس هو نفسه كاتبُها الافتراضي، وهو صحافي ذو ميول أدبية، قرر أن يحيط بملابسات صعود عالم رياضيات صيني إلى أعلى مراتب التقدير لدى قيادة جمهورية الصين الشعبية، لدوره في حماية أمنها القومي خلال عمله في هيئة علمية سرية ذات طابع استخباراتي… ثم انحداره إلى أسفل درجات الاحترام؛ لإخفاقه في الحفاظ على دفتر ملاحظات يحوي معلومات من شأنها الإضرار بمصالح الجمهورية نفسها في حال وقع في يد “دولة معادية”، لا يُذْكر اسمها صراحة في العمل ويُكتفى بالإشارة إليها رمزاً. تُرجمت هذه الرواية التي صنَّفتها مجلة “الإيكونومست” ضمن أفضل عشر روايات للعام 2014، إلى 33 لغة، وأنجز ترجمتها إلى اللغة العربية رشا كمال وتامر لقمان لحساب “مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية” في القاهرة. العمل الاستقصائي لكاتب هذه الرواية الافتراضي بدأ عام 1990، عندما لاحظ خلال تردده على والده المحتجز في مصحة مخصَّصة للميؤوس من شفائهم، أن هناك مريضاً اسمه “رونغ جين تشين”، يحظى بتبجيل الجميع، على الرغم من أنه يعاني، منذ عقود عدة، من مرض عقلي، فقد بسببه الذاكرة، باستثناء ما يتعلق بدفتر ملاحظات لا يمل من البحث عنه، من دون أن يعي حتى ما يدفعه إلى ذلك. يتواصل الكاتب الافتراضي مع كل مَن له صلة بهذا الشخص، ليكتشف أنه أبرز عالم رياضيات استفادت جمهورية الصين الشعبية من قدراته العلمية الاستثنائية في مجال الرياصيات. تلك القدرات التي سيتبيَّن أنها فطرية في عائلة رونغ، وهي من العائلات العريقة في جنوب شرق الصين، أهَّلت “جين تشين” ليصبح خبيراً مرموقاً في مجال تركيب الشيفرات شديدة التعقيد وفكها، في سياقات تتعلق بالأمن القومي لهذا البلد في حقبة تلت حرباً أهلية اشتعلت على مرحلتين، ولم يوقع طرفاها بعدُ على هدنة أو معاهدة سلام، وحرباً أخرى مع اليابان، بين هاتين المرحلتين. جذور النبوغ رأس العائلة الأول يدعى “رونغ تزلاي”، وقع في حبائل عشق العلم. كان في العشرين من عمره عندما بدأ رحلته. بعد سبع سنوات ومع إطلالة خريف 1880 صعد على متن باخرة برفقة عشرات من سلال عنب طازج عائداً إلى بلاده. وصلها والشتاء في أقسى أيامه والعنب قد تخمَّر مخلفاً نبيذاً أحمر. بلدته تونغ نشن (جنوب شرق الصين) عائلته تحتكر تجارة الملح، “عاد باسم جديد: جون لي لي” ص 14. ولاحقاً افتتح مدرسة في حاضرة المقاطعة؛ مدينة سي، وأسماها “أكاديمية لي لي للرياضيات” بعدما حصل على سبائك فضة، ورثها عن جدته، التي ماتت أثناء سفره. الرواية بالترجمة العربية (بيت الحكمة) النبوغ سيسطع عبر ابنة شقيقه، في أكاديميته، ثم في جامعة كامبردج، لدرجة تحولها إلى “آلة حاسبة بشرية”. أسموها “العدَّاد الضخمة الرأس”. أتقنت سبع لغات في بضع سنوات حصلت في نهايتها على الدكتوراه، “قبل أن تصمم جناح طائرة الأخوان رايت”، بحسب الكاتب الافتراضي للرواية الذي لم يقدم سنداً لتلك المعلومة، على الرغم من حرصه على إعطاء كتابته هنا طابعاً وثائقياً، يوهم بأننا بصدد شخصيات وأحداث حقيقية. ومن ذلك أيضاً الإشارة إلى ما حظيت به تلك الآلة الحاسبة البشرية من تقدير نوابغ من الغرب، منهم رئيس “جمعية نيوتن للرياضيات” البروفيسور بيدرو إيميو الذي تقول الرواية إنه زار الصين في صيف 1913، ولكن ربما كان هو أيضاً شخصية متخيّلة في سياق يوهم بأننا في سياق عمل توثيقي. ماتت على يد جنينها ماتت “الآلة الحاسبة البشرية” عام 1914 قبل أن تتم الأربعين. ماتت وهي تلد. جاء الوليد برأس تتجاوز ضخامة عرض كتفيه، وهكذا يمكن القول إنها “لقيت حتفها على يد جنينها”. عائلة الأب أطلقت على المولود اسم “الشيطان الضخم الرأس” ص26. وعلى أية حال فإنه نشأ في كنف عائلة الأم التي سرعان ما تضررت مكاسبها في تجارة الملح مع سنوات مراهقة “ذلك الشيطان”، لسداد ديونه في القمار أو حل المشكلات التي دأب على إقحام نفسه فيها. انضم إلى المافيا وعمره 12 سنة، وبعد عشر سنوات قتلته عاهرة، ليترك امرأة أخرى حاملاً في ابنه الذي سيطلقون عليه بمجرد ولادته عام 1936 إسم “حاصد الأرواح”، وهو نفسه بطل روايتنا. الروائي الصيني المشهور ماي غيا (بيت الحكمة) تتردد عائلة رونغ في الاهتمام بهذا المولود، الذي أطلق عليه اسم “بَطْبَط”، وستعهد بذلك في النهاية إلى شخص أوروبي يعمل في خدمتها، لينتبه إلى نبوغه الفطري في العمليات الحسابية المعقدة بمجرد بلوغه سن 12 عاماً، ويبلغ كبير العائلة وكان يدعى تدليلاً “لي لي الصغير”، بضرورة أن يتولى بنفسه رعايته. وكبير العائلة هذا هو ابن مؤسس جامعة “ن”، تخرج في قسم الرياضيات عام 1906، وفي عام 1912 توجَّه إلى الولايات المتحدة الأميركية للدراسة. حصل على الماجستير من معهد ماساتشستس للتكنولوجيا وعاد عام 1926 إلى جامعة “ن” للتدريس في قسم الرياصيات، ثم شغل منصب نائب رئيس الجامعة نفسها. وما إن التحق “بَطْبط” بالمدرسة الابتدائية حتى راح الناس ينادونه “جين تشن” (اللؤلؤة) وحظي برعاية فائقة من زوجة “لي لي الصغير” ومن ابنته “رونغ يني”، التي ارتبطت في ذلك الوقت عاطفياً بأحد جنود مقاومة الاحتلال الياباني، الذي بعث إليها برسالة من جبهة القتال، جاء فيها: “يوم هزيمة اليابانيين سيكون يوم زفافنا”. لكنه بعد الحرب الصينية اليابانية الثانية هذه انتقل إلى تايوان وتزوَّج وأنجب أطفالاً، فصار بالطبع من أعداء جمهورية الصين الشعبية. ومن ثم جرى التعامل بعنف ثوري، إذا جاز التعبير، مع خطيبته السابقة، إلى أن انتبهت السلطات الشيوعية في أعلى مستوياتها إلى نبوغ “جين تشين” ليتم التعامل مع أسرته باعتبارها عائلة وطنية يستحق جميع أفرادها التبجيل. تقنية المقابلات كان لدى “تشين الصغير” جانب عنيد وناري الطباع، رغم أنه عادة يبدو هادئاً ساكناً. هذا الوصف ينسب إلى “لي لي الصغير”، الذي كان في عداد الموتى عندما بدأ السارد الرئيسي عمله الاستقصائي ليكتب هذه الرواية، متكئاً على مقابلات مع عدد من الأشخاص الذين عرفوا العبقري جين تشين حتى إصابته بالجنون لتنطفئ شعلة ذكائه إلى الأبد، وفي مقدمتهم الآنسة “رونغ” التي كانت تعامل بطلنا أولاً على أنه واحد من أشقائها، ثم على أنه مصدر فخر العائلة وحمايتها من أي بطش محتمل من السلطة الرسمية الواقعة تحت ضغوط شتى تجعلها على أهبة الاستعداد دائماً لمواجهة مؤامرات عدة تستهدفها. يعرف السارد الرئيسي من الآنسة “رونغ” أن جين تشين كان يجيد تأويل الآحلام، وأنها تعلم ذلك من مربيه الأجنبي، كما تعلَّم منه مبادئ الديانة المسيحية وطقوسها، ولذلك كان يحرص على قراءة بضع صفحات من الإنجيل في نسخته الانجليزية كل يوم. في سن ال16 بدأ يتعلم على يد معلم يهودي من بولندا، اسمه “يان ليسيفيتش”، يتبيَّن لاحقاً أنه كان جاسوساً. لاحظ “ليسيفيتش” أن “جين تشين” محدود الذكاء الاجتماعي، “هو عبقري بالفطرة لكنه يفتقر للمعارف الأساسية”. جهله بتلك المعارف كان يجبره على الابتكار والإبداع. كان “ليسيفيتش” يرغب في أن يبتعث جين تشين للدراسة في إحدى الجامعات الغربية المرموقة وبالذات في مجال الذكاء الاصطناعي. في ذلك الوقت (1946) ظهر أول كومبيوتر في العالم. وبرعاية “ليسيفيتش” أنهى “جين تشن” دراسة أربع سنوات في جامعة محلية، في أسبوعين. بعد ذلك أنهى “ليسيفيتش” و”جين تشين” القوانين الخاصة بالشطرنج الرياضي في ربيع 1949 وفي تلك الأثناء تم الاستيلاء على باقي ممتلكات عائلة “رونغ” في حركة إصلاح الأراضي في جمهورية الصين الشعبية المنشأة حديثاً. لكن مع ذلك ظلت العائلة بارزة اجتماعياً في ظل أرفع أعضائها مقاما: السيد “لي لي”. تمكن ليسيفيتش من الحصول على منحة لجين تشين لدراسة الدكتوراه في جامعة ستانفورد. ولكنه قبل السفر أصيب بفشل كلوي وظل يتلقى العلاح في المستشفى لمدة عامين. على أية حال لن يتمكن جين تشن أبداً من السفر إلى الخارج للدراسة، فالسلطة الشيوعية العليا التقطته وقررت توظيفه في وحدة سرية، تمزج بين الطابعين المدني والعسكري، ولم يكن له الحق في رفض تلك الوظيفة التي قيل له إنها عمل ثوري هدفه حماية الوطن من أعدائه. ومن ثم كانوا يباهون به علماء بارزين في الغرب، مثل جون فون نيومان (1903 – 1957) أحد أبرز علماء الرياضيات في القرن العشرين، وهو أميركي من أصل هنغاري، وظهر نبوغه منذ أن كان طفلاً، ولويد شيلي المولود في 1923 وهو اقتصادي وعالم رياضيات أميركي حصل على جائزة نوبل عام 2012 ويعتبر رائد نظرية الألعاب من بُعد، وأيضاً روبرت أوبنهايمر الملقب بأبي القنبلة الذرية! المزيد عن: روائي صيني\رواية\تخييل\توثيق\الرياضيات\الصراع الحضاري\علماء\متاهة السرد\ملحمة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كبار السن يطغون على “كان 2023” ما يجعله في غير محله next post سيدة جريمة أخرى عاشت في ظل أغاثا كريستي وعجزت عن تحقيق شعبيتها You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024