ثقافة و فنونعربي “الزندالي” أغان تونسية على وقع آهات السجون by admin 25 أبريل، 2023 written by admin 25 أبريل، 2023 18 تنفر منها النخب وتزامن ظهورها مع انتشار فن المزود وعبر بها السجناء عما يختلج بصدورهم من شوق للأهل والأحباب اندبندنت عربية \ حمادي معمري صحفي تونسي اختزلت “أغاني السجون” في تونس عذابات السجن، وبطولات عدد من السجناء، حيث تتشكل الكلمات في الغرف الرطبة والموصدة، ووراء الأسوار العالية المحروسة، لتحول الغربة السجنية القاسية إلى آهات مشحونة بشعر الفخر والحب واللوعة والتوق إلى الحرية. ومثلت أغاني السجون ملاذ السجناء في منتصف القرن الماضي للتعبير عما يختلج بصدورهم من شوق للأم والأهل أو الحبيبة، كما هي أيضاً تعبير رمزي عن الفتوة وحب الوطن وانتظار العفو من السلطة للإفلات من عذابات السجن. وتزامن ظهور أغاني “الزندالي” في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مع انتشار فن “المزود” بخاصة في الأحياء الشعبية، حيث يتغنى البعض بفتوتهم أو ما يعرف في تونس بـ”الباندية”، لذلك ظل هذا الفن هامشاً ثقافياً تونسياً تنفر منه النخب بل تصنفه دونياً، وترفض الاعتراف به، فظل حبيس الجلسات الخاصة من دون استثماره أو إعادة توزيعه أو بثه في الإذاعات والتلفزات. “الزندالي” ترنيمات المحنة والفتوة وفي تسعينيات القرن الماضي نفض عرض “النوبة” لفاضل الجزيري الغبار عن هذا الموروث الشعبي المنسي والمنبوذ، عندما قدم عدد من الفنانين أغاني السجون للجمهور، في عرض كانت له مقبولية جماهيرية. وعبارة “الزندالي” مشتقة من “زندالة” وتعني السجن، وهي من تأثيرات الحكم العثماني لتونس، و”الزندالي” موسيقى تعبر عن مجتمع الهامش المنبوذ والموصوم اجتماعياً (السجناء والباندية)، لذلك ينظر إلى موسيقى المزود الذي استوعب أغلب أغاني السجون إلى اليوم على أنها موسيقى “هابطة” لا ترقى إلى مستوى بقية المدونات الموسيقية. رقصة “الزوفري” ومن رحم المزود نشأت رقصة “الزوفري” وهي تعبيرة موسيقية راقصة عن وضع العمال ((ouvrier وتسمى “رقصة العمال” التي يحضر فيها “الدنقري”، وهو لباس للعمال ذاع صيته ستينيات القرن الماضي، ويرتديه عمال الأرصفة والبحارة والفلاحون وأيضاً “الباندية” أي الفتوة، وكذلك معتنقو الفكر اليساري لارتباطه بسردية الطبقة الكادحة، وكان هذا اللباس ممنوعاً في المؤسسات العمومية. وخارج السجن كان ينظر إلى من يتغنى بـ”الزنداليات” بأنهم مارقون، لذلك تنفر النخب من سماع المزود وكل ما يحيط به من أغان تعبر عن المحنة بمختلف تمظهراتها وتعبيراتها. الكاتب والحقوقي محمد صالح فليس، مؤلف كتاب “سجين في وطني”، قبع لسنوات بالسجون التونسية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وعايش أوج تطور أغاني السجون. يقول في تصريح لـ”اندبندنت عربية” إن “تونس ورثت السجون عن المستعمر الفرنسي، وكانت أغلبها تفتقر إلى أساسات الحياة الكريمة، وأسهم هذا الوضع في ازدهار الأغاني والقصائد، إذ لم تكن هناك وسائل للترفيه غير نظم أبيات من الشعر الغنائي الذي يتباهى به ناظمه أمام بقية السجناء”. وتابع “كما ورثت تونس بعض السجون التاريخية التي بناها العثمانيون، وكان يطلق عليها (الزندالة) أو (الكراكة) وكانت سجوناً في منتهى الفظاعة والانحطاط، قائمة على الإيذاء والتسلط”. ويضيف صالح فليس “في غياب الإذاعة والتلفزة والصحف في السجون، بخاصة في الستينيات والسبعينيات كانت الرواية الشفوية الطاغية بين السجناء، حيث يقدم السجين قصائده التي يبدع في نظمها، وهؤلاء الشعراء أو (الباندية) كانت لهم أغانيهم وكل (باندي) يتغنى بأغنيته التي تسرد خصاله وتتغنى بفتوته”. أغنية “مجدة” تفضح ممارسات القضاء ويذكر فليس من تلك الأغاني أغنية “مجدة” اختصاراً لاسم عبدالمجيد وهو أحد الباندية، وتقول كلماتها “قالوا مجدة مشى وغبر، من تونس تمحى اسمه ماعادش يتذكر، اسمه مشى وتفي عند وكيل الجمهورية”. أي إن عبدالمجيد قبض عليه وسيحاكم، من قبل وكيل الجمهورية الذي ذكر اسمه في الأغنية وهو “محمد فرحات”. ويستدعي فليس أحد “باندية” تونس العاصمة قديماً، وهو الهادي الشنوفي، وله أغنية تقول “يا ناس يا ناس راني مظلوم”. ويسرد مكامن قوته وهو رجل صاحب مواقف. وعرفت أغاني السجون بداية فتورها مع السماح بدخول التلفاز والمذياع والصحف إلى السجون التونسية، فلم تعد المشافهة والرواية ملاذ المساجين، بل استحوذت وسائل الإعلام على أغلب أوقاتهم من خلال متابعة أخبار الرياضة والمسلسلات والأفلام، فيجد كل سجين ضالته، لذلك تقلص الشفوي بشكل لافت. أشهر أغاني السجون اشتهرت أغنية “إرض علينا يالميمة رانا مضامين”، لصالح الفرزيط، وتعني “رضاك يا أمي نحن مظلومون”. وطالب من خلالها باسترجاع حقوقه بعد أن غادر السجن في 1976، إلا أن المجتمع رفضه ولم يتمكن من الحصول على شغل. يقول صالح الفرزيط في حديثه لنا، إن “أغاني السجون أكلها النسيان، ولم يتم استثمارها كموروث شعبي له دلالاته، ويحمل في طياته قصصاً حزينة”. ودعا الفرزيط إلى “تدوين هذه الأغاني، وحفظها للذاكرة الوطنية، وللأجيال القادمة لأنها تختزل مرحلة مهمة من تاريخ تونس“. وتعتبر أغنية (الصبابة ولو باندية) واحدة من أشهر الأغاني الشعبية في تونس التي خرجت من أكثر السجون التونسية فظاعة وهو سجن برج الرومي في بنزرت، ويأوي أصحاب الأحكام القضائية التي تفوق 20 سنة. ولا تقتصر أغاني “الزندال” على الفن الشعبي، بل تعدتها كذلك إلى الوتري كأغنية “يا فاطمة بعد النكد والغصة” التي عرف بها الشيخ العفريت. قصة أغنية “ميقودة” أما عن أشهر الأغاني شعبية فهي أغنية “ميقودة” التي أداها عديد من الفنانين الشعبيين في تونس، ووفق الروايات المتداولة فإن الأغنية تحكي قصة رجل قضى مدة طويلة ومؤلمة في السجن، وكانت له زوجة جميلة يحبها كثيراً، وظلت وفية له وتزوره، إلى أن رمقها مدير السجن، وبدأ يتقرب منها ويقنعها بأن تترك زوجها السجين حتى لا تخسر شبابها، ونجح في إقناعها وتزوجها، فحزن الرجل لغياب زوجته، وأصابه ألم شديد من غيابها، وكان من عادة مدير السجن أن يستغل السجناء، للقيام بأشغال في منزله من دون مقابل. وذات يوم كان ذلك الزوج يستظل، تحت شجرة، فلمحته زوجة المدير، واقتربت منه لتقدم له الماء، فاكتشف هول الفاجعة، وعند عودته إلى الزنزانة، ظل يردد “نيران جاشي شاعلة ميقودة”، إلى أن أتم قصيدته من فرط عذابه، وظل رفاقه في السجن يرددون الأغنية من دون أن يعلموا قصتها. وقبل الإفراج عن الرجل بعد سنوات طويلة قضاها وراء القضبان، طلب منه أصدقاؤه أن يكشف سر القصيدة، فروى قصة الأغنية التي بقيت محفورة في الذاكرة الشعبية ويؤديها الفنانون الشعبيون إلى اليوم. بقي فن “الزندالي” في تونس منبوذاً لاقترانه بالسجن و”الباندية” (الفتوات)، وبقي لسنوات مقصياً من الحياة الثقافية لأسباب سياسية ومجتمعية، إلا أن عدداً من المبدعين أعادوا تقديمه إلى الجمهور مثل عرض “النوبة” للفاضل الجزيري أو عرض “الزندالي” لسامي اللجمي، ليشكل محاولة لاستعادة الهوية الوطنية الثقافية، بينما يبقى جزء مهم من هذا التراث الشفوي مغموراً أو اندثر لعدم تدوينه. المزيد عن: تونس\أغاني السجون\الزندالي\المستعمر الفرنسي\المزود\فولكلور\تاريخ تونس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Treasury Board sends open letter to Canadians on talks with union amid ongoing strike next post بالإيرادات… السينما السعودية تربح الجمهور وتتصدر الصناعة You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024