ثقافة و فنونعربي الروائية ياسمينة صالح ترصد تحولات الجزائر وأزماتها منذ الاستقلال by admin 7 نوفمبر، 2020 written by admin 7 نوفمبر، 2020 34 “كحقل مليء بالفراشات” رواية تقارب التاريخ السياسي والاجتماعي برؤية نقدية اندبندنت عربية / يوسف ضمرة ليست رواية “كحقل مليء بالفراشات” للكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح (دار فضاءات 2020) تأريخاً للثورة الجزائرية. ليست مديحاً ولا هجاء، إنها حكاية رجل وجد نفسه المتعالية كإقطاعي يتنقل من حقل إلى آخر، حيناً بإرادته وأحياناً من دون إرادته أو رغبته. رجل انتقل من إقطاعي كبير في بلدة “باراناس” بالجزائر إلى ثائر في الجبال، وجد نفسه مرغماً على عبور تلك المسافة. لم يكن مؤمناً بالثورة ولا معنياً بها، لكن الحياة لا تسير دائماً وفق مشيئتنا. لكن أهم ما جاء في الرواية هو صوت الجيل اللاحق لجيل الثورة، وهو الجيل الذي رأيناه في الشوارع أخيراً، يطالب بإسقاط من سماهم بالديناصورات الذين تشبثوا بالسلطة، على الرغم من أن كثيراً منهم لم يكن من أبناء الثورة بحق، بل استغل الثورة حين أتيحت له الفرصة مثل سي السعيد الإقطاعي. والمفاجأة الكبرى أن ابنته التي رفضت دراسة الطب واختارت الفن التشكيلي، أصبحت واحدة من الإعلاميين الذين يهاجمون الطاقم المهترئ الممسك بجبهة التحرير، بوصفها القَدر الجزائري الذي لا ينبغي لأحد الخروج عليه، أو رفضه أو حتى انتقاده. يتعامل سي السعيد الإقطاعي مع العمال الجزائريين بفظاظة وقسوة مفرطتين. لا يهتم بشؤون العمال في أرضه، ولا يفكر إلا في رفاهيته ورغباته، لكن نقطة التحول التي غيرت مسار حياته تمثلت في وصول عمر أستاذ المدرسة. لقد فوجئ سي السعيد بتصرفات عمر التي تنم عن معاملة الند للند، وهو ما جعل سي السعيد يتقبل الأمر لأنه لم يحدث من قبل مع أحد آخر سوى شيخ زاهد في البلدة. إقطاعيون ومزارعون لا تنطوي الرواية على أساليب غريبة أو جديدة، فالروائية اكتفت بتقنية الفلاش باك، حيث بدأت روايتها من نهايتها، لتعود لنا في فصول قصيرة إلى تاريخ الإقطاعي وجده، من دون أن نعرف كيف أصبح إقطاعياً. وهو أمر غالباً ما يحدث في الروايات، كأن الإقطاعي يولد إقطاعياً بجذور إقطاعية لا نعرف من غرسها في الأرض ذات يوم، وهذه تكاد تكون حقيقة في الرواية العربية. فمصائر الشخوص دائماً محددة ومعروفة باستثناء هؤلاء الأسياد، فمن يُدعى بلقاسم شبه الحيوان البري، يعمل عند سي السعيد، أو للدقة، يختاره سي السعيد للإفراط في قمع العمال الفقراء، والمزارعين البسطاء. لكن بلقاسم بقيام الثورة يلتحق بها، ويصبح نتيجة صفاته القوية وشجاعته أحد قادتها. وهذا الرجل الذي كان سي السعيد يأنف من رؤيته من قبل، يجد نفسه يوماً ما في أحضان بلقاسم في أحد الجبال، مرحباً به كمقاتل من أجل الجزائر. وما يحدث لبلقاسم يحدث لآخرين، ومنهم سي السعيد نفسه لاحقاً، أي حين تصل الثورة إلى “براناس” نفسها من طريق المدرس عمر الذي دخل إلى عالم الإقطاعي من باب التعليم، مؤكداً أن كبار البلدة أكدوا له أن سي السعيد لن يخذله في تأمين المتطلبات الضرورية كي تتاح الفرصة لأبناء البلدة في التعلم. حين تأتي ابنة سي السعيد من فرنسا في زيارة خاطفة، تبدأ حكايات الرجل في التداعي شيئاً فشيئاً. نكتشف أن خلافاً عميقاً نشب بين الاثنين منذ زمن. فإضافة إلى عدم اهتمامه بها إلا من قبيل إظهار قوته ونفوذه، فإنها مع نضجها تكتشف أن أباها وأمثاله امتطوا ثورة المليون شهيد، ليحققوا رغباتهم الذاتية. وحتى عندما وجدوا أنفسهم في الجبال مرغمين بسبب الظروف الموضوعية لا الذاتية، وتمكنوا من استنشاق شذى الثورة المليء بالحرية، ظل في دواخلهم ذلك الجانب الذاتي الذي قاد البلاد لاحقاً بعد التحرير إلى كوارث، ليس أقلها معدلات الفقر والجوع والقمع الذي ظلت السلطة الحاكمة منذ التحرير تمارسه من دون توقف. رواية ياسمينة صالح (دار فضاءات) يختلف التحرير عن البناء، وهذا يذكرنا بالبريطانيين الذين أسقطوا ونستون تشرشل في الانتخابات مباشرة بعد انتهاء الحرب الثانية التي انتصر فيها وكان بمثابة بطل. فالناس الذين ثاروا ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر هم فقراء الجزائر ومهمشوها، ومحبوها بلداً مستقلاً وحراً، يبيح لهم ولأبنائهم حياة هانئة وتعليماً جيداً وحرية، من دون سوط أو تعذيب أو مجازر. لكن ابنة سي السعيد اكتفت كغيرها من الشباب الجزائري أن على هؤلاء الزعماء أن ينقرضوا، وقد سمتهم بالديناصورات، وهي تعلم أن والدها واحد من كبرائهم، بدليل اختيار الحزب الحاكم له مرشحاً للانتخابات كرئيس مقبل للدولة. تلعب المصادفات دورها في الرواية، وهو أمر طبيعي في الحياة التي تفاجئنا دائماً بما لا يخطر ببال أحد، فلا أحد لديه مفتاح لطرق يختارها دائماً بإرادته. فحين جاء عمر وتوطدت العلاقة بينه وبين سي السعيد، يتعرف الأخير إلى شقيقته التي تهز كيانه، مما يجعل العلاقة بينهما تتوطد أكثر بفضل رغبات سي السعيد هذه المرة. لا يمكن القول إن سي السيد أصبح يحب الأستاذ عمر، فالرجل الإقطاعي اعتاد التفوق والتعالي، لكن شغفه بالفتاة الجديدة جعله يتخلى عن بعض التعالي في علاقته بالأستاذ وشقيقته. هذا التنازل بدوره جعل الأستاذ عمر يقترب أكثر إلى أن فاجأه ذات يوم وبانفعال أنه يريد منه خدمة، لنكتشف أن عمر أراد إخفاء أحد الثوار في منزل الإقطاعي. وما بين رغبته في النأي بنفسه عن الثورة، ورغبته في الفتاة، ينحاز أخيراً إلى حبه الذي لم يكن يفكر يوماً أنه سيواجهه. نحن أمام شخصية تتبع رغباتها، ورغباتها تقودها أحياناً إلى مناطق وعرة في الحياة. فلم يكن سي السعيد مقتنعاً بالثورة كالثوار الحقيقيين الذين يدركون أن الموت قريب منهم. لكنه حين يدهم الفرنسيون منزله يضطر في صحبة اثنين آخرين بينهما الرجل المختبئ للهرب، ليقوداه إلى جبال الثوار، ويتساوى هناك مع بلقاسم ورجال فقراء ومعدمين يسعون إلى تحرير البلاد، وهو الأمر الذي لم يكن مقتنعاً بإمكان حدوثه. مشاعر متناقضة اعتاد سي السعيد على الفوز والظفر بما يريد، ولذلك فوجئ حين تعرف إلى قائده بأنه يحمل بين مقتنياته في الجبل صورة لجميلة، شقيقة الأستاذ عمر. هكذا تتنازع سي السعيد مشاعر متناقضة، فهو من جهة كان يحب قائده بوضوح، ويتوق للقاء جميلة من جهة أخرى، ويشعر الآن بأن قائده هو خصمه ورفيقه في الوقت نفسه. يقرر بينه وبين نفسه أن يظفر بجميلة، لكن قائده يموت في إحدى المعارك ويسلمه قبل موته مقتنياته، ويبلغ جميلة بالأمر. تلوح بشائر التحرير، ويتم إرسال سي السعيد إلى الجزائر العاصمة، فيلتقي جميلة وشقيقها عمر الذي تسلم وظيفة إعلامية في الحزب. لم يكن سي السعيد يشعر بالانتصار، حتى بعد وفاة قائده رشيد، فالحياة لا تسير وفق مشيئتنا بالطبع. لكنه يود لو انتصر على قائده رشيد بطريقة أخرى، فهذا الانتصار لم يفتح له الطريق إلى قلب جميلة التي يموت أخوها عمر، وتظل وحيدة في ما بعد، فتقبل به زوجاً. لا تخبرنا الرواية شيئاً عن حياتهما معاً، ويبدو أن تلك التفاصيل ليست مهمة إلا في مسألتين، إنجاب جميلة ابنتهما فاطمة وابنهما رشيد، ثم وفاتها بعد ولادة رشيد، وباستثناء ذلك لا نعرف كيف كانت العلاقة بينهما في المنزل، ولا نعرف إن كان سي السعيد يتعامل في المنزل معاملة المنتصر المظفر. ففي حبه جانب من الرغبة في التملك التي لا تفارق هؤلا الناس، إضافة إلى الشعور الدئم بالتفوق، فهو امتعض وشعر بالبغض تجاه ولده، لأن جميلة اختارت له اسم رشيد، الذي يموت شاباً لإهمال والده له، إذ يلجأ إلى المخدرات هرباً من كآبته وشعوره بالنبذ من قبل أبيه. ثمة فارق كبير بين رشيد القائد والثائر بالصدفة سي السعيد، فالأول كان معنياً بتحرير بلاده انتصاراً لناسها الفقراء والمهمشين، والثاني ظل يبحث عن انتصارات ذاتية حتى وهو يواجه الموت. ولذلك لا نستغرب إصرار جميلة على تسمية ابنها باسم رشيد، لأنها كانت تعرف منذ التقت سي السعيد في بلدته، أن رشيداً صادق في مشاعره تجاهها وتجاه البلاد، على عكس الرجل الإقطاعي الذي “قتل” ولده إرضاء لغروره وتعاليه، واختارت ابنته المنفى لمحاربة أبيها ومن هم على شاكلته، لأن تحرير البلاد لم يكتمل، طالما ظل هو وأمثاله ممسكين بزمام الأمور. المزيد عن: رواية/الثورة الجزائرية/رواية تاريخية/سرد/تخييل/الادب الواقعي 15 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فوريست ويتكر يعتقد أن قضايا “النضال” لم تتغير منذ نصف قرن next post محكمة مصرية تلغي قرار منع عائلة مبارك من التصرف بأموالها You may also like فاز بجائزتي كتارا ونجيب محفوظ.. محمد طرزي: لا... 12 يناير، 2025 عن فلسطين.. في مرآة نعوم تشومسكي وإيلان بابيه 12 يناير، 2025 عودة يوسف حبشي الأشقر رائد الرواية اللبنانية الحديثة 12 يناير، 2025 مأساة ترحيل الجورجيين من روسيا يرويها فيلم “القديم” 12 يناير، 2025 صرخات المصرية جويس منصور في فرنسا 12 يناير، 2025 عندما يتحول التأويل الثقافي حافزا على عدم الفهم 12 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن : الرسام الهولندي موندريان... 12 يناير، 2025 ليلى رستم تسافر إلى “الغرفة المضيئة” في الوجدان 12 يناير، 2025 زنوبيا ملكة تدمر… هل يسقطها المنهج التربوي السوري... 11 يناير، 2025 (15 عرضا) في مهرجان المسرح العربي في مسقط 11 يناير، 2025 15 comments Rufus 7 نوفمبر، 2020 - 5:30 ص Awesome article. my page Jordan’s Reply Stanton 7 نوفمبر، 2020 - 7:19 ص Thank you for another informative website. The place else may I get that type of information written in such a perfect way? I’ve a venture that I am just now running on, and I have been on the look out for such information. my homepage traveler’s notebook passport bullet journal Reply Bryan 7 نوفمبر، 2020 - 8:34 ص Great blog here! Also your site loads up very fast! What web host are you using? Can I get your affiliate link to your host? I wish my site loaded up as quickly as yours lol Feel free to visit my web blog; heliocare Reply Sanford 7 نوفمبر، 2020 - 9:51 ص I the efforts you have put in this, thanks for all the great posts. Feel free to surf to my web-site jordan 23 designs house (http://www.scriptsy.co.uk) Reply Angelika 7 نوفمبر، 2020 - 10:24 ص Unquestionably assume that you stated. Your chosen justification appeared to be about the web the easiest thing to be aware of. I believe that to you personally, I definitely get annoyed while people consider worries that they can just don’t find out about. You was able to hit the nail upon the best and defined out the whole thing without having side-effects , people can have a signal. Will probably come back to obtain additional. Thanks Here is my web-site; EdPSerenil Reply Donnell 7 نوفمبر، 2020 - 2:01 م This article gives clear idea for the new visitors of blogging, that genuinely how you can do blogging and site-building. Feel free to surf to my web blog: college ruled composition notebook bulk Reply Kaylene 7 نوفمبر، 2020 - 2:14 م With havin so much content do you ever run into any issues of plagorism or copyright infringement? My website has a lot of exclusive content I’ve either authored myself or outsourced but it looks like a lot of it is popping it up all over the internet without my agreement. Do you know any techniques to help stop content from being stolen? I’d really appreciate it. Here is my webpage – xem them image skincare vital c hydrating water burst Reply Lurlene 7 نوفمبر، 2020 - 2:46 م But wanna remark that you have a very decent internet site, I love the pattern it really stands out. my site: my pham thalgo cua phap Reply Maritza 7 نوفمبر، 2020 - 2:54 م What i don’t understood is actually how you are no longer really a lot more neatly-liked than you may be right now. You are very intelligent. You already know thus considerably in the case of this topic, made me personally consider it from a lot of numerous angles. Its like women and men don’t seem to be interested unless it’s something to accomplish with Lady gaga! Your individual stuffs excellent. At all times care for it up! my web blog: cach su dung vien uong chong nang heliocare Reply Mauricio 7 نوفمبر، 2020 - 9:45 م Hello I am so sanh vien uong chong nang heliocare voi murad grateful I found your blog, I really found you by mistake, while I was looking on Digg for something else, Nonetheless I am here now and would just like to say thanks a lot for a remarkable post and a all round enjoyable blog (I also love the theme/design), I don’t have time to browse it all at the moment but I have saved it and also added in your RSS feeds, so when I have time I will be back to read a great deal more, Please do keep up the superb job. Reply Etsuko 7 نوفمبر، 2020 - 9:54 م I love looking at and I conceive this website got some genuinely utilitarian stuff on it! My site … heliocare purewhite radiance, http://www.mediazioniapec.it, Reply Jerome 7 نوفمبر، 2020 - 11:12 م I pay a visit day-to-day some blogs and information sites to read articles or reviews, however this website presents quality based writing. My blog: my pham image vital c (Dalene) Reply Erma 7 نوفمبر، 2020 - 11:18 م With havin so much content and articles do you ever run into any issues of plagorism or copyright infringement? My website has a lot of completely unique content I’ve either authored myself or outsourced but it appears a lot of it is popping it up all over the web without my authorization. Do you know any ways to help protect against content from being stolen? I’d definitely appreciate it. Also visit my site … heliocare (forum.ls-territory.net) Reply Leslie 7 نوفمبر، 2020 - 11:24 م Good day I am so sanh vien uong chong nang heliocare voi murad (https://box24-casino.com/forum/profile.php?id=30753) grateful I found your blog page, I really found you by error, while I was browsing on Google for something else, Nonetheless I am here now and would just like to say cheers for a incredible post and a all round thrilling blog (I also love the theme/design), I don’t have time to go through it all at the moment but I have book-marked it and also included your RSS feeds, so when I have time I will be back to read much more, Please do keep up the fantastic work. Reply Helaine 8 نوفمبر، 2020 - 1:03 ص Great blog here! Also your web site loads up very fast! What host are you using? Can I get your affiliate link to your host? I wish my pham thalgo co tot khong (http://www.almanacar.com) website loaded up as fast as yours lol Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.