الجمعة, ديسمبر 27, 2024
الجمعة, ديسمبر 27, 2024
Home » الاسكندرية: الكفاح اليومي لسيدات الرصيف

الاسكندرية: الكفاح اليومي لسيدات الرصيف

by admin
النساء هنا وافدات من الريف أو قاطنات في المدينة. استطاعت بعضهن أن ترفع مستواها الاقتصادي، وأخريات بالكاد يكفي دخلها احتياجات أسرتها. وهن يتحملن المسئولية الاقتصادية للأسرة، أو على الأقل الجانب الأكبر منها، بسبب مرض الزوج وعدم قدرته على العمل، أو عدم كفاية راتبه، أو الانفصال عنه.

السفير العربي / منى علاّم / كاتبة وصحافية من مصر

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

“اللي ما يجري ما يلقي”.. “اللي يقطم القطمة لازم يلطم اللطمة”.. مثل هذه الأمثال، التي سمعتها من سمرة وصابرين ، يمكن أن تلخص الحياة اليومية لأولئك الساعين وراء رزقهم يوما بيوم، من العاملين في الاقتصاد غير الرسمي أو غير المنظم أو الهشّ. تعددت الأسماء والحال واحد، حيث لا وظيفة ثابتة ولا تأمين صحي أو اجتماعي، ولا إجازات مدفوعة، ولا تقاعد، ولا مكافأة نهاية الخدمة، ولا بيئة عمل لائقة بالنساء.

وما دمنا نتحدث عن بائعات الرصيف بوجه خاص، فإنه يضاف إلى صعوبات العمل “في الشارع” مضايقات أصحاب المحال التي يفرشن بضاعتهن أمامها، حيث يفرضون عليهن مبلغاً مالياً تؤديه البائعة بصورة يومية أو شهرية، والتعرض لمطاردات الشرطة لوجودهن في “أماكن مخالفة” . “آذوني ياما، ياخدوا مني بضاعة بألف وألفين، ولما أروح استلمها ألاقيهم واخدين الحاجات الحلوة وسايبين لي الحاجة السَكّة (غير الجيدة)” تقول إحدى البائعات.

النساء اللاتي تحدثت معهن هنا، سواء كن من الفلاحات أو قاطنات المدينة، منهن من استطاعت أن ترفع مستواها الاقتصادي، ومنهن من بالكاد يكفي دخلها احتياجات أسرتها، مع الاعتماد أحياناً على مساعدات الناس، وهناك من تحصل على معاش من الحكومة . وهن يتحملن المسئولية الاقتصادية للأسرة، أو على الأقل الجانب الأكبر منها، بسبب مرض الزوج وعدم قدرته على العمل، أو الانفصال عنه، أو عدم كفاية راتبه. وقد تراوحت أعمارهن بين الأربعينيات والستينيات، وهن من غير المتعلمات .

صابرين: بائعة الخضار

كل صباح، بإمكانك أن ترى صابرين تحمل شوالات الخضار فوق رأسها. يضع لها عامل عربة النقل الواقفة في شارع السوق شوالاً تلو الآخر لتنقلها هي تباعاً إلى مكان فرشها القريب، ولكنّ الأحمال الثقيلة تزيد المسافات.

كانت تأتي إلى السوق منذ طفولتها مع والدتها التي كانت تعول الأسرة، حيث كان الأب مسنّاً. وسرعان ما تعلّمت وصارت تبيع وتكسب، وحلّت محلّ أمها بعد وفاتها، وكانت لا تزال في الثانية عشرة من عمرها. “كنت صغيّرة قوي بس كنت واعية محدش يقدر يضحك عليّ عشان نزلت السوق بدري”. تقول صابرين إنها تنفق على أسرتها منذ أن كان عمرها 9 سنوات، “كل يوم كنت باجيب لابويا 20 جنيه في إيده” لينفق منها على البيت الذي يضم تحت سقفه العديد من الأبناء. ومن عملها أيضا “شوّرت نفسي وشوّرت أختي” (الشُّوار هو جهاز العروس).

في العشرين تزوّجت، وانقطعت عن السوق عشر سنوات. كانت تقيم خلالها في منزل عائلة ممتدة. ولردّ ديْن وبناء بيت مستقل على نصيب زوجها من أرض أبيه (وزّعها في حياته على أولاده الذكور)، قررت النزول إلى السوق مجدداً، ولكن هذه المرة مع زوجها. ولكنه ما لبث أن مرض، وترك علاجه آثاراً على صحته فبات غير قادر على النزول معها والسفر يومياً من المحافظة التي تبعد عن الإسكندرية 4 ساعات. فصار عبء العمل عليها وحدها.

تستيقظ في الثالثة فجراً أو قبل ذلك بقليل، وتعود إلى بيتها في الثامنة مساء. من عزبتها البعيدة تبدأ رحلتها اليومية حيث تركب إلى سوق طنطا تتسوق من التجار أو الفلاحين، تحمّل بضاعتها – كغيرها من الفلاحات – على عربة نقل، ثم تركب هي إلى محطة قطار طنطا الذي يأخذها إلى الإسكندرية. والرحلة معكوسة في العودة.

  • كانت تأتي إلى السوق منذ طفولتها مع والدتها التي كانت تعول الأسرة، حيث كان الأب مسنّاً. وسرعان ما تعلّمت وصارت تبيع وتكسب، وحلّت محلّ أمها بعد وفاتها، وكانت لا تزال في الثانية عشرة من عمرها. تقول صابرين إنها تنفق على أسرتها منذ أن كان عمرها 9 سنوات.

تقول إن متوسط ربحها اليومي هو 250 جنيهاً، وقد يزيد الى 400 أو 500، ويمكن أيضا أن يمرّ يوم ولا تبيع، “وأبقى خسرت فلوس المواصلات ونقل الخضار والقعدة في السقعة من غير فايدة”. كما أنها تدفع لصاحب محل الفاكهة المجاور لفرشها 1500 جنيه شهرياً، بواقع 50 جنيهاً يومياً، وهو مبلغ ثابت لا علاقة له بمكسبها من عدمه.

استطاعت من خلال عملها أن تسدّد دينها، وأن تبني بيتاً من 4 طوابق، تقطن هي في الطابق الأرضي “مجهزاه سوبر لوكس”، بينما تجهز لأبنائها الطوابق العلوية. الكبرى مَلَك في الجامعة، والصغرى رشا 4 سنوات.

تعتبر نفسها “ربّة الأسرة” فهي مصدر الدخل الأساسي ومن تدير الميزانية، وتؤكد في الوقت نفسه أن بينها وبين زوجها تفاهماً وثقة متبادلة. يملك هو عدة قراريط مؤجّرة “الأرض مش جايبة همها ولا ليها لازمة ما تبنيش مستقبل”.

تعب زوجها لم يزد العبء على عاتقها فقط، بل صارت أيضاً تتعرض لتحرّشات لفظية من الزبائن والبائعين على حد سواء “جوزك ده أعمى، اللي زيّك ما تشتغلش، المفروض تتحطي في فاترينة، يا ريتك كنتِ مراتي..”. في الحمام العمومي القريب، المخصص أصلاً لرجال السوق، تقضي صابرين حاجتها وتتوضأ، وتصلي على كرسيها الخشبي بجوار فرشها، بعد إصابتها في ركبتها عندما وقعت من على رصيف المحطة وهي تنقل “حلّة الجبنة”، إلى جانب آلام ظهرها .

عندما كانت حاملاً في ابنتها الصغرى، ظلت تمارس عملها حتى الأسبوع الأخير قبل الولادة، حتى وهي حامل كانت تحمل الأشولة الثقيلة. وبعد 40 يوماً من الولادة استأنفت العمل وكانت تصطحب معها الرضيعة. تقول إن اصطحاب الفلاحات لأطفالهن الرضّع أمر معتاد. لاحقاً كانت تتركها في عناية ابنتها الكبرى، واضطرت لأن تفطمها مبكرا حيث كانت تغيب عنها 14 ساعة يومياً.

  • زوجها كان يأتي معها، ولكنه مرض، فبات غير قادر على النزول معها والسفر يومياً من المحافظة التي تبعد عن الإسكندرية 4 ساعات. صار عبء العمل عليها وحدها. تستيقظ في الثالثة فجراً أو قبل ذلك بقليل، وتعود إلى بيتها في الثامنة مساء. تعتبر نفسها “ربّة الأسرة” فهي مصدر الدخل الأساسي ومن تدير الميزانية.

وعلى الرغم مما حققته من نجاح مادي، تتمنى صابرين لو “تتستت وتقعد مع عيالها”، وقالت إنها سوف تتوقف عن العمل بعد أن تؤمّن مستقبل أبنائها الذين لا تريدهم أن يعيشوا حياة الحرمان التي عاشتها هي. ولكنها راضية، ترى القدر هو من حدّد لها طريقها. حتى ابنتها لا تريد لها أن تتوظف بعد تخرجها، تريد أن يكون زوجها هو من يشقى بينما ترتاح هي. أحيانا تراقب زبوناً وزوجته مثلاً يتبادلان الحوار قبل الشراء “ناكل إيه النهارده؟” فيثير ذلك في نفسها أشياء: “أنا عمري ما حد قال لي كده”.

سعاد: بائعة الجوارب

على أحد أرصفة منطقة هادئة وبعيدة عن الأسواق، تجلس سعاد (60 عاما)، بعباءتها ونقابها الأسودين، حيث تبيع الجوارب والكوفيّات ولوازم المحجبات والمنتقبات من قفازات ومعاصم… تقول إنها تعمل في هذه المهنة منذ ثلاثين عاماً. بدأت ببضاعة بسيطة بجوار منزلها بأحد الأحياء الشعبية إلى أن استقرت على وضعها الحالي.

توفي والدها وهي لا تزال في أول أعوامها بالمدرسة، فلم تكمل لا هي ولا إخوتها تعليمهم بسبب الفقر “مين هايأكلنا؟”. تزوجت مبكرا، ومن زواجها الثاني أنجبت أبناءها الأربعة، وكان الزوج عاطلاً يعتدي عليها بالضرب إلى جانب تناوله الخمور. تشير، وهي ترتدي قفازاً مثقوباً، إلى آثار وندوب على جبهتها وذراعها، حتى أسنانها الأمامية، التي لا أراها، تقول إنها سقطت جراء الضرب. اضطرت للعمل لتعيل أبناءها، فاقترضت من إحدى قريباتها 16 جنيهاً كانت كل رأس مالها لشراء بضاعة وبيعها كما رأت غيرها يفعل. صار الزوج العاطل يطلب منها المال وعندما ترفض يعنّفها، كما اعتدى على “فرشتها” فكانت تضطر لتغيير مكانها. رفعت دعوى طلاق وحصلت عليه. استمر طليقها يطاردها، فكانت تتنقل بين المناطق، ولم تُدخل أبناءها للمدرسة خشية أن يأخذهم ويدّعي أنها أضاعتهم كما تقول، لكنها ألحقتهم فيما بعد بمحو الأمية لتعلم مبادئ القراءة والكتابة.

لم تفكر في الزواج ثانية حتى لا تأتي لأبنائها ب”زوج أم”، كما عانت هي من قبل، وصاروا هم كل همها وأملها في الحياة. وكبر الأبناء وتزوجوا، ولم ترد أن تمتهن بناتها مهنتها وفضّلت لهن الزواج “الواحدة لما يكون معاها قرش تتمِرِع (تتكبر) على جوزها”. ولكن ابنتها سارت على خطاها بعد طلاقها. علمتها الأم وصار لها “فرش” في منطقة أخرى. بينما يعمل ابن آخر لها على “فرشة شاي” بجوار أحد المولات.

  • توفي والدها وهي طفلة فلم تكمل لا هي ولا إخوتها تعليمهم: “مين هايأكلنا؟”. تزوجت مبكراً، وكان الزوج عاطلاً يعتدي عليها بالضرب إلى جانب تناوله الخمور. تشير، وهي ترتدي قفازاً مثقوباً، إلى آثار وندوب على جبهتها وذراعها، وحتى أسنانها الأمامية التي لا أراها، تقول إنها سقطت جراء الضرب.

تستيقظ كل صباح في الخامسة فجراً، وفي رحلتها اليومية إلى العمل تأخذ التوكتوك من محل إقامتها في إحدى المناطق الشعبية إلى الرصيف الذي تضع عليه بضاعتها على فرش بلاستيكي وتجلس أمامها على كرسي مرتفع. في الثالثة عصراً تعود في التوكتوك مرة أخرى “عشرين جنيه رايح وعشرين جنيه جيّ” إلى البيت حيث تقيم مع ابنها، لتؤدي الأعمال المنزلية من طبيخ وخلافه. تقول إن ما تجنيه يكفي بالكاد لتغطية مصاريفها، فإيجار شقتها وحده يبلغ 450 جنيهاً شهرياً بخلاف المياه والكهرباء . كما أنها تساعد ابنتها المطلقة، وأحيانا زوج ابنتها عندما يحتاج. وتمثل مساعدات الناس جزءا مهماً من دخلها، إلى جانب معاش اجتماعي قدره 320 جنيهاً شهرياً.

تحب سعاد عملها ومعرفة الناس بدلاً من “قعدة البيت”، وتقول إن عملها أكسبها خبرة بالحياة والناس “أبو دقن يكفيكِ شرّه”. كما أنها تفضّل العمل الحر على العمل في مصنع مثلا “أحسن ما صاحب الشغل يشخط فيّ أو يقول لي كاني وماني”.

وعندما سألتها عن صعوبات مهنتها أجابتني”الشيل والحطّ”، وفِصال الزبائن. في يوم ممطر، وضعت أكياساً على رأسها واحتمت بالشجرة المجاورة، وعندما ساء الجو أكثر مكثت في المنزل مما أثر على ميزانيتها. ولأن المسجد المجاور لا مكان فيه للنساء، لا تستطيع قضاء حاجتها إلا عندما تعود للمنزل مساء.

سَمْرة: بائعة الجبن

بجوار مدخل إحدى العمارات تجلس سمرة، المرأة الخمسينية، لتبيع الجبن القريش والبيض، يومياً من الصباح حتى قبيل المغرب. تعمل في هذه المهنة وفي المكان نفسه، بمحيط إحدى أسواق المدينة، منذ 37 عاماً، وقد أكملت المسار بعد رحيل حماتها شابّة، الأرملة التي تركها زوجها مبكراً هي وستة أطفال “قعدت عليهم، ومن الشغلانة دي صرفت عليهم وربّتهم، لكن بعد كده تعبت وماتت صغيّرة”. تقول سمرة التي تأتي من إحدى عزب محافظة البحيرة إن عمل حماتها هو الذي أمرضها، لتأخذ هي مكانها، “هي اللي علمتني وكانت بتدعي لي لغاية آخر وقت”، فقد تكفّلت سمرة وزوجها، الابن الأكبر، بتعليم باقي الإخوة وتزويجهم بعد رحيل الأم ومن قبلها الأب، إلى جانب أبنائهما، والآن لم يتبق لدى سمرة سوى ابنتها الصغرى التي لا تزال تدرس في المرحلة الثانوية، وتحلم باليوم الذي تراها فيه في “بيت العَدَل”.

زوج سمرة كان عاملاً بإحدى شركات الغزل والنسيج بمحافظة البحيرة، ولكنه – مثل زملائه – أخرج على المعاش المبكر “طلّعوه معاش مبكر حتى لا يعطوه معاشه كاملاً، كل الشركات والمصانع بتتقفل، ماعادش فيه شركات ومصانع، كله اتباع” تقول سمرة إنها حزينة على الشباب الذين صاروا يعملون بلا تثبيت أو تأمين، ومن بينهم ابنها الذي يعمل في أحد المحلات، وهو متزوج ويعول.

ورغم أن سمرة ورثت هذه المهنة عن حماتها، فإنها لم ترد قط أن تورّثها بناتها “ربنا ما يكتبها على حد، شقا يا بنتي، صحيان بدري وبهدلة وشيلة، ومحدش يقدر دلوقتي من الأجيال الجديدة يتحمل ده كله” .

وبينما تقف زبونة لشراء جبن قريش، تنادي سمرة على أحد عمال السوق وتطلب منه أن يشتري لها بعضاً من الفول – فطورها الصباحي – من عربة الفول القريبة، فيأتيها به ساخناً في كيس بلاستيكي بعد قليل. تخبرني عن جبنها “الجبنة دي بنجيبها من العزب، من البيوت، دي جبنة بيوت أحسن من جبنة المصانع، فيه ناس (بائعون آخرون) بيشتروا من المصانع بس دي أحلى”.

حينما تأتي حملات الإزالة، تُدخل سمرة بسرعة بضاعتها إلى البوابة التي تفرش أمامها وتغلق الباب “وافضل ابصّ عليهم من الخُرْمة” إلى أن ينصرفوا فتستأنف نشاطها. في بعض الأحيان يكون هناك “أناس طيبون” يتغاضون عنها، لكن عندما تكون الحملة كبيرة “ربنا يكفينا الشر”.

  • زوج سمرة كان عاملاً بإحدى شركات الغزل والنسيج بمحافظة البحيرة، ولكنه – مثل زملائه – أخرج على المعاش المبكر “طلّعوه معاش مبكر حتى لا يعطوه معاشه كاملاً، كل الشركات والمصانع بتتقفل، ماعادش فيه شركات ومصانع، كله اتباع”.

تقول سمرة إنها لا تمتلك أرضاً، ولكنها سعيدة أنها استطاعت – من خلال عملها هذا – أن تعلّم وتزوِّج، وهي تبدو راضية تمام الرضا “ربنا كرمني آخر كرم.. يمكن ده من دعا حماتي ليا”. أدّت العمرة مرتين، وتتمنى الآن أن تزوّج الابنة الصغرى وتطمئن عليها، وأن تنال “حجّة هنيّة”.

آمال: صانعة الفطير

بداخل البوابة الواسعة لإحدى العمارات، في منطقة من المناطق ذات الدخل المرتفع بالمدينة، تقف شابة مهندمة خلف منضدة عليها فطير وأنواع أخرى من المخبوزات بيتية الصنع. خلف الشابة، التي يمكن أن يلمحها بسهولة المارّون بالطريق، باب صغير ربما لا ينتبه إليه المشترون، رغم أن بداخله أصل الحكاية، غير البادي للعيان.

فإذا دخلت من هذا الباب، ستجد نفسك في حجرة ضيقة ذات إنارة ضعيفة، لولاها كادت الحجرة تغرق في الظلام حتى إن كنا في وضح النهار. فرن وأنبوبة غاز صغيرة، وراديو من الطراز القديم معلّق على الحائط، وكرسي بلاستيكي وحيد بلا ظهر، أصرّت السيدة وابنتها، المرحّبتان، أن أجلس عليه. ألمح، بجوار الحائط القريب، طبقاً صغيراً به بعض الجبن والطماطم. على الجانب الآخر باب يؤدي – كما قيل لي – إلى الحمّام ومنور العمارة. في المنتصف وُضعت على منضدة مرتفعة طبليّة خشبية، تخبز عليها الأم الفطير، وهي واقفة مرتدية الجلباب البيتي الذي تعلوه آثار الدقيق. من الطبلية إلى الفرن، ومن الفرن إلى المنضدة الخارجية حيث يوضع الفطير الساخن في أكياس بلاستيكية ليُعرض بانتظار الزبائن.

تبلغ “آمال” من العمر 42 عاما، متزوجة من حارس العقار ولديهما خمسة أبناء، الكبرى ذات العشرين عاماً تزوجت مؤخراً، وأصغرهم في المرحلة الابتدائية. هذه الحجرة الصغيرة التي تخاصمها الشمس كانت هي سكن الأسرة لسنوات، ولكنها ضاقت عندما كبر الأبناء وزاد عددهم، فاستأذنت الأم من صاحب العقار للإقامة فوق السطوح “في غرف الغسيل” على حد تعبيرها، لتتحول الحجرة إلى “المصنع” الذي تعد الأم فيه منتجاتها.

  • بداخل البوابة الواسعة لإحدى العمارات، في منطقة ذات دخل مرتفع بالمدينة، تقف شابة مهندمة خلف منضدة عليها فطير وأنواع أخرى من المخبوزات بيتية الصنع. خلف الشابة التي يمكن أن يلمحها بسهولة المارّون بالطريق، باب صغير ربما لا ينتبه إليه المشترون، رغم أن بداخله أصل الحكاية.

كان الزوج يعمل “حدّاد مسلح” ، ولكنه أصيب في “عَرْكة” حين تدخل ليفض الاشتباك فضربه أحدهم بـ “النبّوت” كما تحكي الزوجة، مما أدى إلى خلع مفصل كتفه، ومن وقتها لم يعد يستطيع العمل. كان ذلك قبل عشر سنوات.

كانت آمال تعمل في البيوت، لكنها تقول إنها لم تعد تتحمل هذا العمل بسبب آلام ظهرها “معدتش باقدر أشيل ولا أحط مراتب” فكان البديل هذا المشروع، كي تتمكن من توفير نفقات الأسرة، لا سيما أن الزوج لم يعد قادراً على توفير أي دخل، باستثناء ال 500 جنيه التي يحصل عليها من اتحاد الملاك، “ما بيديناش منهم مليم، بيقول ما تكفنيش سجاير”، بل أحيانا يطلب منها أن تعطيه مما تكسبه فترفض: “أنا عندي بنات باشوّرها واعلّمها”.

ليست آلام الفقرات وحدها هي ما تعاني منه آمال، بل أيضا انسداد في شرايين يدها مما يجعلها بحاجة إلى عملية “تسليك”، ولكنها تخشى إجراءها خوفاً من أية مضاعفات قد تعجزها عن العمل ولا أحد يسدّ مكانها، خاصة أنها سوف تجريها في مستشفى حكومي “أديني متصلّبة وخلاص”. علّة يديها تجعلها غير قادرة على حمل الأشياء، ويزداد الألم ليلا حيث تشعر فيها بالتنميل أو ما يشبه الشلل. “كل يوم أصحى الصبح أقول يا رب ساعدني، وبيساعدني”.

يبدأ يوم آمال في الخامسة فجراً، تنزل الحجرة وتستمر في العمل حتى الرابعة أو الخامسة، تساعدها ابنتها التي تؤدي عنها أيضاً الأعمال المنزلية. وأحياناً، عندما تتبقى بضاعة، تحملها لتطوف بها على بيوت بعض الأسر ممن تعرف، لعلهم يشترون. أما الموظفات ذوات المكاتب فهنّ “مرتاحين، بيشربوا الشاي، راحوا الشغل ما راحوش الشغل مرتباتهم ثابتة، إحنا لو قعدنا يوم مش هانلاقي”.

في موسم الصيف، وفي رمضان، حيث يقل الطلب على الفطير، تقوم ببيع التين الشوكي أو الفاكهة أمام العمارة “المطالب ياما وكل ده مش هايسد”، تقول إن شقق العمارة مؤجرة على النظام القديم (5 أو 10 جنيهات شهريا) ومن ثم لا يعطيها السكان إلا القليل، إن أعطوها، ولم يعد أحد يعطي بدون مقابل، وهي لم تعد قادرة على الخدمة. تقول إن هناك من يعرفها (من خارج العمارة) يعطيها “شهرية”. وهناك من ساعدها في تجهيز ابنتها الكبرى. أما الجمعيات الخيرية فترى – من خلال تعاملها مع بعضها – أنها لا توصّل أموال المتبرعين التي تقدّر بالآلاف إلى المحتاجين، وأن الأفضل أن يعطي المتبرع مباشرة للناس دون وسيط.

يؤرّق آمال برد الشتاء، وعدم كفاية البطاطين، والهواء البارد الداخل من الشبابيك المكسورة، وعدم قدرتها على شراء بلوفر، وكثرة الطلبات، وغلاء الأسعار، وصفيحة العسل التي اشترتها بمئتي جنيه لتقدمها لزبائنها مع الفطير لتكتشف أن التاجر غشّها بالماء، وتغيّر طباع الزوج وسوء معاملته “لما تكوني بتتعبي وتشقي بس تلاقي كلمة كويسة، لكن لما ما تلاقيش..”. ويؤرقها الشقاء اليومي الذي يبدو بلا آخر “عايشين المأساة كل يوم، اللي النفر بيبات فيه بيصبح فيه، أهي عيشة وآخرها الموت، أيام معديّة وهانموتوا وخلاص.. نصيبنا كده يمكن يبقى لنا نصيب حلو في الآخرة”.

تتمنى آمال أن ترتاح “نفسي استريّح، قلتها كذا مرة لنفسي النهارده، نفسي استريّح وألاقي حد يجيب لي مصاريف وأنا أقعد كده مستريحة، أنا بقى لي 25 سنة في الشقاء والتعب، باشوف ستات مستريّحة، أجوازهم يقولوا لهم عايزة إيه أجيب لك معايا؟ أنا عمري ما حد قال لي كده” (كلمة صابرين نفسها!).

وتتمنى أن تجد من يساعدها في تجهيز بناتها.

وتتمنى أن يكون هناك “شوية عدل”، وأن يحس الأغنياء بـ”الناس الغلابة”.

  • ملحق : إحصائيات ومعلومات

1- وفقاً لتقرير (المرأة والرجل في مصر 2015) الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
نسبة العاملين في القطاع الرسمي 53.2 في المئة، مقابل 46.7 في المئة يعملون في القطاع غير الرسمي.

توزيع المشتغلين في القطاعين وفقا للنوع:
55.2 في المئة من النساء المشتغلات يعملن في القطاع الرسمي مقابل 44.7 في المئة يعملن في القطاع غير الرسمي
52.7 في المئة من الرجال المشتغلين يعملون في القطاع الرسمي، مقابل 47.3 في المئة يعملون في القطاع غير الرسمي
وتتوزع نسب المشتغلين بالقطاع غير الرسمي كالتالي:

-نسبة الإناث رؤساء الأسر:
في الحضر: 17 في المئة، 44.7 في المئة منهن أميات،83.9 في المئة منهن أرامل ومطلقات.
في الريف: 16.5 في المئة، 66.6 في المئة منهن أميات، 70.9 في المئة منهن أرامل ومطلقات.
أعلى نسبة للإناث رؤساء الأسر سُجلت في ريف محافظتي قنا وسوهاج على الترتيب.

-المرأة وسوق العمل في مصر:
مثّلت النساء 23.6 في المئة من إجمالي قوة العمل، مقابل 76.4 في المئة للذكور (يُقصد بقوة العمل الأشخاص الذين هم في سن العمل ويعملون أو يبحثون عن عمل).
بلغ معدل البطالة بين الإناث 24.2 في المئة مقابل 9.4 في المئة بين الذكور.

2- وفقا لدراسة عن التمكين الاقتصادي للمرأة – صادرة عن مجموعة البنك الدولي بالشراكة مع الحكومة المصرية / المجلس القومي للمرأة (أيار/ مايو 2018).

-لم تشهد مشاركة المرأة في قوة العمل زيادة على الرغم من التحسينات في تحصيلها الدراسي والنسبة المرتفعة نسبياً للنساء الحاصلات على شهادة عالية. وأسباب ذلك ليست هيكلية فحسب، وإنما تتصل أيضاً بالأعراف والتقاليد، حيث تشكل القيم والممارسات المتصلة بمهام الجنسين والعلاقات بينهما حواجز تحول دون التمكين الاقتصادي للنساء.

-يزداد تمكين النساء على مستوى الأسرة (بأن يكون لهن صوت في اتخاذ القرارات الشخصية والأسرية) مع زيادة دخولهن ومساهمتهن في دخل الأسرة، ويشتد هذا التمكين بين النساء اللاتي يعملن مقابل أجر نقدي. كما تزداد مشاركة النساء في القرارات المتصلة بالأسرة مع تقدم العمر والمستوى التعليمي.

-احتلت مصر مركزا متدنيا على مؤشر “المنتدى الاقتصادي العالمي” للفجوة بين الجنسين لعام 2017، حيث جاءت في المركز 135 في قائمة تضم 141 بلداً، وذلك في مجال المساواة بين الجنسين من حيث المشاركة والفرص الاقتصادية

3- وفقا للبنك الدولي
58 في المئة من القوى العاملة المصرية بلا أي حماية اجتماعية – نقلاً عن دراسة صادرة بالإنجليزية أعدها مركز القاهرة لقياسات التمنية CDB، بعنوان: Women working in informal sector: current status and suggested interventions

4-عالمياً
75 في المئة من النساء العاملات في المناطق النامية يعملن بوظائف غير نظامية وبدون تأمين (موقع منصة التمكين الاقتصادي للمرأة، المدعومة من منظمة الأمم المتحدة للمرأة)

محتوى هذه المطبوعة هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

1-أسماء مستعارة
2 – وفقا لمنظمة العمل الدولية، يتألف الاقتصاد غير الرسمي من مشاريع تجارية خاصة غير منظمة بصورة قانونية وغير مسجلة (ومن ثم لا تُحصّل منها ضرائب)، وتشمل العمالة غير المنظمة العاملين في القطاع غير الرسمي، والعاملين بصورة غير نظامية في القطاع الرسمي.
3- يقدر بخمسة ملايين عدد الباعة الجائلين وباعة الارصفة في مصر ، منهم 15 في المئة من النساء، أي ما يقارب 750 ألف إمرأة. وللاسكندرية نصيب كبير من حصة النساء الجائلات أولئك أو المفترشات الارصفة، إذ تركز 55 في المئة منهن في هذا المحافظة.
4- هناك من تجلس في أماكن معدّة للبائعين ومن ثم تكون في مأمن من تهديد حملات الإزالة. في حالات أخرى يمكن أن تنشأ علاقة معرفة مع ضابط قسم شرطة المنطقة مثلاً، فيتم إبلاغها قبل نزول الحملة أو عدم التعرض لها عند مرورها، وفقا لما قالت إحدى البائعات.
5- تقدم الحكومة ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي معاش “الضمان الاجتماعي”، ويستحقه الأيتام والأرامل والمطلقات وقدره 320 جنيهاً. وفي عام 2015 أطلقت الحكومة برنامج “تكافل وكرامة” لإعطاء دعم نقدي لفئات معينة مثل المسنين وذوي الإعاقة أو الأمراض المزمنة والأسر التي لديها أبناء في سن المدرسة، وذلك وفق شروط معينة. وعلى الرغم من أن قيمة هذا الدعم أعلى قليلاً من معاش الضمان الاجتماعي، فإن كليهما لا يزال أقل كثيراً مما يفي بمتطلبات المعيشة في مصر خاصة مع ارتفاع الأسعار.
6- من دخلت منهن إلى المدرسة خرجت من الصفوف الأولى بسبب قلة إمكانيات الأسرة، وأضافت صابرين إلى جانب الفقر سوء معاملة المدرس.
7- بعضهن يصبن بالفتاق جراء الأحمال الثقيلة.
8- كانت السيول قد أغرقت “الأوضة” التي تقطن بها فتم تعويضها بشقة “أوضة وصالة وحمام ومطبخ” بمنطقة عشوائية، ولكنها رأتها غير صالحة للعيش الآدمي فأغلقتها واستأجرت أخرى.
9-في حالات أخرى، تصطحب الفلاحة ابنتها (أو ابنها) للجلوس معها على فرشتها لتعلم المهنة، وهذا يرونه أفضل لهم من مسار التعليم.

المزيد عن : أسواق شعبية/عمل المرأة/فقرنساء

 

 

You may also like

44 comments

зарубежные сериалы смотреть онлайн 22 مارس، 2024 - 9:22 م

Hi there! This is kind of off topic but I need some advice from an established blog. Is it very hard to set up your own blog? I’m not very techincal but I can figure things out pretty fast. I’m thinking about creating my own but I’m not sure where to start. Do you have any points or suggestions? Thank you

Reply
глаз бога 10 أبريل، 2024 - 7:17 ص

Unquestionably consider that that you stated. Your favourite justification appeared to be at the internet the simplest thing to keep in mind of. I say to you, I definitely get irked whilst other people consider concerns that they plainly do not understand about. You controlled to hit the nail upon the top as welland also defined out the whole thing with no need side effect , folks can take a signal. Will likely be back to get more. Thank you

Reply
глаз бога тг 10 أبريل، 2024 - 8:33 م

Really no matter if someone doesn’t know after that its up to other viewers that they will help, so here it occurs.

Reply
cs skin casino websites 7 مايو، 2024 - 11:30 م

I used to be recommended this blog by means of my cousin. I am now not sure whether this post is written by way of him as no one else understand such particular approximately my problem. You are amazing! Thank you!

Reply
University 16 مايو، 2024 - 12:23 ص

Крупный учебный и научно-исследовательский центр Республики Беларусь. Высшее образование в сфере гуманитарных и естественных наук на 12 факультетах по 35 специальностям первой ступени образования и 22 специальностям второй, 69 специализациям.

Reply
гостиничные чеки Санкт Петербург 24 مايو، 2024 - 4:03 م

I’m gone to say to my little brother, that he should also visit this webpage on regular basis to get updated from most up-to-date news.

Reply
купить удостоверение тракториста машиниста 30 مايو، 2024 - 6:35 م

No matter if some one searches for his necessary thing, so he/she needs to be available that in detail, so that thing is maintained over here.

Reply
国产线播放免费人成视频播放 3 يونيو، 2024 - 5:14 م

Have you ever considered about including a little bit more than just your articles? I mean, what you say is fundamental and all. However just imagine if you added some great pictures or video clips to give your posts more, “pop”! Your content is excellent but with images and video clips, this site could undeniably be one of the greatest in its niche. Amazing blog!

Reply
www.russa24-diploms-srednee.com 11 يونيو، 2024 - 4:26 م

I used to be recommended this blog via my cousin. I am now not positive whether this post is written by way of him as no one else recognise such specific approximately my difficulty. You are wonderful! Thank you!

Reply
хот фиеста играть 12 يونيو، 2024 - 11:37 م

I will right away clutch your rss as I can not in finding your email subscription link or newsletter service. Do you have any? Please allow me recognise so that I may subscribe. Thanks.

Reply
хот фиеста game 13 يونيو، 2024 - 5:23 م

Do you mind if I quote a couple of your posts as long as I provide credit and sources back to your site? My website is in the very same area of interest as yours and my visitors would truly benefit from a lot of the information you present here. Please let me know if this alright with you. Appreciate it!

Reply
хот фиеста играть 14 يونيو، 2024 - 4:05 ص

Wow, this article is good, my sister is analyzing such things, thus I am going to tell her.

Reply
hot fiesta игра 15 يونيو، 2024 - 3:05 ص

Yes! Finally something about %keyword1%.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 12:14 ص

I am regular reader, how are you everybody? This piece of writing posted at this website is actually pleasant.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 6:21 م

Write more, thats all I have to say. Literally, it seems as though you relied on the video to make your point. You clearly know what youre talking about, why waste your intelligence on just posting videos to your blog when you could be giving us something enlightening to read?

Reply
Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 8:03 ص

I love it when people come together and share opinions. Great blog, keep it up!

Reply
Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 9:20 م

Wow that was odd. I just wrote an extremely long comment but after I clicked submit my comment didn’t show up. Grrrr… well I’m not writing all that over again. Regardless, just wanted to say wonderful blog!

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 10:04 ص

I got this site from my friend who informed me concerning this website and now this time I am visiting this website and reading very informative articles here.

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 11:03 م

What a information of un-ambiguity and preserveness of precious familiarity regarding unexpected feelings.

Reply
Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 3:03 م

We are a group of volunteers and starting a new scheme in our community. Your site provided us with valuable information to work on. You have done an impressive job and our whole community will be grateful to you.

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 5:07 ص

What i do not realize is in fact how you’re not really a lot more well-appreciated than you may be right now. You are so intelligent. You know therefore significantly in relation to this topic, produced me in my opinion consider it from so many numerous angles. Its like men and women aren’t interested until it’s something to accomplish with Woman gaga! Your own stuffs great. All the time care for it up!

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 6:51 م

Hmm it seems like your website ate my first comment (it was extremely long) so I guess I’ll just sum it up what I had written and say, I’m thoroughly enjoying your blog. I as well am an aspiring blog blogger but I’m still new to the whole thing. Do you have any tips and hints for rookie blog writers? I’d genuinely appreciate it.

Reply
Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 7:33 ص

Hey! I just wanted to ask if you ever have any problems with hackers? My last blog (wordpress) was hacked and I ended up losing many months of hard work due to no data backup. Do you have any solutions to prevent hackers?

Reply
Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 8:23 م

Hi there! Someone in my Myspace group shared this site with us so I came to look it over. I’m definitely enjoying the information. I’m book-marking and will be tweeting this to my followers! Fantastic blog and excellent design and style.

Reply
строительство автомойки под ключ 5 يوليو، 2024 - 11:15 م

Автомойка под ключ – это ваш легкий старт в автосервисном бизнесе. Не требуется прежний опыт – мы сопровождаем вас на каждом шагу.

Reply
строительство автомойки 6 يوليو، 2024 - 6:13 م

С нами строительство автомоёк под ключ превращается в приятный и легкий процесс, ведь мы заботимся о каждом аспекте вашего будущего предприятия.

Reply
строительство автомойки 7 يوليو، 2024 - 8:41 م

Преимущество строительства автомойки под ключ заключается в оперативности запуска проекта и минимизации забот для заказчика, так как исполнитель берет на себя все этапы работ.

Reply
строительство автомойки 8 يوليو، 2024 - 8:13 ص

Мойка самообслуживания под ключ — это удобно и выгодно. Оборудование европейского качества обеспечит стабильную прибыль.

Reply
Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 5:53 م

Hello there, simply became aware of your blog thru Google, and found that it is really informative. I’m gonna watch out for brussels. I will appreciate when you continue this in future. Many other folks will be benefited from your writing. Cheers!

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 2:37 م

If some one desires to be updated with most up-to-date technologies then he must be go to see this web site and be up to date every day.

Reply
Прогнозы на футбол 12 يوليو، 2024 - 3:13 ص

I really like what you guys are up too. This sort of clever work and coverage! Keep up the awesome works guys I’ve incorporated you guys to my personal blogroll.

Reply
строительство автомоек под ключ 15 يوليو، 2024 - 11:02 ص

Строительство автомойки под ключ – это выгодное вложение средств для начинающих предпринимателей. Компания берет на себя все этапы работ: от разработки проекта до запуска готового бизнеса.

Reply
строительство автомойки под ключ 15 يوليو، 2024 - 7:35 م

1Строительство автомоек под ключ – наша специализация. Мы предлагаем полный пакет услуг и качество по доступным ценам.

Reply
автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 4:06 ص

Ищете надежного партнера для строительства автомойки? У нас есть качественные решения под ключ, чтобы сделать ваш проект прибыльным.

Reply
строительство автомойки под ключ 16 يوليو، 2024 - 12:39 م

Строительство автомойки – сложный процесс. Мы обеспечиваем профессиональный подход на каждом этапе, чтобы ваш бизнес процветал.

Reply
автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 9:32 م

Заказав автомойку под ключ, вы получите полностью готовый и оснащённый бизнес. Ваша мойка будет работать безупречно!

Reply
строительство автомойки под ключ 17 يوليو، 2024 - 6:36 ص

Строительство автомойки под ключ – это наша доменная зона. Мы создаем проекты, которые приносят прибыль и радуют клиентов.

Reply
Jac Благовещенск 19 أغسطس، 2024 - 4:50 ص

Hi there to every one, it’s in fact a pleasant for me to pay a visit this website, it consists of helpful Information.

Reply
theguardian.com 23 أغسطس، 2024 - 1:37 ص

I was able to find good info from your blog articles.

Reply
theguardian.com 23 أغسطس، 2024 - 8:34 م

I enjoy what you guys are usually up too. This type of clever work and exposure! Keep up the amazing works guys I’ve added you guys to blogroll.

Reply
theguardian.com 24 أغسطس، 2024 - 1:27 م

This is a topic that is close to my heart… Best wishes! Where are your contact details though?

Reply
theguardian 25 أغسطس، 2024 - 8:31 م

In fact no matter if someone doesn’t know then its up to other viewers that they will help, so here it occurs.

Reply
theguardian 27 أغسطس، 2024 - 7:50 م

I am really loving the theme/design of your site. Do you ever run into any web browser compatibility problems? A number of my blog audience have complained about my website not operating correctly in Explorer but looks great in Safari. Do you have any ideas to help fix this issue?

Reply
theguardian.com 28 أغسطس، 2024 - 9:16 ص

An intriguing discussion is worth comment. I do think that you ought to write more on this topic, it might not be a taboo subject but usually people do not discuss such topics. To the next! Cheers!!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00