أحمد باشا الجزار الوالي العثماني (من الكتاب) ثقافة و فنون الجزار فقأ عين كبير مستشاريه حاييم اليهودي خوفا من أطماعه by admin 12 مارس، 2025 written by admin 12 مارس، 2025 8 يوسف معوض يروي بالفرنسية مرحلة إشكالية من التاريخ العثماني اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN يعرف المهتمون بالتاريخ العثماني وولاياته الواقعة في الجزء الجنوبي من بلاد الشام، وتحديداً ولاية صيدا في القرنين 18 و19 اسم أحمد باشا الجزار، الضابط البوسني الأصل الذي تولى قيادة هذه الإيالة عام 1775 حتى وفاته عام 1804، واسم اليهودي الدمشقي حاييم فارحي الصرّاف (1760-1820)، المعروف بالمعلم لتمكنه من التلمود، والذي عيّنه الجزار عام 1790 مستشاراً وأميناً لخزينته، وكان بمعنىً ما حاكماً فعلياً على عكا حتى بعد موت الجزار. بقي فارحي في منصبه أيام سليمان باشا المعروف بالعادل إلى أن قُتل بأمر من عبدالله باشا، والي عكا آنذاك والذي كان للمعلم حاييم دور في وصوله إلى رأس الإيالة، وهو ابن صديقه الذي تُوفي فجأة، فتولى رعايته كابنه. لكن بعد عام واحد من تولي عبدالله الحكم، بدأ يرى في حاييم عقبة أمام سلطته المطلقة. لذلك قرر التخلص منه… رواية الجزار بالفرنسية (دار درغام) عن هذه الفترة من التاريخ العثماني وعن حاييم فارحي بالذات تدور أحداث رواية يوسف معوض “حاييم أو مصير غير المتساوين” الصادرة بالفرنسية في بيروت عن منشورات درغام (2025). تقع هذه الرواية في 474 صفحة تستعيد من خلالها سيرة رئيس المستشارين وأمين الخزينة في عكا، الذي فقأ الجزار إحدى عينيّه وقطع إحدى أذنيه وطرف أنفه ثمّ سجنه، على رغم الدور الإيجابي الذي لعبه في إدارة الخزينة وفي التصدي للحملة الفرنسية بقيادة نابوليون بونابرت إبان حصار المدينة عام 1799، مما أسهم في نجاح العثمانيين في هزيمة الجيش الفرنسي المتفوق بعدده واعتدته بمعاونة الأسطول الإنكليزي بقيادة ويليام سيدني سميث. لكن المعلم حاييم استعاد حظوته بعد فترة وجيزة ولعب دوراً مفتاحيّاً في إدارة الولاية ولو سجن مجدّداً قبيل موت الجزّار عام 1804 في ظروف غامضة واستطاع استرداد مكانته من جديد في عهد سليمان باشا إلى أن وكلّ عبدالله باشا نسيبه إبراهيم بك بقتل فارحي ولم يسمح بدفنه، بل أمر بإلقاء جثته في البحر. فمن هو حاييم فارحي الذي تنتمي عائلته إلى يهود دمشق والذي حظي بتقدير كبير في البلاط السلطاني في إسطنبول؟ ماذا تخبرنا عنه هذه الرواية التي يتداخل فيها التوثيق التاريخي والخيال، والتي تحكي في ثلاثة أقسام قصة العلاقات التي كانت تارةً ودية وطوراً متوترة بين اليهود والمسلمين والمسيحيين في ظل الحكم العثماني؟ بداية من النهاية اليهودي حاييم فرحي مستشار الجزار (من الكتاب) تبدأ الرواية من نهايتها أي من خبر قتل حاييم، ليسرد لنا الراوي بعد ذلك بدايتها، أي من حيث تنطلق الأحداث حتى تعود لنفس النقطة مرة أخرى بعد 474 صفحة مشوقة، على رغم إسهابها في سرد بعض الوقائع أو التفاصيل وعلى رغم تضمنها يوميات حاييم المتخيلة. إلا أن القارئ لا يصادف مللاً، ذلك أن الشخصيات التاريخية والمتخيلة كشخصيتي زكريا الشاب اليهودي الإسطنبولي المعجب بأفكار الثورة الفرنسية ومحرز البدوي وهو أحد الطفّار رُسمت بمهارة وبدراسة لتصرفاتها وفق المعطيات التاريخية. ففي القسم الأول من الرواية الموسوم كتاب “المتعطش للدماء، حاييم والجزار باشا (1790-1804)” يسرد لنا يوسف معوض وهو المؤرخ الواسع الاطلاع والمستند في سرده إلى مراجع ووثائق تاريخية والمتمكن من معرفة الأحداث التي حصلت في الفترة التي تدور خلالها حبكة الرواية، أحوال ولاية صيدا ومركزها عكا وكيفية تولي أحمد باشا البوشناقي السلطة فيها واستدعائه لحاييم فارحي من دمشق لتولي إدارتها المالية. فيحدثنا عن سيرة الجزار منذ ولادته لأسرة مسيحية عام 1734 ووصوله إلى إسطنبول في بداية شبابه واعتناقه الإسلام، ثم انتقاله إلى القاهرة مع قافلة عائدة من الحج وعرض نفسه للبيع في سوق النخاسة، حيث اشتراه أحد اليهود ثم باعه لأحد أعيان المماليك لينضم الجزار لخدمته في القاهرة ويتزوج من امرأة مصرية حبشية الأصل. عمل الشاب بعد ذلك عند علي باشا، وكانت أولى خدماته لسيده أن قدم له رؤوس أربعة أشخاص من أعدائه، فاستخدمه للتخلص من معارضيه ومنحه لقب “بك”، مفسراً لنا كيفية حصول أحمد باشا على لقب “الجزار” بعد أن قام بغارات متتالية على البدو وذبح منهم بفأسه أكثر من 70 رجلاً كان من بينهم العديد من الشيوخ والقادة الأشداء. الكاتب يوسف معوض (صفحة فيسبوك) على أثر انقلاب محمد بك أبو الذهب العسكري على علي باشا، هرب الجزار إلى جبل لبنان، الذي كان يسيطر عليه آنذاك الأمير يوسف الشهابي. فكلفه الأمير بحفظ بيروت. فقام الجزار ببناء سور قوي حول المدينة. ثم انقلب على صديقه الأمير يوسف بمساعدة ظاهر العمر الزبداني وهو أحد حكام فلسطين. وفي عام 1775 أعطى السلطان العثماني أحمد الجزار لقب “باشا” وفوضه على إيالة صيدا، صائراً من أقوى الرجال في بلاد الشام، وهو الباشا، وأمير الحج، وسيد صيدا وطرابلس وعكا، الذي استطاع تحقيق الاستقلال بولايته، من دون أن يعلن عن هذا الاستقلال عن السلطنة. الحاكم العنيف كان الجزار حاكماً عنيفاً قاسياً لا شيء يردعه عن القيام بهجوم وحشي مهما كانت الذريعة، لكنه كان بحاجة إلى أمين خزينة قدير. تخبرنا الرواية أنه سمع بيهودي دمشقي يدعى حاييم فارحي المولود لصرّاف معروف في دمشق اسمه شاوول، أسس أعمالاً ماليةً ازدهرت لدرجة السيطرة على اقتصاد ولاية دمشق والتجارة مع الدول الأجنبية. وكان حاييم المعروف بقدرته على إدارة الأموال ومسك الدفاتر، يتولى مع أخوته موسى وروفائيل وسليمان إدارة أموال العائلة الثرية التي ترجع أصولها إلى إسبانيا. لكنه كان أقدر أخوته وأكثرهم علماً. فاستدعاه الجزار لتولي شؤون المحاسبة والرسائل أي للقيام بوظيفة الدفتردار والمحاسبجية والصرافين وتنظيم ميزانية الولاية والمشاركة في توجيه سياسة الدولة وتقديم الأفكار الإصلاحية والمشاريع الهامة، بعدما لجأ الحكام المحليون في تلك الفترة إلى الكتّاب والمحاسبين المسيحيين واليهود الذين نما دورهم في منتصف القرن الثامن عشر، كعائلة الصباغ التي كان أحد أبنائها أول من رسم سياسة الظاهر عمر المالية وأسس له إدارة تملك سجلاتها الخاصة ولا تخضع لإشراف إسطنبول المباشر. وقد تابع الجزار هذه السياسة الإدارية عندما استعان بخدمات حاييم فارحي وأولاد مشاقة وغيرهم من الكتبة والمحاسبين. فما كان من المعلم حاييم على رغم خوفه وخوف عائلته إلا الامتثال للأمر ليصبح مستشار الوالي ومدير بيت ماله والذي عهد إليه أيضاً بمراقبة خطوط المواصلات بين دمشق والحجاز والحرص في معاملاته مع الباب العالي على كل ما تقتضيه مبادئ المجاملات. تحكي لنا الرواية عن كيفية انتقال حاييم وزوجته سارة إلى عكا وممارسته لعمله أولاً تحت إشراف الأخوين الأرثوذكسيين ميخائيل وبطرس السكروج والماروني يوسف قرداحي. لكنه سرعان ما بدأ اليهودي بحياكة مؤامرات ضدهم أدت إلى إبعادهم. وها هوذا يضطلع وحيداً بمهامه صائراً اليد اليمنى للوالي العثماني المشهور ببطشه وبحروبه داخل الولاية وخارجها. لكنّ يومياته في عكا لم تخلُ من المغامرات. فلفارحي جولات في سياسة الولاية وإدارة خزينتها، لا سيّما في غياب الجزار أيام تأدية فريضة الحج في مكة المكرمة. وكان يكتنف عمل فارحي الكثير من المصاعب والعقبات والأخطار في وجود أناس من المتحلقين حول الوالي العاملين على الدس في الخفاء للإيقاع به والنيل منه. وقد كشفت الرواية عن الصراعات والخصومات بين العائلات التي اشتهرت في حرفة المحاسبة وأبرزها عداوة الكار بين عائلة حاييم فارحي وعائلة عبود البحري، الذي صار يتربص الفرص ليأخذ بثأره من حاييم. ولمعرفة المعلم اليهودي بمكانة المعلم عبود في فنون الكتابة والمعارف باللغة التركية والعربية والحساب وأمور “الدولتجية”، صار خائفاً منه. فأرسل لإخوته وابن عمه بالحذر من البحري والعمل على إبعاد هذه العائلة من الشام. وفي الرواية أيضاً صفحات تسرد مسرى حياة هذا الرجل حتى وفاة أحمد باشا الجزار الذي كان يلجأ إلى مشورته وتولي سليمان باشا العادل ولاية صيدا ودمشق. وقد خصّ يوسف معوض القسم الثاني من الرواية لهذه الفترة من تاريخ مدينة عكا والذي حمل عنوان “حاييم وسليمان باشا (1804-1819)”. الرأي والخزينة كان المعلم حاييم أيام سليمان باشا “الصراف وشريك الرأي بشؤون الحكم وحفظ مال الخزينة والرئيس على سائر الكتبة في داخل عكا وخارجها، والذي يريده يرفعه والذي يريده يبقيه من دون معارضة أحد”. فالصلاحيات الواسعة كانت بيده وجاء تصنيفه الثالث في الولاية، بعد الوزير وكتخداه. وسليمان باشا كان أيضاً مملوكاً لأحمد باشا الجزار، لكن حكمه اتسم بالحرية الدينية التي لم يشهدها اليهود والمسيحيون وغيرهم من أهل الذمة من قبل. إذ تمّ تحريرهم من الغرامات الكبيرة التي كان الجزار قد فرضها عليهم واقتصر دفعهم على ضريبة الخراج المعهود عليها. بقي حاييم فارحي متسلماً بيت المال حتى وفاة سليمان باشا عام 1819، علماً أن الوالي لم يتدخل كثيراً في عمله وعمل محمد أبو نبوت الذي نجح الصرّاف اليهودي في إزاحته. يستند يوسف معوض في سرده لهذه الفترة من تاريخ إيالة صيدا إلى كتاب المؤرخ إبراهيم العورة العكاوي الذي عمل في ديوان سليمان باشا العادل وتاريخ ميخائيل بريك وغيرهما من الكتّاب والمؤرخين العرب والأجانب. ويعرّج في هذا القسم من الرواية أيضاً على بعض الأحداث التاريخية كزيارة الليدي هستر ستانهوب للإيالة عام 1813 برفقة الوجيه أنطوان كاتفاغو ووصفه زيّها وولعها بعلم النجوم والخيمياء وقيامها بحملة للبحث عن الكنوز المدفونة في مدينة عسقلان. إلا أن الحملة لم تعثر على شيء ولم تتمكن النبيلة البريطانية من إقناع حكومة بلادها بتمويلها. فوجدت نفسها غارقة في الديون. كما يتحدث عن علاقة الأمير بشير شهاب الثاني بالوالي العثماني وأحوال جبل لبنان وشيعة جبل عامل وانتشار مرض الطاعون وموت علي ابن سليمان باشا وظهور الحركة الوهابية في الحجاز وأثرها على الولاية ووصول الطبيب الإيطالي المثليّ فرنشيسكو ومداواته لسليمان باشا حتى وفاته عام 1819. يشدد السرد الحكائي كذلك على ثبات عزيمة المعلم حاييم وحنكته واصطباره على المكائد والشدائد ووفائه وإخلاصه لمن خطب وده واصطفاه لخدمته. وها هوذا يعمل جاهداً بمؤزارة قريبه حزقيال المقيم في إسطنبول على جعل عبدالله باشا والياً على صيدا. وهذا ما يرويه لنا القسم الأخير من الرواية المعنون “كتاب ناكر الجميل، حاييم وعبدالله باشا (1819-1820)”. كان عبدالله باشا والي عكا ابن علي آغا الخزندار أحد مماليك أحمد باشا الجزار لا يركن إليه في أمر من الأمور، عديم الوفاء، متقلب الآراء، لم يحفظ الود للمعلم حاييم الذي كان له الفضل في وصوله إلى سدة الولاية. وقد استولى عليه الطيش وعكف على الملاهي والملذات وبدأ بمتابعة حلقات الذكر بحسب الطريقة النقشبندية الصوفية التي أغضبت علماء الشريعة وفقهائها وقضاتها. ولما بلغت أفعاله آذان المعلم حاييم في مكيدة دبرت للإيقاع به، نبهه إلى ضرورة تغيير تصرفاته. غير أن عبدالله باشا جحد فضل حاييم فارحي عليه، وسلك معه سلوك اللئام، فارضاً عليه أحكام أهل الذمة وضرورة تمييزهم عن المسلمين في اللباس والركوب وغيره. ثم قام بالتخلص منه عندما رفض الانصياع لأوامره خوفاً على اليهود الآخرين في الولاية. عندها أمر عبدالله باشا بقتل الصرّاف ورمي جثته في البحر ومصادرة ممتلكاته. ولكن في اليوم التالي جرفت الأمواج الجثة إلى الشاطئ، فأمر الوالي بأخذها إلى عرض البحر ورميها هناك. أما سارة أرملة حاييم، فقد هربت إلى دمشق، لكنها ماتت فجأة في الطريق ودُفنت في صفد، وكان هناك شك في أنها قد سُمّمت. أثارت هذه الجريمة البشعة الرعب في جميع أنحاء فلسطين، بخاصة بين اليهود، وأصبح عبدالله باشا مضطهداً علنياً لليهود في الأراضي المقدسة، حيث ارتكب في حقهم أعمال عنف ووحشية. بعد ذلك تمكن أخوة حاييم المقيمين في دمشق وباستخدام نفوذهم في القسطنطينية، بالحصول على فرمان أجاز لهم التحرك ضد عبدالله باشا… لا شك أن يوسف معوض نجح في إعادة بناء حقبة من الماضي بطريقة تخيُّلية ورسمِ شخصية حاييم فارحي وسرد مسرى حياته بأسلوب سلس مبني على معطيات التاريخ وأحداثه وأبطاله، فضلاً عن اعتماده على قدرته على تطبيق معايير السرد. ولعله أفصح عن قراءة عميقة لهذه المرحلة من الزمن، محاولاً من خلالها نقد الحاضر بما دار في الماضي، مصوراً عهود الجزار وسليمان وعبدالله باشا بأسلوب روائي سائغ ولغة فرنسية متينة. وهو في جمعه بين الحس التخييلي الروائي من جهة والمعرفة التاريخية من جهة ثانية، نقل لنا التاريخ بطريقة جديدة، مما عزز فهمنا للأحداث التي أسهمت في تشكيل عالمنا الحالي، مؤكداً لنا قول جورج لوكاش إن الرواية التاريخية تثير الحاضر وتضيء الآني من خلال أحداث بعيدةٍ زمنياً. وفي جمع معوض بين الفن والتاريخ، دخل بهذه الرواية عالم الأدب من بابه العريض. المزيد عن: باشا الجزارالسطنة العثمانيةروايةالفرنكوفونيةاليهوديشخصيات تاريخيةالسردالتاريخ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مخرج “ميلانكوليا” الدنماركي “انتحر” سياسيا وعاش إبداعيا next post واشنطن تستعد لإعادة حظر السفر على مواطني دول عربية You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: ثلاث قطع نحتية من... 12 مارس، 2025 مخرج “ميلانكوليا” الدنماركي “انتحر” سياسيا وعاش إبداعيا 12 مارس، 2025 الإنجليزي ستيفنسون في “أدغال فرنسا”: مغامرات العمر 12 مارس، 2025 كوميديا رمضان… ضحك طازج وآخر منتهي الصلاحية 12 مارس، 2025 أركون و«الحفر الأركيولوجي» في الأعماق 11 مارس، 2025 ريتشارد باورز في جحيم عالم الذكاء الاصطناعي 10 مارس، 2025 كيف يستوحي شعراء الحداثة أبعاد التراث الديني؟ 10 مارس، 2025 مهى سلطان تكتب عن : عبد الحميد بعلبكي... 10 مارس، 2025 “المنتفضون” لغوته… نظرة خارجية إلى الثورة الفرنسية 10 مارس، 2025 متخيل الصويرة المغربية في الرواية العالمية 10 مارس، 2025