ياشار كمال (1923 - 2015): أخيراً إلى إسطنبول (موسوعة الأدب التركي) ثقافة و فنون التركي ياشار كمال عوضته إسطنبول عن “نوبل” العصية by admin 4 يناير، 2025 written by admin 4 يناير، 2025 23 روائي الريف الكردي وقضايا سكانه جال في عاصمة الخلافة لأسباب غير أدبية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قبل 10 أعوام وبضعة أسابيع رحل الكاتب التركي الكبير يشار كمال عن عالمنا وهو يعلن رضاه لكونه لم يترك هذا العالم إلا بعدما أمن لمجد الأدب التركي خلفاء كباراً له، توصل واحد منهم في حياته إلى الحصول على جائزة نوبل الأدبية، التي ظل هو مرشحاً لها أكثر من ربع قرن من دون أن يفوز بها. صحيح أنه لم يكن هو التركي الفائز بها في نهاية الأمر “لكني شعرت أن فوز أورهان باموق بها كان فوزاً شخصياً لي أنا…”، قال هذا مبتسماً عند نهايات حياته، وكان كل المحيطين به يعرفون أن فوزه المرجح بنوبل كان منذ أعوام الـ70 واحدة من أمنيات حياته العزيزة عليه. أما الأمنية الثانية التي كان منذ البداية فقد عبر عنها وتبناها كثر فكان قد حققها باكراً حتى وإن كان قد اعتاد أن يقول إن تحقيقها كان يبدو لديه أكثر صعوبة من الفوز بجائزة نوبل: كانت تلك الأمنية تقوم على كتابته رواية عن إسطنبول نفسها. وهو ما فعله على أية حال منذ عام 1977، ولسوف يحييه لاحقاً صديقه وتلميذه الكاتب الأكثر شباباً منه نديم غورسيل في حينه معلناً أن الكاتب المخضرم خضع في نهاية الأمر للمنطق وكتب رواية “… وغضب البحر” (دنيز كوستو) التي تدور أحداثها، لمرة نادرة في مساره الكتابي، في إسطنبول. يوم فاته قطار نوبل فهل معنى ذلك أن ياشار كمال لم يكن يحب إسطنبول؟ ولذلك لم يدن منها في كتابته؟ أبداً على الإطلاق. كل ما في الأمر أن الكاتب الذي ولد وعاش طفولته وصباه في الريف الكردي الذي ينتمي إليه، وجد نفسه منذ بدايته ككاتب منغمساً في حياة ذلك الريف وأساطيره وحكاياته التي ناله من التوفيق فيها ما جعل رواياته تنتشر بقوة لدى قراء بلاده ثم في العالم أجمع، ووجد نفسه مرتبطاً بتلك المناطق عائلياً وعملياً وحياتياً، إلى درجة ترك معها إسطنبول لأهل إسطنبول حتى ولو أنه لم يفته أن يعلن دائماً أن يوماً سيأتي سيتوجه فيه بأدبه إلى تلك المدينة شرط أن يكون قد تعرف إليها بصورة جدية أول الأمر. والحقيقة أن ذلك ما سيتحقق لاحقاً وفي الفترة التي كانت سمعة الكاتب قد بلغت أسماع أهل نوبل. ففي العام الذي نشر فيه ياشار كمال روايته الإسطنبولية الكبرى التي نتحدث عنها هنا، جرى ذكر هذا الكاتب الكبير باعتباره مرشحاً لنوبل بعدما كان عدد كبير من رواياته ولا سيما منها “محمد النحيل” التي كانت مفتتح سلسلة روايات رائعة قد ترجم إلى الفرنسية والإنجليزية وغيرهما من اللغات. ولقد ورد اسمه يومها إلى جانب أسماء من اللافت أن أصحابها فازوا بالجائزة الأدبية العالمية الكبرى لكنها ظلت عصية عليه، ومنهم كما نعلم دوريس ليسنغ وويل سوينكا… ومن هنا لا يمكن القول إن انتقال أدب ياشار كمال إلى إسطنبول كان ما حفزه عليه رغبته في اللحاق بركب الفائزين. كل ما في الأمر أن كاتبنا كان في تلك الأثناء قد أدرك أنه قد تعرف إلى إسطنبول أخيراً من كثب. ولكن بصدفة لا علاقة لها بكونه أديباً أو روائياً بصورة أكثر تحديداً. وهي الصدفة التي أشار إليها نديم غورسيل نقلاً عن ياشار كمال نفسه على أية حال. غلاف رواية “… وغضب البحر” لياشار كمال (أمازون) مفتش في شركة الغاز ومهما يكن من الأمر هنا، لا بد من التوقف عند قدم الحكاية، فهي تعود إلى النصف الأول من خمسينيات القرن الـ20، إذ تعرف كمال إلى إسطنبول وأغرم بها، بل سيقول إنه قد تجول فيها أعواماً طويلة طولاً وعرضاً ومن الصباح إلى المساء مختزناً في ذاكرته شوارعها وأزقتها الصغيرة وكل ركن من أركانها. وذلك كله لسبب في غاية البساطة، فقد كان في أعوام شبابه الأولى تلك مفتشاً في شركة الغاز الوطنية، مهمته أن ينتقل من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت مدققاً في مؤشرات عدادات الغاز في بيوت أهل إسطنبول. فهل ثمة وظيفة في العالم كان في مقدورها أن تجعل فرداً ما متآلفاً مع مدينة من المدن بقدر تلك الوظيفة؟ من هنا سيصرح كاتبنا لاحقاً وبالتحديد حين صدرت روايته الإسطنبولية وراح كثر يتساءلون عما جعل الكاتب الذي كان حتى ذلك الحين “متخصصاً” في سرد حكايات سهول منطقة “شوكوروفا” وأساطير أبنائها وحكاياتهم يكشف مرة ومن دون إنذار ممهد عن تلك المعرفة الدقيقة بإسطنبول وحياة سكانها، ولا سيما الفقراء منهم من الذين كان تقاعسهم عن الدفع واستجابته هو لذلك التقاعس جزءاً من حياته اليومية وهمومه، متأرجحاً بين التعاطف معهم وخوفه من ضغوط مسؤوليه في شركة الغاز إن هو ساعدهم. ومهما يكن من أمر، لا بد من الإشارة هنا إلى أن رواية “… وغضب البحر” لا تحكي عن أولئك البائسين ولا عن عمل الكاتب مفتشاً، بل تبدو في نهاية المطاف وكأنها تستكمل في المدينة العريقة تلك الحكايات نفسها التي اعتاد ياشار كمال أن يرويها في كتبه “الريفية” المعروفة، وكأن الكاتب الذي كان قد بدأ في الفترة التي أصدر فيها هذه الرواية اهتمامه بشؤون البيئة وتدمير الإنسان لها، معتبراً من زاوية ما أن ثمة في الأمر تدميراً يقوم به الريفيون للمدن حين يتدفقون عليها فيفقدون حلاوة عيشهم وسط الطبيعة وتفقد هي – أي المدن – نقاءها القديم. صحيح أن كثراً من النقاد قد تناولوا هذا الجانب من أدب كمال، لكن المهم هنا لم يكن الموضوع البيئي، بل ما وجدوه من أن إسطنبول التي وصفها الكاتب بإبداع وانبهار ومعرفة عميقة بشتى تفاصيلها لم تكن شديدة البعد في تضاريسها وأخلاق سكانها وحياتها اليومية عما نجده في أرياف شوكوروفا ودساكرها. الصراعات القديمة وأكثر في “… وغضب البحر” التي كان ياشار كمال قد نشرها أول الأمر على حلقات أسبوعية في صحيفة “ملييت” الواسعة الانتشار مرفقة برسوم لصديقه الرسام عابدين دينو، هناك صراع ثنائي كما هي الحال غالباً في روايات ياشار كمال، حيث اعتادت الصراعات أن تخاض بين طرفين يعرف أحدهما الآخر من كثب، لكن الحياة تفرق بينهما، جاعلة من واحد منهما ممثلاً للخير والثاني رمزاً للشر. وهذان الطرفان هنا هما زينل (اختصار زين العابدين)، وسليم. وزينل هو الذي نلتقيه على صفحات الرواية بوصفه شريراً وزعيم عصابات، أما سليم فهو صياد يعتاش من مهنته التي يمارسها على شاطئ البحر الأسود. غير أن حياة الاثنين وعلاقتهما ليست على تلك البساطة. فالحقيقة أن زينل إنما أتى من الريف صغيراً بعدما أفلت بمعجزة من مجزرة طاولت عائلته. أما سليم فإنه أتى من الريف بدوره تاركاً حب حياته هناك. والاثنان يلتقيان في ضاحية “منكسه” الإسطنبولية حيث تحط بكل منهما أيامه على حدة. لكن اللقاء سرعان ما سيكون عاصفاً من جراء التناقض في السلوك بينهما. ففيما زينل يمارس إجرامه بجريمة مجانية يندد بها سليم صارخاً بوجهه أمام الجيران والمعارف، ندرك نحن أن سليم شخص مسالم لا يحب سوى الصيد والبحر ويكره كل أولئك الذين يسيئون إليهما. وهنا تفترق الدروب بالصديقين: زينل يلجأ إلى إسطنبول حيث يمارس شره وسرقاته مع رفيق جديد له، فيما يكتفي سليم بالبحر رفيقاً وحبيباً، وقد جعل من الصيد هوايته ومن الدفاع عن نظافة الطبيعة قضيته. لكن العالم، في نظر ياشار كمال، صغير والشر مستطير ينشر قذارته في كل مكان. ومن هنا لا يكون غريباً أن يعود زينل وسليم للقاء بل حتى التجابه بينهما. ففي نهاية الأمر من الواضح أن ياشار كمال لا يمكنه حتى في هذه الرواية ذات النفس الشاعري ولا سيما حين يتعلق الأمر بشخص سليم ومواقفه وحياته الملتحمة بالطبيعة، لا يمكنه إلا أن يواصل تلك المناخات التي يعرفها قراء رباعيته القديمة التي تدور من حول “محمد النحيل” وخلصائه وهي مناخات يذكرنا كثير مما في “… وغضب البحر” بها، حين يبدو وكأن الكاتب قد نقلها معه من سفوح أرياف جبال طوروس إلى إسطنبول. ولئن كان الكاتب قد اختار للشر أن يهزم مرموزاً إليه بقتل زينل، فإن سليم لن يكون في المقابل أسعد حظاً حتى وإن بقي له حبه للبحر ملجأ أخيراً… فمعركته في نهاية الأمر لم تكن ضد زينل بل ضد المدعو وزير أوغلو الممثل الأكبر للمضاربين العقاريين الذين تقول لنا الرواية منذ البداية إنهم هم الشر الحقيقي وهم مشوهو إسطنبول وليس زينل في نهاية الأمر سوى ضحية بائسة أخرى من ضحاياهم. المزيد عن: الأدب التركييشار كمالجائزة نوبل للآدابأورهان باموق 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post صرخات الرضع في مصر تقرع أبواب الحكومة next post أفلام هوليوودية شهيرة انطوت على إساءات You may also like إهناسيا… مدينة مصرية ذكرها التاريخ ونسيها الحاضر 6 يناير، 2025 الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماعية... 6 يناير، 2025 “بيتلز 64″… عندما وصل الهوس بالفرقة البريطانية إلى... 5 يناير، 2025 لوحتان للنمسوي كليمت أشعلتا معركة قاسية بين الفن... 5 يناير، 2025 فيلم “إميليا بيريز” يجس نبض هوليوود في “غولدن... 5 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: جوزف طراب اليهودي الأخير... 5 يناير، 2025 الساروت مغني الثورة السورية صار “جسرا” إلى النصر 5 يناير، 2025 باسكال لينيه فكك الهوية الإنسانية من خلال التباين... 4 يناير، 2025 أفلام هوليوودية شهيرة انطوت على إساءات 4 يناير، 2025 الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا... 4 يناير، 2025