من الفيلم التلفزيوني الفرنسي "صدام العملاقين (موقع الفيلم) ثقافة و فنون الثنائي هتلر – ستالين في ما هو أبعد من البؤس المشترك by admin 24 ديسمبر، 2024 written by admin 24 ديسمبر، 2024 29 دكتاتوريا القرن العشرين الكبيران تحت مجهر الشاشة الصغيرة وأحكامها القاسية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كان لا بد في نهاية الأمر أن يتم العثور على جواب ما عن السؤال الذي لم يتوقف الباحثون عن طرحه منذ السنوات الأولى للتعامل مع السينما، انطلاقاً من كونها أداة للمعرفة بقدر ما هي أداة للترفيه، وبين هذا وذاك وسيلة لجمع الثروات ونشر الأيديولوجيات. والسؤال الذي نعنيه هنا يتعلق بمعرفة ما إذا كانت الشاشة السينمائية صالحة لأن تكون مكاناً يستعرض فيها التاريخ معلوماته، وما إذا كان يمكن له، أي للتاريخ، أن يعتمد كما يبدو فيه مبنياً على وقائع موثوقة، وبالتالي يمكن للتاريخ الذي ترويه تلك الشاشة أن يكون جزءاً من الحقيقة. باختصار تتعلق المسألة هنا بالعلاقة بين الحقيقة السينمائية والحقيقة التاريخية. ونعرف على أية حال أن المسألة برمتها قد انتقلت ومنذ الثلث الثاني من عمر التلفزة، من الشاشة الكبيرة إلى أختها الصغيرة وبالأخص منذ غزت البرامج الوثائقية التلفزيون وأصبحت جزءاً أساسياً من برامجه اليومية، ولا سيما في بلدان مثل فرنسا، حيث يمكن لهاوي الصور التاريخية أن يستمتع بعشرات المحطات والبرامج اليومية التي تعيد وضعه في قلب التاريخ، مقترحة عليه في معظم الحالات حقائق تاريخية جديدة قد تبدو مفاجئة له قالبة في أحيان كثيرة نظرته إلى ما كان قبل ذلك يبدو له بديهاً. الدكتاتوران الكبيران ولعل من الأمثلة الصالحة للحديث عما نخوض فيه هنا، ذلك الفيلم اللافت والذي يقل زمن عرضه قليلاً جداً عن الساعتين وعرضته واحدة من المحطات الفرنسية الأكثر اهتماماً بالتاريخ قبل أسابيع قليلة تحت عنوان “صدام العملاقين”. وكما أدرك قارئنا هنا مما تقدم ليس العملاقان المعنيان عبر خوضهما الصدام بينهما سوى أدولف هتلر وجوزيف ستالين زعيمي الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية، بخاصة خلال الربع الثاني من القرن العشرين، اللذين أدى التصادم بينهما إلى واحدة من أكبر المجازر التي حلت بالبشرية في تاريخها. ومع ذلك لم يتوقف الباحثون والمؤرخون الكبار عن خوض تفاصيل نقاط التشابه والتقاطع بينهما، مؤكدين ومنذ كتاب الباحث الأنغلوفوني آلان بولوك عنهما معاً، على أن كل ما في طفولة وشباب كل واحد منهما كان من شأنه أن يقارب بينهما لا أن يضع كل منهما على عداء مع الآخر. والحقيقة أن بولوك قد اهتم في كتابه المرجعي الضخم بإبداء تساؤلاته ودهشته لكونها لم يلتقيا في نهاية الأمر. وفي المقابل ها هو الفيلم التلفزيوني الذي أشرنا إليه أعلاه ينحو في اتجاه آخر تماماً. فهو يظهر كيف أنه كان من شأنه أن يبدي استغرابه لو أنهما التقيا بالمعنى الحقيقي للكلمة. في نهاية الأمر تبدو مسألة التفاوت في النظرة إلى الزعيمين البلشفي والنازي معاً نظرة تتعلق بما يمكن أن نسميه البعد الذاتي في التاريخ. وهو بعد يسبغ على العمل التلفزيوني الجديد – والجديد نسبياً نظراً إلى أن “صدام العملاقين” حقق في العام 2021، ما يجعله يعتبر على أية حال أحدث نظرة تلقى على هذا الموضوع الذي لم يتوقف عن أن يشغل الباحثين منذ ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن. كتاب آلان بولوك عن هتلر وستالين (أمازون) من التماثل إلى الغزو ويمكننا أن نقول على أية حال إن نحو نصف قرن يفصل بين الأسئلة التي طرحها آلان بولوك في كتابه وبين تلك التي جعلها ميكائيل برازان، الكاتب والمخرج التلفزيوني الفرنسي، محور فيلمه، هو الذي ينطلق في الفيلم من تعبيره عن رغبته في أن يحدث متفرجيه عن شخصين عصاميين صنع كل منهما مصيره بنفسه لا بد من التركيز أخيراً على كونهما متشابهين في كونهما قد انطلقا في “عملهما السياسي” من ممارسة العنف في الشارع. والحقيقة أن نقاط التشابه ليست قليلة العدد بين من كانا شابين في تلك الأزمنة المبكرة، كما يذكرنا الفيلم، وتحديداً بصوت الممثل الفرنسي فيليب تورون. ولعل من أهم تلك النقاط أن هتلر كما ستالين إنما وجد دربه التي سيشقها بقدر هائل من الصعوبة في ثنايا التاريخ الكبير الذي لم يكن بديهياً أن يفتح أية أبواب في وجه من يشبههما، وتحديداً الثورة البلشفية بالنسبة إلى ستالين والحرب العالمية الأولى بالنسبة إلى هتلر. ومهما يكن من أمر لا بد أن نلاحظ بسرعة أن الفيلم لم يهتم بأن يتوقف عند نقاط التشابه بينهما. لقد بدا أن ما يهمه أكثر إنما هو نقاط التلاقي والعلاقات السياسية الحقيقية التي قامت بينهما بالفعل. ومن هنا يعطي الفيلم أهمية كبيرة للعلاقات التاريخية بالمعنى السياسي للكلمة، والتي راحت تنبني بالتدريج منذ العام 1933 حين قام ستالين بأولى مبادراته الهامة في هذا المجال عبر إيحائه الموثق إلى الشيوعيين الألمان الذين كانوا قوة كبرى وفاعلة في ذلك الحين، بضرورة ألا يتحالفون مع القوى اليسارية في حرب هذا الأخير ضد هتلر ونازييه. ومن المؤكد أن سيد الكرملين كان يرى عند تلك اللحظة المفصلية بالذات أن عدوه الرئيسي إنما هو الثنائي الذي يتكون من الإنجليز والفرنسيين، أما هتلر “فيمكن النظر في أمره لاحقاً!”. خطوات تقارب “منسية” ولقد قابل هتلر المبادرة الستالينية بمثلها حيث راحت خلال الفترة التالية تتوالى خطوات التقارب بين الزعيمين، وذلك على رغم أن كتاب “كفاحي” لهتلر كان قد نشر وترجم إلى عشرات اللغات وربما كانت الروسية واحدة من تلك اللغات، وكان الفصل الذي يتحدث فيه هتلر عن “ضرورة بل حتمية غزو الاتحاد السوفياتي”، فصلاً واضحاً ولا يبدو أن ثمة في تفكير هتلر ما ينبئ بالتراجع عنه. واللافت هنا أن الفيلم يستطرد متعمقاً بشكل يكاد يشبه الهوس في هذه المسألة بالذات. وهو يعطي للمسألة برمتها بعداً لا يتكرر كثيراً في منطق الفيلم، يكاد يكون مبنياً على أبعاد سيكولوجية بعيدة بعض الشيء عن البعد العلمي أو حتى التاريخي السياسي المسيطر، حيث تتكرر هنا في هذا الجزء من الفيلم عبارات من الصعب أن نجدها في أجزاء أخرى منه مثل “احتقار” و”تلاعب” و”انبهار” في محاولة لتوصيف خلفيات توجه ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي البلشفي إلى توقيع اتفاقية “العار” – كما سميت وبخاصة من قبل الشيوعيين الأوروبيين أنفسهم، والتي جعلت من قيام الحرب العالمية الثانية حتمية لا مهرب منها في الطريق إلى الفخ الذي وقع فيه هتلر بالاعتقاد بأن الوقت قد حان كي ينفذ مخططه القديم بغزو الأراضي السوفياتية. ولعل من أهم النقاط التي يركز عليها الفيلم هنا هي تلك التي تتعلق بدحض تلك الفكرة الساذجة التي كثيراً ما روج لها الستالينيون بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بتدخل الأميركيين وإلحاق تلك الهزيمة التي قضت على هتلر ونازييه، في ذلك الحين على الأقل. ومفادها أن ستالين إنما كان هو من نصب ذلك الفخ لهتلر! والحال أن هذا الدحض الذي جاء مستنداً إلى الصور الوثائقية والتحليلات والشهادات المعمقة حول الفيلم كله في نهاية الأمر، إلى وثيقة سينمائية من مستوى مميز. ومع هذا يبقى ثمة سؤال يمكن أن يكون الفيلم التلفزيوني قد طرحه في ثناياه إنما من دون أن يجد من يجيب عنه: ترى هل يوجد حقاً وسط العواصف السياسية والأيديولوجية والأخلاقية التي تعيشها البشرية اليوم، من يمكنه أن يهتم حقاً بذلك التاريخ الذي يبدو اليوم منتمياً إلى ما قبل التاريخ وتبدو العودة إليه ترفاً من نوع عجيب؟ أم ترى في إمكانه أن يشكل دروساً لا بد من استيعابها حقاً فيما نحن نتأمل الراهن من حولنا؟ المزيد عن: جوزيف ستالينأدولف هتلرالحرب العالمية الثانيالنازيةالشيوعيةالاتحاد السوفياتي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رحيل محمد الخلفي الممثل الرائد الذي لم ينل حقه next post صبحي حديدي يقارب شعر محمود درويش بشموليته You may also like أضواء جديدة على مسار فيكتور هوغو السياسي المتقلب 24 ديسمبر، 2024 صبحي حديدي يقارب شعر محمود درويش بشموليته 24 ديسمبر، 2024 رحيل محمد الخلفي الممثل الرائد الذي لم ينل... 24 ديسمبر، 2024 كاتب مسلسل “يلوستون” أبدع قصة ويسترن معاصرة وصنع... 24 ديسمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: القدس عاصمة الروح ومدينة... 24 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: وجوه مجرّدة من موقع... 24 ديسمبر، 2024 “الذراري الحمر” يحصد جائزة “أيام قرطاج” وضجة حول... 23 ديسمبر، 2024 أوديب: الأسطورة المتجددة عبر العصور 23 ديسمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: مشير عون يكشف ركائزه... 23 ديسمبر، 2024 سينما “متروبوليس”… صرح ثقافي يعيد الحياة لبيروت 23 ديسمبر، 2024