لوحة نهضوية تتخيل جدالاً سفسطائياً (غيتي) ثقافة و فنون السفسطائيون فلاسفة حقيقيون افترى عليهم أفلاطون فأنصفهم هيغل by admin 7 أغسطس، 2023 written by admin 7 أغسطس، 2023 185 ظهروا مع الديمقراطية الأثينية وعلموا الشباب فن الحكم وكيف تكون الفصاحة مقابل أجر اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب “السفسطائيون هم معلمو اليونان، معلمون من طريقهم وصلت الثقافة إلى بلاد الإغريق بالمعنى الحرفي للكلمة، فهم حلوا مكان الشعراء والحكاؤون الذين كانوا هم قبل ذلك معلمي الكون، وكان ذلك حين لم يكن الدين تعليمياً بعد، والتعليم لا يزال غائباً، صحيح أنه كان ثمة في ذلك الحين كهنة يقدمون الأضاحي ويرددون نبوءات العرافين مؤولين ما يفتي به هؤلاء، لكن ذلك كان شيئاً آخر غير التعليم والتثقيف، لكن السفسطائيين، ومنذ ظهورهم، جاءوا حاملين الحكمة والعلم بشكل عام إضافة إلى الموسيقى والعلوم الرياضية… وغيرها. وكان ذلك قدرهم منذ البداية، منذ ما قبل بريكليس وجدت على أي حال الحاجة إلى ثقافة تلجأ إلى أعمال الفكر، شعر البشر أنهم في حاجة إلى أن يتكون فكرهم عبر ما باتوا يحملونه من تمثلات، وكان ذلك الهدف الذي سعى السفسطائيون لتحقيقه، كان يقوم على التكفل بمهمة نشر الثقافة، وتحديداً على الاستجابة إلى ضرورة تحديد الفكر الإنساني بالعلاقة مع مواقف محددة ومتنوعة لا تتحدد فقط من طريق العرافين والأهواء والأعراف…”. سقراط يخوض جدالات غير سفسطائية (غيتي) قائل هذا الكلام هو الفيلسوف الألماني هيغل الذي لا يمكن التعامل مع فكره عادة إلا بوصفه مرجعاً، وهو قاله في واحد من كتبه الأقل إثارة للجدل “دروس حول فلسفة التاريخ”، ولسنا في حاجة هنا طبعاً إلى الإشارة إلى الزوبعة التي أثارها عند بدايات القرن الـ19 هذا التوصيف للسفسطائيين يأتي على الضد من الصورة المعهودة ومنذ ألفيات عديدة لتلك المجموعة من المفكرين الإغريقيين الذين عرفوا دائماً بلقب السفسطائيين ولم يتوقف “الافتراء عليهم” منذ ذلك الحين. أصحاب فكر ملعون ويمكننا أن نتصور طبعاً على أي حال أن هيغل لم يكن أول من أنصف تلك الطائفة من أصحاب الفكر “الملعون”، فكثر حاولوا ذلك قبل صاحب “فينومينولوجيا الروح”، وكثر سوف يحاولون من بعده، ولكن ما من واحد من سابقيه في المحاولة كان له وزن فكري يماثل وزنه، أما الذين سيأتون من بعده متكاثرين فإنهم إنما كرروا ما قاله، لا سيما حين ختم كلامه ذاك قائلاً، إن السفسطائيين ومهما كان من أمرهم “خدموا الزمن الذي عاشوا فيه، فأيقظوا الفكر الإنساني من سباته لكن الحاجة إليهم في الأزمان الأولية لم تعد موجودة”، بالتالي، جعلهم لحظة عابرة في تاريخ الفلسفة وليس جزءاً متواصلاً من سيرورتها، والواقع أنهم في حقيقة أمرهم كانوا كذلك بالفعل، لكن هذا الدور لم يكن دوراً ضئيلاً، ففي نهاية الأمر، قد يكون في وسعنا أن نقول إنه كان من شأن الفيلسوف المؤسس سقراط أن يبدو في مجرى التاريخ صاحب دور لا يزيد كثيراً على دور السفسطائيين كما يحدده هيغل، لولا أمران كان كل منهما جللاً: فمن ناحية حاكمت أثينا سقراط وأعدمته ما أحاط ذكراه بهالة كان يفتقر تاريخه الفلسفي إليها باعتباره شهيد الفكر الفلسفي الأول، وثانيهما أن سقراط قد قيض له مؤسس كبير من مؤسسي الفلسفة هو أفلاطون، كرس جزءاً كبيراً من كتاباته الحوارية العظيمة لتمجيده ما أعطى الإنسانية دائماً انطباعاً بأن ثمة متناً كتابياً كبيراً يحمل فكر سقراط وسيرة حياته أيضاً، وهو ما لم يقيض للسفسطائيين كما نعرف، وربما يكونون هم المسؤولين عن ذلك. سقراط بين الضفادع والسحب ولنوضح هذا الأمر: فأريستوفان، الكاتب المسرحي الساخر، لا يتوانى في مسرحيته “السحب” عن وضع سقراط في خانة السفسطائيين معتبراً كل ما قاله كلاماً لا معنى له بل “نقيق ضفادع يتوه في السحب”، وربما تكون تلك على أي حال النظرة العامة التي سادت منذ أفلاطون إنما من دون أن تشمل سقراط، فبالنسبة إلى أفلاطون كان سقراط ضد السفسطائيين ونراه في عدد لا بأس به من المحاورات السقراطية كما كتبها أفلاطون يجابههم حجة بحجة لا سيما كما يفعل بالنسبة إلى غورغياس ذلك السفسطائي الذي جعله أفلاطون الأشهر، حين يجادله سقراط بالنسبة إلى مسألة الفصاحة “ريتوريكا” التي هي عماد الممارسة السفسطائية، غير أن غورغياس لم يكن وحده، كان هناك أيضاً، لدى أفلاطون، بارمينيدس، وهيبياس الذي لم يجد الفيلسوف مفراً من أن يكرس له حوارين “هيبياس الصغير” و”هيبياس الكبير”، وهي كلها حوارات تعرف بالسقراطية كون المعلم سقراط يجادلهم فيها، لكن التاريخ أبقى لنا، بقلم ديوجين اللايرسي كما بقلم غيره، ذكراً ومقاطع من نحو 20 آخرين لا نعثر على أثر لهم لدى صاحب “الجمهورية” ومن بينهم إلى ما ذكرنا، أنتيفون وخينياد وليكوفرون وبروديكوس وكريسياس… فها يمكننا الاستخلاص هنا إن هؤلاء كانوا يشكلون تياراً فكرياً متجانساً؟ على الإطلاق، إذ لو كانوا كذلك لصح اعتبار سقراط واحداً منهم كما يزعم أريستوفان. ممارسة عملية في الحقيقة أن السفسطائية، وبعد كل شيء، ممارسة عملية في الحيز الفكري، أي إن السفسطائيين، ومن دون أن يعيشوا في مرحلة زمنية واحدة، أو حتى في مكان واحد، كانوا مجرد مفكرين مهنتهم تدريس الحكمة “صوفيا” من دون أن يعني هذا أنهم من محبيها (فيلو – صوفيين، أي فلاسفة بالعربية بالتالي)، وهم في هذا يفرقون عن سقراط بينما يتشابهون معه في الممارسة الأساسية: أي تعليم شباب أثينا الفصاحة وممارسة الجدل الفكري، حتى وإن كان ثمة فارق أساسي بين سقراط وبينهم يكمن في أنهم كانوا يقبضون أجراً مقابل ما يفعلون لا سيما من الشبان أبناء العائلات الثرية أو ذات النفوذ من الذين تعدهم أسرهم للدخول في دوائر الحكم والسلطة، ولعل هذا الأمر الذي يجدر بنا اعتباره أساسياً، هو الذي يفسر ظهورهم إبان استتباب الحكم “الديمقراطي” في أثينا، وربما في غيرها أيضاً من المناطق الإغريقية، فهم، بفضل إمكانات كانت متاحة لهم كي يمارسوا مهنتهم من دون خوف من رقابة ومن سلطة تعسفية، كان يمكنهم بالتالي أن يتجولوا في الشوارع والمحافل لا سيما في ساحات “الأغورا” ملتقطين الشبان لتعليمهم فنون خوض الحكمة والسياسة، إن لم يكن الحكمة والسياسة ومذاهبهما بالتحديد، من دون خشية من رقابة أو سلطة، فهل يمكننا أن نستنتج من هذا أن سقراط إنما كان في ذلك السياق نفسه ضحية لانتهاء العهد “الديمقراطي”؟ استخدام أفلاطوني مبتكر وموفق سؤال لا بد دائماً من طرحه حتى ولو أن كثراً يقولون، إن العهد الديمقراطي هو الذي حكم على سقراط بالإعدام! مهما يكن ليس هذا موضوعنا هنا. موضوعنا هو تلك المجموعة من المعلمين الذين يصعب القول إنهم كانوا، بعد كل شيء، يحملون منظومة فكرية محددة، كانوا مجرد معلمين للفصاحة يدعون إتقان تقنياتها، فليتلقاها تلامذتهم بصرف النظر عما يكون محمولهم الفكري أو المذهب الذي يؤمنون به، وهم كانوا، لا سيما خلال القرن الخامس قبل الميلاد حيث ظهروا ومارسوا مهنتهم، جوالين يدورون من مدينة إلى أخرى، وكل منهم يمارس عمله منفرداً بحيث ليس ثمة نصوص تتحدث عن لقاءات بينهم، وطبعاً باستثناء محاورات أفلاطون حيث قد يلتقون لكنهم، بخاصة، يلتقون سقراط وأحياناً بحضور أفلاطون، وهناك طبعاً دائماً ما يفحمهم سقراط وهو يستخلص أجوبتهم من داخل فكرهم ويبين لهم خطأها! ويبقى أن نختم هذا الكلام بالقول إن ما كان يعزز قدرة السفسطائيين التعليمية، كانت الحاجة إليهم، حتى باعتراف سقراط وأفلاطون، فهم من دون غيرهم، كانوا ماهرين في تعليم التقنيات الخطابية في مجتمع كان من الواضح فيه أن من يصل إلى أعلى المناصب إنما هو ذاك الذي يملك القدرة الأفضل على الكلام، ويقيناً أن عظمة سقراط، كما يصورها لنا أفلاطون، تكمن في تفوقه في تلك “الحرفة” نفسها: حرفة الكلام والإقناع، على المعلمين الأكثر براعة فيه، أي السفسطائيين تحديداً. وهنا يمكننا أن نقول: لا شك أن أفلاطون اخترع تلك المحاورات من ألفها إلى يائها لمجرد أن يظهر براعة أستاذه الكبير كما يظهر تميزه عن معلمين كان يدرك خطورة المماهاة بينه وبينهم لا أكثر. المزيد عن: السفسطائيونالفيلسوف الألماني هيغلالفيلسوف سقراطأريستوفانأفلاطونمعلمو اليونان 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تحذير بريطاني من وصف أدوية “السكري” لتخفيض الوزن next post وفاة مهندس مسيرات الحوثي ومصادر تؤكد تصفيته You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024