رحلة ممتعة ومشوقة في تفاصيل حميمة ثقافة و فنون إنعام كجه جي تضيء على ‘لورنا وسنواتها الذهبية مع جواد سليم’ by admin 11 يوليو، 2024 written by admin 11 يوليو، 2024 125 الكاتبة العراقية تقدم في كتابها صورة ناطقة مروية من وجهة نظر جديدة لما كانت عليه بعض جوانب الحياة الفنية في بغداد أيام الخمسينات. The Middle East Online ميسلون هادي – بغداد – هذا الكتاب المشوق عن “لـورنا وسنواتها الذهبـيـة مـع جـواد سلیم” قامت بتأليفه الصحفية والكاتبة العراقية إنعام كجه جي، مقدمة له بالقول: “إذا كانت كتب ودراسات عديدة قـد صـدرت عن جـواد سليم، بما يتناسب ومكانتـه الفنية الرفيعة بين الرواد فإن هذا الكتيب مخصص للورنا، هذه الأجـنـبـيـة، الـتـي انخرطت في المدرسـة البغـدادية للرسم خـلال الخمسينات وتبنت ألوان الطقس البغـدادي وعايشت الـطـيـن والـطـوز والـطـابـوق وفضلتها على ألوان الريف البريطاني الذي هي منه“. تقـول إنعـام كجه جي أيضا إنها التقت السيدة لورنا للمرة الأولى في حفل افتتاح معرضها الذي أقيم في صالة الكوفة بلندن ربیع/1988 وإنهـا بعـد الافتتاح عادت لتلتقي بلورنا، على انفراد، في القاعة لسماع تفاصيل لقائها وحياتها مع الفنان العراقي الكبير جـواد سليم.. وقـد فـتـح ذلك اللـقـاء أبوابا أبعـد وأوسع، الأمـر الذي جعلها تحتفظ بأوراق ذلك اللقاء غير المنشورة لحين اخـتـمـرت في ذهنها فكرة تأليف هذا الكتاب عن لورنا. قصدتها كجه جي إلى حيث تقيم في بيت منعزل بويلز – بريطانيا – قريبة من ابنتها مريم التي يعمل زوجها في المنطقة نفسها، وهناك دار الحوار الطويل والحميم، الذي تقول عنه الكاتبة إنعام، إنها استمتعت به مرتين: مرة أثناء التسجيل، ومرة أثناء نقل الأشرطة الى الورق، فهو ليس حكاية حب كبير فحسب، ولا صـفـحـة من تاريخ فني فقط، بل إضاءة لزمن جـمـيل مـضى نحتاج اليوم جميعا إلى استعادته بما يسعنا من شغف. عايشت لورنا سليم الـطـيـن والـطـوز والـطـابـوق البغدادية وفضلتها على ألوان الريف البريطاني أما أنا فقد أعادتني فصول كتاب السيدة إنعام كجه جي عن لورنا وحياتها مع جواد سليم إلى فصل “لميعة والسنة العجائبية” من كتاب “شارع الأميرات” لجبرا إبراهیم جبرا، والذي كنت قد قرأته بشغف مماثل لقراءتي هذا الكتاب، لأنه هو الآخر يشكل صـفحـة مهـمة من تاريخ العراق الفني ويقـدم إضاءة لزمن كان ضاجا بالحيوية الفنية، وازدهرت فـيه الـتـجمـعات والصـداقـات والـرحـلات إلى الخارج، ونهلت فـيـه الأذواق الفنية من كل منهـل عـذب وجديد في أرجاء العالم المختلفة، ثم عادت وصبت زادها الثقافي والروحي في حياة فنية مميزة شهدتها بغداد. لقاء جواد ولورنا يبدأ الكتاب بسيرة موجزة عن حياة السيدة لورنا هيلز التي ولدت في شفيلد وسط إنكلترا عام 1928 ونشأت وحيدة أبويها بعد أن أودى مرض غامض بشقيقتها وهي دون العاشرة.. ومع قيام الحرب العالمية الثانيـة دخلت لورنا المدرسة الثانوية، وأنهتها مع نهاية الحرب حيث تخرجت من الفرع الأدبي بنجاح وتفوق بحيث أنها فازت بمنحة لمواصلة دراستها الجامعية فبعثت طلبا إلى كلية سليـد للفنون الجميلة في لندن، التي ما لبثت أن قبلتها طالبة فيها فكانت تلك أول رحلة تقوم بها لورنا، وهي دون السابعة عشرة من عمرها من شفيلد إلى لندن.. ثم تبدأ حياتها الدراسية في ذلك المعهد الذي كان يضم نخبة من الطلاب الموهوبين في الرسم والنحت وباقي مجالات الفن. كانت لورنا قد نزلت إلى لندن في سبتمبر/أيلول 1945 أمـا جـواد سليم فـجـاء إليها في فبراير/شباط 1946 على أمل أن يدرس في كليـة تشيلسي بوليتكنيك ولكنه بعد أن اكتشف، وهو الطالب الموهوب المتمرد على القيود، أن هناك قيودا على أوقات الدوام لم يحتمل نظام الكلية الصارم، فسارع بنقل أوراقه إلى سليد سكول وهناك تعرف جواد سليم على لورنا التي وجد فيها البساطة التي يبحث عنها، إضافة إلى الكثير من الهوايات المشتركة التي تجمعهما ومنها أنه كان يهوي العزف على الغيتار وهي تهوي العزف على الكمان أما لورنا فتصفه في ذلك الوقت قائلة بأنه كان قريبا جدا من الانطباع الذي في مخيلة الناس عن الفنان البوهيمي سواء في ثيابه أو تصرفاته أو أقواله، وكان يسعى إلى رسم شخصية خاصة به متفتحة على كل ما هو جديد ومختلف. انجذبت لورنا إلى ذلك الطالب الذي لا يشبه الآخرين والميال ميلاً شديدا إلى الفكاهة والفهم بالموسيقى والشعر وحفلات الباليه، وتتحدث لورنا عن المراحل التي تدرج فيها جواد سلیم في دراسته بكلية سليد وتفوقه الواضح في الانتقال من مرحلة إلى أخـرى ثم عن توطد الصداقة بينهما وكيف نمت بالتدريج متحولة إلى حب. كما اعتبرت المسارات التي قادتها إليه وقادته إليها مجرد “حظ سعيد” أدى إلى أن يكون مسار حياتهما واحدا تقـول عن ذلك: من حظنا أننا التـقـينا.. فلو أبديت شطارة أكبر في الفرع العلمي لما وضعت قدمي في سليد يوما. لورنا في بغداد فـي يـوم قـــائـظ من سبتمبر/أيلول 1950 حطت الطائرة بالشـابة الإنكليزية النحيلة في مطار بغداد، ومن هناك توجهت بسيارة بيك آب يـقـودهـا جـواد سليم إلى الوزيرية، حيث بيت العائلة، وحيث كانت أمه تقيم معه وشقيقه الأصغر نزار أما شقيقتهما نزيهة فكانت في باريس (الحاج محمد سليم والدهم كان قد فارق الحياة قبل حوالي ثلاث سنوات من ذلك التاريخ) وسرعان ما تزوج الحبيبان بالرغم من مخاوف أهليهما وتوجساتهما. وضعت لورنا منذ البداية كمـا تقـول، فكرة التكيف مع عادات أهل زوجها وتعلم التصرف كما يتصرفون، وبفضل هذه الفكرة ساد الوئام والتفاهم بينها وبين حماتها، وقاد التفاهم إلى محبة متبادلة سادت بينهما، حتى بعد وفاة جواد سليم ولحين وفاتها بعد 5 سنوات. طابت الإقامة للورنا في بغداد واستطاعت، بالرغم من ضيق ذات اليد، التكيف مع طقـسـهـا الحـار “تذكـر مـثـلاً أن المروحـة المنضدية الوحيدة التي اشتراها زوجـهـا في ذلك الوقت كانت تنتقل بين غرفة النوم والمرسم حسب الحاجة” وعادات أهلها، وتقول عن السنوات التي قضتها في بغداد مع جواد وبعده، بأنها أجمل سنوات حياتها وأمتعها.. وكان جواد هو من منح لتلك الأيام طعمها البهيج فكان يصـحـب زوجته إلى الحفلات ودور السينما الصيفية وبيوت الأصدقاء وكانت لورنا تتعـرف أكـثـر وأكـثـر على الحياة البغدادية، فتشغف بها وتزداد ولعا بدفئها وحميميتها ووداعـتـهـا.. وبعين الفنان أدركت لورنا أنها وقعت على كنز من الموضوعات التي مـا كـان يتاح لهـا أن تصـادفـهـا أو ترسـمـهـا في بريطانيا، وهكذا صـارت تجلس كل صـبـاح في انتظار بائعـة الـلـبـن لـكـي تـتـنـافـس فـي رسـمـهـا مـع جـواد واستهوتها تلك العباءات السود للأعرابيـات والتي تنفتح عن أثواب حـمـر وبرتقالية وزرق وشذرية.. آنذاك تقـول لـورنـا كـان جـواد يرسم الجـوامع والماذن ذات الـقـبـاب الزرق لأن الناس كانوا يحـبـون تلك الموضوعات ويقبلون على شرائهـا، وكـان فـائق حسن يرسم رجـال البادية أو أجـواء شمال العراق.. ثم انصـرف جـواد سليم إلى التأمل في الفن الإسلامي والقبطي، وألوان الخزف وطلاء القباب وزخرفة الماذن، في الوقت الذي كانت لورنـا فـيـه ترسم الناس وتطارد الأعرابيـات حين يمررن على ظـهـور الحـمـيـر، وتجلس الساعات الطويلة على ضفـاف دجلة لترسم الـبـيـوت البغدادية القديمة. كل يوم كانت لورنا تأخذ أوراقها وتجلس أمام المباني التي يجري هـدمـهـا لشق شارع الجمهورية، فترسم كل ما تقع عليه العين. نظر الفنان جواد سليم إلى عمله شبه مكتمل للمرة الأولى، وكانت تلك النظرة الأخيرة أيضا السنوات الأخيرة سـافـرت لورنا مع جـواد سليم بعد ذلك إلى إيطاليا لإنجاز نصب الحرية وتقول: إن جـوادا لم يكن يريد لموقع ذلك النصب أن يكون مرتفعا ومعلقا بعيدا عن المارة بل أراده قـائما على الأرض وفي متناول الناس.. ولكنه في النهاية وافق على إقامة النصب شكله الحالي بعـد أن أُعطيت له الحرية الكاملة في عمل الأشكال النحتية التي يتضمنها النصب. ويبـدو لنا من قراءة التفاصيل الكثيرة التي رافقت ظروف عمل الفنان جـواد سليم في ذلك النصب وسنوات قلقه واهتمامه بأعباء العمل الفنية والعالية، هو ما أدى إلى أزمات صحية ونفسية ألمت بالفنان فترة بقائه في فلورنسا، حيث أنجز العمل، فكانت تلك الأعباء السبب الرئيسي والمباشر في إرهاق قلب الفنان، وهو في أوج شـبـابه وذروة إقباله على الحياة، الأمر الذي جعله يتعرض لذبحة صدرية في العام 1955عندما كان في إيطاليا وبنوبة أخرى عام 1961 بعد فترة وجيزة من عودته مع زوجته إلى بغداد. كانا سعيدين باكـتـمـال المنحوتات أخيرا، وبأنها ستأخذ مكانها في ساحة الـتـحـرير ببغداد.. ذلك الإنجاز الفني الذي كان كبيرا إلى درجة أنه قد أكل مبدعه وقضى عليـه.. تصف لورنا، في مشـهـد مؤلم للغاية، كيف أراد النـحـات خـالـد الرحـال أن يـسـتـبـق الموقف، ويرى كـيـف تـبـدو المنحوتات التي كانت مصفوفة على الأرض بشكلها النهائي الذي ستعلق عليه، فقام بتسلق الجدار المرمري وأطل على المنحوتات السود من فوق وصار يصرخ إعجابا وينادي على جواد كي يوافيه إلى أعلى ويطل على المشهد البديع تسلق جواد الجدار فشعر بالتعب لكن المشهد يستحق المجازفة. لقد نظر الفنان إلى عمله شبه مكتمل للمرة الأولى وكانت تلك النظرة الأخيرة أيضا، ففي صباح اليوم التالي أصيب بالذبحة التي أودت به. كتاب لورنا وسنواتها مع جواد سليم، لم يكن سيرة ذاتية لفنانة إنكليزية ارتبطت بفنان عراقي معروف فحسب، وإنما صورة ناطقة مروية من وجهة نظر جديدة لما كانت عليه بعض جوانب الحياة الفنية في بغداد أيام الخمسينات.. والأهم من ذلك كله رحلة ممتعة ومشوقة وجميلة جدا في تفاصيل حميمة لم نكن قد سمعنا بها من قبل عن الحياة الدراسية والعائلية والفنية لفناننا الراحل الكبير جواد سلیم. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post شعراء كتبوا موتهم في ‘الملاذ الأخير’ next post حزب الله يراهن على هدنة محتملة في غزة لالتقاط أنفاسه You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024