الشاعر اللبناني الياس لحود الراحل عن 83 عاماً (دار كتابات) ثقافة و فنون إلياس لحود الشاعر المتمرد المنفتح على الطرافة التعبيرية by admin 23 أبريل، 2025 written by admin 23 أبريل، 2025 50 رحل عن 83 عاما ووسع دائرة الشعر لتشمل الإنسان العربي وظل الجنوب في قلبه محمود وهبة غداة رحيل الشاعر الياس لحود، التقت “اندبندنت عربية” الباحث والأكاديمي والشاعر اللبناني ديزيريه سقال الذي أولى عناية خاصة بتجربة لحود، وكتب عنه دراسات عدة، فتحدث عن علاقته بالشاعر، وعن تجربته وأبعاده الشعرية ومنعرجات القصيدة الحديثة وظاهرة شعراء الجنوب وشجون أخرى عدة. يتحدث سقال عن الخصائص التي دفعته إلى الاهتمام بتجربته الشعرية. يفتتح حديثه قائلاً: “بدأت علاقتي بإلياس لحود عام 1971، حين كنت في الصف الخامس التكميلي، فقد درسنا اللغة العربية في مدرسة “الليسيه اللبنانية” بعد وفاة مدرس اللغة العربية الذي كان قبله. كان أثره فينا منذ الوهلة الأولى كبيراً، وأذكر أن الطلاب آنذاك كان أكثرهم يتقن العربية، وكنت أنا من بينهم قد تعلمت العروض على نفسي، وبدأت أنظم الشعر ’على الوزن والقافية‘، كما يقولون. كنت أقرأ كثيراً الشعر القديم، وأقرأ تفسيراته لأتمكن من فهم مفرداته العويصة. الجزء الأول من أعماله الشعرية (دار الفارابي) مع إلياس تغير الأمر، فقد شرح لنا أول ما شرح قصيدة ’أنشودة المطر‘ للسياب. كان هذا أول احتكاك لي آنذاك بالشعر الحديث. هذه القصيدة ذهلتني بلغتها وطريقة تعبيرها ورؤياها، هنا بدأ التحول. وكان إلياس قد اكتشف فيَّ سريعاً شاعرية اعتبرها آنذاك موهبة واضحة، فلازمته وصرت أقرأ له مما أكتب، فنصحني بهجر الطريقة القديمة وبكتابة القصيدة الحديثة لأنها تحررني من عبء الشكل التقليدي المفروض، وتوسع قدرتي على التعبير، بالتفعيلة طبعاً، هكذا بدأت رحلتي مع القصيدة الحديثة بسببه. وما إن عرفت أن أستاذي شاعر حتى رحت أتابع أعماله، فقرأت ديوانيه الأولين اللذين كان أصدرهما آنذاك، ثم دعاني إلى حضور أمسية شعرية يلقي فيها الشعر هو والشاعر الراحل محمد علي شمس الدين في أحد نوادي شارع محمد الحوت، فألقى فيها قصائد من ديوانه الذي كان سيصدر بعد وقت قليل، أي ’فكاهيات بلباس الميدان‘. كانت نصوصه آنذاك مذهلة، وأثرت في الحاضرين، وجعلتني أعيد النظر في ما أعرفه، على قلته في ذاك الوقت، عن الشعر والقصيدة، لهذا السبب وجدت في تجربة إلياس، منذ ذلك الحين، تجربة مميزة، لا تشبه تجارب الشعراء الآخرين، ولا سيما في العالم العربي، شدتني إليها، وصوتاً شعرياً يغرد مختلفاً عن الأصوات الأخرى”. شعرية النضال والقضايا ننتقل معه إلى السؤال عن كيفية إدراج إلياس لحود في سياق الجيل الذي انتمى إليه وهو جيل شعراء الجنوب، علماً أنه كان مخضرماً فيجيب: “يمكن أن نعتبر بدايات إلياس لحود مع شعراء الستينيات، لأن ديوانه الأول ’على دروب الخريف‘ صدر عام 1962، وبعده ديوان ’والسد بنيناه‘ (1967). الديوان الأول كان ديوان حداثة عمره، لأنه أصدره وهو في العشرين، وكان قد أنجز كتابة قصائده قبل هذا بما لا يقل عن سنتين أو ثلاث، كما قال لي، وبعضها كتبه في الـ15 من عمره. الديوان ذو طابع رومنطيقي بصورة عامة، لكن “والسد بنيناه” كان ينقل فيه توجهه السياسي، وهو كتب، كما أعرف، وحمل عنوانه بتأثير من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. في هذا الديوان الثاني يظهر توجهه الوطني العربي. بعد هذا، في بداية السبعينيات بدأ نجم شعراء الجنوب يتصاعد، وإلياس لحود من بينهم، وكان هؤلاء يمثلون تياراً خاصاً في الشعر اللبناني خصوصاً، والشعر العربي عموماً، ولهم موضوعهم المحوري. هذه المرحلة كانت بداية مرحلة النضال من أجل القضية الفلسطينية”. في أمسية شعرية (دار كتابات) ويضيف شارحاً أسباب توسع هذا التيار المقترن بقضايا الجنوب اللبناني والنضال فيقول: “توسع هذا التيار مع المرحلة الأولى من الحرب اللبنانية التي انفجرت عام 1975، وظل أثره قوياً حتى أوائل التسعينيات، وله شعراؤه المرموقون، إلى جانب إلياس لحود، أمثال شوقي بزيع وجودت فخر الدين ومحمد علي شمس الدين ومحمد العبدالله، وسواهم، وقد أصدر عدد من هؤلاء ديواناً فيه قصيدة لكل منهم، يحمل العنوان ’وكل الجهات الجنوب‘”. ويعقب: “لكن إلياس وسع دائرة شعره لتشمل الإنسان العربي واللبناني والهموم التي تعصف بالوطن، وظل الجنوب في قلبه وانعكس دائماً في شعره. واللافت أن ظهور إلياس لحود الشعري واكب جيل الحداثة التي آمن بها ومؤسسيها، وكان على علاقة بمعظمهم. وعلى هذا يمكن اعتبار هذا الشاعر من آخر الرعيل الأول من جيل الحداثة المؤسس، لأن الجيل الأول يكبره بين 10 و15 عاماً، ومنهم يوسف الخال (ولد عام 1917) وأدونيس (ولد عام 1930)، والبياتي (ولد عام 1926)، والسياب (ولد عام 1926)، وصلاح عبدالصبور (ولد عام 1931)، وسواهم”. أما عن الخصائص التي ميزت شعره وجعلته مختلفاً فيفسر: “تميز شعر إلياس لحود بانسيابية خاصة وتركيز على الصورة التي من خلالها تتجلى الفكرة، فالفكر لا يكون ظاهراً في نصه، بل نشعر به كأنه رذاذ، هنا وهناك، ليكون معبراً لا مصرحاً، كذلك فإنه كان يكره التقليد، لأنه يرى فيه تكراراً كثيراً للأصول، وإلياس كان، بطبعه، يكره الإطناب والرجوع إلى الماضي”، ويردف قائلاً: “أذكر أنه كان يقول لي: لا تكترث لما يقولون لك، واكتب كما تريد. وبالفعل كان هو يقوم بهذا من غير أن يقع في محظور التقليد، وفي كل ما يكتبه كان جديداً ومتجدداً. على هذا جاء شعره متحرراً من معظم القيود التي يمكن أن يُتحرر منها، وجاءت الكلمة في قصيدته لا تشبه كلمة أي شاعر آخر. وقد بدأ هذا التوجه عنده يتجلى منذ ديوانه الثالث ’فكاهيات بلباس الميدان‘ إذ تظهر نقلة نوعية في التعبير عنده، تطورت أكثر فأكثر في دواوينه اللاحقة. هذا التمرد هو أول ما يميز شعر لحود”. سوريالية عربية الشاعر واأكاديمي ديزيريه سقال الباحث في شعر لحود (دار كتابات) بعد ذلك ندخل أكثر من تفاصيل شعرية لحود لنحاول تحديد مكانته لو كان سوريالياً بطابع عربي ولبناني فيقول: “كان إلياس لحود، في معظم شعره يحمل شيئاً كبيراً من السوريالية، من غير أن يكون ملتزماً بها. وهذه السوريالية تظهر، أكثر ما تظهر في دواوينه ’فكاهيات بلباس الميدان‘، ثم ’ركاميات الصديق توما وأغاني زهران‘، ثم ’المشاهد‘، و’شمس لبقية السهرة‘. ومع ديوان ’الإناء والراهبة‘ بدأت نزعة جديدة تتجلى في شعره، إلى جانب بقايا السوريالية، فيها جدية أكثر، وتحول عن الفكاهة الدرامية التي طبعت قصائده ودواوينه السوريالية، ولا سيما ’الفكاهيات‘”. ويضيف مؤكداً في هذا المجال: “غير أن سوريالية هذا الشاعر لا تشبه سوريالية الغربيين التي تخرب بقوة، وتجعلك تضيع في ما سموه ’الكتابة الآلية‘، حتى السورياليون الغربيون راحوا يبتعدون عن هذه الطريقة، وكانت ظهرت بفعل التأثر بنظريات اللاوعي التي أرساها في الشعر أندريه بريتون، فقد أراد أن تعبر القصيدة عن مكنونات اللاوعي، فعندما تكتب يجب ألا تفكر، بل تدون أول ما يخطر في فكرك وليس من الضروري أن يكون فيه سياق، فاللاوعي يشكل له سياقه الخاص. إلياس لحود لم يتبن هذه الطريقة، بل كانت له سورياليته الخاصة، إذا صح التعبير، التي تمرد من خلالها على الموروث، وعبر عن كوامن نفسه”. مع حديثه عن السوريالية يخطر لنا أن نستفسر عن تلك الظاهرة المتواترة في شعر لحود التي تبدو كأنها طرافة تسخر من العالم فيجيبنا: “إلياس لحود، بطبعه، طريف، وميال إلى الغرابة. والطرافة التي تظهر من خلال السخرية في شعره عموماً، وفي دواوينه ’فكاهيات بلباس الميدان‘ و’ركاميات الصديق توما‘ خصوصاً، محاولة لكسر الواقع بجعله مضحكاً لإفقاده أهميته. لكنها فكاهة مأسوية بامتياز، بمعنى أنها تشبه المرحلة القصوى التي تتداخل فيها المشاعر لقوة الإحساس، وقوة الفاجعة، فيبكي فيها الإنسان لفرحة ويضحك لألمه. هذا يمثل أعلى ما يمكن أن يصل إليه الشعور الإنساني”. مسارات الكتابة المتعددة رسمة للشاعر لحود (مؤسسة العويس) بعد هذا نذهب لسؤاله عن ظاهرة التنويع في الشعر، وبخاصة في تجربة الراحل إذ تنوعت بين الفصيح والعامي ونستفسر عن قراءته هذا التنويع في الأسلوب فيؤكد: “إلياس شاعر، والشعر شعر سواء كان باللهجة العامية أم باللغة الفصيحة. وشعر إلياس العامي لا يختلف، في جوهره، عن شعره الفصيح كثيراً، حتى بناء القصيدة عنده يكاد يتشابه، بل حتى لغته لا تختلف كثيراً، إضافة إلى هذا تجد طابع السخرية في قصائده باللهجة العامية”. نعرج بعد ذلك إلى السؤال عن أبرز المفاصل التي يمكن أن يهبها لقارئ إلياس لحود، أو المفاتيح التي تعين على هذه القراءة فيقول: “إذا أردت الدخول إلى شعر إلياس لحود يجب أن تبدأ بنسيان البلاغة التقليدية التي يستحيل من خلالها أن تلج قصيدته، ومثلها اللغة الأنيقة. مفتاح قصيدة هذا الشاعر هو البساطة، ويجب أن نفهم وظيفتها هنا، فهو يستمد من الواقع صوره ولغته، ويذيبها لتصير شعراً في قلب القصيدة. كذلك يجب أن تستعد للصدمة في نصه، فالجملة كثيراً ما لا تقودك عنده إلى ما تتوقع، والتعبير يفتح لك أبواباً لتعبيرات كثيرة مختلفة غابت عنك. يجب أن تترك كل ما هو رسمي لتدخل إلى نصه، وأن تبحث عن مفاتيح المعنى من خلال رذاذ الصور والحالات التي يخلقها في النص، فهو لا يقودك إلى معنى ثابت، راسخ، بل إلى إمكانات متعددة، لك أن تتلمس فيها ما تريد، بحسب ثقافتك. ومهما بدت الفكرة بسيطة، فمن الممكن أن تحوي على دلالة عميقة لن تتجلى لك إلا إذا ربطتها بلوحة المشاعر العامة التي تتوزع على أنحاء النص”. ويستطرد موضحاً: “أعطيك مثالاً على هذا. في ديوان ’مراثي بازوليني‘ نفهم أن بازوليني الذي يحمل الديوان اسمه هو مخرج كبير، له أفلام ذات طابع درامي. وبازوليني هنا هو ’ماهر‘ في القصيدة، قد دعاه أصحابه بهذا الاسم، كما يقول الشاعر. ’ماهر‘ مناضل جنوبي يواجه زحف الأعداء. وهذه الدرامية هي التي أوحت إلى إلياس بدرامية بازوليني، لكن ’ماهراً‘ هذا، في الواقع، قصته هي التي يمكن من خلالها أن نفهم القصائد، ولا سيما ’المرثية الثانية‘. كان هذا الشخص تلميذاً معنا في المدرسة، في صفنا، اسمه ’ماهر فاعور‘، استشهد في الجنوب في شهر آب، وتبلغ إلياس بهذا الأمر، وتأثر كثيراً به، وصودف أن أمطرت السماء في شهر آب. وقد ظهر هذا في كلامه على المطر في ’المرثية الثانية‘. هكذا تذوب الفكرة في شعر إلياس لتصير قصيدة، ولكنها لا تغيب. تتكسر، وتتناثر، من غير أن تغيب. هذا هو المفتاح الأساس للدخول إلى شعر إلياس لحود”. نختم معه لنقول بأن لحود بدأ الكتابة بالعامية والفصحى قبل أن ينتقل إلى القصيدة الحرة و”قصيدة النثر”، ليصبح أحد المؤسسين الفعليين للحداثة الشعرية في لبنان، فنطلب منه توضيحاً حول قراءة هذا التنويع وما أثره الوظيفي والدلالي والأسلوبي في تجربة الشاعر فيبين لنا أن: “مرد هذا التنويع هو نضج الشاعر الشعري. ففي ديوانه الأول كان إلياس لا يزال يافعاً، ومتمكناً من الشعر التقليدي، ولكنه لم يلبث أن تحول نحو القصيدة المفعلة (الحرة: قصيدة التفعيلة) والتزمها، من غير أن يفقد مهارته في القصيدة التقليدية، فالشاعر الأصيل يبقى متمكناً من الأنواع الشعرية، لكن التجربة تواكب تطور الإنسان، وتتطور في قصيدته. وهذا ما حدث مع إلياس، كما يحدث مع معظم الشعراء. لكل قصيدة توجهها ووجهها المميز، فالقصيدة المفعلة لها رونقها، والقصيدة الخالية من الوزن (وأنا لا أحب تسمية “قصيدة النثر” لأنها ترجمة سيئة عن الفرنسية، والمقصود بها القصيدة التي لا تستعمل الوزن) لها رونق أيضاً، ولكن بشرط أن يتمكن الشاعر من أن يولد فيها توازيات إيقاعية تكون بديلاً من الوزن، وتستوعب الصورة والتجربة وتناسبهما”. ويختم قائلاً: “لقد تطورت تجربة إلياس لحود مع الوقت، ونمت، وأفادت من المعطيات النظرية التي اطلع عليها، ولا ننسى أنه كان صاحب مجلة ’كتابات معاصرة‘ التي كانت تعد من أهم المجلات الفكرية العربية وتنشر أحدث الدراسات، إلى جانب القصائد، وأنا واحد من هيئة التحرير فيها. لقد أفاد إلياس مما اطلع عليه من تنظير شعري، ولكنه ظل أكبر منه، لأنه ظل يثمن نفسه في الكتابة، ويبقى هو أكبر من التنظير”. المزيد عن: شاعر لبنانيشعراء الجنوبحركة التحررالطرافةقصيدة التفعيلةالسورياليةالإنسانبيروتالحداثة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مهرجان كانّ يختار 35 فيلما من أصل 2909 next post المحافظون يكشفون عن إطارهم المالي محمِّلين العجز لليبراليين You may also like “حربنا” فيلم وثائقي سجالي يطلق شعلة مهرجان كانّ 15 مايو، 2025 فلاسفة العصور القديمة عاشوا وفق ما تقتضيه أفكارهم 15 مايو، 2025 عشرات النسخ من حكاية فاوست أفضلها بطل غوته... 15 مايو، 2025 “كلو مسموح” عرض غنائي اميركي في صيغة لبنانية 15 مايو، 2025 رحيل كافون صوت الشباب المهمش في تونس 14 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: شاهدان جنائزيان من البحرين... 13 مايو، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: تريستان وإيزولد يرسمان للعشق... 13 مايو، 2025 هل من المسلمات أن الإيطالي روسيني تفوق على... 13 مايو، 2025 “حي بن يقظان” ما زال يعاصرنا بعد 850... 13 مايو، 2025 يوم زاوج بلزاك في “الجلد المسحور” بين الفانتازيا... 13 مايو، 2025