الخميس, فبراير 20, 2025
الخميس, فبراير 20, 2025
Home » الذكاء الاصطناعي يشكل مستقبل الصناعات الدفاعية

الذكاء الاصطناعي يشكل مستقبل الصناعات الدفاعية

by admin

 

وسط تحديات أمنية ومخاوف أخلاقية…

المجلة / ماركو مسعد

في عالم تتزايد فيه حدة التنافس الجيوسياسي والصراعات التكنولوجية، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرا أساسا في رسم ملامح الحروب المستقبلية وتعزيز القدرات الدفاعية للدول الكبرى.

لم تعد تلك التقنية مجرد أداة لتحسين الأداء الصناعي أو تعزيز الخدمات الرقمية، بل تحولت ركيزة أساسية في تطوير الأنظمة الدفاعية والهجومية على حد سواء، مما أدى إلى سباق تسلح جديد بين القوى العظمى، تسعى فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أخرى لاستغلال إمكانات الذكاء الاصطناعي وإعادة تعريف استراتيجيات الحروب وأساليب الردع العسكري.

وسط هذا التطور المتسارع، بدأت بعض شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية في اتخاذ قرارات مثيرة للجدال، أبرزها تزويد وزارة الدفاع الأميركية والمتعاقدين العسكريين تقنياتها لأغراض عسكرية، مما يمثل تحولا جذريا في استراتيجيات هذه الشركات، ويثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي في المجالين الدفاعي والعسكري.

فعلى سبيل المثل؛ وقبل شهرين، أعلنت “أوبن أيه آي” إحدى أبرز شركات الذكاء الاصطناعي في العالم، دخولها في شراكة مع “أندوريل” وهي شركة ناشئة تعمل في مجال الدفاع وتصنع الصواريخ والطائرات بدون طيار والبرمجيات للجيش الأميركي.

تعمل “أندوريل” على تطوير نظام دفاع جوي متقدم يعتمد على سرب من الطائرات الصغيرة الذاتية التحكم التي تعمل معا في المهام. يتم التحكم في هذه الطائرات عبر واجهة تعتمد على نموذج لغوي كبير يفسر الأوامر الصادرة باللغة الطبيعية ويحولها إلى تعليمات يمكن كلا من الطيارين البشريين والطائرات بدون طيار فهمها وتنفيذها. وقبل تعاقدها مع “أوبن أيه آي” كانت “أندوريل” تستخدم نماذج لغوية مفتوحة المصدر لأغراض الاختبار.

AFP / طائرة بدون طيار من طراز Anduril Ghost X يحملها جندي أمريكي في منطقة تدريب Hohenfels في جنوب ألمانيا

كما تستثمر الشركات التقنية العملاقة، مثل “غوغل” و”أمازون” و”مايكروسوفت” بشكل متزايد في الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، واخيرا حذفت شركة “غوغل” تعهدها بعدم تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لأنظمة المراقبة أو الأسلحة من موقعها الإلكتروني. شمل التعديل إزالة قسم بعنوان “التطبيقات التي لن نسعى إليها” من صفحة مبادئ الذكاء الاصطناعي، الذي كان لا يزال موجودا حتى الأسبوع الماضي.

تصاعد الجدل حول تورط “غوغل” في تزويد القوات العسكرية خدمات سحابية، مما أثار احتجاجات داخلية لدى بعض موظفي الشركة

عند طلب تعليق رسمي من “غوغل” حول هذا التغيير، أكدت أهمية التعاون بين الشركات والحكومات لضمان تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مع حماية الأفراد وتعزيز الأمن القومي، كما شددت على ضرورة تقليل النتائج غير المقصودة وتجنب التحيز غير العادل، مع التزام المبادئ الدولية لحقوق الإنسان.

تحولات كبرى

جاءت هذه التعديلات في ظل تصاعد الجدل حول تورط “غوغل” في تزويد القوات العسكرية خدمات سحابية، مما أثار احتجاجات داخلية لدى بعض موظفي الشركة. ورغم تأكيد “غوغل” أن تقنياتها لا تُستخدم لإيذاء البشر، إلا أن رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في البنتاغون كشف اخيرا أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة قد تساهم في عمليات عسكرية للجيش الأميركي. هذا الأمر يطرح تساؤلات جادة حول التزامات “غوغل” الأخلاقية ومستقبلها في هذا المجال.

ويعكس النهج الجديد الدور المتنامي للشركات الناشئة في إعادة تشكيل الصناعات الدفاعية والأمنية، حيث لم يعد الاعتماد مقتصرا على المتعاقدين التقليديين، بل أصبح هناك اتجاه واضح نحو إشراك الشركات الناشئة في تزويد الجيش الأميركي التقنيات المتطورة. كما برز نموذج الشراكات الثنائية، حيث تتعاون الشركات الناشئة مع الشركات الكبرى لتطوير حلول عسكرية قائمة على الذكاء الاصطناعي.

ولكن يبقى السؤال الأهم: هل هذا التحول كافٍ لضمان التفوق الاستراتيجي للولايات المتحدة؟ وهل يمكن هذه الشراكات الجديدة أن تحقق التوازن المطلوب بين التقدم التكنولوجي وحماية المصالح الأمنية الأميركية؟

في خريف عام 1993، اجتمع عدد من كبار المديرين التنفيذيين لشركات الدفاع الأميركية في عشاء سري داخل البنتاغون، بناء على دعوة من وزير الدفاع الأميركي آنذاك ليس أسبين

قبل سنوات، عارض العديد من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون العمل مع الجيش. ففي عام 2018، نظم آلاف من موظفي “غوغل” احتجاجات ضد تعاون الشركة مع وزارة الدفاع الأميركية من خلال ما كان يُعرف داخل البنتاغون باسم “مشروع مافن”، مما دفع “غوغل” لاحقا إلى الانسحاب من المشروع.

لكن بعض شركات التكنولوجيا والعاملين فيها غيروا موقفهم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. الآن، ومع اعتبار الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في الأوساط الحكومية تقنية تحويلية وذات أهمية جيوسياسية، يبدو أن العديد من شركات التكنولوجيا أصبحت أكثر انفتاحا على العمل العسكري. كما أن عقود الدفاع تعد بمثابة مصدر دخل مربح لشركات الذكاء الاصطناعي التي تحتاج إلى استثمار أموال طائلة في البحث والتطوير.

العشاء الأخير

في خريف عام 1993، اجتمع عدد من كبار المديرين التنفيذيين لشركات الدفاع الأميركية في عشاء سري داخل البنتاغون، بناء على دعوة من وزير الدفاع الأمريكي آنذاك ليس أسبين.

كان هذا الاجتماع، الذي أُطلق عليه لاحقا اسم “العشاء الأخير”، نقطة تحول كبرى في تاريخ الصناعة الدفاعية الأميركية، حيث أدى إلى موجة من عمليات الدمج والاستحواذ غير المسبوقة، مما غيّر بشكل جذري مشهد الصناعة العسكرية في الولايات المتحدة.

بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين في عام 1989، بدأت الولايات المتحدة خفض ميزانيتها الدفاعية بشكل كبير. كانت هناك توقعات بتحقيق “عائد السلام”، حيث يمكن تحويل الأموال من الإنفاق العسكري إلى مجالات أخرى مثل البنية التحتية والرعاية الصحية. بين عامي 1991 و1996، انخفضت الميزانية الدفاعية الأميركية بأكثر من 15%. ومع هذا الانخفاض، واجهت شركات الدفاع تحديات وجودية، حيث كانت تعتمد بشكل كبير على العقود الحكومية.

لذا، دعا وزير الدفاع ليس أسبين ومساعده ويليام بيري الذي كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع، نحو 25 من كبار المديرين التنفيذيين لشركات الدفاع إلى عشاء في البنتاغون. كان من بين الحضور نورمان أوغسطين، الرئيس التنفيذي لشركة “مارتن ماريتا”، التي اندمجت لاحقا مع شركة “لوكهيد” لتشكيل “لوكهيد مارتن”.

تُعد الحكومة الفيديرالية الأميركية أكبر ممول وأهم مستهدف للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي

خلال العشاء، جلس أوغسطين بجوار أسبين، وسأله عن سبب الدعوة. أجاب أسبين: “ستعرف خلال 15 دقيقة، وعلى الأرجح لن يعجبك ما ستسمعه.” بعد العشاء، انتقل الحضور إلى غرفة عرض صغيرة حيث قدم ويليام بيري عرضا توضيحيا باستخدام رسوم بيانية. كانت الرسوم البيانية صادمة؛ فقد أظهرت أن وزارة الدفاع تتوقع انخفاضا كبيرا في عدد الشركات التي يمكنها الاستمرار في العمل بسبب انخفاض الميزانية.

وكالة الأنباء الفرنسية / وزير الدفاع الأمريكي ليز أسبين في البنتاغون

وقد أوضح بيري أن الوزارة لن تكون قادرة على دعم أكثر من 3 شركات في بعض فئات المعدات العسكرية، مثل الطائرات المقاتلة، بينما في فئات أخرى، مثل الدبابات، لن تتمكن من دعم أكثر من شركة واحدة. كان الهدف هو تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، لكن النتيجة المتوقعة كانت تقليصا هائلا في قاعدة الصناعة الدفاعية.

كان رد فعل المديرين التنفيذيين صادما. فهموا أن الوزارة لن تتدخل لإنقاذ الشركات، بل ستترك السوق يقرر مصيرها. قال أوغسطين لاحقا “كانت الرسالة واضحة: عليكم أن تدمجوا شركاتكم، أو ستخرجون من السوق”.

في السنوات التالية، شهدت الصناعة الدفاعية موجة غير مسبوقة من عمليات الدمج والاستحواذ. اندمجت “مارتن ماريتا” مع “لوكهيد” لتشكيل “لوكهيد مارتن” وهي الآن واحدة من أكبر شركات الدفاع في العالم. كما اندمجت “بوينغ” مع “ماكدونيل دوغلاس”، وتم استيعاب العديد من الشركات الصغيرة في كيانات أكبر. في نهاية العقد، تقلص عدد الشركات الكبرى في الصناعة الدفاعية من 15 شركة إلى نحو 5 شركات فقط.

وقد لعبت الحكومة الأميركية دورا محوريا في تسهيل هذه العمليات. فعلى الرغم من أن وزارة الدفاع لم تكن تريد التدخل مباشرة في عمليات الدمج، إلا أنها شجعت عليها بشكل غير مباشر من خلال سياساتها. كما أن وزارة العدل، التي عادة ما تكون صارمة في قضايا مكافحة الاحتكار، سمحت بهذه العمليات لدواعي الأمن القومي.

ومع هذا التغير، خرج العديد من المبتكرين ورواد الأعمال الجريئين من القطاع، حيث أصبحت الشركات تركز على الامتثال للوائح البيروقراطية بدلا من تطوير تقنيات جديدة. وكنتيجة لذلك، تزايدت الفجوة بين الصناعات العسكرية والتجارية، مما أدى إلى تراجع الابتكار، فعلى سبيل المثل، لم تكن شركات مثل “كرايسلر” تقتصر على تصنيع السيارات، بل كانت تنتج الصواريخ أيضا، بينما واصلت “فورد” تصنيع الأقمار الصناعية حتى عام 1990.

هذا النموذج سمح للمقاولين بالحصول على مبالغ ضخمة من الحكومة، مع تعويضهم عن جميع التكاليف مضافا إليها نسبة ربح ثابتة، مما قلل الحافز للابتكار أو البحث عن طرق أكثر كفاءة لخفض التكاليف. في ظل هذه البيئة، أصبح المتعاقدون يعتمدون بشكل أساسي على العقود الحكومية كمصدر رئيسي للأرباح، مما أدى إلى تراجع الديناميكية والمرونة داخل القطاع الدفاعي.

تُعد الحكومة الفيديرالية الأميركية أكبر ممول وأهم مستهدف للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة تلك التي تركز على الاستخدامات العسكرية، إلى جانب المتعاقدين التقليديين الذين يزودون الحكومة أحدث التقنيات في مجال الأسلحة التقليدية. ومن أبرز هؤلاء المتعاقدين، من حيث القيمة السوقية وحجم العقود التي يحصلون عليها، “لوكهيد مارتن”، “رايثيون تكنولوجيز”، “نورثروب غرومان”، “جنرال دايناميكس”، و”بوينغ”.

AFP

وتتنافس هذه الشركات وغيرها للفوز بعقود حكومية لعدة أسباب، أهمها التمويل؛ إذ توفر الحكومة الفيديرالية تمويلا طويل الأمد يمتد لسنوات، مما يمنح المتعاقدين استقرارا ماليا، بينما يضمن للحكومة الأميركية امتلاك أحدث التقنيات في الاستخدامات العسكرية.

تسارع كبير

ومع التطور الكبير الذي شهدته تقنيات الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، تحولت تلك التقنية إلى عنصر أساس في العمليات العسكرية الحديثة.

في أبريل/نيسان 2023، كشفت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عن تسارع كبير في الإنفاق الفيديرالي الأميركي خلال عام 2022. وفي يونيو/حزيران 2023، أشارت تقارير إلى أن لجنة الاعتمادات بمجلس النواب تركز على تعزيز التشريعات التي تدمج الذكاء الاصطناعي في عدد متزايد من البرامج. كما أكدت تقارير خارجية أخرى هذه النتائج.

كشفت وزارة الدفاع الأميركية عن مشروع آخر يحمل اسم “المضاعف”، يهدف إلى إنتاج طائرات مسيّرة منخفضة التكلفة بأعداد كبيرة جدا تعتمد بشكل أساسي على تقنيات الذكاء الاصطناعي

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدرت كل من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركية استراتيجيات خاصة بالذكاء الاصطناعي، مما يشير إلى أن السياسات بدأت تلحق بالإنفاق وتشكله.

شهد الإنفاق الفيديرالي الأميركي على الذكاء الاصطناعي زيادة هائلة خلال عام 2023، حيث ارتفعت قيمة الأموال الملتزم بها بنسبة 150%، من 261 مليون دولار إلى 675 مليون دولار، بينما زادت القيمة المحتملة للعقود بنسبة 1200%، من 355 مليون دولار في عام 2017 إلى 4.561 مليار دولار في عام 2023.

وتمحور الإنفاق بشكل كبير حول قطاعات محددة، حيث ظلت الخدمات المهنية والعلمية والتقنية الأكثر استخداما، بارتفاع قيمته من 219 مليون دولار إلى 366 مليون دولار، بينما شهدت صناعات المعلومات والثقافة نموا كبيرا، من 5 ملايين دولار إلى 2.195 مليار دولار.

وسيطرت وزارة الدفاع الأميركية على الإنفاق، حيث ارتفع عدد عقودها من 254 إلى 657 عقدا، وبلغت القيمة المحتملة لعقودها 4.323 مليار دولار، مما يشكل 95% من إجمالي الإنفاق الفيديرالي على الذكاء الاصطناعي. وفي المقابل، أصبحت وكالات مثل “ناسا” ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية تمثل نسبة ضئيلة من الإنفاق.

كما شهدت بنية السوق تغيرا ملحوظا، حيث ارتفع عدد الشركات التي تحصل على عقود تزيد قيمتها على 10 ملايين دولار من أربع شركات إلى 205 شركات، مع ظهور عقود جديدة بقيمة قصوى تبلغ 15 مليون دولار و30 مليون دولار، مما يشير إلى تحول من مرحلة التجريب إلى التنفيذ. ومع ذلك، لا يزال سوق الموردين شديد التفتت، حيث تعمل معظم الشركات في نطاقات ضيقة مع وكالة واحدة.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية مشروعها الطموح “عقد الجوائز المتعددة للذكاء الاصطناعي”، الذي يُتوقع أن يكون أكبر عقد حكومي متعلق بالذكاء الاصطناعي، بقيمة تصل إلى 15 مليار دولار خلال العقد المقبل. ويهدف العقد لتطوير منصة تحليل البيانات المتقدمة التي ستمكّن الوزارة من تحليل كميات ضخمة من المعلومات بسرعة ودقة، مما يساعد في اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل على المستويين العسكري والاستخباراتي.

كما كشفت وزارة الدفاع الأميركية عن مشروع آخر يحمل اسم “المضاعف”، الذي يهدف إلى إنتاج طائرات مسيّرة منخفضة التكلفة بأعداد كبيرة جدا تعتمد بشكل أساسي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يسهل عمليات قيادتها وتوجيهها، بالإضافة إلى حماية الشبكات المشغلة لها من الهجمات الكهرومغناطيسية التي قد يشنها الأعداء.

يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرات متقدمة تمكنه من تنفيذ مهام معقدة كانت تتطلب في السابق وقتا طويلا وموارد بشرية كبيرة عند إنجازها بالطرق التقليدية

نظرا لضخامة هذه المشاريع والخطط المستقبلية، أصبح من الصعب الاعتماد على نظام التعاقد التقليدي الذي تتبعه الحكومة الأميركية منذ عقود، كما لم يعد في الإمكان الاعتماد حصريا على شبكة المتعاقدين التقليديين المذكورين سابقا. ومع التحول السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، يبدو أن نموذج العقود الدفاعية يتجه نحو مزيد من الانفتاح أمام الشركات الناشئة التي تقدم حلولا تقنية متطورة ومبتكرة.

وقد اكتسبت الشركات الناشئة أهمية متزايدة، حيث بدأت في الاستحواذ على جزء من العقود الحكومية بفضل قدرتها على تقديم حلول تكنولوجية متطورة وهو أمر ضروري لضمان استمرار الهيمنة الأميركية على سوق الأسلحة الذاتية، وبالتالي تعزيز التفوق العسكري لواشنطن على المستوى العالمي.

وبحسب تقرير صادر عن وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، فإن 70% من الأبحاث التي تقوم بها الوكالة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. كما صرح مات تورك، نائب مدير الوكالة، بأن الشركات الناشئة والقطاع الخاص هما المحرك الأساس لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة.

وفي محاولة لإصلاح البيئة الحالية وتعزيز الابتكار، يبحث الجيش الأميركي عن مسارات جديدة تضمن بيئة تنافسية صحية لمنصات البيانات، التحليلات، والذكاء الاصطناعي. وتتمثل إحدى هذه الاستراتيجيات في زيادة التعاقد مع الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.

فعلى سبيل المثل، أطلقت وزارة الدفاع في يوليو/تموز الماضي مبادرة “تحدي مستودعات البيانات والتطبيقات الحكومية القابلة للتشغيل البيني”  التي تهدف إلى تبسيط عمليات استحواذ الجيش الأميركي على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوسيع استخدامها عبر مختلف الفروع العسكرية.

AFP / عرضت شركة AEE طائرة بدون طيار في جناح AEE خلال معرض CES 2019 في مركز مؤتمرات لاس فيغاس في 9 يناير 2019 في لاس فيغاس

من جهة أخرى، أصبحت لوائح الاستحواذ الفيديرالية، التي تعكس متطلبات تشريعية وأوامر تنفيذية، تشكل عائقا أمام سرعة الابتكار. ورغم أن هذه اللوائح تهدف إلى دعم الأولويات الوطنية، مثل تعزيز الشركات الصغيرة وتشجيع المنتجات الأميركية، فإنها تفرض إجراءات معقدة تؤخر عمليات الشراء والاستحواذ. ووفقا لتقارير مكتب المحاسبة الحكومي، فإن هذه التعقيدات تمثل عبئا على القطاع الخاص وصعوبة تنفيذية للجهات الحكومية، مما يبطئ تبني التقنيات الجديدة في المجال العسكري. والدليل على ذلك ان الشركات الناشئة لم تستحوذ الا على ما يقرب من ١٪ من اجمالي العقود مع وزارة الدفاع في السنة المالية الماضية بأجمالي ٤١١ مليار دولار.

عقبات لوجستية

يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرات متقدمة تمكنه من تنفيذ مهام معقدة كانت تتطلب في السابق وقتا طويلا وموارد بشرية كبيرة عند إنجازها بالطرق التقليدية. ومع ذلك، فإن تطوير هذه الأنظمة لا يتم بين ليلة وضحاها، حيث يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى تدريب مكثف على بيانات ضخمة ليتمكن من أداء المهام المطلوبة بكفاءة. هذه العملية تستغرق وقتا طويلا، إذ يتطلب الأمر ضبط النماذج وتحسين أدائها عبر اختبارات متعددة قبل نشرها في البيئات العسكرية الفعلية.

استخدمت روسيا الهجمات الإلكترونية لتعطيل أنظمة القيادة والسيطرة الأوكرانية خلال الحرب

وبعد إتمام التدريب الأولي، يتم اختبار كفاءة النماذج في الميدان لتقييم مدى فعاليتها في الظروف الواقعية. غالبا ما تتطلب هذه النماذج إعادة تدريب بعد التجارب الميدانية لضمان تكيفها مع السيناريوهات المختلفة في أرض المعركة، مما يستغرق وقتا إضافيا وهو أمر يشكل تحديا كبيرا للقوات العسكرية التي تحتاج إلى أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على العمل بكفاءة عالية دون الحاجة إلى فترات تدريب طويلة.

لتحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي، تحتاج القوات العسكرية إلى قدرات حوسبة واسعة النطاق في مناطق العمليات، مما يتيح تحليل البيانات الواردة من المستشعرات الأرضية والطائرات المسيّرة واتخاذ قرارات سريعة ودقيقة. كلما اقتربت مراكز معالجة البيانات من أرض المعركة، زادت فعالية القرارات وانخفض الاعتماد على الاتصال السحابي، الذي قد يكون عرضة للتشويش الإلكتروني. هذا يطرح تحديا يتمثل في ضرورة تحقيق التوازن بين القدرة على التعامل مع كميات هائلة من البيانات وضمان أمان وسرية الشبكات العسكرية.

تتزايد الأخطار الأمنية مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية. وفقا لوكالة NSTXL، فإن أحد التحديات الرئيسة هو تأمين الاتصال بين الأنظمة الطرفية ومراكز القيادة لمنع الاختراقات والهجمات الإلكترونية التي قد تؤدي إلى تعطيل العمليات العسكرية.

ويزداد هذا التحدي تعقيدا مع اعتماد الجيش الأميركي على الذكاء الاصطناعي التكيفي، الذي يتطلب تحديثات دورية لمواكبة التهديدات المتجددة. كما أشارت شركات متخصصة في حلول الحوسبة العالية الأداء، إلى أن سرقة بيانات الذكاء الاصطناعي وفك تشفير الاتصالات العسكرية يمثلان تهديدا خطيرا، مما يستوجب تطوير تقنيات تشفير متقدمة لضمان أمن المعلومات العسكرية الحساسة.

يشير العديد من التقارير إلى وقوع عمليات اختراق إلكترونية استهدفت الأنظمة العسكرية الحديثة، مما يبرز أهمية تعزيز الأمن السيبراني في هذه المجالات.

في عام 2018، كشف تقرير صادر عن مكتب المساءلة الحكومية الأميركي أن بعض أكثر الأسلحة تطورا في ترسانة الجيش الأميركي يمكن اختراقها باستخدام أدوات بسيطة. وأشار التقرير إلى وجود ثغر أمنية إلكترونية خطيرة في أنظمة الأسلحة التي تم اختبارها بين عامي 2012 و2017، بما في ذلك طائرة F-35 المقاتلة الحديثة وأنظمة الصواريخ.

تحسين التقنيات العسكرية

ووفقا للتقرير، فإن مسؤولي البنتاغون كانوا يعتقدون أن أنظمتهم آمنة، لكن الاختبارات كشفت عكس ذلك. وأعرب أعضاء اللجنة عن قلقهم في شأن مدى حماية أنظمة الأسلحة من الهجمات الإلكترونية، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في المجال العسكري.

وتسلط نتائج هذا التقرير الضوء على التحديات الأمنية التي تواجهها الأنظمة العسكرية المتطورة، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الرقمية. فمع تزايد تعقيد أنظمة الأسلحة، تزداد أيضا نقاط الضعف التي يمكن استغلالها من جهات معادية.

كما استخدمت روسيا الهجمات الإلكترونية لتعطيل أنظمة القيادة والسيطرة الأوكرانية خلال الحرب، حيث استهدفت شبكات الاتصالات العسكرية والبنية التحتية للطاقة. أثرت هذه الهجمات بشكل مباشر في قدرة الجيش الأوكراني على تنسيق عملياته الميدانية، مما يسلط الضوء على أهمية حماية البنية التحتية الرقمية للقوات المسلحة.

لا يثير تسارع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المجالين الدفاعي والعسكري تساؤلات أمنية فحسب؛ بل أيضا أخلاقية واستراتيجية كبيرة.

أصبح الذكاء الاصطناعي من الركائز الأساس في تطوير الأسلحة الحديثة، حيث يُستخدم لتحسين دقة الصواريخ، واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي، وتحليل البيانات الواردة من المستشعرات. لكن لا يزال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأسلحة يطرح تحديات أمنية كبيرة، ودراسات معمقة لتقييم جدواها الفعلية وفعاليتها في الواقع العملي، خاصة أن الاستخدامات الميدانية للذكاء الاصطناعي لا تزال قيد التطوير، حيث تمر بمراحل تخصيص الموارد المالية والبشرية لضمان أن تعمل الأنظمة بكفاءة عالية وأمان تام.

فالاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى كميات هائلة من البيانات لاتخاذ القرارات. إذا تم اختراق هذه البيانات أو التلاعب بها، فقد يؤدي ذلك إلى قرارات خاطئة أو كارثية. على سبيل المثل، إذا تم تغيير بيانات الخرائط التي تعتمد عليها الصواريخ الموجهة، فقد يتم توجيهها إلى أهداف خاطئة.

كما أن أحد التحديات الرئيسة التي يواجهها الجيش الأميركي هو الحفاظ على تحديث أنظمة الذكاء الاصطناعي لمواكبة التهديدات الإلكترونية المتطورة؛ فبعض الأنظمة يعتمد على أكواد برمجية قديمة، مما يجعلها أكثر عرضة للاختراق. وفي عالم يتطور بسرعة، فإن التأخر في تحديث الأنظمة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.

ورغم التقدم المستمر، لا يزال هناك الكثير الذي يجب تحقيقه من خلال الأبحاث والتطويري، لكن الأهم من ذلك هو تغيير الفكر والعقلية لدى صناع القرار المسؤولين عن تخصيص الميزانيات والموارد. إلى جانب ذلك، يجب أن يمتد هذا التغيير إلى العاملين في الميدان، وخاصة العسكريين، من خلال تدريبات مكثفة وواقعية تتيح لهم استخدام التكنولوجيا بفعالية لصالحهم. فالتكنولوجيا يجب أن تكون أداة لتعزيز القدرات الدفاعية، لا أن تتحول إلى ثغرة أمنية يمكن العدو استغلالها لاختراق الأنظمة وسرقة بيانات حساسة.

لا يثير تسارع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المجالين الدفاعي والعسكري تساؤلات أمنية فحسب؛ بل أيضا أخلاقية واستراتيجية كبيرة.

فمن جهة، يمكن هذه التقنيات أن تقلل الخسائر البشرية عبر الاعتماد على الأنظمة الآلية في تنفيذ المهام الخطرة، لكنها في الوقت ذاته تفتح الباب أمام احتمالات خطيرة، مثل اتخاذ قرارات مميتة دون تدخل بشري، أو نشوء سباق تسلح غير منضبط في مجال الأسلحة المستقلة.

وفي ظل غياب أطر تنظيمية دولية واضحة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في النزاعات المسلحة، تبرز مخاوف من إمكان استغلال هذه التقنيات لأغراض هجومية بحتة، أو وقوعها في أيدي جهات غير حكومية أو فاعلين غير دولتيين.

مع استمرار التقدم التكنولوجي، قد نشهد قريبا اعتمادا أكبر على الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الأمن السيبراني، وأنظمة الدفاع الجوي، والروبوتات القتالية، بل وحتى في تطوير قدرات الدفاع الفضائي. هذه التحولات ستعيد تشكيل موازين القوى العسكرية عالميا، مما يجعل مستقبل الذكاء الاصطناعي في المجالين الدفاعي والعسكري ليس مجرد خيار تقني، بل قضية استراتيجية ستحدد ملامح الأمن العالمي لعقود مقبلة.

المزيد عن: الذكاء الاصطناعي تطبيقات الذكاء الاصطناعي وزارة الدفاع الأميركية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili