ثقافة و فنونعربي الأميركي جاك كيرواك يستكشف أعماقه عبر كتابة أحلامه by admin 23 أغسطس، 2022 written by admin 23 أغسطس، 2022 80 أبطال رواياته يزورونه في نومه ويواصلون سرد حياتهم اندبندنت عربية \ سناء عبد العزيز في مقدمة روايته التجريبية “كتاب الأحلام” ينبهنا الكاتب الأميركي جاك كيرواك، رائد تيار “جيل بيت” أو “بيت جنريشين”، إلى أننا على وشك قراءة حفنة من الأحلام كتبت من تلقاء نفسها، بمجرد أن استيقظ من النوم. وفي أحيان كثيرة كانت تكتب حتى قبل استيقاظه، بتدفق مذهل بحسب منطق الحلم، الطريق الأمثل إلى أعماق النفس، حيث يمتد البصر إلى آفاق تصل إلى طفولة الإنسانية. ينبهنا أيضاً إلى أن الشخصيات التي كتب عنها في رواياته تظهر هنا أيضاً في مواقف حلمية جديدة وغريبة… تواصل سرد القصة نفسها، القصة الوحيدة التي كتب عنها طوال حياته، متخذة من نفسه ورفاقه الذين طالما تمنى أن يذكرهم بأسمائهم الحقيقية أبطالاً، لولا اعتراض الناشرين، وإن اضطروا إلى إدراج جداول للشخصيات تكشف عن هوياتهم، كما تمنى هو. يقول كيرواك عن أبطاله، “إنهم يظهرون هنا مرة أخرى ويقومون بأشياء غريبة أخرى من دون سبب محدد، سوى أن الذهن يتداعى، والدماغ يتحرك في دوامات، والقمر يغرق، والجميع يخفون رؤوسهم تحت الوسادة بأغطية النوم، هذا رائع. وجميل جداً. فحقيقة أن كل شخص في العالم يحلم كل ليلة، يربط البشرية جمعاء في وثاق غير معلن ويبرهن أيضاً أن العالم متعال حقاً…”. أدب اللحظة الراهنة من نصوص الكتاب على سبيل المثل، “هذا أكثر حلم أسعدني: مات صديقي المفضل قبل أكثر من عشرين عاماً، هذا ليس الحلم، بل الواقع”. الحلم، “رن الهاتف، هاتف حائط. التقطت السماعة وسمعت صوت (مات) الهادئ والمبهج وهو يقول مرحباً. كيف هي الأمور هناك يا (مات)؟ سألته. قال جيدة (كانت تلك أقصى مجاملة له). سعيد جداً لسماع ذلك يا (مات)، سعيد جداً لأن الأمور جيدة على الجانب الآخر… وكان ذلك الحلم حياً، الصوت، ووضوح الرسالة والسلام الذي غمرني… بعد فترة طويلة من هواتف الحائط. أعتقد أنهم قد أعطوه هاتفاً في الجنة”. “كتاب الأحلام” في الطبعة الجديدة (أمازون) نشر “كتاب الأحلام” عام 1961 وأعيد نشره عام 2001، وهو عبارة عن لمسات فرشاة على روايته الشهيرة عالمياً “على الطريق”، التي رفضها الناشرون، بسبب أسلوبها التجريبي ومحتواها الجنسي وحياة أبطالها المفعمة بالجاز والشعر وتعاطي المخدرات. وهذا ما أطلق عليه “جيل البيت” حيث يعتبر كيرواك مؤسساً رئيساً له مع ألين غينسبيرج ونيل كاسيدي. وتعتبر رواية “على الطريق” بمثابة مانفيستو لهذا الجيل الباحث عن المكانة التي يستحقها، والرغبة في تحويل الهزيمة إلى نصر على طريقتهم. كتب كيرواك عن تلك التجربة يقول، “سأعثر على لفافة ورق من النوع المستعمل في تغطية الرفوف. سأدخل هذه اللفافة في آلتي الكاتبة وأنطلق في الكتابة بأقصى سرعة، غير مكترث لتلك الخدعة التي تسمى بنية النص، وسنرى النتيجة في النهاية”. وجاءت النتيجة مخيبة في البداية لطموح صاحبها، مما اضطره إلى حذف كثير من اللقطات المثيرة استجابة لحركة النشر حتى خرجت عام 1957، أي بعد ستة أعوام من كتابتها، في ثوب أكثر تهذيباً، محققة له الشهرة، بل وجاعلة منه، مبتكراً لـ”أدب اللحظة الراهنة”. عام 2011، بيعت النسخة الأصلية للرواية المطبوعة على لفافة ورق، في مزاد علني بما قيمته 2.5 مليون دولار، وتعرض الآن في معرض “متحف الرسائل”، داخل واجهة زجاجية بطول تسعة أمتار، على شكل طرق أميركية طويلة، تتوزع على طرفيها مشاهد من حياة كيرواك. إلى جانب مشاهد تستحضر الكتب التي ولع بها لشعراء وأدباء، منهم جان جينيه ورامبو ومارسيل بروست، ذاك الذي كان بحثه عن “الزمن المفقود” نقطة انطلاق كيرواك في روايته كما يقر بنفسه، “قررت أن أفعل بدقة ما فعله بروست، ولكن على نحو مكثف”. رجلان يجوبان المدينة على نهج بروست المستمد من أرض الواقع تحكي “على الطريق” قصصاً حقيقية لعديد من الشخصيات الأساسية لـ”جيل البيت”، مثل ويليام بوروز، وآلن غينسبرغ ورفيق دربه نيل كاسيدي الذي أوحى إليه بفكرة الكتاب. ويظهر في الطريق تحت اسم دين موريارتي، متحولاً عبر فصول الرواية من خريج سجون إلى متنبئ معاصر. كتب كيرواك في رسالته لأحد الطلاب عام 1961، “شرعنا، أنا ودين، في رحلة عبر أميركا ما بعد ويتمان، لإيجاد الأميركا التي نتخيلها، وإيجاد الخير المتأصل في الرجل الأميركي. كانت حقاً قصة عن رجلين كاثوليكيين يجوبان المدينة بحثاً عن الله، وقد وجدناه”. الطبعة السابقة (أمازون) في “كتاب الأحلام” يتخذ دين اسم كودي بوميراي كما يتضح في “جدول الشخصيات”، وعلى الرغم من أن الرواية تفتقر إلى حبكة صلبة وإيقاع ملحوظ، مثلما الحال في “على الطريق”، فإنها بطريقة ما تعتبر أهم مرجع لكتابات كيرواك، بمعنى ما كان يهدف إلى تحقيقه: استكشاف العقل الباطن، “فيما أتجول في ضواحي الأحياء الفقيرة في مكسيكو سيتي أوقفتني ابتسامة لثلاث قطط انسحبت من الشارع العمومي المزدحم مساءً إلى حد ما بالأضواء الماكرة، وأكشاك الكوكا، ورقاق التورتيلا -ستسرق حقيبتي بلا شك- لقد قاومت قليلاً، استسلمت، بدأت في مطارحتها همومي. من الأفضل أن ينتهي الأمر بسرقة بعض محتوياتها… وننصرف تاركين الحقيبة مع شخص ما، ذراعاً بذراع، مثل عصابة إلى أضواء وسط مدينة ليتران…”. الموت واحد يتكلم “كتاب الأحلام “عن الحب الضائع، والجنون، والإخصاء، وقطط تتحدث، وقطط في خطر، وأشخاص يلدون قططاً، وفصول دراسية، وميل تورمي، وزسا زسا غابور، وتولستوي، وجان جينيه… كلهم يظهرون بشكل متكرر، كاشفين عن نوع غير مألوف من الجمال الهش في شخصية كيرواك، كرجل في رحلة لا نهاية لها، تشبه رحلة أوليسس حين تتقاذفه كل الطرق، ليتسنى له معرفة كل الاتجاهات وصولاً إلى الحرية، وشق طرق جديدة في الكتابة وتعويض كل ما فاته. يكتب جاك، “كل ما فقدناه سيعود إلينا في الجنة”، متذكراً الأيام الحزينة بعد وفاة شقيقه. ويضيف، “في حالة الضياع العام للأسرة، هنا، تشبه الليلة التي مات فيها جيرارد وصراخ أقاربه في غرف النوم بالطابق العلوي. حينها اعتقدت أنها نهاية العالم”. أشار كيرواك مراراً إلى شارع بوليو الرقم 34 باسم “بوليو الحزين”. كانت عائلته تعيش هناك في عام 1926 عندما توفي شقيقه الأكبر جيرارد، بسبب الحمى الروماتيزمية عن عمر يناهز تسع سنوات. أثر هذا بعمق في جاك البالغ أربع سنوات. وقال لاحقاً إن جيرارد تبعه في حياته كملاك حارس. لكن “كتاب الأحلام” ليس مجرد “حفنة من الأحلام” كما ينوه في مقدمته، فهناك من الوقائع الحقيقية الكثير، وإن اعتبرها بدورها من قبيل الأحلام التي تحققت أخيراً، “أتلكأ وأنا أسير في الممرات ذهاباً وإياباً مبتسماً لأول مرة، إنني لست مضطراً إلى الذهاب إلى المدرسة على الإطلاق فقد أصبحت كاتباً عظيماً… آه، ألا تضطر إلى الذهاب إلى المدرسة فهذا يعد الآن حلماً، بعد أن نجوت من كوابيس مدرستي الثانوية، وبكونك لست مضطراً إلى الذهاب إلى المدرسة لأنك كاتب مشهور، واو، فهذا بالتأكيد حلم تحقق…”. بعد انقطاعه عن الدراسة، التحق كيرواك بمشاة البحرية الأميركية ليؤدي الخدمة في الحرب العالمية الثانية. وكان أن أبحر على متن البارجة “أس أس دورتشيستر” التي توقفت للراحة، ونسي نفسه في حفلة صاخبة ولم يستطع اللحاق بها لحسن حظه، إذ أمهله الموت بعض الوقت. إنها البارجة التي تم قصفها وقتل فيها 600 جندي من مشاة البحرية ليس من بينهم كيرواك بالطبع، ليظل طوال حياته يردد أنه كان يمكن أن يقتل معهم لو لم يحالفه الحظ، لكن الحظ لم يحالفه كثيراً، فقد مات في السابعة والأربعين نتيجة لنزيف داخلي بسبب إدمانه الكحول. وبعد وفاته، ذاع صيته الأدبي ونشر عديد من أعماله التي لم تعرف من قبل، من بينها “على الطريق” و”دكتور ساكس” و”دراما المتشردين” و”كآبة مدينة ميكسيكو” و”الخبايا” و”ملائكة الدمار” و”رؤى كودي” و”أخي البحر” و”كتاب الأحلام “. ولعل أسلوبه الفريد، العفوي والمتدفق، يساعدنا على معرفة ما يدور في رأس رائد “جيل البيت” من مسافة هي أقرب ما تكون. المزيد عن: روائي أميركي\أدب جديد\والت ويتمان\جيل الشباب\وليم بوروز\شعر\قصيدة النثر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دراسة ترصد العلاقة بين الرغبة الجنسية لدى النساء وتقاسم العمل المنزلي مع الرجال next post غرويتويزن الفيلسوف الذي عاكس التيارات فعاقبته بإهمال كتبه وجهوده You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024