يروى أن هنري تاندي أنقذ حياة هتلر بمعركة في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى (غيتي/ المقرات الرئيسة لفوج "ديوك أوف ويلينغتون") X FILE الرجل الذي كاد يقتل هتلر وينقذ حياة 70 مليون إنسان by admin 17 أكتوبر، 2024 written by admin 17 أكتوبر، 2024 73 مؤلف سلسلة “تواريخ فظيعة” الرائعة يعود اليوم مع كتاب جديد يستعرض المكاسب (والإخفاقات) الكبرى في التاريخ البريطاني اندبندنت عربية / تيري ديري أنت هنري تاندي جندي بريطاني في خنادق الحرب العالمية الأولى. تهم بالصعود إلى أعلى الخندق لمهاجمة الخنادق الألمانية المقابلة، لكنك جندي محترف وتدرك الأخطار. إذ سبق أن قاتلت ونجوت مرات عديدة من الموت في أكبر معارك الحرب، في “سوم” سنة 1916، أصبت بساقك. وعندما تعافيت عدت للقتال سنة 1917 في ” باشنديل”، الجبهة الأكثر دموية وغرقاً بالوحول، إذ أصبت مجدداً. وفي 28 سبتمبر (أيلول) 1918، تعود للقتال في “قناة سانت كوينتين”. قوات المشاة الألمانية تتقهقر مهزومة. وهي، كنمر جريح، في ذروة خطورتها. وتحت وابل من النيران الكثيفة، تقود أنت هجوماً على بلدة ماركوينغ وتسيطرون على موقع مدفع رشاش. وحين ترون الجسر أمامكم مدمراً، تستقدمون ألواحاً (معدنية) لإصلاحه. وعلى رغم كثافة النيران تسدون فجوة الجسر المتضرر، ويستمر التقدم. أمامكم الآن جنود العدو مكسورين وفي حالة تقهقر. يمكنكم أخذ أسرى، فإنهم عبء عليكم، إذ ينبغي من أحد رفاقكم، أو من أكثر من رفيق، اقتيادهم نحو خطوطكم الخلفية، إذ سيكون على مزيد من رفاقكم المقاتلين تولي حراستهم بدل القتال. كما أن رفاقكم الجرحى سيحرمون من مصادر طبية نادرة كي يجري علاج الأسرى المصابين. وأنت مرهق وتتعرض للإصابة مرة أخرى. سيكون سهلاً أن تتركوهم يهربون. لكن يوماً ما قريباً سيتعافون بما يكفي كي يعيدوا تنظيم صفوفهم ويعودوا لمقاتلتكم. المنطق يفترض أن تطلقوا النار على الألمان المتقهقرين. وأنت جندي محترف، هذا عملك، وقد استطعت النجاة طوال أربع سنوات باهرة مع ميداليات وأوسمة تثبت ذلك. فمن المنطقي إنهاء المهمة التي بدأت بها قبل أربعة أعوام منهكة. ثم يأتيك عريف ألماني من عمرك تقريباً متقدماً عبر مرمى النار. ماذا ستفعل؟ لديك على الأرجح قرابة ثلاث ثوان كي تقرر. واحد… توجه بندقيتك نحوه. اثنان… تصوب عليه فيما يحدق بعينيك. ثلاثة… يرفع يديه إلى المنتصف فيما إصبعك يشتد على الزناد. نفد وقتك. هل ستطلق النار عليه؟ نعم أم لا. عليك أن تقرر الآن. إذن، ماذا قررت؟ القرار يعتمد على طبيعة الشخص الذي هو أنت. قرار تاندي كان أن يخفض بندقيته ويومي للعريف كي يتقدم إلى الأمان، وهذا ما فعله الألماني. وفي عام 1940، قال في حديث مع صحيفة، “لقد صوبت عليه لكني لم أستطع إطلاق النار على رجل جريح، فتركته يحيا”. وذاك كان تصرفاً اتبعه تاندي طوال سنوات الحرب الأربع، ومثل حالة حصلت آلاف المرات خلال الحرب العظمى. وكل واحد من أعمال الرحمة تلك لم يكن مهماً إلا للرجال وأفراد العائلات الذين تأثروا به. أدولف هتلر (أقصى اليمين) وأعضاء آخرين من “فوج بافاريا الاحتياط الـ16 للمشاة” (الوثائق الفيدرالية الألمانية) إلا أن الرصاصة التي لم يطلقها تاندي كان بوسعها أن تكون الرصاصة الأهم في القرن الـ20. فالرجل الذي لم يقتله هذا الجندي البريطاني كان العريف المولود في النمسا أدولف هتلر. ولو ضغط تاندي على الزناد كان العالم ربما تلافى الحرب العالمية الثانية التي كانت أكثر فظاعة من الأولى. وقد منح هنري تاندي وسام “صليب فيكتوريا” سنة 1919 “لشجاعته البارزة في ماركوينغ يوم 28 سبتمبر (أيلول) 1918”. والواقعة التي حدثت في نهاية المعركة جرى نسيانها. حدثت أشياء كثيرة أخرى في ذلك اليوم. لكنه كان بطل حرب وسيغدو الجندي الخاص الذي يتلقى الاحتفاء الأكبر. وقد احتفي بشجاعته في معركة أخرى قام فيها بحمل جندي مصاب إلى الأمان خلال معركة “إيبرس”. وهناك صورة تظهر تاندي حاملاً على ظهره رفيقه المصاب. وبعدها بدأت الأسطورة… إذ تقول القصة إن تلك الصورة المنشورة في صحيفة شاهدها هتلر، وانتبه إلى أن الجندي الشجاع ذاك هو نفسه الرجل الذي أنقذ حياته. وفي سنة 1923، ظهرت تلك اللحظة التي حمل فيها تاندي رفيقه المصاب إلى الأمان خلال معركة إيبرس، بلوحة زيتية للفنان الإيطالي فورتونينو ماتانيا. تاندي، 72 سنة، في لقاء مع رفاق السلاح القدامى بثكنة في سترينسال، قرب يورك (ميروربيكس/غيتي) وفي يناير (كانون الثاني) 1926، ترك تاندي الجيش وتولى وظيفة في “شركة ستاندارد موتور” عاملاً في مجال الأمن. ولو أنه ضابط يحمل وسام “صليب فيكتوريا” لكان من المتوقع حصوله على “لقب الفروسية” (أو لقب فارس). لذا من المرجح أنه كان سيكمل حياته وتقاعده بهدوء لولا لوحة الفنان الإيطالي تلك. وثمة طبيب ألماني يدعى أوتو شفيند كان حارب في إيبرس وعالج ضابطاً بريطانياً مصاباً هو اللفتنانت كولونيل إيرل. وقد بقي الرجلان على علاقة وتواصل طوال 20 سنة. وفي عام 1937، حصل إيرل على نسخة من اللوحة وأرسلها إلى شفيند كتذكار للمعركة التي جمعتهما. وبدوره أرسل شفيند صورة عن اللوحة إلى هتلر الذي كان قد صار آنذاك زعيم ألمانيا. وكتب معاون هتلر رسالة جوابية لشفيند معبراً فيها عن امتنان الفوهرر. وكان على الأمر أن ينتظر حتى سنة 1938 حين قام رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، نيفيل تشامبرلاين، بزيارة هتلر في ألمانيا، واجتمع معه في منتجع “وكر النسور” (Eagels Nest) في بفاريا بإطار مهمته الفاشلة لتلافي الحرب. وقيل إن تشامبرلاين رأى اللوحة معلقة وسأل هتلر عن سبب وجودها هناك. فأجاب الفوهرر، “إنه الرجل الذي كاد يطلق الرصاص علي”. والرجل، وفق الفوهرر، اسمه تاندي. وقد طلب هتلر من تشامبرلاين أن ينقل له شكره إلى الرجل المذكور الذي تمنع قبل 20 عاماً عن ضغط زناد بندقيته والإجهاز عليه. عاد تشامبرلاين إلى بريطانيا وترجل من الطائرة ملوحاً بورقة ومعلناً بتفاؤل أن “سلام زمننا تحقق”. على أنه لم ينس وعده للفوهرر بالاتصال هاتفياً بتاندي كي يوصل له رسالة الشكر. فاتصل بتاندي ونقل له امتنان أدولف هتلر. وتلك على ما يفترض كانت المرة الأولى التي علم فيها تاندي أنه أنقذ حياة ديكتاتور مجرم. وفي ما بعد قال لأحد الصحافيين، “يا ليتني علمت بمن سيصيره هذا الرجل. عندما أرى جميع أولئك الناس، النساء والأطفال الذين قتلهم وآذاهم، أستغفر ربي لأني تركته حياً”. وفي ذلك الوقت لم تثر تلك القصة اهتماماً كبيراً. فقد كان هناك مشكلات وأزمات حقيقية كثيرة تواجه البريطانيين وعلى الصحافة تغطيتها والكتابة عنها. وتطلب الأمر بضع سنوات بعد الحرب حتى بدأت تلك الواقعة تجذب الاهتمام وتسلط الضوء على سيئ الحظ هنري تاندي. جنود بريطانيون قرب إيبرس سنة 1917 يتحركون نحو الخنادق (غيتي) لا تظهر قصة تاندي الاستثنائية هذه في كثير من كتب التاريخ الرصينة لأن هناك بعض التضارب في سياقها. إذ إن هتلر في 28 سبتمبر (أيلول) 1918، اليوم الذي حدثت فيه معركة ماركوينغ كان بإجازة في ألمانيا. لكن كان من الممكن للرجلين أن يلتقيا في معركة أيبرس سنة 1914 التي شاركا بها. فهل تذكر هتلر الواقعة (واقعة إنقاذ حياته) على نحو خطأ؟ البعض اقترح هذا التاريخ المذكور لأن هتلر عرف بتحول تاندي إلى أحد أكبر نجوم الحرب (العالمية الأولى) في بريطانيا، كما أن قصة قيام بطل حرب بريطاني بإنقاذ حياته في إحدى المعارك لاءمت روايته. إذ قيل لنا إن هتلر تعرف على صورة تاندي سنة 1919 عندما ظهر الأخير بصورة في صحيفة بريطانية مستلماً وسام “صليب فكتوريا”، لكن كيف حصل الفوهرر على نسخة من الصحيفة البريطانية تلك؟ في سنة 1937، شاهد هتلر اللوحة وكتب على ما يبدو رسالة شكر. وذكرت تلك الرسالة أن هتلر تأثر باستعادة الواقعة. إلا أنها لم تذكر شيئاً عن محورية شخصية تاندي في الصورة. أما تشامبرلاين فقد كتب يوميات مفصلة، لكن لا شيء في هذه اليوميات يشير إلى اللوحة أو إلى الاتصال الهاتفي به. وذكرت مقالة صحافية من سنة 1939 أن هتلر أخبر القصة لتشامبرلاين وأن الأخير أخبرها لضابط من كتيبة تاندي، وذاك الضابط بدوره رواها لتاندي خلال لقاء في أغسطس (آب) لرفاق السلاح السابقين. وهكذا علم تاندي بالقصة. على أن اتصال تشامبرلاين بتاندي في منزله لم يحصل لأن سجلات شركة الهاتف آنذاك لا تظهر تلقي تاندي لمكالمة (من رئيس الوزراء) في ذلك اليوم. لكن المهم أن تاندي فارق الحياة وهو مؤمن بأنه الرجل الذي أنقذ حياة هتلر. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية كان تاندي البالغ من العمر حينها 49 عاماً، سارع إلى الالتحاق بالجيش، لكنه رفض بسبب جروحه في معركة سوم. وقد سعى للمساعدة في جهود الحرب ونجا من أيام الغارات الألمانية العنيفة (البليتز) على كوفينتري ولندن، شاعراً على الدوام بالندم لعدم إجهازه على من يأمر اليوم بتلك الهجمات الفظيعة. “تاريخ بريطانيا من خلال 10 أعداء” ( (Bantam توفي هنري تاندي سنة 1977 عن عمر 86 عاماً، نادماً على شعور الإنسانية الذي اعتراه في تلك الثواني القليلة خلال الحرب. دفن رماده قرب ماركوينغ، منطقة المعركة التي حاز بفضلها وسام “صليب فكتوريا”. وقد رأى أن أمر إنسانيته تلك لبضع ثوان كلف حياة ملايين البشر. وإن كان ذلك صحيحاً أم لا، يبقى واجب علينا استذكاره كواحد من أشجع الرجال الذين قاتلوا في الحرب العالمية الأولى. لكن هل تستحق هذه القصص المشكك بها أن تروى مراراً وتكراراً؟ ربما. فأحد الأسباب الداعية لدراسة التاريخ يتمثل بالإجابة عن السؤال القائل: “لماذا يتصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها؟ وإن ساعد التاريخ في الإجابة عن ذلك، يمكنك حينها الانتقال للإجابة عن السؤال الأهم في حياتك، “لماذا تتصرف أنت بالطريقة التي تتصرف بها. من أنت؟ لو أنت في مكان هنري بمعركة إيبرس، هل كنت ستطلق النار على رجل أعزل؟ نعم أم لا؟ وأنت تعرف الآن ما تعرفه عن هوية الجندي الألماني المعني بالقصة، هل سيغير الأمر من موقفك في ماركوينغ ويجعلك تضغط على الزناد فتطلق النار لإنقاذ حياة 70 مليون شخص أو أكثر؟ 70 مليون إنسان، كثر منهم ليسوا محاربين، قتلوا تحت وابل القصف أو في أهوال معسكرات الموت، هل ستضغط على الزناد أم لا؟ نعم أم لا؟ ولديك فقط ثلاث ثوان كي تقرر. “تاريخ بريطانيا من خلال 10 أعداء” (A History of Britain in Ten Enemies) تأليف تيري ديري سيصدر في 10 أكتوبر (تشرين الأول) من دار “بانتام” (Bantam) © The Independent المزيد عن: أدولف هتلرالحرب العالمية الثانيةالمحرقة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف أزاحت بضعة صواريخ الهالة حول منظومة الدفاع الإسرائيلية؟ next post تقدم كبير في علاج سرطان الرحم يقلل خطر الوفاة بنسبة 40 في المئة You may also like غسان شربل يكتب عن: بن لادن استقبل مبعوث... 21 نوفمبر، 2024 من مول استهداف ملحق سفارة أميركا لدى بيروت... 17 نوفمبر، 2024 مرافق سفير بريطانيا لدى لبنان أنقذ الأميركيين من... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 “إسرائيل الكبرى”… حلم صيف يميني أم مشروع حقيقي؟ 12 نوفمبر، 2024 الشرق الأوسط الكبير حلم أم كابوس؟ 7 نوفمبر، 2024 “في رحيل زاهر الغافري” ملف جديد من مجلة... 3 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: سحر عالم “حزب... 2 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: وقائع محو أثر... 1 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: الضاحية قبل “حزب... 1 نوفمبر، 2024