الروائية التركية إليف شفق (صفحة الكاتبة - فيسبوك) ثقافة و فنون إليف شفق تقع في فخ السرد الملحمي بين عوالم وأزمنة by admin 1 ديسمبر، 2024 written by admin 1 ديسمبر، 2024 42 شخصيات وأحداث متعددة في نطاق جغرافي وتاريخي واسع واسترسال في الأفكار والمواقف اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز يطرح أسلوب الكاتبة التركية إليف شفق سؤالاً ملحاً حول جدلية التكثيف والإسهاب في المنجز الروائي. فمع أن ملحمة مارسيل بروست الذاتية “البحث عن الزمن المفقود” بأجزائها السبعة تألفت من جمل طويلة ومركبة إلى حد التعقيد، واستفاضت في شروح لا نهاية لها، فإن التعويض الذي يتلقاه القارئ عبر كلماته الشفافة يفوق دائماً الجهد المبذول في مطاردة المعنى. غير الأمر مع شفق يبدو على النقيض لا سيما في روايتها الجديدة “ثمة أنهار في السماء”. وفي روايتها الجديدة “ثمة أنهار في السماء” THERE ARE RIVERS IN THE SKY الصادرة حديثاً عن دار بنغوين للنشر، تستعين الكاتبة بقطرة ماء للربط بين شخصيات تعيش في أزمنة مختلفة وداخل أجزاء متفرقة من العالم. وتبدأ الرحلة ببلاد ما بين النهرين العتيقة، حين تسقط قطرة ماء سحرية في شعر آشور بانيبال حاكم الإمبراطورية الآشورية الحديثة خلال الفترة من عام 668 قبل الميلاد إلى وفاته عام 631 قبل الميلاد. وكان بانيبال معروفاً باستبداده وميله إلى القتل والعنف، غير أن ما يحسب له هو إنشاء المكتبة الملكية العظيمة في نينوى بكل ما حوت من سجلات المعرفة. ومع نهاية حكمه دُمرت نينوى نتيجة تحالف البابليين والسكوثيين والميديين، واندلع حريق هائل في القصر طال المكتبة مفضياً إلى انصهار معظم ألواح الطين، أما ما تبقى منها فأُرسل إلى المتحف البريطاني ومن بينها ألواح ملحمة جلجامش، أول ملحمة عن الطوفان. مسار الشخصيات بين نهرين القصة السابقة ليست سوى تمهيد لظهور ثلاث شخصيات، أولاها آرثر سميث الذي تستقر القطرة على لسانه في صورة ندفة ثلج أثناء ولادته على ضفة نهر التيمز منتصف العصر الفيكتوري في أوج تلوث لندن، أي بعد أكثر من ألفي عام من قصة بانيبال. وعلى عادة شفق، تستفيض في وصف التلوث الذي حول النهر إلى بقعة موبوءة، “الحبوب المستهلكة من مصانع الجعة واللب من مصانع الورق والفضلات من المسالخ ونشارة الجلود من المدابغ، والنفايات من معامل التقطير… والفضلات من المراحيض… كلها تصب في نهر التيمز…”. وهي الحال نفسها في حديثها عن علم الأوبئة، لرسم صورة موحشة للبيئة المحيطة بآرثر استناداً إلى عالم الآشوريات جورج سميث مؤرخ تلك الشخصية. إن العيش في أجواء مسمومة مع أب سكير وأم مختلة عقلياً جعل من فكرة هرب هذا الصبي شبه مستحيلة، لولا تمتعه بذاكرة جبارة أو لنقُل منحة إلهية أهلته للخروج من هذا المستنقع والعمل في دار نشر كبيرة. وسرعان ما يلفت انتباه رؤسائه بقدرته الرهيبة على تذكر أدق التفاصيل، ويبدي شغفاً خاصاً بكتاب عن نينوى وبقاياها. الرواية الجديدة “ثمة أنهار في السماء” (دار بنغوين) وللقارئ أن يتوقع دائماً قدرة شفق على الصيغة التي ألهبت قلوب قرائها، لا سيما الشباب، من خلال استقراء أعمالها السابقة، إذ لا يفوتها أن تخرج من الحدث بحكمة أو قول مأثور على لسان إحدى الشخصيات: “الكلمات مثل الطيور… عندما تنشر الكتب، فإنك تطلق سراح الطيور المسجونة… لا تعرف أبداً من ستصل إليه هذه الكلمات، ومن تستسلم قلوبهم لأغنيتها العذبة”. وفي المتحف البريطاني يعثر آرثر على الألواح المسمارية التي نقلت إلى هناك عقب حريق مكتبة الطاغية المثقف، ويتضح تأثير ندفة الثلج في هوس بطلنا بالحضارة المندثرة لدرجة أن يكرس حياته لكشف أسرارها، بعد أن ذاق حلاوتها. وتستمد شفق في هذا الجزء تفاصيل حية من عوالم تشارلز ديكنز أعظم الروائيين في العصر الفيكتوري بل والأكثر مدعاة للإثارة، فيظهر ديكنز بصفته وشخصه في أحد مشاهد الرواية. ومن لندن الفيكتورية ننتقل إلى تركيا عام 2014، لنتعرف على بطلتها الثانية “نارين” وهي فتاة إيزيدية لا تتجاوز السنوات العشر ومهددة بالصمم، كما أن بلدها مهدد بالغرق جراء إعاقة سد ضخم مسار نهر دجلة والتسبب في إغراق المدينة القديمة وتاريخها الأثري، ليتحول الماء من مصدر للحياة إلى نذير موت. وتظهر أيضاً جماعة “داعش” الإرهابية لتثير الذعر في المنطقة، عندما تقرر جدة نارين اصطحابها لتعميدها داخل معبد مقدس في العراق حتى تتماثل للشفاء، وهو مكان ذو أهمية للشعب الإيزيدي المهمش تاريخياً. وهنا تسنح الفرصة لملء الحوار بين نارين وجدَّتها بمقتطفات من تاريخ الإيزيديين على صورة سؤال وجواب، وهو بقدر ما يبدد كثيراً من حيوية السرد يمدنا بصور مفجعة عن التنظيمات الإسلامية التي استشرت في المنطقة بأسرها: “سيل لا ينتهي من البشر، أجساد ممزقة تندفع ضد الجاذبية. الأمهات يمسكن بأطفالهن، النساء الحوامل يحاولن حماية البذرة الثمينة في الرحم. الأطفال، في حال ذهول وتشتت، يمشون بصمت، خائفين للغاية من ارتفاع البكاء. امرأة مسنة تتوسل لعائلتها أن يتركوها لتموت. كلهم يحملون أطرافهم مثل الأشجار المجوفة… لا يوجد ظل… الحرارة التي ترتفع من الأرض تتلوى لتشكل خطوطاً شبحية”. تذكرة ذهاب وعودة يعود السرد من نهر دجلة إلى نهر التيمز مرة أخرى، ولكن خلال عام 2018 لنتعرف على بطلتنا الأخيرة عالمة الهيدرولوجيا زليخة كلارك، وهي في أسوأ مراحل حياتها وتفكر في الانتحار بعد أن انفصلت عن زوجها. وفي هذا الجزء يقدم السرد كثيراً عن الماء بوصفه سر الحياة ومصدر أول ملحمة في التاريخ، بحيث تولدت منه هذه القصص الثلاث. ولهذا تحاول شفق أن تجعلنا نعيد التفكير في قيمة قطرة الماء على نحو جدي بدلاً من استخدامنا المهين للماء الذي أوصلنا إلى مرحلة خطرة من الجفاف والندرة. وتصف شعور زليخة بهذه المادة قائلة: “حتى بعد كل هذه السنوات من دراستها لا يتوقف الماء عن مفاجأتها، فهو مرن بصورة مدهشة ولكنه أيضاً ضعيف للغاية…”. وتأتي صديقتها “نين” وهي على وشك إنهاء علاقتها بها، لتلخص العلاقة بين الماء والتاريخ: “أعتقد أن ما يمثله الماء بالنسبة إليك هو ما يمثله التاريخ بالنسبة إليَّ: لغز هائل لا يمكن فهمه، وشيء أكثر أهمية من حياتي الصغيرة…”. إن مفردة الماء تتناثر عبر الرواية بأكملها لتشكل قوام الأحداث والأشخاص، فالقبلة مثلاً “قطرتان من الماء تشقان طريقاً إحداهما إلى الأخرى”، و”بعض الناس مضطربون كما الأنهار، لا سيما النساء في قابليتهن للتكيف وإعادة التشكيل عبر التاريخ”. هكذا، تتبع الرواية قطرة الماء الخالدة وهي تمر بجميع العمليات الفيزيائية من تبخير وتكثيف وتجميد عبر القارات والقرون، لتجعلنا نقف وجهاً لوجه أمام ما فعله الجنس البشري بمصدر الحياة. وعلى رغم كونها أهم قضية خلال الوقت الراهن، فإن القارئ يواجه صعوبة حقيقية في قراءة رواية شفق الجديدة، يرجع بعضها إلى اتساع نطاق الأحداث وبعضها الآخر إلى الاسترسال في بعض الأفكار حتى تكاد تطغى على غيرها، وتفصل القارئ عن العوالم والأزمنة التي تستوعبها الرواية. أضف إلى ذلك استمراء الكاتبة في ترصيع جملها بجميع الصور الجمالية التي تعن لها، وهو ما أفضى إلى ترهل بعض الأجزاء فضلاً عن ورود كثير من العبارات الملتوية والمعقدة في الآن ذاته. ولدت شفق خلال أكتوبر (تشرين الأول) 1971 في ستراسبورغ شرق فرنسا، وانفصل والدها الفيلسوف نوري بيلغين والدبلوماسية شفق أتيمان بعد عام واحد من مولدها، وربما لذلك بدأت الكتابة في سن صغيرة، لا بغرض أن تصبح كاتبة بل لمجرد ملء فراغ يوميات طفلة وجدت نفسها وحيدة بلا أقارب، وهو ما يفسر اختيار اسمها الأول (إليف) واسم عائلة الأم (شفق) التي تولت تربيتها بمفردها. وعلى رغم الجمال الأخاذ والقوام الممشوق والعينين الزرقاوين والشعر الذهبي المسترسل لم تفكر شفق أن تصبح من نجمات السينما، وإنما اختارت الطريق الصعب. وخلال عام 1998 نشرت أول رواية لها بعنوان “الصوفي” وفازت بجائزة الرومي لأفضل عمل أدبي في تركيا، ثم توالت أعمالها لتتصدر قائمة الأكثر مبيعاً وتترجم إلى 57 لغة، حتى إن صحيفة “فايننشال تايمز” وصفتها بـ”الروائية الرائدة في تركيا”. تناولت شفق عبر أعمالها التي اتخذ بعضها من مدينة إسطنبول مسرحاً لها، قضايا شائكة تتعلق بالثقافة الشرقية والغربية وأدوار المرأة في المجتمع، وقضايا حقوق الإنسان والمهمشين. وتسبب بعض الموضوعات مثل إساءة معاملة الأطفال والإبادة الجماعية للأرمن في اتخاذ السلطات التركية إجراءات قانونية في شأنها، مما دفعها إلى الهجرة إلى بريطانيا. ومعروف أن روايات شفق مترجمة إلى العربية. المزيد عن: روائية تركيةإسطنبولروايةملحمة سرديةالماءاسطورةلندنشخصياتأمكنةأفكارمواقف 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هنري ميلر الكاتب الأميركي المعادي لأميركا next post هل يصمد أدب الرحلة في عصر التكنولوجيا البصرية؟ You may also like هل هناك مدرسة فلسفية مغربية؟ 3 ديسمبر، 2024 “الجميلات النائمات” في رحلة الحب والموت 3 ديسمبر، 2024 “أعراس” لسترافنسكي: تقاليد الريف الروسي تغزو الموسيقى الأوروبية 3 ديسمبر، 2024 العراقي قيس الزبيدي ترك اثرا كبيرا في السينما... 3 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: لُقى «سمهرم» في محافظة... 3 ديسمبر، 2024 “أيام الرخص” تسترجع الأربعينيات الليبرالية في مصر 2 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الفن والجنون وجهان لعبقرية... 2 ديسمبر، 2024 ما حدود قدرة كُتاب الظل على نقل التجارب... 2 ديسمبر، 2024 برامانتي بصحبة ليوناردو سنوات بداياته في خدمة آل... 2 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 2 ديسمبر، 2024