تمثال فرانشيسكو ميليتسيا (1725 – 1798): 3 عناصر أساسية (ويكيميديا) ثقافة و فنون إيطالي من عصر التنوير يبحث عن الصلابة والراحة والجمال في المباني by admin 9 مارس، 2025 written by admin 9 مارس، 2025 29 “مبادئ الهندسة المعمارية المدنية” للباحث التنويري فرانشيسكو ميليتسيا إطلالة ثورية على الحداثة العمرانية تنطلق من الخارج الإغريقي لتصب في الهندسة الداخلية الفرنسية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب اعتادت كتب الهندسة المعمارية أن تكون شديدة التخصص، لا يطلع عليها أو يحتفظ بها سوى غُلاة المهتمين، إلى جانب أصحاب الاختصاص. ومن هنا لم يحدث إلا نادراً أن صدرت كتب في العمران في طبعات شعبية. ونعرف أنه ليس ثمة في العربية سوى عدد ضئيل جداً من الكتب التي تتناول هذا النشاط الحضاري وإبداعاته، ومنها تلك التي وضعها المعماري العراقي الكبير رفعت الجادرجي، ناهيك بعديد من الكتب الفخمة التي يصدرها بين الحين والآخر مهندسون معماريون وأساتذة عرب يكون همهم فيها أن يستعرض الواحد منهم إنجازاته في هذا الميدان، فتكون الكتب أشبه بكاتالوغات منها بالكتب الفنية العلمية التي تتوخى الفائدة العامة، ولكننا نعرف أن الوضع لم يكن أفضل بكثير في اللغات الأجنبية، بيد أن الجديد اليوم هو أن كل هذه التأكيدات تبدو قديمة. ولا سيما بعدما أقدمت دار نشر ألمانية صارت الآن ذات حضور عالمي مدهش، هي دار “تاشن”، على إصدار سلسلة كتب شعبية رخيصة الثمن، أنيقة الطباعة والتبويب، يتحدث كل واحد منها عن واحد من كبار معماريي القرن الـ20 والقرن الذي سبقه، وهي كتب تلقى رواجاً مذهلاً وترجمت إلى لغات عدة. وكانت الدار نفسها أصدرت كتباً عدة حول جديد الهندسة المعمارية في القرن الـ20، منها واحد ضم أسماء كبار المعماريين المعاصرين وأعمالهم، ومن بينهم اسم عربي واحد هو اسم المعمارية العراقية زها حديد، علماً أن الدار نفسها عادت وأصدرت في السلسلة الشعبية التي نتحدث عنها كتاباً كرسته بمجمله للمعمارية العربية حديد، التي صدر عنها في الوقت نفسه كتاب ضخم رائع التصوير والطباعة يتحدث عن مجمل إنجازاتها في مجال العمران حتى اليوم، وهي إنجازات تنتشر في مناطق عديدة من العالم وعرفت أخيراً كيف تغزو بعض المدن العربية أيضاً. من تخطيطات ميليتسيا العمرانية (موسوعة العمارة الكلاسيكية) العمران في الواجهة المهم أن هذا النوع من الكتب قفز فجأةً على هذا النحو ليصل إلى الواجهة وليقتنيه مئات ألوف القراء، مما يدعو إلى الدهشة ويبعث شيئاً من التفاؤل الحضاري بوجود قراء يهتمون بمطالعة نصوص حول فن خاص وصعب كفن الهندسة العمرانية مع أن هذا الفن في تماسه مع الحياة اليومية داخل البيوت وخارجها يكاد يكون الفن الأكثر حضوراً في تلك الحياة، بالنسبة إلى مليارات البشر دون أن يكونوا مهندسين أو أصحاب بنايات. وإذا كان هذا الواقع الجديد يذكرنا، مثلاً، بكتابات كبار الفلاسفة وعلماء الجمال عن فنون العمران وفلسفتها وواقعها وتاريخها، ولا سيما منهم الفيلسوف الألماني هيغل، الذي كرس جزءاً أساساً من كتابه الأشهر “علم الجمال” للهندسة العمرانية، فإن ما نتوقف عنده هنا هو واحد من أبرز المؤلفات التي وضعت في الماضي حول العمران. ونعني بهذا كتاب “مبادئ الهندسة المعمارية المدنية”، وهو كتاب صدر للمرة الأولى في عام 1781، ليشكل في ذلك الحين المتناغم مع ذروة الفكر التنويري في أبعاده الإنسانية، فتحاً في ميدانه، ويدفع كثراً من المفكرين والفنانين إلى إعادة النظر في مبادئ العمران على المستوى النظري والعملي في آنٍ معاً، مما يفترض أن هذا الكتاب كان نقطة انعطافية في تاريخ النظر إلى هذا “الفن” والتعامل معه كبنية اجتماعية – حضارية، وكإبداع شخصي أيضاً. ما بعد عصر النهضة مؤلف “مبادئ الهندسة المعمارية المدنية” هو الإيطالي فرانشيسكو ميليتسيا. وكمنت أهمية هذا الكتاب في كونه غاص في منهجية نظرية أتت في ما وراء بعدها النظري هذا، لتفسر منهجية عملية وتطوراً تاريخياً كان فن العمران عاشه منذ أقدم الأزمنة، مما يعني أن المؤلف انطلق في نصه هذا ليس من التركيز على الأبعاد النظرية ساعياً بعد ذلك إلى العثور على تطبيقات لها في الماضي أو في الحاضر، بل من الواقع العملي الفعلي للعمران كما كان – ولا يزال في زمنه – يمارس على أرض الواقع، ليرسم النظرية من خلال ذلك الواقع. ولقد قسم ميليتسيا كتابه إلى ثلاثة أقسام أساسية، تحدث في كل واحد منها، في صورة خاصة، عن واحد من العناصر الثلاثة التي قال المؤلف عند المقدمة إنها يجب أن تتوافر لكل عمران مهماً كان شأنه: الجمال والراحة والصلابة. ولقد بدأ المؤلف حديثه المفصل بتناول الجمال العمراني الذي رأى أنه لا بد أن يتضمن الزينة من ناحية، ولكن التناسق من ناحية أساسية. وهو عنى بالتناسق تلاؤم كل جزء من البناء مع بقية الأجزاء، إضافة إلى التقابل التام والتشابه المطلق بين الأجزاء التي يفترض أن تكون متطابقة، وبعد هذا هناك، في رأي ميليتسيا تلاؤم المبنى كلاً مع طابعه العام ومع وظيفته الأساسية المتوخاة منه، من دون أن ينسى التركيز الذي كان فائق الأهمية في نظره، على “ضرورة أن يكون التناسق والتساوق تامين بين المبنى نفسه، إن كان الأمر يتعلق بمبنى معين، وبين ما يحيط به ويجاوره من مبانٍ سبق تشييدها بحيث لا يكون المشهد الإجمال متنافراً. طبعة مبكرة من “مبادئ الهندسة المعمارية المدنية” (أمازون) إنجازات البعد العملي وبعد هذا تأتي، في رأي المؤلف، الإنجازات ذات البعد العملي: وهي تلك المتعلقة بالشكل والارتفاع والتوزع والتلاؤم التام مع البيئة العمرانية والإطار الجمالي العام للزمن نفسه، ناهيك بالتلاؤم مع التضاريس الجغرافية التي من الواضح أن المؤلف يعدها ذات تأثير كبير في تقبل الناس المبنى الجديد إن هو عرف كيف يتلاءم معها. ثم إن المباني كلها كمجموع تكون، في رأي المؤلف، مختلفة بعضها عن بعض تبعاً لما إذا كان الهدف منها أن تكون مباني عامة أو خاصة. أما الجزء الأخير من الكتاب، وهو بصورة أساس جزء تقني، فإن المؤلف يتناول فيه مسائل مثل اختيار مواد البناء واستخدامها بالتفاعل مع عنصر المقاومة فيها، إضافة إلى مسائل مشابهة. وإضافة إلى هذا كله، يبرهن ميليتسيا في كتابه على أن الهندسة المعمارية ينبغي أن تستلهم دائماً المثل الأعلى الإغريقي – الروماني، بالتطابق مع التصور السكولائي. غير أن هذا التأكيد لم يمنع ميليتسيا من أن يكون ابن عصره، ما جعله يفرد مكانة أساسية للمسائل التي تتعلق بتقنيات البناء الحديثة (في ذلك العصر). ولأنه، وفق دارسيه، كان ذا ذهنية عملية وإيجابية، اهتم كثيراً بمسألة الراحة (أي أن يكون البناء مريحاً)، كما اهتم بمسألة الجمال. وهو في هذا الإطار عبر تماماً – كما يقول هؤلاء الدارسون – عن انتمائه البين إلى تلك المدرسة العمرانية التي كان من روادها كارلو لودولي (1690 – 1761) وفرانشيسكو ألغاروتي، وهذا الأخير عرف إلى ممارسته الهندسة العمرانية وتدريسها، بكونه مؤلف كتاب مهم سبق كتاب ميليتسيا ويبدو ممهداً له عنوانه “محاولة حول الهندسة المعمارية” (1753)، كان من فضائله أنه طالب بمزيد من أقلمة الهندسة المعمارية مع الحاجات العملية… وهو التأكيد الذي سيستعيده ميليتسيا، منادياً بأن المنفعة يجب على الدوام أن تؤخذ في الاعتبار، حتى ولو أدى هذا إلى التضحية بالزينة والتنسيق، بل إنه دعا أيضاً إلى إلغاء كل زينة زائدة على الحد. وهي مبادئ يمكننا أن نعثر على تفصيلاتها في كتاب آخر له عنوانه “حياة أشهر المهندسين المعماريين”. ونراه في هذا النص كلاسيكياً خالصاً، وإن كان يرى ضرورة أن تكون هناك زينة بقدر ما يريد المهندس الفنان، شرط ألا تخرج هذه الزينة عن إطار محاكاة الطبيعة. وهو عبر في الوقت نفسه عن مناصرته البناء القوطي على رغم احتفال هذا البناء بالزينة والتنسيق. العودة إلى الإغريق ومهما يكن، فإن فرانشيسكو ميليتسيا (1725 – 1798) الذي كان مدرساً للهندسة المعمارية، كما كان ناقداً في الفن التشكيلي، لم يفته أن يشير أخيراً، على سبيل الاستنتاج، إلى أن العمران المثالي يجب أن يستلهم جمالياً العمران اليوناني الإغريقي، وفي مجال الراحة: العمران الفرنسي، ولا سيما الهندسة الفرنسية الداخلية. في صورة إجمالية كان ميليتسيا يعتبر نيو – كلاسيكياً، ومع هذا كان يرى أن الحياة الاجتماعية، سواء كان ذلك في مجال العمران أم في غير هذا المجال، تظل دائماً في حاجة إلى التجديد، مصراً على أن التجديد يشمل في آنٍ معاً عناصر الجمال والراحة والتقنيات الحديثة بموادها وأجهزتها. المزيد عن: عصر النهضة الإيطاليفن العمارةالهندسة المعماريةزها حديدالفيلسوف الألماني هيغلالفكر التنويريفرانشيسكو ميليتسيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “الفتاة الوحيدة في الأوركسترا” أشد رقة في محاورة الكمنجات next post للمرة الأولى في بريطانيا… الطبيبات أكثر من الأطباء You may also like “الفتاة الوحيدة في الأوركسترا” أشد رقة في محاورة... 9 مارس، 2025 احتجاج آنا أخماتوفا المدوي في “قداس”و”قصيدة دون أبطال” 9 مارس، 2025 هكذا توفي الممثل جين هاكمان وزوجته في منزلهما 9 مارس، 2025 “ابنة بولين الأخرى” تاريخ “متخيل” للحاكم المزواج 9 مارس، 2025 “ليالي” نجيب محفوظ ارتبطت بالوجدان الرمضاني المصري 9 مارس، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: ذهبيات ساروق الحديد في... 5 مارس، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: العصر العباسي الأول بين... 5 مارس، 2025 موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية 4 مارس، 2025 شون بايكر أول سينمائي ينال شخصيا 4 جوائز... 4 مارس، 2025 رؤساء أميركا في هوليوود والدراما “مثالية زائفة” 4 مارس، 2025