ثقافة و فنونعربي الدروس السياسية والأخلاقية خلف “مغامرات تيليماك” لفينيلون by admin 17 نوفمبر، 2021 written by admin 17 نوفمبر، 2021 249 الأسقف الفرنسي الذي دفع ثمن انتقادات مبطنة لباني قصر فرساي اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب عندما اختار الكاتب الفرنسي فرانسوا دي سالينياك، المعروف باسمه المختصر “فينيلون”، أواخر القرن الـ 17 أن يكتب نصاً سيعيش طويلاً كما سنرى، ليس حول يوليسيس كما جرت العادة، بل حول ابن هذا الأخير، تيليماك، هل كان في نيته أن يضع مؤلفاً في سيرة تلك الشخصية الإغريقية أم رواية مغامرات أم عملاً يوتيوبياً؟ أم تراه كان راغباً في أن يسخر وينتقد من سياسات الملك لويس الـ 14، لا سيما هدره المال العام؟ أم أنه كان ومن دون أن يدري يؤسس لتلك الأفكار التنويرية التي قامت عليها أفكار التنويريين الفرنسيين الذين مهدوا للثورة التي اندلعت بعد ذلك بأكثر من قرن من الزمن، لا سيما منهم “روسو” الذي ذكره مطولاً في كتابه “إميل أو التربية” أو “مونتيسكيو” الذي استلهمه في “حكايات فارسية”؟ في مطلق الأحوال من الواضح أن فينيلون لم يكن يسعى إلى معظم تلك الغايات، لكنه كان يعرف بالتأكيد لماذا وكيف حل عليه غضب “الملك الشمس” (لويس 14) فأمره بألا يبرح مركز أسقفيته الدينية في كامبراي التي كان مطرانها، وكف يده عن تربية حفيده الدوق دي بورغوني الذي وُضع النص أصلاً ضمن إطار تأديبه. إرث نابوليون كانت رواية فينيلون “مغامرات تيليماك” هذه في نهاية الأمر حدثاً بالغ الأهمية، حين صدرت في طبعة أولى من دون علم من مؤلفها في عام 1699، لتصدر خلال العام نفسه في ما لا يقل عن خمس طبعات وتصبح “أكثر الكتب مبيعاً” ومؤلفها لا يعرف عن ذلك شيئاً، والسلطات غاضبة مضطربة، لا سيما حين كانت الرواية تنشر خارج حدودها وتترجم إلى لغات عدة، بل حتى شعراً إلى اللاتينية، مشكّلة حالاً استثنائية في عالم النشر حينها. وهنا لا بد من أن نذكر أن الرواية النهائية التي نعرفها اليوم لم تصدر للمرة الأولى إلا عام 1717 بعد وفاة فينيلون (1651 – 1715) بسنتين حاملة اسمه ولغته الخاصة، واستأنفت الرواية منذ ذلك الحين انتشارها إلى درجة أنها ستكون نصاً يورثه نابوليون الأول لخليفته نابوليون الثاني كما ستُترجم في عام 1862، حتى الى التركية، حيث يُرجح أنها كانت أول رواية أوروبية تترجم إلى تلك اللغة. ابن يبحث عن أبيه غير أن ما نتوقف عنده هنا، بين الأمور التي لا تُحصى والتي يمكننا التوقف عندها بصدد هذه الرواية أمران، أولهما الغضب الذي أثارته لدى لويس الـ 14 وجعلها من الأعمال الأدبية المغضوب عليها، وثانيهما أن جزءاً أساساً من أقسامها يدور بين مصر الفرعونية وصور الفينيقية، كما أن الرواية كلها بمختلف أقسامها تدور بين مناطق شرقي البحر الأبيض المتوسط، فهي في نهاية الأمر تتخذ حبكة لها، البحث الذي يقوم به تيليماك الشاب ابن يوليسيس، سعياً إلى العثور على أبيه الذي كان بدوره يقوم برحلة معاكسة في طريق عودته الى إيتاكا بعد خوضه الحروب البولوبونيزية، كما يصف هوميروس الأمر في ملحمتيه الكبيرتين. ولكن تيليماك ليس وحيداً في رحلة بحثه بل تصحبه إلهة الحب “مينيرفا” المختبئة وراء قناع مؤدب للشاب يصحبه في حله وترحاله، محاولاً إخفاء غرام مينيرفا به، وهذا “المؤدب” يعيش مغامرات تيليماك معه متنقلاً من جزيرة إلى أخرى ومن مدينة إلى ثانية يحدثه طوال الطريق في دروس السياسة والتربية، وهي التي جعلت الكتاب يعتبر كتاباً سياسياً وكتاباً تربوياً، ولكن يعتبر أيضاً كتاباً معاصراً لزمن لويس الـ 14، وبالتالي لزمن فينيلون نفسه، يتخذ من تجوال الشاب الإيتاكي ستاراً يفضح من خلاله الممارسات السلطوية في فرنسا القرن الـ 17، ويصف في طريقه عوالم عدالة وازدهار ماضية، مما جعله هنا يُعتبر كتاباً يوتيوبياً، يحاكي أكثر كتب هذا النوع توقاً إلى العدالة والحكم النزيه. انقلاب بين مصر وصور في القسم الثاني من الكتاب وهو الأطول والأكثر أهمية إذاً، وبعد أن يكون تيليماك و”مؤدبه” (مينيرفا المتنكرة) وقعا بفعل عاصفة في جزيرة كاليبسو، وبدآ تجوالهما معاً، يتولى تيليماك بنفسه رواية الجزء الأول من مغامرته، مما يدفع حاكمة كاليبسو إلى تقديم مركب فينيقي له يعود به إلى مدينته. غير أن أسطول الفرعون المصري “سيزوستريس” يأسر المركب المصنوع في صور ويقوده إلى مصر سجيناً مع “مؤدبه”، أما ما يتعرفان عليه في هذا البلد فيكون ثراؤه وحكمة سلطاته. ولئن كانت هذه الحكمة تدفع الفرعون إلى تسليم أمر الأسيرين إلى القائد ميتوفيس فإن هذا سرعان ما يبيع “المؤدب” الى الإثيوبيين، فيما يجعل من تيليماك راعي غنم يتجول بقطيعه في “الواحة” ملقياً على الرعاة الآخرين دروساً في السياسة والأخلاق كان قد تلقاها من “مؤدبه”، ولاحقاً إذ يعلم الفرعون بالإنجازات التربوية التي يحققها تليماك بين الرعاة، يستعيده إلى عاصمة المُلك، واعداً إياه بتسهيل إعادته إلى إيتاكا. لكن الفرعون يموت بشكل غير متوقع مما يؤخر عودة تيليماك إلى دياره، والأمر الذي سيمعن في تأخيره كذلك مقتل خليفة الفرعون بوخوريس في معارك تدور أمام مرأى تيليماك بين الفرعون الجديد وطائفة من المتآمرين يدعمهم الفينيقيون في محاولتهم الانقلابية. العودة للديار ولكن ينتصر بوخوريس في النهاية لكنه يصفح عن المقاتلين الفينيقيين ويعيدهم إلى صور وفي عدادهم تيليماك الذي يصل إلى هذه المدينة ملاحظاً ازدهارها ورفعة شأنها، ولو على حساب سكانها الذي جعل منهم محتلها القبرصي بيغماليون عبيداً بؤساء. وأمام هذا الواقع يحاول تيليماك، ما إن وصلت السفينة التي تقله إلى قبرص في طريقها إلى صور، أن يهرب، لكن بيغماليون الذي يراقب كل شيء، يتنبه إلى كونه أجنبياً فيحاول اعتقاله، بيد أن عشيقة بيغماليون آسترابي تتمكن من إنقاذه مبدلة إياه بشاب بريء لا علاقة له بالأمر، أما هو فيتمكن هنا من الوصول على متن مركب قبرصي إلى الجزيرة منتقلاً منها الى إيتاكا. ولا بد من الإشارة الى أن تيليماك هو الذي يروي كل هذا الذي حدث معه، لكاليبسو في حضور “مؤدبه” الذي ينصحه هنا بأن يتباطأ في روايته وألا يندفع متحمساً تجاه ما يرويه، مما يجعل من النص هنا نوعاً من الدرس الأدبي إضافة الى مزاياه الأخرى. كتاب الوجوه المتعددة كما أشرنا أعلاه، عرف فينيلون كيف يجعل من هذا النص كتاباً ذا وجوه متعددة وغايات أكثر عدداً، ومن الواضح أن هذا ما جعل له سحره الذي حافظ عليه على مر الأزمنة، وجعله يُضم إلى تلك النصوص المؤسسة، غير أن غايات الكاتب الحقيقية لم تغب عن السلطات، لا سيما منها ذلك النقد المبطن إلى حد ما الذي تعمد الكاتب أن يوجهه إلى أحد أبرز “الإنجازات” التي ميزت عصر الملك لويس الـ 14: هدر الأموال والإنفاق من دون حذر على مشاريع وتجهيزات “لا طائل من ورائها”. ففي مكان ما من الكتاب يتحدث تيليماك عن مملكة “بيتيكا” التي يفيدنا أنها تقع على أطراف جزيرة أوجيجي التي تميز أهلها وحكامها بتواضعهم الموازي لازدهارهم وببساطة حياتهم ووداعة أخلاقهم وغياب الطمع الذي كان يمكن أن يقودهم إلى الصراعات والناتج من اهتمام فئة منهم بالبذخ على حساب فئة أخرى. وهنا كان واضحاً أن فينيلون إنما يشير بهذا إلى البذخ الذي كان “الملك – الشمس” قد بذله من أموال الدولة والشعب لتشييد قصر فرساي المنيف والذي كان يُعتبر تحفة عمرانية في زمنه، في وقت كانت فرنسا تعاني فيه ضائقة اقتصادية تفاقمت إلى حدود غير معقولة. والحال أن هذه الإشارة في حد ذاتها كانت كافية لاستثارة غضب السلطات، بخاصة وأن الكاتب تعمد أن يبث تلك الإشارة وغيرها من خلال مقارنة مبطنة بين تقشف سكان المملكة الخيالية وحكمة سلطاتها، وهو نفس ما فعله حين وصف مصر الفرعونية التي كان بذخها وازدهارها مبررين بفعل غناها المطلق، وكذلك حين تحدث عن صور الفينيقية التي لم ير مغبة في بذخها، وبين الأوضاع التي تعيشها فرنسا ولا تتحمل أي بذخ. المزيد عن: الكتاب\فينيلون\لويس الرابع عشر\فرنسا\نابوليون\إقتباس مسرحي 19 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ماذا يدور في كواليس العلاقات المصرية – الإسرائيلية؟ next post دوافع ووقائع انتفاضة المصريين ضد “مومس سارتر” You may also like سمير قسيمي يجعل من السلحفاة بطلة نسائية 15 مارس، 2025 لماذا ركز حفل الأوسكار على بوند وترك لينش... 15 مارس، 2025 هكذا تدلى ابن خلدون من أسوار المدينة للقاء... 15 مارس، 2025 رائد الكوميديا المغربية محمد الجم يعود الى التلفزيون 15 مارس، 2025 “حكي العوام” لشربل داغر: خريطة الأدب الجينية 15 مارس، 2025 “نزوى” العمانية : يحيى الناعبي في حوار (الفكر... 15 مارس، 2025 بعد 25 عاما من “أسنان بيضاء”… زادي سميث... 14 مارس، 2025 روائية استرالية تحاكم فيرجينيا وولف في لعبة تخييلية 14 مارس، 2025 توماس مان يتلمس صعود الفاشية بين زعيم مخادع... 14 مارس، 2025 الرسامة رباب نمر رحلت في غيوم الأبيض والأسود 14 مارس، 2025 19 comments 시아누크빌카지노 17 نوفمبر، 2021 - 4:54 ص I love what you guys tend to be up too. Such clever work and reporting! Keep up the wonderful works guys I’ve added you guys to my blogroll. Reply marijuana delivery near me 17 نوفمبر، 2021 - 5:38 ص I visit each day some web pages and websites to read articles, however this web site gives quality based content. Reply Lamborghini performance 28 يوليو، 2024 - 5:26 م Thank you for addressing this topic. It’s very relevant to me. Reply medartix.com 16 يناير، 2025 - 10:49 ص I am so grateful for your article.Really thank you! Cool. Reply mini massager tips for fat 21 يناير، 2025 - 5:49 م Major thankies for the post. Much obliged. Reply 익산출장마사지 29 يناير، 2025 - 10:23 م Very neat article.Thanks Again. Reply Renta de carros Bogotá sin tarjeta de crédito 11 فبراير، 2025 - 7:43 ص Hi there! I could have sworn I’ve been to this blog before but after checking through some of the post I realized it’s new to me. Anyhow, I’m definitely delighted I found it and I’ll be book-marking and checking back frequently! Reply Industrial Milling Machine 18 فبراير، 2025 - 1:36 م Thank you ever so for you post.Much thanks again. Awesome. Reply astrologia 19 فبراير، 2025 - 10:26 ص Great delivery. Solid arguments. Keep up the great work. Reply SheTopper Shades 20 فبراير، 2025 - 3:25 م This is one awesome blog article.Really thank you! Really Great. Reply بت یک 22 فبراير، 2025 - 3:05 م It can be very helpful to watch professional players who share your same position on the field. Reply 深圳怡康婦產醫院評價 24 فبراير، 2025 - 1:21 م Thank you ever so for you blog.Much thanks again. Cool. Reply 오피스타(평생주소) 바로가기 25 فبراير، 2025 - 11:26 ص Really informative post.Really thank you! Want more. Reply 오피스타 아로마 25 فبراير، 2025 - 5:42 م I am so grateful for your article post.Really thank you! Reply pubg uc buy 27 فبراير، 2025 - 2:42 م Im obliged for the blog post.Much thanks again. Will read on… Reply 토지노솔루션임대 5 مارس، 2025 - 11:46 ص Say, you got a nice blog.Really looking forward to read more. Will read on… Reply 토지노솔루션 5 مارس، 2025 - 5:51 م I think this is a real great blog article.Thanks Again. Really Great. Reply 佳文网 6 مارس، 2025 - 12:23 م A big thank you for your blog. Will read on… Reply best sex dolls 10 مارس، 2025 - 1:11 م Great blog.Really looking forward to read more. Cool. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.