الأحد, ديسمبر 29, 2024
الأحد, ديسمبر 29, 2024
Home » الحرب ومأزق الكيانية الوطنية في السودان

الحرب ومأزق الكيانية الوطنية في السودان

by admin

 

“في ظل الاستقطاب الذي يضخه الوعي الخام لجماعات الشعب المتضررة من الاقتتال سنلاحظ خاصية أخرى تتفرع من تلك البنية التقليدية لوعي العمل الحزبي، وهي خاصية العصبية”

اندبندنت عربية / محمد جميل أحمد كاتب صحافي من السودان

في أكثر من محطة كشفت الحرب المركزية بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ 15 أبريل (نيسان) 2023 أوهاماً سرعت تناقضات الحرب بتعريتها، فبدا كما لو أن للتعبير عن تلك الأوهام اليوم أكثر من دالة مضللة لمفردات تستخدم في الأجندة الدعائية للنشطاء على طرفي الحرب، لكن ما سيعنينا هنا هو أن نتأمل إلى أي مدى يمكننا التعرف على هشاشة تلك المفردات كما عرتها اليوم وكشفت الحرب عن زيفها.

بداية، لا بد من القول إن تعثر صيغة الحداثة السياسية في السودان عكست طبيعة مأزومة منذ بدايات تكوين السودان الحديث، وكان الخلل الكامن في ذلك التعثر يزداد تعقيداً مع مرور السنوات، لكن يمكننا القول أيضاً، إن ما جرى في الـ30 سنة الأخيرة مع انقلاب البشير – الترابي على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في عام 1989، كان منعطفاً نوعياً حاداً من حيث اشتماله على تغييرات سلبية عميقة في الهوية الوطنية، مما راكم من تعثرات الصيغة المأزومة للحداثة السياسية وجعلها أشد استعصاءً اليوم، على ما نرى من تعبيرات عاكسة لهوية الانقسام الرأسي على صيغة الوطن، الذي بدأ يتشكل على إيقاع الحرب.

تبدو الحرب اليوم – على رغم عنفها شديد الوطأة – اختباراً يسمح لنا بالتعرف بصورة أكبر على كيفيات تمثل صورة الوطن في “التفكير السياسي” لنخبة من المحازبين السودانيين عطفاً على صورة الحرب الجارية، بحسب ما تكشفه مقالات لمثقفين سودانيين كتبوا عن هذه الحرب، حيث بدا البون بينهم شاسعاً ومعبراً عن خلفية انقسام شبه عمودي، لا حول توصيف طبيعة الحرب فحسب، بل كذلك عن تمثيلات الوطن منظوراً إليه من مناظير الحزب، ومن خلال الموقف من الحرب، الأمر الذي يجعلنا اليوم أكثر اطمئناناً للتأكد مما ظللنا نردده في مقالات كثيرة، أن أحد أهم الأمراض الكيانية للأحزاب السياسية في السودان، عجزها الدائم عن فك الارتباط العضوي بين هويتها الحزبية وهويتها الوطنية، بمعنى آخر، إن الدمج الأيديولوجي الذي يمزج على نحو ضار ومدمر، في تصورات المحازبين السودانيين، بين سقف الوعي الحزبي الخاص بوصفه في الوقت ذاته، إدراكاً وطنياً عاماً – وبخاصة في ظل الحرب – هو الذي تعرى اليوم بعد أن سرعت الحرب بإبراز تناقضاته على نحو لا يسمح بتأويل آخر، ذلك أنه في غياب أي تبلور لكيانية وطنية جامعة وعابرة للهويات الحزبية للأحزاب باتجاه مشروع يجمعها تحت برنامج سقف وطني جاد لإنقاذ الوطن من براثن الحرب، سيكون الشاهد الأكبر على تأكيد مأزق الحداثة السياسية في السودان.

لذلك يمكن القول، إن الحرب المركزية – على رغم خطورتها وآثارها غير المسبوقة عالمياً – لم تغير من نموذج ذهنية التفكير الحزبي التقليدي للأحزاب السياسية في السودان، بل كانت دالة أكثر من كاشفة عن تناقضات يمكننا بتحليل نماذجها المأزومة الخروج بتصورات ونتائج صادمة حيال ما يتعين معه في ظل الحرب من وجود ضروري لكيانية سياسية سودانية، ما زالت غائبة بالقوة وبالفعل، وبغيابها المعيب ذاك مع الحاجة الماسة إليها، يمكننا وضع اليد على طبيعة الأزمة.
لا نتحدث هنا عن نماذج أوتوقراطية أو حتى توتاليتارية عرفتها الحداثة السياسية لدول العالم الحديث في الشرق والغرب – خلال فترات ما – لأنه غني عن القول إنه بالإمكان اعتبار تلك الأوتوقراطيات السياسية التوتاليتارية، مندرجة ضمن صيغ ما – وإن كانت على نحو – من الحداثة السياسية، بوصفها كيانات لا تخلو من حدود دنيا للعقلنة والتعبير عن السياسي.

وفي تقديرنا أن الأمر بالنسبة للحالة الكيانية الحزبية السودانية يعكس لنا نموذجاً متخلفاً لمنظومة وعي قديم (رغم الانتظام السياسي والمدني الخادع)، أي إن ذلك النموذج الذي نتحدث عنه غير مندرج أصلاً في صيغة الحداثة السياسية حتى في حدودها الأوتوقراطية الحديثة.

لهذا سنجد أنفسنا، فيما نحن نحلل أسباب استعصاء الحداثة السياسية، أمام مواجهة بنية أوتوقراطية تعكس لنا ذهنية متخلفة لنمط العمل الحزبي العام لأحزابنا السودانية، والأسوأ من ذلك أن طبيعة هذه البنية الأوتوقراطية هنا لا تعكس اندراجاً في بنية سياسية حديثة، وإنما تعبر عن نظم إدراك قديمة: طائفية وقبائلية بصيغة مضمرة في لبوس انتظام حزبي مدني خادع، ذلك أن المجتمع السوداني الذي نشأت فيه أحزابنا يقوم توصيفه الحقيقي والدقيق على أنه لا يزال مجتمعاً تقليدياً تقبع في داخله أنساق تقليدية قديمة تفعل فعلها الخفي بتأثير مرجعياتها المؤثرة عبر الوعي الجمعي نحو استجابات لا أوعية في سلوك النخب الحزبية. هذه الحقيقة سنلاحظها بصورة واضحة في ما ذكرناه سابقاً مثلاً من عجز غالبية الأحزاب السودانية عن التفريق بين سقفها الحزبي الذي هو توافق خاص حول رؤية للعمل السياسي، وبين السقف الوطني الذي ينبغي أن يكون مشتركاً عاماً تنقسم عليه الأحزاب جميعها بتعريف موحد في قضايا لا تقبل الاختلاف الحزبي كقضية الحرب الأهلية والمصير الوطني.

ومن الأهمية بمكان تتبع جذور هذه الخاصية، وهي تشتغل اليوم اشتغالها الضار في التعبير عن نفسها من خلال مواقف الأحزاب السودانية من الحرب وعجزها حتى اليوم عن تأسيس كيانية سياسية تتجاوز الأفق الحزبي الخاص إلى الأفق الوطني بحد أدنى من الإجماع بين أحزابها من أجل إنهاء الحرب.
وللأسف في ظل الاستقطاب الذي يضخه الوعي الخام لجماعات الشعب المتضررة من عنف الحرب، سنلاحظ خاصية أخرى تتفرع من تلك البنية التقليدية لوعي العمل الحزبي وهي خاصية العصبية التي يمكن أن نرصدها في الطريقة التي تعبر عن استجابة أعضاء الأحزاب للدفاع عن أحزابهم، فهي طريقة تنم في حقيقتها عن طبيعة عصبية معبرة عن هوية خاصة كالقبيلة، لا هوية عامة كالحزب، الذي بطبيعته المتصلة بالمجال العام لا بد أن يكون قابلاً للترحيب بالنقد المستمر لأن الفضاء العام/ السياسة، هو بطبيعته مادة لاختلافات ضرورية في وجهات النظر. ولعل من الأهمية بمكان اليوم، التأمل في نموذج الرؤية التي طرحها حزب الأمة منتقداً فيها عمل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” (وهي حتى الآن لم تعقد مؤتمرها التأسيسي العام) كنموذج للتحليل.

فرؤية حزب الأمة التي وعد فيها بتفصيل أكثر في ورقة لاحقة، تمهل في الوقت نفسه تنسيقية تقدم أسبوعين للرد عليها.

ينتقد حزب الأمة نسبة 30 في المئة التي تم تخصيصها لتمثيل الأحزاب السياسية في الهيئة القيادية لـ”تقدم”، فتلك النسبة التي خصصت للأحزاب في الهيئة القيادية لـ”تقدم”، في مقابل 70 في المئة شملت قوى مدنية ومهنيين ونقابات ولجان مقاومة ومستقلين، وصفها الحزب بأنها تغليب لتلك القوى والمكونات المدنية على القوى السياسية في “شأن هو سياسي في المقام الأول”، ثم إذا تأملنا في بقية نقاط الرؤية النقدية للحزب على أداء “تقدم” حتى قبل إعلان مؤتمرها التأسيسي سنجد أنفسنا أمام محاولة واضحة للتنصل من العمل المشترك في ظل ظرف الحرب الذي لا يقبل فائضاً لسياسيات شكلية كالتي يطرحها حزب الأمة أمام صيغة تنسيقية “تقدم”، مثل دعوة الحزب إلى تمثيل الأحزاب بأوزانها السياسية في التنسيقية، والقول إن الرؤية الإعلامية لتنسيقية “تقدم” لا تنطوي على حياد إيجابي في الموقف من طرفي الحرب، إلى غير ذلك من الاعتراضات الشكلية التي يمكن أن يلقي تفسيرها – في هذا الوقت بخاصة – ظلالاً غامضة على موقف الحزب، وما إذا كان يتهيأ لأدوار في الكواليس قد تتقاطع مع ما يشاع من تسريبات عن تفاوض سري بين “الدعم السريع” والحركة الإسلامية. فإذا صح هذا الافتراض يمكن القول إن حزب الأمة هنا يتحضر لقفزة في الظلام، لا سيما إذا عرفنا بترتيبات موازية، كالتنسيقية الجديدة تحت مسمى “تنسيقية القوى الوطنية”، التي كشف عنها نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، والتي تسعى إلى اتفاق سياسي مع القوات المسلحة. وواضح جداً من مثل سعي التنسيقية الغريب هذا لإعادة تنظيم تحالفها مع الجيش السوداني عبر اتفاق جديد يضمر كثيراً مما يتعلق بمكاسب سلطة ما بعد الحرب، يضاف إلى ذلك التفنيد الذكي الذي كشف عنه الصحافي السوداني محمد لطيف في معرض تحليله لبيان الحركة الإسلامية الذي ردت به على الإفادات التي نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط” على لسان أمينها العام علي كرتي، حيث اتهم البيان الصحيفة “بالسعي إلى لفتنة عبر تحريف إفادات كرتي”. وأبان محمد لطيف أنه ليس ثمة تناقض في محتوى البيان مع الإفادات التي نقلتها الصحيفة عن كرتي، ليخلص لطيف إلى أن المقصود من “الفتنة” في بيان الحركة الإسلامية هو الخشية من فشل ما يشاع من مفاوضات سرية جارية بين الحركة الإسلامية و”الدعم السريع”.

هكذا يمكن القول إن الحراك السياسي السوداني الذي تعيد رسمه وقائع الحرب، والسعي إلى مكاسب سلطة ما بعد الحرب، بين قوى سياسية وعسكرية مختلفة بحسب ما يشاع من تسريبات حول مبادرات إقليمية ومحلية وتوافقات ترسمها موازين قوى تتضاغط فيها الأجندات على نحو قد يخلط الأوراق في وجه الجميع. ونقول إن هذا الواقع الذي يشهد تلك التجاذبات لا يعبر عن سوية لكيانية سياسية يمكنها الاضطلاع بأعباء ما بعد الحرب، الأمر الذي سيجعلنا أكثر حذراً مما يرسمه مستقبل العمل السياسي للسودانيين على هامش الحرب وما بعدها.

المزيد عن: السودانحرب الجنرالينالجيش السودانيتنسيقية تقدمقوات الدعم السريعحزب الأمة السوداني

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00