عرب وعالمعربي الديمقراطية… ذلك المستحيل الراسخ منذ “زمن الأوليمب” by admin 16 سبتمبر، 2022 written by admin 16 سبتمبر، 2022 10 ربما نشهد قريباً تضاؤل ديمقراطيات النموذج الغربي لصالح حكومات يمينية تقدم إجابات سهلة عن الأسئلة المعقدة اندبندنت عربية \ أمينة خيري صحافية بعد عهود طويلة من ارتباط كلمة “ديمقراطية” بكل ما من شأنه أن يكون جميلاً أو خيراً أو عظيماً أو لطيفاً أو عادلاً أو كل ما سبق معاً، وبعد مرور سنوات وملايين على يقين من أن أسمى ما يمكن أن يصبو إليه الإنسان هو الديمقراطية، وبعد عهود طويلة من اعتبارها الغاية الوحيدة والهدف الأسمى للجميع، إذ بالمجتمعات التي ابتكرت الديمقراطية والدول التي تعيش في كنفها والشعوب التي لا تعرف سواها تستيقظ على مشاعر داهمة بأن الديمقراطية لم تعد كما كانت، أو أنها باتت في حاجة ماسة إلى المراجعة وإعادة النظر. عقود طويلة من العناوين والبحوث والمؤلفات والأطروحات التي تتعامل مع الديمقراطية باعتبارها النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأمثل والأفضل والأصلح، “هل يمكن أن تتحول الصين إلى دولة ديمقراطية؟”، “لماذا تعتقد كوبا أنها ديمقراطية؟”، “هل يمكن للغرب الديمقراطي أن يتعاون مع العالم النامي الرافض للديمقراطية؟”، “العالم الديمقراطي يقف على طرف نقيض من الديكتاتوريات”، “هل يتعارض الإسلام والديمقراطية”، وغيرها كثير من العناوين المرتبطة دوماً بالديمقراطية. ديموس قراطس “ديموس” الشعب و”قراطس” السلطة أو الحكم تمتزجان في “ديموسقراطس” أو الديمقراطية بمعنى الحكم من قبل الشعب، أو حكم الشعب بنفسه لنفسه، هو المعنى الذي تم وضعه من قبل الفلاسفة في بلاد اليونان القديمة على عهد آلهة الأوليمب. الشعب والسلطة ما زالا يمتزجان في جميع أنحاء العالم، لكن في اليوم الدولي للديمقراطية الذي تقام فعالياته في شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام تجد الديمقراطية نفسها في مكان آخر غير الصدارة المعتادة، وتحوم حولها أسئلة كثيرة بدلاً من الجمل التقريرية التي ظلت تعتبرها منظومة غير قابلة للانهيار، ولا يمكن أن تكون عرضة للفشل أو الخطر. لعل 2022 هو أكثر الأعوام الذي شهدت فيه كلمة “ديمقراطية” إصراراً من كلمة “خطر” على الالتصاق بها، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت قالت قبل أيام قليلة إن “الديمقراطية أيضاً في دائرة الخطر”، فبعد أن سردت ما تعرض له العالم من الوباء ثم حرب في أوكرانيا وما نجم عن ذلك من أزمة غذاء ووقود وضغوط اقتصادية هائلة، قالت إن وضع العالم يزداد قتامة بدخول الديمقراطية دائرة الخطر. باشيليت أضافت “في 2021 انخفض مستوى الديمقراطية إلى ما كانت عليه في 1989، أي إن المكاسب الديمقراطية التي تحققت في السنوات الـ30 الماضية تضاءلت بشكل كبير. وفي 2021 يبقى نحو ثلث سكان العالم يعيشون في ظل حكم استبدادي، أما الدول التي تميل إلى الاستبداد فيبلغ عددها ثلاثة أضعاف تلك التي تميل إلى الديمقراطية”. وتابعت المفوضة السامية أن تدهور الديمقراطية بدا جلياً في عدد من دول آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية وآسيا والمحيط الهادئ وفي مناطق من أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي من خلال الاعتداءات المختلفة على سيادة القانون، كما انتشرت ظاهرة استغلال الحكومات جائحة كورونا كذريعة لتقليص الرقابة على الإدارة العامة. الاستبداد والتضليل أسهبت باشيليت في الحديث عن “حكومات العالم الاستبدادية” وكيف أنها تستخدم المعلومات المضللة لتشكيل الرأي العام المحلي وكذلك الدولي، وقالت إن هذه الحكومات تغذي خطاب الكراهية ضد المهمشين والمستبعدين وتقوض دعائم الإنسانية المشتركة. وقالت إن “افتقار الثقة في المؤسسات وفر أرضاً خصبة للقادة والحركات الشعبوية التي تنتهز الفرصة لإلقاء اللوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان، فيتم تقويضها الواحد تلو الآخر”. وأشارت إلى أن “بعض الديمقراطيات الراسخة استلهم نهج الحكم الاستبدادي ظناً أنه الطريق الوحيد لاستقطاب الدعم، وراحت هذه الأنظمة المفترض أنها ديمقراطية تفرض قيوداً على الحيز المدني وحرية التعبير ووسائل الإعلام وغيرها من الحقوق الأخرى الأساسية للديمقراطية”، واصفة الوضع بـ”سباق حقيقي نحو القاع”. ورغم أن القاع مزدحم فإن الربط بين الديمقراطية والقاع صادم، فقبل عقود طويلة قال رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرشل إن “الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، باستثناء كل الأشكال الأخرى التي تمت تجربتها”. كلمات تشرشل الغاضبة من الديمقراطية كان سببها شخصياً بحتاً، فقد كان غاضباً لأن البريطانيين رجحوا كفة خروجه من منصبه رئيساً للوزراء بعد أشهر من الانتصار في الحرب العالمية الثانية. مات تشرشل قبل أن يرى أو يسمع مطالبات من داخل بريطانيا يعلو صوتها في أعقاب رحيل الملكة إليزابيث، وترى أنه لا مكان للعائلة المالكة في نظام ديمقراطي حديث، مما يعني أنهم يرون أن بلادهم ليست مكتملة الديمقراطية ما دامت هناك عائلة ملكية تحكم ولو صورياً. يمين متطرف متنام الصور والفيديوهات والأخبار التي تملأ الأثير قادمة من الواقع، تشير إلى أن اليمين المتطرف آخذ في النمو والتوسع واكتساب أرضية وشعبية في أعتى الديمقراطيات الغربية. قبل ساعات قليلة اعترفت رئيسة وزراء السويد وزعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ماغدالينا أندرسون بنمو تيار اليمين في بلادها، معلنة استقالتها رسمياً من منصبها بعد أن فاز تحالف المعارضة اليميني بالانتخابات العامة. السويد المصنفة رابع أكثر دول العالم ديمقراطية تشهد توسعاً وشعبية غير مسبوقين للتيارات السياسية اليمينية حالياً، وعلى رأسها حزب الديمقراطيين السويديين الذي تأسس عام 1988 ويجمع أطيافاً عدة تتراوح بين الوسط اليميني وبالغ التطرف، كما يحوي عناصر يتم وصفها في السويد بأنها “فاشية” و”أنصار القومية البيضاء”، بل إن بعضهم على صلة بالحركات النازية الجديدة، ورغم إجراءات عدة قام بها الحزب لتحسين صورته فإنه حزب يميني متطرف. والسويد ليست استثناء في بزوغ نجم اليمين، فأغلب دول أوروبا لديها أحزاب يمينية تتراوح في ما بينها في درجات التطرف، سواء كانت شعبوية أو أقصى اليمين أو يساره أو وسطه، ورغم هذه التراوحات فإن الأحزاب الموجودة في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمجر وغيرها تتفق في العداء للهجرة، لا سيما المسلمين وكذلك اليهود والقوميات المتطرفة والفوقية والعنصرية. ورغم العناوين الرنانة والمقولات الجذابة التي تشير إلى أن أحد أبرز مكامن الخطورة على الديمقراطية وقيمها وقواعدها هو التيارات والأحزاب اليمينية، وكيف أنه يجب مناهضتها حماية للديمقراطية ووقاية لها، فإن آخرين يرون أن السماح بوجود أحزاب يسارية أو يمينية أو غيرها هو صميم الديمقراطية. ويكفي هذان العنوانان من “فاينانشيال تايمز” “الديمقراطية في الغرب تتكيف مع أقصى اليمين”، و”تايم” “الديمقراطية لا يمكن أن تعيش إلا لو تم تهميش أقصى اليمين”. أقصى اليمين المنتعش في الغرب عمق الانقسامات في عدد من المجتمعات، ففريق ليبرالي يؤمن بالتعددية في التعبير والأيديولوجيا والأعراق والهويات وغيرها، وفريق كاره للتعددية ولا يؤمن إلا بالفوقية. هذه هي الأيديولوجيا التي يعتنقونها وتلقى رواجاً وانتشاراً بفضل قيم الديمقراطية التي تترك متسعاً للجميع للتعبير في إطار القوانين. بشر غير مؤهلين في إطار الأوراق البحثية والأفكار غير التقليدية خرج أستاذ العلوم السياسية الأميركي شون روزنبرغ قبل ثلاثة أعوام في فاعلية أكاديمية ليؤكد أن “العقول البشرية غير مؤهلة لأن تحكم نفسها بنفسها، والديمقراطية بدأت فعلياً في التهام ذاتها”. وبحسب ما جاء في “بوليتيكو” تحت عنوان “الورقة الصادمة التي تنبأت بنهاية الديمقراطية” (2019)، قال روزنبرغ إن الديمقراطية عمل شاق، وبما أن “النخب” في المجتمع الخبراء والشخصيات العامة الذين يساعدون من حولهم في تحمل المسؤوليات الثقيلة التي تأتي مع الحكم الذاتي تم تهميشهم بشكل متزايد، فقد أثبت المواطنون أنهم غير مؤهلين معرفياً وعاطفياً لإدارة ديمقراطية تعمل بشكل جيد، ونتيجة لذلك انهار المركز وتحول ملايين الناخبين المحبطين والمليئين بالذهول في يأس إلى شعبويين يمينيين. ويمضي روزنبرغ في نظريته المتنبئة بسقوط الديمقراطية بشكلها المعروف، فيقول إن العقود القليلة المقبلة ستشهد تضاؤلاً مستمراً في عدد الديمقراطيات المصممة بحسب الموديل الغربي، وتلك التي ستبقى ستتحول إلى مجرد قشور. ويتنبأ روزنبرغ بأن الحكومات اليمينية الشعبوية ستحل محل الديمقراطية، لا سيما أنها قادرة على منح الناخب إجابات سهلة عن أسئلته المعقدة. عمل شاق يعود روزنبرغ إلى مبدأ أن “الديمقراطية عمل شاق”، لكنه هذه المرة يشير إلى أن الديمقراطية تتطلب من أولئك الذين يختارونها ويتمسكون بها أن يحترموا المختلفين معهم، وغيرهم ممن قد لا يحبونهم أو يشبهونهم بالضرورة. ويقول إن الديمقراطية تتطلب من المتمسكين بها أن يطلعوا على كميات ضخمة من المعلومات، والتفرقة بين الحسن والضار من جهة، والحقيقي والمفيد من جهة أخرى. ويفجر روزنبرغ مزيداً من الصدمات بقوله إن البحوث النفسية تشير إلى أن البشر لا يفكرون بطريقة سوية بالضرورة، وأن التحيزات تغزو أدمغتنا بشكل واضح، “لذلك يميل العقل البشري إلى استبعاد الأدلة عندما لا تتوافق مع أهدافنا، بينما نتبنى المعلومات التي تؤكد تحيزاتنا، فعقولنا تقتل الديمقراطية الحديثة، والبشر ببساطة لم يخلقوا لها”. ما قاله روزنبرغ بدا صادماً، لكنه شجع كثيرين على إعادة النظر في “قدسية” الديمقراطية. وقبل ما يزيد على عقد حين خرج نائب الرئيس المصري الأسبق ومدير “الاستخبارات العامة” الراحل عمر سليمان ليقول في مقابلة صحافية إن “الناس (المصريين) غير جاهزين أو غير مهيئين بعد للديمقراطية” قامت الدنيا ولم تقعد، لكنها قعدت بعض الشيء حين انتخب المصريون جماعة “الإخوان” لترأس مصر عبر مرشحها محمد مرسي عام 2012، قبل أن ينقلبوا على اختيارهم عام 2013. ولا يمكن الفصل بين الديمقراطية الحديثة والشعبوية اليمينية، مع تصاعد التشكيك في قدرة الديمقراطية بمعناها الكلاسيكي على البقاء على قيد الحياة من دون النظر في الاعتبار إلى “الديمقراطية الشعبية المتحققة عبر منصات التواصل الاجتماعي”، وفي أقوال أخرى “الشعبوية اليمينية المتطرفة على هذه المنصات”. فبعد سنوات من تبجيل منصات الـ”سوشيال ميديا” باعتبارها أداة مضمونة للدمقرطة ونشر القيم الديمقراطية لمن لا ديمقراطية لديهم، كشفت هذه المنصات ذاتها عن وجهها اليميني الشعبوي المتطرف باسم الديمقراطية. باسم الديمقراطية باسم الديمقراطية شهدت دول عدة أبرزها وأحدثها دول عربية في ما يسمى “الربيع العربي” تظاهرات وانتفاضات، أفضت إما إلى فوضى شاملة أو صعود تيار إسلامي شعبوي يمكن وصفه بـ”اليميني المتطرف”. وباسم الديمقراطية أيضاً تدخلت وما زالت دول غربية ذات أصول ضاربة في الحكم الديمقراطي في شؤون دول أخرى بغرض التأسيس للديمقراطية ونشر مفاهيمها وترسيخ أقدامها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أفغانستان والعراق وليبيا. وباسم الديمقراطية نزح آلاف من الدول غير الديمقراطية أملاً في الوصول إلى بر الدول الديمقراطية الآمن للعيش في نعيمه الديمقراطي. وباسم الديمقراطية بدأت دول عدة معروفة بكونها من أعتى ديمقراطيات العالم تراجع أسسها الديمقراطية، لا سيما أن حالاً عامة من التململ تسود العالم. في الولايات المتحدة الأميركية يكثر خلال هذه الآونة الحديث عن الديمقراطية، وهو حديث أقرب ما يكون إلى السؤال وطلب المراجعة، فالجميع يعرف أن الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه بنفسه، لكن يبدو أن الجميع في أميركا ليس متفقاً على تعريف من هو الشعب. تشير ورقة منشورة على موقع “بروكينغز” عنوانها “هل الديمقراطية تسقط وتعرض نظامنا الاقتصادي للخطر؟” (2022) إلى أنه رغم وجود نقاط اتفاق عبر الخطوط الحزبية والأيديولوجية بوجه عام، فإن بعضاً في أميركا يؤمن بأنه كي تكون أميركياً حقيقياً يجب أن تكون مؤمناً بوجود الله، وتعرف نفسك بأنك مسيحي ومولود في أميركا. تقرير واستنكار من أميركا غرباً إلى اليابان شرقاً، ومن روسيا وأوروبا شمالاً إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية جنوباً، تجوب العالم أسئلة متواترة حول جدوى الديمقراطية وموقعها الحالي في ظل الأحداث والحوادث المتسارعة. الملاحظ في السنوات القليلة الماضية هو التغير الذي طرأ على الأسئلة، فبعد أن كانت تقريرية مثل “لماذا الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم؟”، أصبحت تميل حيناً إلى الاستفهامية مثل “هل الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم؟”، وحيناً إلى الاستنكارية مثل “هل حقاً الديمقراطية هي الأفضل؟”. المؤكد أن العالم لا يود الاحتفال في سبتمبر (أيلول) المقبل بـ”اليوم الدولي للديكتاتورية” بدلاً من “اليوم الدولي للديمقراطية”، لكن المؤكد أيضاً أن هالة القدسية التي تحيط بالديمقراطية في حاجة إلى مراجعة. المزيد عن: الديمقراطية\الربيع العربي\اليمين المتطرف\حقوق الإنسان\الصينالسويد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف غير شامبليون فهم العالم للحضارات القديمة؟ next post غروتوفسكي “المعلم البولندي” الذي فاجأ النخبويين بمسرحه المتقشف You may also like قصة حركة “حباد” المرتبطة بمقتل الحاخام الإسرائيلي في... 27 نوفمبر، 2024 3 نقاط استجدت على الوساطة الأميركية جعلت نتنياهو... 26 نوفمبر، 2024 إسرائيليون ينقبون في إثيوبيا عن مملكة يهودية مزعومة 26 نوفمبر، 2024 بايدن يؤكد: إسرائيل ولبنان وافقتا على وقف إطلاق... 26 نوفمبر، 2024 ماكرون يدعو لبنان “لانتخاب رئيس” بعد اتفاق وقف... 26 نوفمبر، 2024 مقاطعة صحيفة هآرتس: صراع الإعلام المستقل مع الحكومة... 26 نوفمبر، 2024 ما سر استبعاد مئات الإخوان من قوائم الإرهابيين... 26 نوفمبر، 2024 “إنهاء نظام خامنئي الخيار الوحيد أمام إسرائيل في... 26 نوفمبر، 2024 ماذا نعرف عن بنود الاتفاق بين حزب الله... 26 نوفمبر، 2024 وزير المالية الإسرائيلي يدعو لخفض عدد سكان غزة... 26 نوفمبر، 2024