قلّص الارتطام الطبقي في مصر الفجوة بين القابعين في متوسط الهرم وقاعدته (أ ف ب) X FILE الأوضاع الاقتصادية في مصر تلغي الطبقية… الكل سواسية by admin 27 يونيو، 2024 written by admin 27 يونيو، 2024 154 لم يعد بإمكان غالبية المنتمين إلى الطبقة الوسطى بتنويعاتها المختلفة المضي قدماً في أسلوب حياتهم الذي كان قبل عام 2016 اندبندنت عربية / أمينة خيري في مصر مظاهر الارتطام في كل مكان، تكاد تُسمع الأصوات الناجمة عن انزلاق سكان منطقتي العليا – الدنيا والوسطى – العليا في طريقهم نحو الطوابق السفلى، والسقوط سريع ومدو على رغم الجهود الضارية التي يبذلها السكان للتشبث بمواقعهم، فقوة الدفع نحو أسفل أكبر من أي تشبث وأعتى من كل تمسك. أما الطبقتان المتوسطة – الدنيا والدنيا – العليا فمجهود التشبث الذي يبذلانه أقل نسبياً، إذ إن قوة الدفع أكثر خفوتاً والمسافة بينهم وبين القاع أقل، ولا تتبقى سوى الطبقة الدنيا – الدنيا التي تسكن القاعدة أصلاً، فلا جهداً للتشبث مطلوب، أو رغبة في البقاء على ما هي عليه مهددة بالخطر. إنها الطبقة الدائمة الوجود في القاعدة تنظر إلى أعلى على مدار عقود، فترى حراكاً يتجه نحو أعلى حيناً وسكوناً يشبه الجمود أحياناً، لكنها بحسب ما تؤكده عاملة النظافة في حمام النساء داخل ناد رياضي قاهري شهير، المرة الأولى التي ترتطم فيها الطبقات وتتسابق على “مزاحمتنا بهذا الشكل”. حديث الفقد عاملة الحمام المبتسمة لا تلتفت كثيراً إلى حديث الفقد، رحلة فقدان الجنيه المصري ثلث قيمته في مارس (آذار) الماضي بعد ما رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة، وقبله مسيرة الفقد الأليم التي بدأت مع أولى موجات التعويم في العصر الحديث، وتحديداً عام 2016، وبدء تنفيذ برنامج “الإصلاح الاقتصادي”، لتتهاوى العملة المحلية من 13 جنيهاً للدولار في ذلك العام ليصل إلى 49 جنيهاً للدولار هذه الأيام، لا ترد ذكرها على لسان العاملة، فما يرد على لسانها هو ما لاحظته من أمارات تغير حاد في السلوك الطبقي. السلوك الطبقي في النادي الشهير، نادي “كرِيمة المجتمع” أو صفوته، يمكن تصنيفه لثلاثة أقسام رئيسة، قسم الأعضاء والعضوات الراقي المائل إلى الأرستقراطي الذي لا يخلو من مكون انفتاحي، وقسم العمال والعاملات حيث الطبقة الأكثر حاجة، وبينهما قسم الموظفين والموظفات، وهو المتأرجح حالياً بين المتوسطة – الدنيا والمتوسطة – الدنيا جداً. خسائر الطبقات في مصر تتنوّع باختلاف مكانتها أو بالأحرى مكانها في الهرم الطبقي (أ ف ب) العاملة التي عاصرت النادي ومصر والجنيه في أزهى حالاته ثم في أضعف أحواله والهرم الطبقي والصعود والهبوط، على مدى 40 عاماً أمضتها في العمل، تقول إن ما تشهده حالياً من تغيرات “أمر عجيب حقاً”. تسألها عضوات النادي عن سُبل تقنين الكهرباء والموعد الأنسب لشحن العداد منعاً من الدخول في شريحة أعلى ومن ثم فاتورة أكبر، فتنهل من علمها وتعطيهن، ويتجاذب معها بعضهم الحديث حول “أتوبيس النقل العام” “أبو خمسة جنيه”، مواعيده وخط سيره ودرجة ازدحامه، بحجة أن القيادة باتت متعبة للأعصاب ودرجات الحرارة تخفت قسوتها في الباص العام. عاملة النادي ترد إليها استفسارات حول “كفتة الرز” على اعتبار أن “الطبقات الشعبية” أدرى بها، نظراً إلى سهولة التحكم في مكوناتها، رز كثير ولحم قليل، من أين تشتري اللحم؟ وبكم الكيلوغرام؟ وماذا عن إمكان تجهيز طبق إضافي “حتى نتذوق طهيك” مع إضافة 50 جنيهاً قيمة التصنيع على كلفة المكونات. عضة الاقتصاد تقول إنها تعي أن الجميع بات يعاني في ظل الأسعار المشتعلة، وحتى أعضاء النادي وعضواته بينهم من أصبح عزيز قوم ذل، إذ إن “الناس اللي فوق” لم يعودوا كذلك، وعضة الاقتصاد لم ترحم أحداً، وأن كلاً يعبر عن وجعه المعيشي وتغير أحواله رغماً عنه بالطريقة التي تناسب مكانته ولا تنال من كرامته، قدر الإمكان. لم يعد في إمكان غالبية المنتمين إلى الطبقة المتوسطة بتنويعاتها المختلفة أن تمضي قدماً في أسلوب حياتها الذي كان قبل عام 2016، موجة التعويم الأولى، وهي القدرة التي أخذت في التضاؤل والانكماش تارة بإيقاع رتيب غير محسوس وأخرى بهرولة رهيبة نحو القاع، بدءاً بسداد أقساط الشقة أو قيمة الإيجار ومعها فواتير الماء والكهرباء والغاز والوقود، مروراً بكلفة العلاج ومصروفات المدارس الخاصة وربما الدولية، وانتهاء ببنود الترفيه والرياضة والمشاركة في المناسبات الاجتماعية، فلقد تأثرت الطبقة المتوسطة تأثراً وصل خلال الأشهر القليلة الماضية مرتبة الضرب في مقتل. “كله ضرب؟ ما فيش شتيمة؟” هو الـ “ميم” الأكثر تداولاً كلما اشتدت أزمة اقتصادية أو جنّ جنون الأسعار أو أعلنت الحكومة المصرية، أي حكومة، إجراءات صعبة أو سياسات ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي الصعب. لم تعد الأسر المصرية قادرة على تلبية الحاجات التي كانت حتى الأمس القريب عادية (أ ف ب) وفي هذه الآونة يجول الـ “ميم” ربوع الـ “سوشيال ميديا” من دون هوادة، والجديد في الجولة الحالية هو ادعاء كل طبقة أنها وحدها التي تتلقى الضربات الاقتصادية الموجعة الناجمة عن قرارات يصفها بعضهم بـ”القاسية” وبعضهم الآخر بـ”الخاطئة”، وتراها الغالبية قرارات صعبة نجم عنها دفعها من على السلم الطبقي، وهو ما نجم عنه كسور متفرقة وكدمات عدة. كسور وكدمات تصيب مختلف الطبقات الاجتماعية المصرية، وهي الإصابات المتفاقمة، إن لم يكن معيشياً فنفسياً، جراء قسوة الإجراءات وتضاؤل آمال العلاج وقدرات التدخلات التلطيفية، بما فيها “سوسيولوجيا التكيف”. التكيف معروف أنه قدرة الكائن الحي على تغيير سلوكه لمواكبة الظروف من حوله والتكيف مع المستجدات، وبيولوجياً تكيّف الكائنات مع محيطها يعني ارتفاع احتمالات بقائها على قيد الحياة، والعكس صحيح، ولأن البشر يختلفون قليلاً عن الحيوانات والنباتات فإن مجرد بقائهم على قيد الحياة ليس الغاية الوحيدة جراء التكيف، فتكيف البشر يتسم بجهود مبذولة للحصول على أكبر قدر ممكن من التوازن النفسي، إضافة إلى البقاء على قيد الحياة. يقول أستاذ علم الاجتماع السعودي عبيد بن علي آل مظف في دراسة عنوانها “سوسيولوجيا التكيف مع الأزمات الاقتصادية” (2014)، إن من أهم ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات “قدرته الكبرى على التعامل مع الظروف المحيطة بدرجة أعلى من الذكاء والوعي، كما تقاس درجة نجاح الشعوب بمدى قدرتها على التعامل مع الأزمات”، مشيراً إلى أنه حين تمر المجتمعات بأزمات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية فإن الطاقات الفردية والعملية المساعدة على الخروج من الأزمات بأقل خسائر ممكنة تبرز. خسائر الطبقات خسائر الطبقات تختلف باختلاف مكانتها أو بالأحرى مكانها في الهرم الطبقي، والخسائر ليست مادية فقط بل هي توليفة نفسية واجتماعية وغذائية وسلوكية توصف بـ”الخطرة”، وهذه الخسائر ومحاولات الطبقات المختلفة الحفاظ قدر الإمكان على حد أدنى، لا على مكتسباتها، بل على حقوقها وتفاصيل حياتها الأساس، تندرج تحت بند “سوسيولوجيا التكيف”، لكنه تكيف لا يخلو من خطورة. خطورة ما يجري في ملايين البيوت المصرية من محاولات التكيّف تشرحه الأستاذة المساعدة في كلية التربية جامعة عين شمس أسماء محمد نبيل إحسان في دراسة عنوانها “التأثير الاجتماعي للأزمة الاقتصادية على الأسر المصرية”. وعلى رغم تباطؤ التضخم السنوي في أسعار المستهلكين داخل المدن المصرية بنسبة أعلى من التوقع، إذ انخفضت من 32.5 في المئة في أبريل (نيسان) إلى 28.1 في المئة في مايو (أيار) الماضيين، بحسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن ارتفاع أسعار السلع الغذائية 31 في المئة الشهر الماضي على أساس سنوي يمعن في إلحاق مزيد من الخسائر بالغالبية المطْلقة من الطبقات، فهذه الغالبية تشعر بـ”قضمة أسعار الطعام”، وهذه القضمة أزاحت أصنافاً تماماً من فاتورة السوبر ماركت وقلصت كميات كانت تُشترى بالكيلوغرامات، فباتت تقتصر على غرامات واستبدلت أنواعاً “مميزة” بأخرى “شعبية”. اللحوم المجمدة التي كانت حتى الأمس القريب “بروتيناً شعبياً” تصفه الطبقات غير الشعبية بـ”رائحتها غريبة” أو “طعمها عجيب” أو “ملمسها مريب”، أصبحت معروضة في سلاسل السوبر ماركت الشهيرة، عبوات أنيقة التغليف تحمل أسماء أجنبية، وعلى ظهرها وصفات طبخات عالمية، لكنها تظل اللحوم المجمدة نفسها المعروضة في أكشاك البيع والمجمعات الاستهلاكية في الأحياء الشعبية. تكيف سوسيولوجي ومن اللحوم المجمدة التي تسللت إلى طبقات لم تكن تعترف بجدواها أو تقر بأكلها إلى محال الملابس الجاهزة التي تشهد مظاهر سوسيولوجيا التكيف مصحوبة بأصوات الارتطام الطبقي بشكل واضح وصريح، فسلاسل محال الملابس الجاهزة المعروفة عالمياً التي تستهدف جمهوراً عريضاً قابعاً في متوسط الهرم الطبقي العالمي تبدو خاوية على عروشها، والمصريون الذين كانوا يعتمدون على هذه الحملات لكسوة الشتاء وتجديد خزانات الصيف هجروها مضطرين، ومحال أخرى أجنبية يمكن توصيفها بأكثر شعبوية، وكانت تستهدف الطبقة المتوسطة الدنيا، تشهد هي الأخرى حراكاً عكسياً، إذ بات أبناء الطبقة المتوسطة العليا هم عملاؤها بعد ما استعصت عليهم الماركات الشهيرة، وذلك في عملية تكيف اقتصادي وسوسيولوجي تستحق الدراسة. دراسة “التأثير الاجتماعي للأزمة الاقتصادية على الأسر المصرية” تشير إلى أن معدلات التضخم المرتفعة أصبحت مصدر قلق دائم للجميع، ولا سيما أنها تدفع معدلات الفقر نحو الزيادة، فانخفاض العملة وثبات الدخل أو زيادته زيادة لا تتناسب مع الغلاء نجم عنهما تأثراً سلبياً جارفاً ألقى بظلاله على أغلب البيوت المصرية، وزادت الأعباء الملقاة على عاتق الأسر وبقيت مطالب الأبناء كما هي، وهو ما استوجب تعديل أولويات الصرف ومحاولة التكيف الاقتصادي مع الأوضاع الجديدة. وعلى رغم ارتفاع القدرة على الترشيد واتباع فقه الأولويات فإن عدم الشعور بالأمان وتمكن القلق والخوف مما يحمله المستقبل القريب لا يخضعان لفقه الأولويات ويصعب التكيف معهما، وتشير الباحثة إلى أن ما يجري في الأسر المصرية جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة انعكس سلباً على كثيرين، فالعلاقات داخل الأسر المصرية تأثرت سلباً بفعل الارتطام الطبقي الذي يأبى أن يهدأ، وتقول الباحثة أسماء إحسان إن “بعض العلاقات الأسرية وصلت حد الانهيار، وبعضهم الآخر يتعرض لهزات عنيفة”. انخفضت القدرة على الإيفاء بالحاجات والمطالب، ولم تعد الأسر قادرة على تلبية الحاجات التي كانت حتى الأمس القريب “عادية”، وانعكس ذلك سلباً على تنامي مشاعر الإحباط وعدم الأمان، وبعضهم وصل درجة الذل حيث الحاجة إلى الاستدانة من أقارب ميسوري الحال أو الحصول على سلف من العمل أو قروض من البنوك، وسداد معظمها في علم الغيب. وتشير الباحثة إلى انتعاش سوق السلع المضروبة، ظاهرها أصلي وباطنها بالغ الرداءة، الذي وجد في أبناء الطبقة المتوسطة عميلاً جديداً مناسباً ضمن محاولاته الحفاظ على قدر من ماء وجهه الاجتماعي أمام الآخرين، وذلك ضمن مكونات “سوسيولوجيا التكيف”. أصيبت مختلف الطبقات الاجتماعية المصرية بكسور (أ ف ب) سوسيولوجيا التكيف لا تخلو من جانب سيكولوجي أيضاً، وهناك من يسميه “سيكو سوسيولوجيا التكيف”، ومنهم من يدرسه باعتباره تكيفاً اجتماعياً في أوقات الأزمات يحمل آثاراً نفسية بعضها وخيم، فالأنظمة الصحية في دور غربية عدة تجري متابعات للصحة النفسية والعقلية للمواطنين في ظل الأزمات الاقتصادية الكبيرة، وهذه الدراسات تشير إلى أن أزمات مثل التضخم والركود وما ينجم عنها من ارتفاع نسب البطالة وانخفاض الدخل وغلاء الأسعار وتفاقم الديون تؤدي إلى زيادة معدلات الاضطرابات العقلية المختلفة، ومنها ما يؤدي إلى تزايد معدلات معاقرة المخدرات والسلوك الانتحاري. في مصر لا يوجد ما يؤشر أن الجموع تفكّر في الانتحار، أما المخدرات فالإحصاء الأحدث الصادر عن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي (2023) يشير إلى أن نسبة التعاطي في مصر تتماشى والمعدلات العالمية وتبلغ 5.9 في المئة، بينما انخفضت نسبة الإدمان من 3.3 في المئة عام 2014 إلى 2.4 في المئة عام 2023. الانتحار والإدمان والتعاطي ليست الآثار السلبية الوحيدة التي قد تنجم عن الأزمات الاقتصادية والهبوط لأسفل الترتيب الطبقي، فهناك اللجوء إلى العنف في التعامل وشيوع البلطجة السلوكية بين فئات دنيا، ولا سيما أن تطبيق القانون بعدل وصرامة ليس في أفضل حالاته، وغيرهما من مظاهر تشي بشيوع خشونة في التعامل والأفكار. ويمكن تفسير جانب منها في ضوء الإحباط وقلة الوعي وغياب الرقابة، ولا سيما بين قطاعات من قاطني قاعدة الهرم الطبقي، وهم أنفسهم يفسرون ذلك بالمثل الشعبي الدارج “وإيه يأخذ الريح من التراب؟”. ويعتقد بعضهم أن الارتطام الطبقي لا ينال من قاطني القاعدة بحكم أنهم مرتطمون أصلاً، لكن الحقيقة أنه حتى هؤلاء ينالهم من الارتطام الحالي الناجم عن الوضع الاقتصادي نصيب، وإن لم يكن عادلاً، إذ إن الطبقة المتوسطة استحوذت على نصيب الأسد من الارتطام. عاملة الحمام تقول إن “العيشة أصبحت ضنك”، وعلى رغم حصولها على عدد من مصادر الدخل الأخرى، وهي المصادر التي شهدت زيادات متواترة خلال الأعوام القليلة الماضية، ضمن معاش من وزارة التضامن وآخر لزوجها الذي فقد عمله في مصنع بعد إصابة، ومساعدة شهرية تحصل عليها من ابنها الأكبر الذي يعمل في دولة عربية، فإن أفراد أسرتها الـ 10 بين أبناء وبنات وأم وحماة ومصروفات دواء وعلاج ودروس خصوصية وغيرها، نقلت الأسرة من خانة “الفقراء” إلى “الفقراء جداً”، فقد اختفت أصناف ومكونات وسادت أخرى بعد ما كانت أطباقاً جانبية، وتقلصت كميات وتفجرت في المقابل ضغوط نفسية عدة في وجوه الجميع. صحة الآخرين النفسية التقارير الإعلامية التي تتواتر على الشاشات مليئة بعناوين أخبار عن “الأزمات الاقتصادية تؤثر في الصحة النفسية للأميركيين” و”جنون الأسعار يلحق الأذى بصحة البريطانيين العقلية”، و”صعود اليمين المتطرف يعرض صحة الفرنسيين النفسية للاعتلال” و”التوقعات المتشائمة للاقتصاد الألماني تلقي بظلال نفسية ثقيلة على الألمان”. كل هذه التوقعات الوخيمة الناجمة عن أزمات اقتصادية ومعيشية تؤدي إلى تحركات وتغيرات في التركيبة الطبقية في بلادها، حيث تباطؤ أو جمود الصعود الطبقي لأعلى أو الحراك الاجتماعي لأعلى، بل وهبوط بعضهم درجة أو درجتين على السلم الطبقي، لكن ما تشهده الطبقات الاجتماعية المصرية ليس خفوتاً أو جموداً، كما أنه ليس هبوطاً درجة أو درجتين بل هو ارتطام، وتكيف سوسيولوجي، وجزء منه سيكو – سوسيولوجي، وتبادل خبرات بين الطبقات الهابطة وتلك التي تهبط إليها. ولا يمضي الارتطام الطبقي كغيره من كل حدث وحادثة في مصر من دون لمسة ضاحكة أو دعابة ساخنة، فقد اعتبر خبثاء من هواة الدعابة فقرة وردت في امتحان اللغة العربية للثانوية العامة وأثارت كثيراً من الجدل، وسيلة المصريين للتغلب على كدمات الارتطام الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية. تقول الفقرة وعنوانها “مما قيل في بواعث الشعور بالسعادة”: “إذا كنتَ غنياً فأنت سعيد، لأنك قد زاولت الأمور الخطرة التي هُيئت لك، فعز جانبك، ومنعت حوزتك، وجرى لك وجه من وجوه الحرية والاستقلال، وإن كنت فقيراً فأنت سعيد لأنك سلِمت مما ابتلى به من دانت لرغبته جميع المطالب، ووُقيت ما عرض له السري من حسد وكره، فلا تتلظى الصدور لنعمتك”. تواجه مصر أزمة انقطاع كهرباء وصلت إلى ساعات متعددة في بعض الأماكن (أ ف ب) كان المطلوب من الطلاب ذكر معنى كلمة “تتلظى”، وهو ما أثار كثيراً من الجدل في مصر بسبب صعوبة أو غموض أو تعقد الكلمة، وانتهى الجدل بحسم الإجابة وأن معنى الكلمة “تحقد”، لكن ما لم يتم حسمه هو الاختيار بين سعادة الأغنياء المرتكزة على التمتع بما لديك وما يمنحه ذلك من شعور بالحرية، أو سعادة الفقراء حيث التمتع بتجنب الابتلاء الناجم عن توافر كل المطالب، وما يجلبه ذلك من حسد الآخرين وكراهيتهم. وبعيداً من خيار سعادة الأغنياء وخيار سعادة الفقراء فإن ما يحسب للارتطام الطبقي الحالي أنه قلص الفجوة بين القابعين في متوسط الهرم وقاعدته، وصحيح أنه ترك الوسط شبه خال لكن الالتحام عند القاعدة متعدد المنافع. السياسي أكرم إسماعيل محمد كتب على صفحته على “فيسبوك” تجربته مع “تخفيف الأحمال”، وهي أحد مظاهر تلاحم الطبقات، إذ يجري قطع الكهرباء عن الجميع ولا يفرق التخفيف بين غني وفقير، فحكى محمد عن “أصعب كوابيسه”، إذ اعتقد أن نصيبه المعلن من قطع الكهرباء اليومي هو الثلاث ساعات المنصوص عليها في جدول التخفيف. “ركبت المصعد وأنا مطمئن الساعة الثامنة مساء، انقطع التيار في غير موعده، وتجلت رحمة ربنا في فتحة 10 سنتيمترات فتحت لي طاقة الونس والأمل وسرسوب هواء، إذ إنني أعاني فوبيا الأماكن المغلقة”. ويحكي السياسي المحبوس عن ساعات الونس التي أمضاها معه حارس العمارة يحدثه عبر الفتحة الصغيرة ليخفف عنه، “في تلك الأثناء صعد “السايس” ومعه شاب لا أعرفه للدور الـ 13 للف بكرة حبل المصعد لتحريكه يدوياً، ووجه محمد الشكر لـ “كونسولتو فك البكرة”، وشارك فيه “البواب” الأصلي الذي كان يمضي عطلته في المنيا، ومهندس الصيانة من بيته في “فيصل” (حي الهرم)، والشاب والسايس، إضافة إلى جاره الذي أرسل ابنه الصغير ليحدث معه عبر الفتحة الصغيرة، ليحول دون تمكن الفوبيا منه، وجارته التي نبهته أنه عليه أن “يشكر ربنا أنه لم يمت”. الطريف أن البواب والسايس أصرا على أن يعاود ركوب المصعد بعدها بساعات على رغم أنه كان قد عزم على استخدام السلم، والأكثر طرافة أن السايس والبواب ركبا معه المصعد حتى يتجاوز الخبرة السيئة، وذلك في تلاحم طبقي مناهض للفوبيا. المزيد عن: مصرالرئيس المصري عبد الفتاح السيسيالمجتمع المصريالطبقة المتوسطة في مصرالجنيه المصريالاقتصاد المصريانقطاع الكهرباء في مصر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ما حقيقة عودة نشاط «السوق السوداء» للدولار في مصر؟ next post الدوريات العربية تستهدف نجوم ريال مدريد بعد لقب دوري أبطال أوروبا You may also like زمن ميلاد المسيح ومكانه… جدل إلى الأبد 26 ديسمبر، 2024 لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟ 22 ديسمبر، 2024 “الرواية الكاملة” لهروب الأسد “المرتبك”… و”مفاجأة” الشرع 20 ديسمبر، 2024 “المجلة” تنشر وثائق عن رسائل من إسرائيل إلى... 17 ديسمبر، 2024 تجربة “سوريا الفيدرالية” التي لم تعش طويلا 16 ديسمبر، 2024 قصة أول قائدة طائرات مغربية التي قتلت برصاص... 15 ديسمبر، 2024 كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟ 15 ديسمبر، 2024 من الستينيات إلى اليوم.. كيف جسدت السينما الفلسطينية... 13 ديسمبر، 2024 ماهر الأسد… البعبع الذي أرعب السوريين 13 ديسمبر، 2024 موطئ روسيا على “المتوسط” يصارع موج الاحتمالات 10 ديسمبر، 2024