Lucy North/PA Images via Getty Images / لوحات "فناء المستشفى في أرل" (1889)، "منظر من أرل" (1889)، و"حقل الخشخاش" (1889) ثقافة و فنون الشعراء والعشاق والأمكنة والأشياء كما رآهم فان غوغ by admin 7 فبراير، 2025 written by admin 7 فبراير، 2025 17 أحد أضخم المعارض الاستعادية في لندن المجلة / فيء ناصر ما الذي يجعل فنانا مثل فنسنت فان غوغ مات قبل أكثر من مئة سنة تقريبا، شهيرا ومألوفا من عامة الناس، وكل معرض يحمل اسمه يصبح حدثا مهما يترقبه ويزوره الآلاف؟ هذا بالفعل ما حدث في معرضه الأخير الذي أقيم في “ناشونال غاليري” في لندن لمناسبة مرور مئتي سنة على افتتاح الصالة الشهيرة، التي تتوسط ساحة الطرف الأغر، أبرز ساحات لندن، ومرور مئة سنة على اقتناء لوحته “عبّاد الشمس”. المعرض شهد زيارة ما يقارب 350 ألف زائر، كثر منهم جاؤوا من أوروبا، واضطرت إدارة الغاليري إلى استقبال الزوار 24 ساعة في عطلة نهاية الأسبوع قبل نهايته، وهذه سابقة تحدث للمرة الثانية في تاريخ الغاليري الشهيرة بعد معرض ليوناردو دافنشي عام 2012. المخلص دوما يشعر زائر هذا المعرض بتعاطف تجاه الفنان الذي أبدع هذه اللوحات الباهرة وهو في أحلك لحظات حياته، ويشعر أيضا بعبقرية فان غوغ المتفردة وجرأته وقدرته غير المتناهية على التجريب وتأثيث العالم البسيط من حوله بالجمال والأمل والألوان الحارقة. كل اللوحات في المعرض تؤرخ للفترة الزمنية التي عاش فيها فان غوغ في أرل جنوب فرنسا بعد مغادرته باريس التي عاش فيها سنتين (1886-1888)، حيث أقام مع أخيه ثيو تاجر الفنون الذي دعمه ماليا وعاطفيا، وساعده في عرض لوحاته ومحاولة بيعها. في باريس، سكن فنسنت وثيو بيت رقم 56 في شارع “لبيك” في حي “مونمارتر” الشهير، حيّ الفنانين والبوهيميين ومركز الحركات الفنية، مثل الانطباعية وما بعد الانطباعية. حاول فان غوغ الانغماس في تلك الحركات الفنية واكتساب تقنياته الخاصة وتطويرها، فانضم إلى استديو مفتوح يشرف عليه الفنان الفرنسي فرنان كورمون (1845/1924)، وتعرف الى بول سيناك وبول غوغان وهنري دو تولوز لوتريك. لكنه سرعان ما ضجر من مجتمع باريس الصاخب والمنافق الذي أرهقه نفسيا وجعله يتوق إلى العزلة والهدوء. ولأنه كان يعاني من مشاكل جسدية ونفسية، ظن أن الريف الفرنسي الجنوبي سيمنحه فرصة للشفاء والتركيز على فنه وكانت لديه أيضا رغبة في العثور على الحب خصوصا ان أرل اشتهرت بجمال نسائها. فنسنت في أرل وصل فنسنت إلى أرل في فبراير/ شباط 1888. وكان يأمل أن يجد في هذه المدينة الصغيرة الدافئة الإلهام في الطبيعة، وأن يخلق تجمعا فنيا صغيرا مع صديقيه بول غوغان وإميل برنار، لذلك استأجر بيتا قريبا من محطة المدينة (البيت الأصفر) الذي يطل على حديقة عامة جميلة، رسمها فنسنت في العديد من أعماله مثل “حديقة الشعراء” (1888). وهناك لوحات تعود إلى الأشهر الأولى له في أرل منها لوحة “العاشق” (سبتمبر/ أيلول 1888) وهي بورتريه شخصي لصديقه الضابط في الجيش الفرنسي بول- يوجين ميليه الذي نُقل إلى أرل بداية عام 1888، وأصبحا صديقين مقربين حتى إن فنسنت أعطاه دروسا في الرسم. كان ميليه وسيما وله حظوة مع النساء، بخلاف فنسنت، لذلك سمّى هذه اللوحة “العاشق” وكتب فنسنت بحسد: “له جميع نساء أرل اللواتي يريدهن”. يشعر زائر هذا المعرض بتعاطف تجاه الفنان الذي أبدع هذه اللوحات الباهرة وهو في أحلك لحظات حياته، ويشعر أيضا بعبقريته المتفردة من لوحات شهوره الأولى في أرل أيضا لوحة “الشاعر” (1888) وهي بورتريه شخصي لصديقه الفنان يوجين بوش يبدو فيها قلقا هزيلا، وقبحه واضح وراء لحية رقيقة، بينما تتفجر الليلة من حوله بلمعان النجوم. كان يوجين بوش رساما بلجيكيا وهو أحد أصدقاء فان غوغ القلائل في أرل، التقاه في يونيو/ حزيران من العام نفسه حيث أعجب فان غوغ بوجهه النحيف كالشفرة وعينيه الخضراوين، لأنه كان يُذكره بالشاعر الإيطالي دانتي. خلفية البورتريه سماء مرصعة بالنجوم رمزا لأحلام الشاعر الكبيرة. رُسِمت هذه اللوحة وعُلقت في غرفة نوم فنسنت في البيت الأصفر وتظهر في لوحة “غرفة النوم”. لاحقا اشترت أخت يوجين بوش، آنا، لوحة “حقل عنب أحمر” الوحيدة التي باعها فنسنت في حياته. تُعرض لوحة أخرى من تلك الفترة بعنوان “الفلاح” (1888) وهي بورتريه للفلاح المسنّ باتيانس اسكالييه، يصوره فنسنت بوجه مدعوك بالشمس والطقس القاسي، لكن لنظرته بريقا وحدّة. الألوان الزاهية كالأصفر الساطع، والأزرق النابض، والأخضر والأحمر، تجعل هذا البورتريه، ربما أكثر تجاربه جرأة في استخدام الألوان حتى ذلك الحين. كتب فان غوغ إلى شقيقه ثيو قائلا: “بدلا من محاولة إعادة إنتاج ما أراه أمامي بدقة، أستخدم الألوان بحرية أكبر للتعبير عن نفسي بقوة.”. HENRY NICHOLLS / AFP / لوحة “ليلة مرصعة بالنجوم فوق نهر الرون” (1888) كان هدف فان غوغ من تسمية هذه البورتريهات الثلاثة بـ”العاشق” و”الشاعر” و”الفلاح”، أن تكون نماذج لتمثيل هذه الفئات من الناس. لكن هذه اللوحات تفتقر إلى المألوفات اللونية، لأننا ببساطة ما زلنا نواكب تطور فان غوغ الفنان. نحن جميعا مصابون بلوثته ونعرف قصته المأسوية، لكننا لسنا متأكدين تماما ما الذي يجعل فنه استثنائيا. ألم يكن مجرد ناقل لزهور عباد الشمس؟ فان غوغ، الذي يستعرضه المعرض بكل براعة مؤثرة ومستفيضة، لم يكن مجرد ناقل على الإطلاق، فهو يحوّل ما يراه. وتلك اللوحات للأشخاص العاديين الذين يرى فيهم الرومانسية الأبدية والشعر والعمل الكادح، دليل على مدى إعادة تشكيله التام للعالم من حوله. هذه رحلة ليست إلى مدينة أرل الفعلية، حيث إذا ذهبت للبحث عن “البيت الأصفر” ربما ستجد مجرد لوحة تذكارية في واجهة المبنى، بل إلى إقليم بروفانس في ذهن فنسنت، أو في روحه. HENRY NICHOLLS / AFP / لوحات “عباد الشمس” (1888)، “تهويدة: مدام أوغسطين رولين تهز المهد” (1889)، و”عباد الشمس” (1889) جمعية فناني الجنوب لم يلبّ إميل برنار دعوة فنسنت لتكوين جمعية فناني الجنوب، لكن غوغان استجاب ووصل إلى أرل في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1888، ورسم له فنسنت لوحة عباد الشمس الشهيرة كي تزيّن غرفته. كان فنسنت متحمسا لمشاركة غوغان الرسم والأفكار الفنية، وقبل ذلك كان بحاجة حقيقية إلى صديق، لكنه عانى من تقلبات مزاجية وأزمات نفسية وعاطفية شديدة، أدت إلى توتر العلاقة بينهما سريعا ومغادرة غوغان المنزل الأصفر. في 23 ديسمبر/ كانون الأول وبعد نوبة غضب وعراك مع غوغان، قطع فنسنت أذنه اليسرى ولفّها بقماش وأهداها إلى فتاة تدعى راشيل تعمل خادمة في بيت متعة كان يرتاده فنسنت. عثرت عليه الشرطة في اليوم التالي غارقا في بركة من الدماء، فأودع مصحا نفسيا منفردا بعد أن وقع ثلاثون شخصا من جيرانه عريضة احتجازه باعتباره يشكل خطرا على المجتمع، ولا تزال بلدية مدينة أرل تحتفظ بتلك العريضة. كان هدف فان غوغ من تسمية هذه البورتريهات الثلاثة بـ”العاشق” و”الشاعر” و”الفلاح”، أن تكون نماذج لتمثيل هذه الفئات من الناس لكن الحصيلة الفنية للأسابيع التسعة التي مكث فيها غوغان مع فنسنت، كانت لوحتين لكرسيين فارغين، أحدهما كرسي بسيط مع غليون وتبغ فوق مقعده يمثل فان غوغ، والآخر كرسي أكثر تعقيدا بذراعين يمثل بول غوغان مع شمعة وكتاب على مقعده. يجسد الكرسيان حوارا بصريا بين فان غوغ وغوغان ويعكسان علاقتهما المعقدة واختلافاتهما الفنية والشخصية. المعرض يشكل رحلة عبر المسارات الظليلة والنباتات البرية في خيال معقد ومحتدم. في لوحة “حديقة الشاعر” يصور منظرا لحديقة صغيرة عبر الطريق من “البيت الأصفر”. المكان عادي حيث يبحث الناس عن الظل، لكن في لوحاته المتكررة، تتخذ الأشجار أشكالا غامضة ومهيمنة، ويصبح الأشخاص الذين يمشون تحتها مشحونين بالمشاعر، بينما يركز اهتمامه وحبه على كل امرأة ورجل. HENRY NICHOLLS / AFP / زوار يشاهدون لوحة “غرفة النوم” (1889) و”بورتريه ذاتي” (1889) خلال العرض الصحافي لمعرض “فان غوغ: الشعراء والعشاق” في المعرض الوطني بلندن عزف بالألوان على القماش في الثامن من مايو/ أيار 1889 دخل فنسنت مصحة “سان ريمي” وهي دير قديم تحول إلى مستشفى للأمراض العقلية ولا يزال قائما، وبقي فيه ما يقارب السنة، عانى فيه نوبات من الاضطراب العقلي أعقباها فترات هدوء كان يستغلها برسم الطبيعة وفناءات المستشفى. في لوحته العظيمة “باحة المستشفى في سان ريمي”، يمشي النزلاء بحزن بجانب المبنى الأصفر المنخفض، بينما تتسلق الأشجار الحلزونية نحو السماء، وأمواج أوراقها الخضراء الشائكة تندمج في سماء تتحول إلى أزرق غامق كلما صعدت بنظرك. في مصحة “سان ريمي” أصبح أسلوبه أكثر حرية وجرأة. تمتلئ قاعة منفصلة من المعرض بالمناظر الطبيعية التي رسمها حول “سان ريمي” والتي تقترب من التجريد الكامل: في لوحة “أشجار الزيتون”، تنفجر الأرض في أمواج مثل البحر، ترقص الأشجار، والغيوم تدور حرة من القواعد. كأنه يؤنسن أشجار الزيتون فهي فضية، وأحيانا تكون زرقاء، وأحيانا تميل إلى الخضرة. كتب إلى ثيو وهو في المصحة: “فرشاتي تنساب بين أصابعي كما ينساب القوس على الكمان”. تتخذ الأشجار أشكالا غامضة ومهيمنة، ويصبح الأشخاص الذين يمشون تحتها مشحونين بالمشاعر بينما يركز اهتمامه وحبه على كل امرأة ورجل يكتشف الزائر أن فان غوغ هو أول حداثي متمرّد تماما على القواعد، ويزداد تمردا مع مرور الوقت، بل حتى موته لم يوقف تمرده. إذ عمل لسنوات على دراسة الفن ذاتيا وتمرّن على مزج الألوان الفاقعة كما كان الحائكون يدمجون خيوط النسيج في مدينته نيوين في هولندا، قبل أن يلتقي الانطباعيين في باريس. في غضون أسابيع من وصوله إلى أرل، أخذ أفكار الانطباعيين إلى مستوى آخر تماما. لوحته “الزارع” (1888): فتى يبذر الحبوب وخلفه قرص شمس هائلة، كأنها هالة مقدسة تحيطه، في حقل مغطى باللون الأرجواني. وبحسب فان غوغ، “الزارع” أهم اعماله من تلك الفترة، كتب إلى ثيو: “هناك العديد من المساحات الصفراء في التربة… لكني لا أكترث لما هي الألوان في الواقع.”. عالم فنسنت بجانب “الزارع” تُعرَض “الليل المرصع بالنجوم فوق نهر الرون” وهي لوحة تأخذك إلى السماء وتجعلك تطفو: سطوع النجوم المذهل التي تبدو قريبة جدا، يجعل الأرض تحتها حالمة وغامضة. الواقع ليس حقيقيا. الرؤية هي الحقيقة، ودائما هناك عاشقان يؤثثان المشهد. تأخذك هذه اللوحات بعيدا من ذاتك إلى عالم فنسنت، تمعن النظر في “بورتريه شخصي” له، 1889، يبادلك النظرات بتلك العينين الياقوتيتين، مرتديا مئزرا أزرق في سماء زرقاء متموجة. ثم بشيء من السحر والانبهار، تقودك روح فنسنت الجامحة وتضعك داخل البيت الأصفر. ترى هذا المنزل المربع الصغير من الخارج وبجانبه الحانة التي كان يرتادها في لوحته الشهيرة. ثم تدخل من خلال بابه الأمامي الأخضر حيث “كرسي فنسنت” هو صورة ذاتية مؤلمة ورمزية: كرسي خشبي مع مقعد من القش وعليه غليونه وتبغه. ثم تصل إلى “غرفة النوم”، وهي تجسيد دافئ لغرفته الخاصة مع سريرها الخشبي المتين والمريح الذي يبدو أنه يرحب بك. في النهاية، لا يكفي تحليل فنسنت. يجب أن نحبه. كان يتوق إلى ذلك وقد استحقه وبطاقات الدخول المبيعة مسبقا لهذا المعرض خير دليل على ذلك نعرف جميعا نهايته الصاخبة والمحتدمة. فالمثالية التي حاول تحقيقها في البيت الأصفر، لم تحتمل صدمة المشاركة مع غوغان. وبعد أشهر من مغادرته مصحة “سان ريمي” انتهى به الحال منتحرا في أحد حقول “أوفير”. لكن هذا المعرض، مكرس لتحقيق حلم فنسنت عن أرل وحدائقها وليلها المرصع بالنجوم والبيت الأصفر وجبال “سان ريمي” وحقول الزيتون والقمح فيها. توقيعه “فنسنت”، جلي في كل اللوحات. هكذا نشعر بالقرب من عقله المصاب بالدوار مثل ضربات فرشاته. في النهاية، لا يكفي تحليل فنسنت. يجب أن نحبه. كان يتوق إلى ذلك وقد استحقه وبطاقات الدخول المبيعة مسبقا الى هذا المعرض خير دليل على ذلك. المزيد عن: / ة فن تشكيلي اللوحات معارض لندن 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دعم فدرالي لجعل مرفأ هاليفاكس أكثر فعاليةً وصداقةً للبيئة next post منير الربيع يكتب عن: برّي يرفض فصله عن “حزب الله”: حكومة الـ1701 الصعبة You may also like من إصدارات فبراير البريطانية: تدريب الفيلة وسيرة ديكنز 7 فبراير، 2025 إميل زولا يرصد أحوال الموتى الفرنسيين لقرائه الروس 7 فبراير، 2025 عندما توحد الموسيقى الشعوب وتفرق بينها 7 فبراير، 2025 “الموناليزا”… تحفة البشرية الخالدة تغير عنوانها 7 فبراير، 2025 الجسد الأمومي مرجع وجودي يحتفي به الشعر 6 فبراير، 2025 هوليوود بعد وادي السيليكون تخنع أيضا لـترمب 6 فبراير، 2025 لويز بروكس تختتم السينما الصامتة بتحفتها “لولو” 6 فبراير، 2025 “فرصة العيش” كما ناقشها الفلاسفة وقالوا بها 6 فبراير، 2025 “خطيبة للبيع” أوبرا هزلية تشيكية تحولت إلى رمز... 5 فبراير، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: =هل الشعر والفن قابلان... 5 فبراير، 2025