من تقديم لـ"ليدي بي غود" (موقع الأوبرا) ثقافة و فنون الأوبرا تمتزج بإيقاعات الجاز في “ليدي بي غود” by admin 10 أكتوبر، 2024 written by admin 10 أكتوبر، 2024 100 الأخوان جورج وآيرا غرشوين يبتعدان من حكايات الغرام إكراماً للأخ وأخته…! اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب تقول الحكاية إن جورج غرشوين حين قصد باريس أواسط عشرينيات القرن الـ20 أملاً في أن يتعلم مزيداً عن التأليف الموسيقي على الطريقة الفرنسية، قدمته ناديا بولانجيه إلى موريس رافيل الذي كان غرشوين يتوق إلى أن يلقي عليه بعض الدروس. وعلى الفور طلب رافيل من غرشوين أن يعزف أمامه بعضاً من مقاطع مؤلفاته، ففعل الأميركي ذلك وحين انتهى نظر إليه المعلم الفرنسي الكبير ثم قال له “ما رأيك أن تعطيني أنت دروساً في التأليف الموسيقي؟”. ويقال منذ ذلك الحين أن رافيل أولع بالجاز الذي وصل إليه من طريق غرشوين بينما يقال خلال الوقت نفسه إن غرشوين ظل طوال حياته متأثراً بكونشرتي البيانو والأوركسترا، اللذين كان رافيل انتهى من تلحينهما خلال ذلك الحين. وللمناسبة نذكر هنا أن الحكاية السابقة تروى أحياناً مع إبدال اسم رافيل باسم سترافنسكي لكن هذا الأخير نفى ذلك، مؤكداً أن صاحب الحكاية هو رافيل وأن هذا رواها له بنفسه. كلاسيكي في القرن الـ20 وسواء كان المعلم الباريسي هنا رافيل أو سترافنسكي فإن ما نشير إليه هو أن غرشوين حين قصد العاصمة الفرنسية ليتعلم كان سبق له بالفعل أن أثبت حضوره كمؤلف كبير، وصلت شعبيته إلى ذروتها حين قدم “رابسودي باللون الأزرق” للمرة الأولى كعمل كلاسيكي للأوركسترا والبيانو خلال عام 1924. وهو على أية حال العام نفسه الذي قدم فيه الأوبريت الكبير الأول الذي حملت عنوان “ليدي بي غود” ولحنه مع أخيه آيرا كبداية لسلسلة أعمال خفيفة من هذا النوع، وظل الأخوان معاً أحياناً وجورج وحده في أحيان أخرى ينتجانها حتى وصول النوع إلى الذروة عام 1931 مع أوبريت “إليكم أغني” الذي سيدخل تاريخ الموسيقى الأميركية بوصفه أول عمل من هذا النوع ينال جائزة بوليتزر. ولكن حين لحن جورج وأخوه “ليدي بي غود” (كوني صالحة يا سيدتي!( كان كل هذا المجد لا يزال بعيداً، وكان العمل لا يزال يقدم جديداً من ناحية إدخال إيقاعات الجاز في المسرح الغنائي الشعبي الأميركي. جورج وآيرا غرشوين (الموسوعة البريطانية) تجديد جذري ومن المعروف تاريخياً اليوم أن “ليدي بي غود” التي قدمت للمرة الأولى خلال الأول من ديسمبر (كانون الأول) 1924 على خشبة “ليبرتي تياتر”، إنما كتبت أصلاً كي يؤديها فريد آستر مع أخته آديل آستر، ومن هنا حرص آيرا نظماً وجورج تلحيناً على أن يجعلا الدورين الأساسيين فيها دوري شقيق وشقيقته. والحقيقة أن العمل كان عند تقديمه الأول من النجاح بحيث قدم في 330 عرضاً متتالياً، كما أن أغنياته ومن أبرزها تلك التي تحمل عنوان الأوبريت نفسه وأخرى عنوانها “إيقاع ساحر” سرعان ما صارت على كل شفة ولسان. والحال أن نجاح الأغنيات كان أحد الأهداف الرئيسة التي تقف خلف إنتاج مثل هذه الأعمال، بحيث لا يدهش أحد إزاء التشابه في المواضيع بين كل الأوبرات المنتجة في ذلك الحين. فنحن إذا تمعنا هنا في نحو ثماني أوبرات كتبها آيرا ولحنها جورج غرشوين بين عامي 1916 و1924، سنجدنا دائماً أمام الموضوع نفسه: شاب وفتاة يلتقيان ويغرمان ببعضهما بعضاً ثم يحصل ما يفرق بينهما فيحزن كل واحد منهما بمفرده، ثم يحدث أن يلتقيا من جديد ليعود الوئام بينهما. والطريف أن الجمهور الذي كان – وربما لا يزال مع فوارق كبيرة حتى الآن – يتابع هذا النوع من الأوبريتات، كان يتأثر من جديد وهو يشاهد كل أوبريت منها لتنفرج أساريره في نهاية الأمر حين تصحو السماء التي كانت ملبدة بالغيوم. بعيداً من الغرام وكان هذا الجمهور يتجاوب مع المزاج الذي تخلقه أغاني العمل التي كانت مقسمة – مزاجياً، بالتالي لحنياً – إلى أغنيات تكون في البداية معبرة عن وحدة كل من الحبيبين وتوقه إلى أن يلتقي شقيق أو شقيقة روحه أو روحها، وعند اللقاء تزداد الأغنيات ألقاً وحبوراً ورومانسية. ثم بعد ذلك حين يحدث ما يفرق بين الحبيبين تبدأ الأغنيات من كلا الطرفين بالاتسام بمسحة مؤكدة من الحزن، لتنتهي الأمور بعد ذلك على ألحان صاخبة راقصة جماعية تنهي الحكاية كلها نهاية سعيدة. وكان هذا هو النمط السائد إذاً، غير أن “ليدي بي غود” حتى وإن كان معظم جوها الغنائي بدا على هذه الشاكلة إلا أن الأخوين غرشوين سعيا هنا إلى تغيير اعتبر في ذلك الحين ثورياً: فبما أن الدورين الرئيسين هنا لأخ وأخته بات من المنطقي أن يتغير إيقاع الأغنيات، فلا غرام مباغتاً هنا ولا فراق بعده لقاء، حتى وإن كانت النهاية يجب أن تظل سعيدة. ومن المنطقي بالتالي القول إن الموضوع نفسه مختلف: ما لدينا هنا هما الأخ والأخت وقد جربا معاً التصدي للفقر وشظف العيش بمحاولات يائسة للحصول على ما يقوِّم أودهما، ويمكنهما من سلوك درب مستقبل معقول، لكنهما يفشلان كلياً في هذا. وإذ يدرك كل واحد منهما أن الآخر لن يمكنه شق درب العيش إلا مقابل تضحية ما، يحاول الأخ كما تحاول الأخت خلال الوقت نفسه التضحية بالسعادة وبالوقت من أجل الآخر، حتى تتكشف الأمور في النهاية ويتبين لهما ما يشي بأن التضحية المتبادلة إنما كانت مفيدة ومثمرة للاثنين معاً. بوستر لأوبرا “ليدي بي غود” (موقع الأوبرا) تفكيك قواعد الأسلوب ومن الواضح أن هذا الموضوع نال إعجاب النقاد عند تقديم العمل للمرة الأولى، ولعل النص النقدي الأكثر نموذجية في هذا الإطار كان ذلك الذي كتبه الناقد جيرالد بوردمان في كتابه “أميركان ميوزيكال تياتر” قائلاً “على رغم أن هذا العرض لم يكن أعظم ما قدم في ذلك الموسم، فإن من الأرجح أنه سيعد دائماً من أهم الأحداث الراديكالية في هذا النمط من الاستعراض الفني. ذلك أن جورج غرشوين عرف هنا كيف يحدد وفي صورة نهائية كل المعالم والإيقاعات وضروب التوتر العائدة إلى موسيقى الجاز وصارت موسيقى مسرحية. وفي الماضي القريب كان غرشوين فكك قواعد الأسلوب الغنائي في أعمال مثل “سامبادي لافز مي” (شخص ما يحبني) وغيرها من الأغاني، لكنه الآن يبدو كمن يجذر اللون كله، إذ نراه شراكة مع أشعار أخيه البسيطة والمعبرة وقد أدخل رنة جديدة تماماً إلى المسرح الموسيقي الأميركي، رنة تتناقض كل التناقض مع نوع الأوبريتات السائد في برودواي وغيرها”. ولعل من الأمور التي رصدها النقاد في صورة واضحة واعتبروها عملاً ثورياً أن الأخوين غرشوين لم يموضعا الأغنية التي أعارت اسمها إلى عنوان الأوبريت في أي حوار بين الشخصيتين الرئيستين، بل جعلا تقديمها يعود إلى المهرج واتي الذي ينشد الأغنية في دعوة إلى حبيبته سوزي وهي شخصية ثانوية في العمل كي تنضم إليه في اللعبة التي يلعبها، وبقي أن نذكر هنا أن “ليدي بي غود” حولت مرتين إلى السينما. والطريف أن الأوبريت لم يكن في أي من المرتين الأساس الذي اقتبس منه الفيلم في صورة مباشرة، ففي المرة الأولى كان الفيلم صامتاً، بالتالي روى الأحداث من طريق الصورة. أما في المرة الثانية فكان يفترض أن يحقق فيلم ناطق – أواخر الثلاثينيات – يستند إلى الأوبريت ويقوم ببطولته فريد وآديل آستير، لكن المشروع سرعان ما تغير ليتحقق عام 1941 فيلم يحمل العنوان نفسه، ولكن من بطولة إليانور باول وآن ساذرن قدمت فيه أغنيتان فقط من أغنيات الأوبريت هما أغنية العنوان و”إيقاع ساحر”. جورج غرشوين 1898 – 1937 واسمه الحقيقي جاكوب غرشوفتش ولد في بروكلين ليموت باكراً بعد ذلك بـ38 سنة في هوليوود وهو في عز نجاحه، وهو منذ سنوات مراهقته ومتأثراً بالجو الموسيقي العائلي اختار الموسيقى طريقاً لحياته، فانضم وهو في الـ15 من عمره إلى شركة كلفته ببعض الأعمال الموسيقية، ثم بدأ يلحن أغنيات ينتجها أحياناً لنفسه حتى أواسط العقد الثاني من القرن الـ20، حين انضم إليه أخوه آيرا ليكتبا معاً سلسلة من الأوبريتات كما ذكرنا. أما تفرده فكان مع ظهور “رابسودي باللون الأزرق” الذي أوصل شهرته إلى العالم. أما أعماله التالية فسجلت على الفور نجاحات كبيرة من أوبرا “بورغي إندبس” إلى “أميركي في باريس” التي لحنها وهو يعيش في العاصمة الفرنسية، إلى أعمال أوبرالية وسينمائية عدة. المزيد عن: جورج غرشوينالموسيقي الفرنسي موريس رافيلالموسيقي الروسي إيغور سترافنسكيالموسيقى الكلاسيكيةالأوبراموسيقى الجاز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عودة ديلان عام 1974 كانت لحظة موسيقية مبدعة next post انهيار الطبقة الوسطى في العراق في “وادي الفراشات” You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024