الأحد, نوفمبر 17, 2024
الأحد, نوفمبر 17, 2024
Home »  الذاكرة والحنين المراوغ … في “زيارة أخيرة لأم كلثوم”

 الذاكرة والحنين المراوغ … في “زيارة أخيرة لأم كلثوم”

by admin

علي عطا يجمع في روايته بين المطربة الكبيرة والخالة

اندبندنت عربية / لنا عبد الرحمن

الحُلم بفرادته، الذاكرة بكل هشاشتها، والواقع بكل أعبائه، تفاصيل تتضافر معاً لتشكل موزاييك التشكيل الدرامي في رواية “زيارة أخيرة لأم كلثوم” للكاتب علي عطا (الدار المصرية اللبنانية- القاهرة) ولعل ما يستحق التوقف في هذا النص، كما في الرواية  الأولى للمؤلف “حافة الكوثر”، هو القدرة الصارخة على مواجهة الألم وتعريته، بل الذهاب إليه بشكل اختياري تماماً. إن مواجهة الألم هنا لا تحمل استدعاء له من الماضي بقدر ما تعكس إصراراً على منازلته وكشفه.

بيانُ هذا لا يحضر فقط على مستوى الذات في ماضيها وحاضرها، وأسئلتها الشاقة، بل يمضي غائراً في جغرافية الأماكن وتاريخها، عبر تأمل التحولات المكانية والزمانية للبشر والأشياء واستدعاء الجذور الباطنية البعيدة. القارئ يجد نفسه من جديد أمام شخصية “حسين عبد الحميد”، الراوي في “حافة الكوثر” وصديقه طاهر الذي يسرد عليه حكاياته، أيضاً هناك دعاء وسلمى، وما تحمل قصة كل منهما للبطل من مسرات وأوجاع. يعمل حسين صحافياً في مكانين، ويعاني من اضطرابات نفسية مستمرة يواجهها بالكتابة، وبالبوح إلى صديقه طاهر، وبمحاولته المستمرة التخفف من الألم عبر تعرية ذاته أولاً.

لعل ما تجاوزته رواية “زيارة أخيرة لأم كلثوم” عن “حافة الكوثر”، هو الحفر عميقاً ثم العودة مع اختيار المراد قوله بلا وجل أو مواربة ، وإذا كانت فكرة مواجهة شبح “الاكتئاب” قوية الحضور في الرواية الأولى، فإن مواجهة الأحداث والأشخاص والأماكن تشكل ديمومة الحدث الرئيسي في هذا النص، حيث يُمكن الاستدلال على هذه الفكرة بدءاً من العنوان، أم كلثوم هنا هي خالة البطل التي تنازع سكرات الموت، وتربطه بها علاقة قوية، ولها آراء ومواقف مختلفة كأن تفخر بأن السادات هزم موشيه ديان مرتين، يقول: “ستكون خالتي أم كلثوم آخر الراحلين من إخوة أمي الأشقاء وغير الأشقاء”. انطلاقاً من هذه العبارة تبدأ مراجعة الماضي بكل ما فيه، التبئير فيه بعيداً، تأمله مرة أخرى وفق وجهة نظر أنضجها الوعي. ولا تخلو حالة المراجعة تلك على مدار الرواية التي بلغت 68 فصلاً قصيراً، من التورط بفعل الحنين المراوغ الملتبس على البطل السارد نفسه. هذا الحنين يمكن رصده عند حديثه عن الأماكن، عزبة عقل، المنصورة، القاهرة ، وكأنه يتعمد تأريخ ذاكرته كي لا يتلاشى ما ظلت تخزنه من تفاصيل يشتبك فيها الأمس واليوم، لنقرأ: “ماذا عم الأقفاص المصنوعة من جريد النخل؟ بات وجودها نادراً يا حسين… حرفتك القديمة تقترب بسرعة من الاندثار، إن لم تكن قد اندثرت بالفعل. ومع ذلك كثيراً ما تجد نفسك في الحلم تعود إليها… عزبة عقل نفسها تغيرت ملامح بعض شوارعها، وباتت غريبة بالنسبة إلي لغياب معظم ناسها، الذين كنت أعرفهم، خصوصاً شارع المحطة الفرنساوي… هذا النفق يسميه الناس كوبري عزبة عقل… على جانبيه باعة ومتسولون. إلى الآن لايزال هناك باعة ومتسولون”.

الذاكرة والانهيار

يمكن القول إن مراجعة الماضي بكل ما فيه، يحمل في ثناياه وقفات كثيرة أمام تحولات منعطفية أدت إلى الانهيار في كثير من الأحيان، انهيار على مستوى الذات، إخفاق البطل معنوياً في علاقته بزوجته الأولى دعاء، ثم بزوجته الثانية سلمى على الرغم مما بينهما من حب وانسجام فكري، إخفاقه المادي أيضاً نتيجة التحولات التي تعرضت لها مهنة الصحافة وأدت إلى إغلاق الصحيفة التي يعمل فيها، ثم إخفاقه النفسي في انزلاقه نحو متاهات الاكتئاب المنهكة.

غلاف الرواية (دار النشر)

هذه الإخفاقات لم تكن بمنأى عن تحولات بلد كامل، تتغير أماكنه وقيمه، وتطغى المفاهيم المادية على سائر القيم الأخرى؛ ولعل هذا ما لم يتمكن البطل من تجاوزه، وايجاد صيغة جديدة لتقبل أو صياغة علاقة جدية مع  الانكسارات الخاصة والتحولات العامة. يستسلم البطل حسين للاكتئاب لأنه يحس بعدم قدرته على المراوغة والاستمرار في تحمل ثقل العالم، يسقط أرضاً، ثم يقف من جديد راجعاً نحو الأمس، وكأنه يستنطق كل ما في ماضيه ليقف عند أساس العلة في لحظات، وليخلص ذاكرته من مجاز لحظات أخرى. يعزز هذا القول تناص البطل السارد في أكثر من فصل مع رواية “صورة عتيقة” لإيزابيل اللندي، إذ يُدرك قارئ هذه الرواية مدى تورطها مع فعل التذكر واستنادها إليه كمرجعية موثوق بها لإنقاذ اللحظة الآنية من الانفلات واللاشي.

يُمثل فعل التذكر في الرواية فعلاً مؤلماً تحضر في مواجهته الكتابة بكل ما فيها من إطلاق العنان للخيال مع انشغال البطل بها. ففي كثير من الحالات يبدو حسين كما لو أنه تعرض لخيانة كبرى من ذاكرته، وهذه الخيانه تجعله يشعر بألم داخلي مبرح، لأنه لا يستطيع معرفة تفاصيل مهمة، وهو لا يُخفي مرارة عدم التذكر بل يقول: “ربما يكون ذلك قد حدث… ربما لم يحدث. يقيناً لا أتذكر” أو أن يقول في موضع آخر وهو يستعيد تفاصيل فراقه عن سلمى: “سأنسى ذلك كله، سأنساه تماماً، كمن أشفق الله عليه فنزع منه الذاكرة”.

اختار علي عطا أن يبني روايته وفق فصول قصيرة، تمتد مثل فروع شجرة، كل فرع  يفضي إلى آخر، وفي الوقت نفسه له نهايته المستقلة، المتصلة بالماضي والحاضر. أبطال الرواية لا يبدون غرباء عن واقعهم، ولا عن القارئ، إنهم أبطال حقيقيون من لحم ودم يمكن مشاهدتهم، والتحاور معهم من دون وجود مسافة مفتعلة. البطل الراوي حسين يروي حكاياته مع ضمير الأنا، مع استخدام مونولوج داخلي في بعض المقاطع السردية، أما بقية الأشخاص فيقدم حكاياتهم مثل لوحات متكاملة لكل منها تفاصيل تشبهها، الحديث عن الجد توفيق، أو الأب مثلاً يوجز عالمه بحيث يُمكن للقارئ تخيله بيسر، كذلك في حديثه عن صديقه السوداني المهاجر إلى أوروبا طاهر الحاضر الغائب على مدار الروايتين، هذا الطيف النبيل الذي يُمثل للبطل محور الثقة والأمان، حتى في سياق الأحلام التي يشاهده فيها يظل حضوره طيفياً ومُلهماً يبعث على البوح والصدق، فالرواية كلها مواجهة في سردها إلى طاهر، كما أن البطل السارد يحكي مع طاهر كما لو يخاطب نفسه كأن يصف لحظة مشاهدته زوجته سلمى بعد فراقهما: ” رأيت سلمى السكري أمس… التقت عينانا… لم أفكر  في أن أتحاشى ذلك اللقاء يا طاهر”.

وتكمن أهمية هذه الرواية في أنها تؤرخ لذاكرة تباعدت عن أصحابها، تضم أحداثاً سياسية، مع وقائع شخصية. تغيرات المكان جغرافياً مع سؤال السارد عن زمن تصاعد الأصولية في مصر، وسبب مهادنة تنظيم الضباط الأحرار لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في العهد الملكي. تجمع انكسارات الفرد مع تحولات الوطن وتبدل أحوال أهله. تؤلف بين الاكتئاب الفردي وبين العبث الجماعي، بين فقدان الصحافيين مصادر رزقهم في ظل توقف الصحف، وإغلاق مواقع الصحف الإلكترونية، وبين عجز البطل السارد عن استيعاب هذه التحولات السريعة والمؤلمة التي تتركه في عراك مستمر مع الأحلام، حيث تبدأ الرواية بحلم مؤلم، وتنتهي مع حلم آخر، ثم يظل حضور اسم “أم كلثوم” في العنوان الذي يجمع بين الخالة وبين المطربة الخالدة إشارة مهمة إلى ذاكرة فردية جماعية تستدعي زمناً مضى، وتتشبث بتوثيقه.

المزيد عن: ام كلثوم/رواية مصرية/الذاكرة الجماعية/القاهرة/اخترنا لكم

 

 

You may also like

35 comments

зарубежные сериалы в хорошем HD качестве 22 مارس، 2024 - 10:53 م

Great article, exactly what I needed.

Reply
глаз бога тг 11 أبريل، 2024 - 2:02 ص

If you desire to take much from this piece of writing then you have to apply such techniques to your won blog.

Reply
new cs:go skin bets sites 8 مايو، 2024 - 4:43 ص

I am curious to find out what blog system you happen to be working with? I’m experiencing some minor security problems with my latest website and I would like to find something more safeguarded. Do you have any suggestions?

Reply
Francisk Skorina Gomel state University 16 مايو، 2024 - 8:59 م

Francisk Skorina Gomel State University

Reply
Гостиничные Чеки СПБ 25 مايو، 2024 - 12:35 م

I think this is one of the most important information for me. And i’m glad reading your article. But wanna remark on few general things, The website style is ideal, the articles is really excellent : D. Good job, cheers

Reply
купить удостоверение тракториста машиниста 1 يونيو، 2024 - 4:14 ص

I pay a visit daily some sites and blogs to read articles, except this weblog provides quality based content.

Reply
купить удостоверение тракториста машиниста 1 يونيو، 2024 - 4:10 م

For most up-to-date news you have to visit world-wide-web and on internet I found this site as a best web site for most up-to-date updates.

Reply
купить удостоверение тракториста машиниста 2 يونيو، 2024 - 3:47 ص

Howdy very nice blog!! Guy .. Beautiful .. Amazing .. I will bookmark your blog and take the feeds also? I am glad to find numerous useful information here in the post, we’d like develop more strategies in this regard, thank you for sharing. . . . . .

Reply
russa24-diploms-srednee.com 11 يونيو، 2024 - 8:01 م

Howdy! Do you know if they make any plugins to protect against hackers? I’m kinda paranoid about losing everything I’ve worked hard on. Any recommendations?

Reply
хот фиеста game 13 يونيو، 2024 - 4:51 ص

It’s very easy to find out any topic on net as compared to books, as I found this piece of writing at this web site.

Reply
hot fiesta game 14 يونيو، 2024 - 6:56 ص

Hmm it seems like your website ate my first comment (it was extremely long) so I guess I’ll just sum it up what I had written and say, I’m thoroughly enjoying your blog. I as well am an aspiring blog blogger but I’m still new to the whole thing. Do you have any tips and hints for first-time blog writers? I’d genuinely appreciate it.

Reply
hot fiesta игра 15 يونيو، 2024 - 5:49 ص

Heya i’m for the first time here. I came across this board and I find It truly useful & it helped me out a lot. I hope to give something back and help others like you helped me.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 5:33 ص

I constantly spent my half an hour to read this weblog’s posts every day along with a cup of coffee.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 10:01 م

Hey There. I found your blog using msn. This is an extremely smartly written article. I will be sure to bookmark it and come back to read more of your useful information. Thank you for the post. I will definitely comeback.

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 12:31 ص

Thanks for your marvelous posting! I truly enjoyed reading it, you could be a great author.I will ensure that I bookmark your blog and will come back later in life. I want to encourage yourself to continue your great job, have a nice day!

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 8:27 ص

Hi there friends, how is everything, and what you desire to say concerning this article, in my view its in fact awesome for me.

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 10:00 م

Hi there, I want to subscribe for this webpage to get most up-to-date updates, so where can i do it please assist.

Reply
строительство автомойки 6 يوليو، 2024 - 10:14 م

Автомойка самообслуживания под ключ становится всё популярнее. Это экономичный и простой способ начать своё дело с минимальными вложениями.

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 7 يوليو، 2024 - 11:21 ص

Франшиза автомойки позволяет предпринимателям использовать уже известный на рынке бренд и проверенную бизнес-модель для создания прибыльного дела с минимальными рисками.

Reply
строительство автомоек под ключ 7 يوليو، 2024 - 11:38 م

1Франшиза автомойки от нашей команды – это успешный бизнес с минимальными инвестициями. Давайте станем партнерами!

Reply
мойка самообслуживания под ключ 8 يوليو، 2024 - 11:07 ص

“Франшиза автомойки” от нас подразумевает полную поддержку и совместные усилия. Мы тесно взаимодействуем с каждым из наших партнеров.

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 8 يوليو، 2024 - 10:53 م

“Строительство автомойки под ключ” гарантирует высокую отдачу от инвестиций. Начните свой путь к успешному бизнесу с нами!

Reply
Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 3:17 م

WOW just what I was searching for. Came here by searching for %keyword%

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 4:49 ص

My programmer is trying to persuade me to move to .net from PHP. I have always disliked the idea because of the expenses. But he’s tryiong none the less. I’ve been using Movable-type on numerous websites for about a year and am worried about switching to another platform. I have heard great things about blogengine.net. Is there a way I can transfer all my wordpress content into it? Any kind of help would be really appreciated!

Reply
строительство автомоек под ключ 15 يوليو، 2024 - 1:09 م

“Строительство автомойки под ключ” включает все от проектирования до ввода в эксплуатацию. Ваш бизнес-проект будет безопасен и эффективен с нами!

Reply
строительство автомойки под ключ 15 يوليو، 2024 - 9:43 م

Мойка самообслуживания под ключ обеспечивает комфорт для клиентов и стабильную прибыль для владельца. Присоединяйтесь к успешным предпринимателям!

Reply
строительство автомойки 16 يوليو، 2024 - 6:14 ص

“Франшиза автомойки” от нашей сети – это готовое решение для старта вашего бизнеса. Мы предлагаем полную поддержку и профессионализм.

Reply
автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 2:50 م

Выбрав услугу “автомойка самообслуживания под ключ”, инвестор получает полностью оснащенную и готовую к эксплуатации моечную станцию без необходимости заниматься её организацией самостоятельно.

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 16 يوليو، 2024 - 11:46 م

Франшиза автомойки – это возможность стать частью успешной сети с готовым бизнес-планом и маркетинговой поддержкой на всех этапах работы.

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 17 يوليو، 2024 - 8:44 ص

Строительство автомойки под ключ – это удобный способ получить готовый бизнес без хлопот. Мы предоставляем полный пакет услуг, от проектирования до запуска.

Reply
Jac Амур 19 أغسطس، 2024 - 9:39 م

I have fun with, cause I found exactly what I used to be looking for. You have ended my 4 day long hunt! God Bless you man. Have a nice day. Bye

Reply
theguardian 24 أغسطس، 2024 - 1:08 ص

Aw, this was a really nice post. Spending some time and actual effort to create a great article but what can I say I procrastinate a lot and never seem to get anything done.

Reply
theguardian.com 26 أغسطس، 2024 - 3:14 م

My relatives all the time say that I am wasting my time here at net, except I know I am getting familiarity every day by reading such nice articles or reviews.

Reply
theguardian.com 27 أغسطس، 2024 - 11:15 م

If you are going for best contents like I do, simply pay a visit this website daily as it offers quality contents, thanks

Reply
theguardian 29 أغسطس، 2024 - 3:31 م

Hi, yup this post is actually pleasant and I have learned lot of things from it about blogging. thanks.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00