ثقافة و فنونعربي الأميركية كاثرين سكانلان ترسم صورة روائية مركبة للمرأة by admin 3 فبراير، 2023 written by admin 3 فبراير، 2023 21 سونيا بطلة “ارفس الرتاج” تكتشف الحياة في سباق الخيول اندبندنت عربية \ سناء عبد العزيز حين لا يسعفك الخيال على كتابة قصة، ما عليك سوى اللجوء إلى الواقع، كما حال الكاتبة الأميركية كاثرين سكانلان في أعمالها العصية على التصنيف، التي تكشف عن كم من الكنوز المخبأة في حياة الناس العاديين، وقدرة التفاصيل البسيطة على الإدهاش وتشييد عوالم استثنائية من دون أدنى جدال. في روايتها الأولى “ضباب 9 أغسطس” تمكنت سكانلان من التقاط الحكاية من مذكرات امرأة تبلغ من العمر 86 عاماً، عثرت عليها بمحض الصدفة في أحد المزادات في إلينوي. وفي كتابها الجديد “ارفس الرتاج” الصادر حديثاً عن دار نيو ديركشن، وجدت ضالتها في حكاية امرأة عادية قضت معظم حياتها تعمل في سباق الخيل، لكن الأفكار الملقاة على قارعة الطريق لا تكتسب قوتها إلا بالطريقة التي نلتقطها بها، حتى لو تأرجحت في المنطقة الغائمة بين الرواية والتاريخ الشفهي، كما نلحظ في كتابة سكانلان. لا أريد أن أضيع وقت القارئ ذات يوم، التقت والدة سكانلان عرضاً في سوق للأشياء المستعملة، بامرأة تدعى سونيا وقدمتها لابنتها. غير أن هذا اللقاء لم يمر كغيره، مرور الكرام، فسونيا هذه هي من ستكون بطلة كتابها الثالث “ارفس الرتاج”، ربما لأنها أيقظت حنيناً إلى والدها الذي ينحدر من عائلة من مدربي الخيول، أو كما توضح في حوار معها: “أقدر الأشخاص الذين يحترمون الحيوانات ويتفاعلون معها. علمتني والدتي ركوب الخيل من دون سرج، وكيفية رعايتها في سن مبكرة، وأصبح لي حصان وأنا في السابعة من عمري وكان نعم الصديق بالنسبة لي. كنت في عز الشتاء أجلب له الماء وأرفع بالات القش، ونركض معاً في سباقات المعرض المحلي. عندما قابلت سونيا لأول مرة داهمني شعور بالألفة”. استغرقت سكانلان وقتاً طويلاً في تفريغ المقابلات التي سجلتها مع سونيا وقامت بتقسيمها إلى 12 فصلاً، وزعت كل فصل على أجزاء يتراوح طولها من ثلاث صفحات إلى 15 كلمة فحسب. نص الاستهلال يتألف من ثمانية أسطر تشبه النقر الخفيف لحوافر الحصان على الأرض، ونتعرف فيه على سونيا التي ولدت عام 1962 بفخذ مخلوع. واستنتج الأطباء أنها لن تستطيع المشي مطلقاً: “قالت أمي، أوه لا، لا بد أن هناك حل ما”. تمثل الحل في وضع قطعة اللحم الحمراء بدءاً من الصدر حتى الساقين ولمدة خمسة أشهر داخل الجبس، مع السماح بفتحة صغيرة تكفي للحفاض. وكتب لها الانتصار وهي في لفتها في مضمار الطب إذ استطاع الجسد الذي ولد مفككاً، المشي وحتى الحلم بالطيران ولو على صهوة جواد. الرواية الأميركية “إرفس الرتاج” (أمازون) تعلمت سونيا ركوب الخيل في إجازة نهاية الأسبوع على حصان مستأجر بالساعة: “مرة واحدة، في عيد ميلادي، استأجرت حصاناً لمدة خمس ساعات متواصلة”. وفي سن المراهقة، اختارت أن تعمل في الإسطبلات مقابل السكن، حيث تعلمت كل ما يخص الخيل من تغذية ورعاية، إلى علم التشريح وانتقاء السلالات وغيرها من التفاصيل الضرورية لكل المولعين بالخيول، تقول سونيا “أثناء الركض، يقضي الحصان وقتاً طويلاً معلقاً في الهواء… حين تهبط القدم، يمثل الضغط الواقع على تلك الساق الرفيعة أكثر من ألف رطل، ذلك الحافر الصغير بحجم منفضة سجائر، من المحتمل جداً أن ينكسر بارتطامه المباغت للأرض”. إنها الخبرة التي تنقلها إلينا سكانلان بوضوح ونزاهة عبر كلمات مصفاة لآخر قطرة تمتد على مدار 96 صفحة لتقدم دليلاً وبرهاناً على المقولة الشهيرة “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”، وهي أهم ثيمة في كتابة سكانلان التي تلخصها في تلك الكلمات “لا أريد أن أضيع وقت القارئ”. وتطرقت إليها ليزلي جاميسون في دراسة لأعمالها نشرتها مجلة “النيويوركر”، “تكتب سكانلان عن الحياة العادية بطرق غير عادية من خلال ضغطها جذرياً، مثل ضغط الكربون وتحويله إلى ماس”. غالباً ما يفسد الرجال كل شيء على رغم رقة حال أسرتها، تمكنت سونيا من شراء مهر، وانتقلت من سباق إلى سباق، ومن النوم في المقطورات إلى الفنادق الرخيصة، مكيفة جسدها مع الإيقاع المرهق لشغفها بالخيول “طعام الرابعة، سبعة أيام في الأسبوع”. فنتعرف من خلالها على خبرة الفرسان في تجويع أنفسهم لاكتساب الخفة والسرعة، بقدر ما نتعرف على السر في اكتساب سكانلان لهاتين الخاصتين في كتابتها “الفرسان يقلبون طعامهم أو لا يأكلون على الإطلاق. إنهم يجيدون التقيؤ ويتفاخرون بذلك- يمكنني التقاف الأرز لكني أترك حبات الفاصوليا”. تصفها جاميسون “هذه هي مهارة سكانلان الخاصة: تقليب الأرز لا التهام الفاصوليا. التخلص من كل المفردات غير الضرورية والاحتفاظ بالتفاصيل الأساسية التي تغذي النص وتضفي عليه الحياة. الخصوصية العميقة لكتاباتها، برفضها تطهير وجودنا المادي في العالم، تجعل الشيء العادي غريباً. إنه مثل نطق كلمة مألوفة مرات عديدة بحيث تبدأ في الظهور كما لو كانت من لغة أجنبية”. تتبع النصوص المروية في شذرات، مسار حياة سونيا وهي تشق طريقها في حلبة السباق من متدربة إلى مدربة، مع الاحتفاظ بطريقتها الطازجة في الحكي، كالخشونة المتوقعة من أنثى اخترقت عالم الرجال، حتى مبالغتها في بعض الأحيان التي أتاحت لسكانلان استكشاف “ما يمكنك تسميته صورة مركبة للذات”. وبينما يبدو الحلم على وشك التحقق يظهر العنف الذكوري على الجانب الآخر كحلقة لا فكاك منها في التجربة النسوية. في نص قصير بعنوان “كنت أراه كل يوم”، تصف المدربة الواعدة رجلاً اقتحم مقطورتها في منتصف الليل “كان يتناول حبوباً. كان فارساً يحاول تقليل وزنه. قال لي إنه أطلق النار على كلب”، ثم وضع مسدسه على رأسها. تلخص سونيا هذا التجربة باقتضاب شديد “تعرضت للاغتصاب”، ولكنها تصفعنا بالخاتمة “لقد آفاق الرجل، وعرفته، وكنت أراه كل يوم، وأعرف بالضبط من هو، كان أمراً سيئاً، لكني نجوت على أي حال، وبعدها قمت بحلق شعري تماماً”. يرتبط العنف في أغلب الأحيان عند سكانلان بالجنس، في أحد النصوص يجبر صاحب حصان، فتاة على مساعدة فحله على التراخي أمام المارة، ويحاول صديق سونيا السابق، السيد بيكر، خنقها ثم يقتل هرتها وفي اليوم التالي لمهاجمته لها وتركها مع كدمات حول رقبتها، تطلق الشرطة سراحه، وتخبرها “هذا فقط لإعلامك بإطلاق سراح السيد بيكر”. تقارن جاميسون في دراستها ملامح العنف عبر أعمالها بقولها إن العنف الجسدي يظهر جلياً في مجموعتها القصصية “الحيوانات المسيطرة” بدءاً من الإهانة العرضية في عبارة مرتجلة (أراهن أنك تحبين الجنس)، إضافة إلى التسلية الخبيثة مع بعض الصبيان الذين يقومون باحتجازها تحت الماء. لكن سونيا رغم صرامتها لا تخلو من نقطة ضعف حيال المهمشين والضعفاء، سواء من الخيول أو المساجين الذين عملت معهم، كضابط إصلاحيات بعد أن تركت عالم الخيول خلفها، ومنهم العجوز المدمن الكحول، الذي عاش في منزلها حين طردته ابنته. في نص بعنوان “بسايكل جيني”، وهي شخصية مدونة في سجل طفولتها، تتسع رحمة سونيا بعد أن احترق بيتها، لتشمل الكلاب، كتبت تقول: “لم يبق من بيتها إلا حفرة محترقة، هذا هو المكان الذي عاشت فيه… كانت هناك دبابيس وأسلاك معلقة من الأشجار. وفي الحفرة، حوض استحمام قديم وموقد صغير من الحديد الزهر، وأنابيب اختبار بسدادات مطاطية، وزجاجات صغيرة زرقاء، وأوان من الجيلي صنعتها من شجيرات التوت. صوتها كان عالياً ومتصدعاً وغريباً مثل صوت ساحرة وهي تلبس قفازات العمل الخاصة بالرجال، وعادة ما تجد في معطفها بعض الجراء. تحتفظ بسايكل في منزلها الذي احترق، بعدد لا يصدق من الجراء، 60 أو 70 جرواً.. كيف لم تتجمد في الشتاء؟ “لم أفكر في ذلك وأنا طفلة لكني أفكر كثيراً الآن، كيف نجت هذه الكلاب”. المزيد عن: روائية أميركية\رواية\عالم الخيل\النسوية\الرجل\الفارس\سباق الخيل\سرد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post شيرين عبادي: لا رجعة عن “العملية الثورية في إيران” next post أحمد المديني يدعو النقاد العرب إلى مسح نظاراتهم You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024