الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » “اسم الوردة” لأمبرتو إيكو: الفكر العربي في زمن العالم

“اسم الوردة” لأمبرتو إيكو: الفكر العربي في زمن العالم

by admin

أربعون عاما على تحقيقات “شرلوك هولمز” في القرون الوسطى

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

“أعلم أن ديركم هو النور الوحيد التي تقدر المسيحية أن تباهي به مكتبات بغداد الستّ والثلاثين، والعشرة آلاف مخطوط التي يمتلكها الوزير ابن العلقمي، وأن كتبكم المقدسة تعادل الألفين والأربعمئة مصحف قرآني التي تتباهى بها القاهرة، وأن حقيقة خزاناتكم هي البيّنة الساطعة ضد أسطورة الكافرين الذي يقولون (وهم المتعودون على البهتان) أن مكتبة طرابلس تعد ستة ملايين من الكتب ويسكنها ثمانون ألف شارح ومائتا ناسخ…”. ليست هذه السطور منتزعة من نقاش علمي دار في مؤتمر ما معقود للمقارنة بين الحضارات والأديان، بل هو جزء من حوار طويل ومتشعب يدور في أحد فصول الرواية الأولى التي كتبها عالم سيميولوجي وفيلسوف مهتم بالعصور الوسطى في لحظة تساءل بينه وبين نفسه عما إذا كان من الصعب عليه أن يخوض ميدان الإبداع الأدبي. كان ذلك قبل أربعين عاماً من الآن، حين فاجأ ذلك العالم، أمبرتو إيكو عالَم الثقافة بتلك الرواية التي صدرت في العام 1980 لتعتبر على الفور واحدة من أعظم الروايات التي صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين وتحتل مكانها الى جانب “مئة عام من العزلة” بوصفها من أكثر الروايات نجاحاً في زمنها.

سؤال الأربعين عاماً

واليوم إذ نحتفل هنا بالذكرى الأربعين لولادة هذه الرواية الفذة، نجدنا نطرح على أنفسنا سؤالا يطرحه كثر: ما هي “اسم الوردة” في نهاية المطاف؟ واللافت في الأمر أن الجواب الأبسط والأوضح جاء على لسان كاتبها نفسه إذ قال إنها رواية بوليسية، تكاد تكون في جوهرها وحبكتها شبيهة بالعديد من روايات الكاتب الإنجليزي سير آرثر كونان دويل التي يتولى التحقيق في جرائمها شرلوك هولمز في حواره المتواصل مع صديقه الدكتور واطسون. ولئن كانت حوارات هولمز/ واطسون تدور في القرنين التاسع عشر والعشرين وتتناول العديد من الشؤون ومن بينها الشؤون العلمية التي تفسر وتبرر الاكتشافات المدهشة التي يتوصل إليها هولمز في تحقيقاته ويدونها واطسون ليرويها لنا، فإن حوارات القس الإنجليزي غوليالمو من دي باسكرفيل ومرافقه الفتى آدسو دي مالك، ومغامرتهما في الدير البهي والغامض في إيطاليا بدايات عصر النهضة تتناول سلسلة الجرائم التي تقع في الدير ويدعى ذلك القسيس العقلاني الكبير لحل طلاسمها. إن التجريبية والعقلانية هما القاسم المشترك بين المحقق العتيق وزميله الحديث. ولكن فيما نجد النزعتين طبيعيتين في إنجلترا العصور الحديثة، من خلال هولمز وواطسون، سنجدهما لب المعركة وبيت القصيد في الدير القروسطي من خلال غوليالمو وأدسو، علما أن الأحداث هنا تُروى لنا استناداً إلى ذاكرة هذا الأخير الذي كان فتياً راهباً مبتدئاً يوم تراكمت تلك “الأحداث الغريبة والرهيبة” التي استدعت إرسال القسيس الإنجليزي إلى وكر الدبابير الإيطالي ليكشف سر ما يحدث.

على لسان آدسو

ونقول “ما يحدث” هنا لأنه وعلماً أنها كانت الجريمة الأولى التي دعت إلى مجيء غوليالمو قد حدثت قبل وصوله ومرافقه، فإن بقية الجرائم تحدث خلال وجودهما وبالتالي خلال ما يرويه لنا آدسو بعد سنوات حين صار شيخاً بدوره ومسؤول دير وها هو جالس يتذكر صديقه الكبير ومغامرتهما العجيبة المشتركة، والدروس التي تعلمها منه.

ومن بين تلك الدروس، إلى جانب النظر العقلاني في الأمور، مجريات الصراعات الكنسية بين الطوائف والمذاهب، وصعوبة تمرير الإصلاحات على عقليات متحجرة تحاول جهدها إخفاء الإبداعات الفكرية والأدبية ولا سيما منها تلك الأرسطية التي لا يكاد يمر فصل من فصول الكتاب إلا ويخبرنا غوليلمو المتبحر بصورة مدهشة بالتاريخ والعلوم والأفكار والمتبع مبدأ الاستنباط الفكري للوصول إلى الحقيقة، كم تدين أوروبا ومكتباتها ومثقفوها الحقيقيون في ذلك المجال للعرب الذين تُذكر كتبهم ويُعثر على العشرات منها وفي شتى حقول المعرفة مخبوءة داخل خزانات مكتبة الدير.

أمبرتو إيكو(1932 – 2016)

والحال أن تلك المكتبة هي مركز الأحداث التي كانت تعصف بالدير وتابعت حدثانها في الأيام التي يتذكرها آدسو ويحدثنا عنها وعن مغامراته وأستاذه فيها، مغامرات أوصلتهما إلى حافة الموت والجنون، وهو ما يجعل من “اسم الوردة” رواية رعب ومغامرات إلى جانب كونها رواية بوليسية تشتغل على مبدأ “من اقترف الجريمة؟” الشهير. وطبعاً لسنا في حاجة إلى التوضيح أكثر هنا، طالما نعرف أن كثراً لم يقرأوا الرواية بعد، ولن يسرّهم أن نكشف لهم منذ الآن أكثر مما فعلنا!

نصّ فلسفيّ عقلانيّ

مهما يكن من أمر فإن “اسم الوردة” التي تتخذ هنا هذه السمات البوليسية التحقيقية المشوّقة، لا تنسينا أبداً أن كاتبها فيلسوف في الأصل ومؤرخ للفلسفة. وهو يذكّرنا بهذا في كل صفحة من صفحات الكتاب، حيث إن الواجهة البوليسية، تشكل إطاراً لرسم صورة عميقة وجذابة للمناخات الفكرية السائدة هناك في ذلك العصر كما أشرنا… ولا سيما في أجواء الطوائف الهرطوقية… وهذا ما يجعل إيكو يغوص في تفاصيل مدهشة حول الأفكار ولغة الحوار بين مختلف الأقوام وعاداتهم وحياتهم اليومية، ثم بخاصة حول فضاء الصراع على السلطة داخل الكنيسة نفسها. والمذهل هنا هو أنه كلما غاص إيكو أكثر في حمأة الأفكار العميقة، وجد لذة قبل أن يثقل على القارئ، في القفز مباشرة إلى الأحداث البوليسية وحكايات الجرائم، ما يعطي هذه الرواية فرادة فكرية.

اقرأ المزيد

ولعل أجمل ما في الأمر أن الأحداث كلها تدور في ذلك العالم السحري الغامض، عالم الدير المغلق على نفسه والذي تدور الأحداث في داخله مع عين مفتوحة على العالم كله، حيث يدرك القارئ بداهة أن كل ما يحدث هنا، بما في ذلك الجرائم البوليسية نفسها، إنما هو على علاقة مباشرة مع العالم الخارجي: مع النتائج التي ستتمخض عن ذلك الصراع الخفي بين المنطق والنقل، بين العقل والخرافة، ثم بالتحديد بين نظرة إلى الدين منفتحة على العالم تقبل الحوار مع ما هو مختلف، وبين نظرة أخرى يرعبها كل منطق وانفتاح. وطبعاً سنفاجأ، في نهاية الأمر، بأن حل ألغاز الجرائم إنما هو مرتبط كلياً بذلك الصراع اللاهوتي – الفكري.

ذلك أن هنا بالذات، يدخل أرسطو ومنطقه، من طريق الترجمات العربية، وتحديداً من طريق تفسيرات ابن رشد الأندلسي له. ابن رشد هو المحرك هنا، والموضوع هو أرسطو، أما النقطة الأساسية لكل الأحداث أي مكتبة الدير، فتبدو كالمتاهة. والمكتبة داخل الدير هي، كما يقول الباحثون صورة حقيقية لغموضه، لكنها في الوقت نفسه – كما يشير إيكو وكما يقول مؤرخ العصور الوسطى الفرنسي جاك ليغوف – المكان الذي يولد منه العصر الحديث، هذا العصر الطالع من رحم فكر أرسطو وجهود ابن رشد.

جرائم هدفها منع الولادة

أما الجرائم التي تحدث، فإنها تحدث، بالتحديد، لمنع تلك الولادة. و “الولادة” هذه، على ارتباط مع الضحك كوسيلة لانبعاث حرية الفكر لدى الإنسان. والضحك موجود في بعده الإنساني داخل كتاب لأرسطو، يحاول رجعيو الدير إخفاءه، فيما يسعى رجال دين آخرون إلى قراءته، وسط ظلام المكتبة. وهذا الكتاب الذي هو في الأصل وسيلة تنوير لا بد من أن تصل إلى الناس جميعاً، يكون هو تحديداً الأداة التي يستخدمها الرجعيون لقتل دعاة التنوير. وهذا ما سيكتشفه دي باسكرفيل، رجل التنوير والعقل الحقيقي الذي إذ يصل إلى الدير مكلفاً بالتحقيق، يأتي حاملاً معه أفكار معلميه الإنجليز التنويريين من أمثال فرانسيس بيكون والأوكامي. (والاثنان كانا من كبار أهل الرشدية في الفكر الأوروبي)، وهذا ما يمكّنه، وسط سجالاته التنويرية والإنسانية، من حل الألغاز وكشف الجرائم ومدبّريها. غير إن هذا سيؤدي إلى احتراق المكتبة.

أما بالنسبة إلى أمبرتو إيكو الذي من الواضح أن نجاح روايته هذه غير المتوقع قد قلب حياته ولا سيما منذ حُوّلت إلى فيلم سينمائي حاز نجاحاً ضخماً أيضاً وقام فيه شون كونري – جيمس بوند السابق – بدور  دي باسكرفيل، ومن هنا نراه، من دون التوقف عن دراساته الفلسفية والنقدية يصدر عدداً من الروايات خلال السنوات التالية والتي راحت تحقق نجاحات مدهشة رواية بعد الأخرى: “بندول فوكو” (1988)، “جزيرة اليوم السابق” (1994)، “باودولينو” (2000) “الشعلة الخفية للملكة لوانا” (2004)، “مقبرة براغ” (2010) وأخيراً “العدد صفر” التي أصدرها قبل وقاته عام 2016، بفترة وجيزة.

المزيد عن: اسم الوردة/أمبرتو إيكو/شرلوك هولمز/الفكر العربي/روايات عالمية

 

 

You may also like

7 comments

Dakota 11 أغسطس، 2020 - 7:46 م

I would like to thank you for the efforts you have put
in writing this site. I’m hoping to check out the same high-grade content from
you in the future as well. In truth, your creative writing abilities has
motivated me to get my own blog now 😉

My web page – website hosting companies

Reply
Curt 14 أغسطس، 2020 - 12:31 ص

Very nice post. I just stumbled upon your blog and wished to say that I have truly
enjoyed surfing around your blog posts. After all I will
be subscribing to your feed and I hope you write again soon!

Have a look at my web-site web hosting sites

Reply
Ivey 24 أغسطس، 2020 - 7:00 م

Thanks on your marvelous posting! I genuinely enjoyed reading it, you might be a great author.
I will make certain to bookmark your blog and definitely will come back sometime soon. I
want to encourage continue your great writing, have a nice holiday weekend!
cheap flights yynxznuh

Reply
Mckenzie 26 أغسطس، 2020 - 5:47 ص

Hi there! This is my 1st comment here so I just
wanted to give a quick shout out and say I genuinely enjoy reading through your
blog posts. Can you suggest any other blogs/websites/forums that go over the same topics?
Thanks for your time!

My web site; cheap flights

Reply
Sybil 28 أغسطس، 2020 - 1:25 م

Definitely imagine that that you stated. Your favourite justification appeared to be on the web the
simplest factor to be aware of. I say to you, I definitely get irked whilst people
consider concerns that they plainly do not know about.
You managed to hit the nail upon the top as well as outlined out the whole thing without having side effect ,
other people could take a signal. Will likely be back to get more.

Thank you

Also visit my web blog; black mass

Reply
Mei 31 أغسطس، 2020 - 3:59 م

Thank you, I have recently been searching for information about
this subject for a long time and yours is the greatest I have found out till
now. However, what concerning the conclusion?
Are you certain concerning the supply?

Feel free to visit my web-site – web hosting reviews

Reply
sheriff badge 13 أغسطس، 2024 - 3:29 م

Thank you for addressing this topic. It’s very relevant to me.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00