الإثنين, مارس 17, 2025
الإثنين, مارس 17, 2025
Home » الحقيقي والمتخيل في سيرة الإسكندر المقدوني

الحقيقي والمتخيل في سيرة الإسكندر المقدوني

by admin

 

أول صانع لـ”العولمة” كما نفهمها اليوم في تاريخ البشرية

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

ترى ما هو العدد الحقيقي للمدن التي تحمل، وفي مناطق لا نهاية لها من العالم، اسماً مشتقاً مباشرة أو بصورة مواربة من الاسم الذي حمله في الزمن المقدوني الذي تلا الزمن الإغريقي مباشرة، ذلك الفاتح الاستثنائي الذي قام بغزوات مدهشة في زمن قياسي جاعلاً من نفسه، ومن دون أن يدري بالتأكيد، أول صانع لـ”العولمة” كما نفهمها اليوم في تاريخ البشرية؟ من الصعب إحصاء تلك المدن الحاملة اسم الإسكندر، على وجه اليقين، ولكن في المقابل، وحتى وإن لم يكن ابن فيليب المقدوني وتلميذ أرسطو هو الذي بنى تلك المدن حقاً، فإنه لم يدخل الأسطورة إلا بعد موته بزمن وهو بعد في شرخ شبابه في واحدة من غزواته الكبرى، وتحديداً حين كان مقيماً في بابل إحدى دُرر تلك الغزوات. وهو دخل الأسطورة على أية حال من باب عريض، باب أوصله السينمائي الأميركي المشاكس، أوليفر ستون إلى ذروة العقلانية في فيلم السيرة الذي حققه عن حياته قبل نحو عقد ونصف العقد من السنين.

صحيح أن ستون وظف فيلمه سياسياً توظيفاً معاصراً لنا، لكنه بدا الأقرب إلى التصور الحقيقي للإسكندر المقدوني الذي قدمه كواحد من البُناة بالمعنى الحرفي للكلمة، حتى وإن سجل عليه كثيراً من المآخذ في الوقت نفسه. والحقيقة أن الإسكندر الذي قدمه فيلم ستون بدا الأقرب إلى المعقولية ولا سيما عبر تصويره البديع للتوغل الشرقي الذي قام به الإسكندر، كما قدمه معمارياً كبيراً، حتى وإن كان قد غمز من قناة تفيد بكونه الباني الحقيقي لكل تلك المدن التي حملت اسمه أو تنويعات عليه، وقامت حتى في مناطق لم يزرها الإسكندر، بل ثمة شك في أنه سمع بها أصلاً.

لوحة موزاييك تمثل الإسكندر المقدوني يقاتل ملك الفرس داريوس الثالث (متحف نابولي)

 

نص سرياني غريب

وهذا، على أية حال ما تحاول أن تقوله الباحثة الفرنسية مورييل ديبييه في واحدة من أحدث الدراسات العلمية التاريخية التي صدرت عن الغازي المقدوني، وهي دراسة ضخمة لا يقل عدد صفحاتها عن 650 صفحة تناولت جانباً من حكاية الإسكندر، وتاريخه كان نادراً أن دنا منه التاريخ الرسمي، ويتعلق بتلقي شعوب الشرق الأدنى سيرة الإسكندر وأسطوريته. وهو تناول لا شك أنه يفترض دائماً وجود أكثر من إسكندر واحد حتى في منطقة الشرق الأدنى. فهناك الإسكندر التاريخي المقدوني الحقيقي الثابت وجوده في التاريخ، والذي بنى عليه أوليفر ستون فيلمه، وهناك جملة من أبطال آخرين حملوا الاسم نفسه، منذ بلوتارخ في الأقل، وانطلقت سيرتهم بصورة أو بأخرى من سيرة ذلك الإسكندر التاريخي لتتشعب في مجاهل الحكايات الأسطورية جاعلةً من الإسكندر تارة ذا قرنين، وتارة رسولاً من رسل الآلهة، طوراً قائداً منشقاً، وأحياناً اسماً مستعاراً لجنرال من غير طوائف البنائين. وبالنسبة إلى الباحثة الفرنسية، حان الوقت للفرز بين كل تلك التصورات، وهو ما تحاول فعله في هذه الدراسة التي اعتمدت بصورة أساسية على ترجمة قامت بها المؤلفة نفسها لنص سرياني لم تعتبره مجهولاً تماماً، يحمل عنوان “حكاية الإسكندر” يكاد يقدم عن الفاتح التاريخي صورة لا تشبه صورته المعهودة، ويمكننا أن نفترض أن أوليفر ستون لم يطلع عليها لأنه لو فعل لكان من شأنه أن يضم فرضياتها إلى فيلمه لما فيها من سحر وجاذبية بصرف النظر عن المغزى السياسي الذي تحمله، وهو مغزى يكاد يجعل من هذا الإسكندر نصف إله، ويفيد بأن الإسكندر الذي حملته التواريخ العربية يتحدر مباشرة من ذلك البطل الأسطوري السرياني بأكثر كثيراً مما يتحدر من التاريخ الإغريقي – المقدوني المعروف، وحتى من دون أن يكون غير ذلك الذي بنى المدن وعولم العالم من خلال الإسكندرية المصرية بخاصة، والتي بقيت على عولمتها حتى أواسط القرن الـ20 في الأقل.

مصدران لتاريخ مدهش

صحيح أن الكتاب الذي نتناوله هنا ينطلق من الإسكندر التاريخي الذي نعرفه ليصب في الأساطير التي تطربنا، محدداً أن تلك التصورات التاريخية إنما عرفها العالم القديم من خلال ما كتبه ذلك المؤرخ المدعو كاليستين الأولمبي ابن أخت أرسطو، الذي رافق حملات المقدوني ليصبح الكاتب الرسمي لسيرته الذي نقل عنه، بقدر متفاوت من الأمانة كل من بلوتارخ وبوليبي وديودري الصقلي وآريين، وصولاً إلى الباحثين في مكتبة الإسكندرية الذين اشتغلوا في مصر منوعين على تلك السيرة ومضيفين إليها جوانب أسطورية تخص، بالأحرى، أبطالاً وغزاة آخرين.

ويبدو بحسب الباحثة أن ذلك كله قد صب في القرون الوسطى في طاحونة مترجمين وعلماء سريان أعادوا الاشتغال على تلك الوقائع التاريخية ممتزجة بالأساطير، ليبدعوا ما سيعرف بـ”رواية الإسكندر” ذلك الكتاب الشرقي الهوى والهوية الذي فتن الباحثة الفرنسية لتعيد الاشتغال عليه انطلاقاً من أصله السرياني. ولعل ما فتنتها فيه هو توليفته التي، إضافة إلى كونها تقدم لنا أساساً، البطل المقدوني الحقيقي، تؤسطره بصورة خلاقة وتفسر هوس مناطق الشرق الأدنى به، بل حتى بكونه واحداً من الأنبياء قبل ولادة النبوة في تلك المناطق من العالم. وهو على أية حال الأصل الذي ستبنى عليه صورة الإسكندر “الآخر”، التي تشعب الحكاية بصورة قد توحي بأن ثمة إسكندرات عديدين في تاريخ البشرية. وهنا يبدو لافتاً إلى أن الباحثة ديبييه لا تزعم أنها أول من “يكتشف” هذا الكتاب، إذ تؤكد أنه معروف في فرنسا وغيرها من المناطق الأوروبية منذ القرن الـ12، بل له هناك ما لا يقل عن دزينتين من التنويعات المتشابهة إلى حد ما، مؤكدة أن اللغة الفرنسية عرفت، وحتى القرن الـ14، العدد الأكبر من تلك التنويعات، ذاكرة، للمناسبة، أن بعض تلك التنويعات كتبت شعراً، وبتلك العروض الخاصة التي استعارت اسمها من صاحب السيرة نفسه لتعرف بـ”الإسكندرية”.

تنويعات شرقية

وإذ تتحدث الباحثة عن حضور هذا النص السرياني في فرنسا والغرب الأوروبي عموماً، تنتقل إلى حضوره في الشرق الأدنى، وربما وصوله إلى الهند شرقاً، لتخبرنا كيف أنه يقترح للإسكندر توصيفات عديدة تجعله مختلفاً إلى حد بعيد من الإسكندر التاريخي. ولعل الأكثر أهمية بين تلك التوصيفات هما التوصيفان اللذان يضعه إلههما في مصاف آلهة الأولمب ليبدو أقرب ما يكون إلى صورة السيد المسيح، فيما يضعه الثاني في مصاف كبار الحكماء في تاريخ الفكر الإنساني. ففي المضمار الأول نجده وقد ولد من رحم أمه أولمبياً ومن واحد من “آلهة” جبل الأولمب الإغريقي، ولادة نفاد بأن الأب فيليب المقدوني قد رضي بها، إذ إنها تنضوي في التقاليد الأسطورية الراسخة فجعله ابنه بالتبني ووريث عرشه. أما في المضمار الثاني فإن التقاليد الشرقية التي يكاد يجملها الكتاب السرياني، تنسب إليه أقوالاً ومواقف وحكماً مما ينسب عادة إلى لقمان الحكيم وسقراط وأرسطو، بل حتى أفلاطون. فهو في نهاية الأمر، وكما هو ثابت ومعروف، تتلمذ على أرسطو الذي تتلمذ على أفلاطون المتتلمذ أصلاً على سقراط. ومن هنا نجده في التقاليد الشرقية، عالماً وحكيماً وساحراً وكيماوياً، بل حتى ضليعاً في علوم الأرقام الفيثاغورية! إنه من صلب آلهة الأولمب إذاً، ومن سلالات الحكماء، غير أن نصوص الكتاب لا تبدو مكتفية بذلك، إذ ها هي تجعل منه نبياً بل منقذاً حين تحل نهاية الأزمنة عدا عن كونها تجعل منه مقاتلاً شرساً حتى في القرنين السادس والسابع الميلاديين (بعد موته بـ10 قرون في الأقل!) حين يحارب بسيفه واستراتيجياته جحافل الهون البرابرة الذين هاجموا أوروبا من شمالها الشرقي غزاة فاتحين. وهو قاتل أولئك بضراوة البطل المسيحي الفضيل، بحسب النص السرياني على أية حال، أي البطل المكلف أو المكلف نفسه بالدفاع عن العالم المتمدن ضد كل أنواع الهمجيات، بل إن النص السرياني لا يتورع هنا بالذات عن الحديث المسهب عن كون “الإسكندر ذي القرنين” قد بنى أبواباً معدنية ضخمة ساعدت العالم المتحضر على احتواء الهجمات البربرية، وهو ما يروى في الكتابات المقدسة العائدة على أية حال إلى حضارات وشعوب، بعضها عاش، ودون تلك التواريخ، قروناً قبل مجيء الإسكندر المقدوني.

المزيد عن: الإسكندر المقدونيأوليفر ستونالزمن المقدونيالزمن الإغريقيفيليب المقدونيأرسطومورييل ديبييه

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili