الأربعاء, يناير 22, 2025
الأربعاء, يناير 22, 2025
Home » “إغراء الغرب” مراسلات أندريه مالرو مع “أناه”

“إغراء الغرب” مراسلات أندريه مالرو مع “أناه”

by admin

 

رسائل من الشرق البعيد وأوروبا التي تبتعد أقامت الأساسات الصلبة لفكر إنساني لا يساوم

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

كان ذلك قبل 100 عام تقريباً من يومنا هذا، فعند نهاية هذا العام الجديد وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، سيكون قد مر قرن بأكمله على صدور أول كتب الفرنسي أندريه مالرو، الذي كان لافتاً إلى أن يعطيه حينها عنواناً يتسم بقدر من الغرابة، “إغراء الغرب”، حتى وإن كان الكتاب في نهاية الأمر نوعاً من البيان الفكري – الحضاري المتحدث عن انهيار أوروبا بالنظر إلى أن ذلك الانهيار كان حينها وشيكاً في رأي وبقلم ذلك الكاتب الشاب في بداياته. فهو كان حين قرر كتابته في الـ25 من عمره، ولم يكن يتوقع لنفسه أن يصبح خلال الأعوام الـ50 التالية ذلك الكاتب الكبير والمقاوم الشرس الحقيقي والوزير الديغولي الذي سيكون هو. بالنسبة إلى ذلك الشاب الذي سيدبج الكتاب على متن السفينة التي ستعود به مستغرقة فصل الخريف كله إلى بلده الفرنسي بعدما أمضى أعواماً عدة في الهند الصينية مبتعثاً نظرياً في الأقل، من قبل حكومته الاستعمارية بوصفه خبيراً في الآثار والتراث، لكنه رغم تلك الصفة الرسمية وجد نفسه هناك يدخل في سياسات محلية مناهضة لحكومة بلاده. وتلك المناهضة التي ولدت هناك في الشرق الأقصى من العالم، ستبقى علامة محددة في حياة أندريه مالرو (1901- 1976) ومساره طوال حكاياته وتقوده خاصة إلى إسبانيا مشاركاً في حربها الأهلية ضد الفاشيين، تماماً كما خاض النضال بعد ذلك ضد النازيين إلى جانب الجنرال ديغول خلال الحرب العالمية الثانية. والحقيقة أن جذور ذلك كله يمكننا العثور عليها في أعوام شباب مالرو الأولى التي توجها بكتابه الذي نتناوله هنا والذي أتى نوعاً من التأمل في تجربته في الشرق الأقصى التي شهدت وصوله إلى تلك المنطقة من العالم كمكلف مهمة أركيولوجية في كامبوديا وسيام من قبل وزارة المستعمرات الفرنسية في عام 1923، لنجده هناك عضواً في قيادة حزب “أنام الفتاة”، ثم مفوضاً من قبل الكومنتانغ لمنطقة كوشينشين (بين 1924 و1925)، ثم مفوضاً لشؤون الإعلام لدى الحركة الوطنية في كانتون تحت قيادة بورودين. والحال أن تلك التجارب هي التي ستملي على كاتبنا الشاب وهو عائد إلى فرنسا محملاً بالخيبة كتابه الأول “إغراء الغرب”.

رسائل من طرف واحد

ينتمي “إغراء الغرب” إلى نوع من الأدب يسمى أدب الرسائل، بمعنى أن ما تضمه صفحاته إنما هو عدد من الرسائل المتبادلة بين شخص غربي يقدم لنا تحت حرفي اسمه الأولين أ. د. اللذين لا شك أنهما يعنيان المؤلف مالرو نفسه، وشخص آخر شرقي هذه المرة يقدم إلينا تحت اسم لينغ، والاثنان كما يوضح لنا الكتاب منذ البداية، صديقان يقوم أولهما، الغربي بجولة ما في عالم الشرق الأقصى، بينما يقوم ثانيهما، لينغ بتجوال في أوروبا الغربية. وهما يتبادلان الحديث عما يتأمله كل منهما في مكان تجواله مقارناً إياه بما يعرفه وتختزنه ذاكرته عما عايشه في بلاده. والنص المؤلف من مجموع تلك المراسلات هو ذاك الذي أنجز مالرو كتابته لينهيه مع وصول سفينته إلى الوطن. والحال أن الكاتب يريحنا منذ مقدمة كتابه، من أي تخمين أو تكهن يتعلق بما إذا كانت الرسائل المتبادلة قد وصلت إلى متن السفينة أو انطلقت منها بطريقة من الطرق.

ليس ثمة شيء من هذا لأن مالرو ابن الـ25 عند ذاك، لم يتبادل تلك الرسائل مع أحد. بل ليس ثمة في الجانب الآخر من العالم مراسل له يدعى لينغ. ما حدث هو أن كل الرسائل أتت من بنات أفكار مالرو نفسه وبقلمه. كانت مراسلات متخيلة عبر أسلوب لجأ إليه الكاتب للتعبير عما كان يختلج من أفكار في ذهنه تتعلق بإقامته وتجاربه في ذلك الجزء من العالم.

غلاف طبعة مبكرة من كتاب مالرو (أمازون)

زيارات متبادلة

الحال أنه لئن كان من المبالغة اعتبار ذلك الكتاب الأول لمالرو الأساس الذي قام عليه صرح متنه الأدبي والفكري، من الممكن لنا النظر إليه على اعتباره نوعاً ما مقدمة انبنت عليها فكرياً ثلاثة من كتب تالية له تتعلق بشكل أو بآخر بالمرحلة الأولى من حياته التي أمضاها في ذلك الشرق البعيد. ونتحدث هنا بالطبع عن كتبه التالية “الدرب الملكية” و”الغزاة” وطبعاً روايته الكبرى “الشرط الإنساني” علماً أن هذه الكتب الثلاثة يمكن اعتبارها ذلك الأساس الذي بنى عليه مالرو صرح أدبه الكبير الذي ضم كتباً فنية وروايات ومذكرات وخصوصاً في الأدب التأملي الخالص كما في النقد الفني وحتى العلاقة بين شتى الفنون والتحليل النفسي. ومن هنا في تراتبية كان من شأنه هو صاحب الفكر التنظيمي الذي لا يضاهى ألا يرفضه، يمكن اعتبار المتن الكتابي لمالرو، وحتى الفيلمي باعتبار أنه قد حقق نفسه خلال مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية فيلماً عنها مقتبساً من روايته “الأمل”، قصره الإبداعي الكبير القائم على كتب الشرق الأقصى الثلاثة، التي تقوم بدورها على أساس يشكل كتاب “إغراء الغرب”. وبهذا يصبح مفهوماً إلى حد ما ذلك التوصيف الذي يجعل من إنجازات أندريه مالرو وفي شتى المجالات التي خاض فيها، عالماً منظماً بدقة هندسية ستبدو في نهاية الأمر وكأنها بدأت تتكون منذ ذلك الكتاب الذي وضع أصلاً تعبيراً عن خيبة أمل الكاتب.؟

توقيعات من مدن مختلفة

من الأمور الطريفة، إنما ذات الدلالة، في الرسائل التي يتألف منها “إغراء الغرب” كونها تحمل في توقيعاتها أسماء مدن متنوعة في الشرق كما في أوروبا، فهناك رسائل تبدو صادرة من شانغهاي أو كانتون، وأخرى من روما أو باريس. لكنها جميعاً ترتدي ثوباً واحداً هو ثوب يشي بالفضول الذي سيعتمل دائماً في ذهن مالرو نفسه. وإلى الفضول هناك بصورة خاصة من الرسائل ما ينم عن مستوى من الاهتمام بالآخر، وما يستشعره هذا الآخر، لا ريب أن من السهولة بمكان العثور عليه في كل صفحة خطها قلم مالرو طوال حياته هو الذي انبنت فكرانيته كلها على الإحساس بوجود الآخر في حياته، نداً له ومحاوراً، فإن لم يجده اخترعه كما حاله هنا في هذا الكتاب ورسائله. ومن هنا مثلاً تلك الفقرات التي “يتحدث” فيها مراسله لينغ وهو يتجول في أجمل مناطق أوروبا عما تفتقر إليه حياته، عما يعانيه وهو الشرقي التائه في فراديس الغرب الآلية ويحس بشوق إلى روح شرقه الحبيب. يقيناً أن مالرو الذي يعني نفسه من خلال اختراعه شخصية لينغ في لعبة مرايا رائعة وتحمل كل معانيها، يشتغل هنا على فكرة كثيراً ما شغلت باله تتعلق بروحانية الشرق مقابل مادية الغرب في تفضيل للأولى على الثانية. لا سيما حين يوافق لينغ على ما يراه من أن الفكر الشرقي يبدو مفضلاً لديه من منطلق أنه لم يعرف بعد، كيف يقطع مع العصر الذهبي رغم ما قد يجده لدى الغرب من تسهيلات تقنية، ويشرح لينغ لمراسله الغربي الأمر بقوله إن الكائنات البشرية الشرقية لم تنقطع بعد عن إنسانيتها التي تربطها ربطا لا يزال حقيقياً بالكائنات البشرية الأخرى، بل حتى بالمخلوقات المتعايشة معها سواء كانت حيوانات أو نباتات، وصولاً إلى العناصر الكبيرة الأخرى التي تتكون منها البيئات الكونية، حيث يمكننا، بعدما نعثر على الكمال والحكمة كجزء من السعادة في ذاتها.

أي إغراء في نهاية الأمر؟

في مقابل هذا الإغراء الذي يعبر عنه لينغ في معرض استعراضه يومياته التي يعيشها في الحواضر الغربية، من الواضح أن ليس في مقدور المراسل الغربي ومن مكان إقامته الشرقي، الدفاع عن ذلك الإغراء المفترض الذي جعله عنواناً لكتابه. صحيح أن ثمة أموراً كثيرة يمكنها أن تتكون على شكل إغراء أوروبي انطلاقاً من نظرة واقعية للأمور. ولكن أوروبا تمثل إغراء الغرب المطروح أمام الشرق كيقين لا مراء فيه، لا سيما انطلاقاً من كثير من تجديدات الراحة المادية التي يعاني الشرق، والشرق البعيد على وجه الخصوص من الافتقار إليها، لكن مالرو وفي كتاب أول يؤلفه ممهداً به الطريق إلى متن كتابي مستقبلي، ليس من شيمه النظر إلى الأمور من منظور مادي. ومن هنا أهمية هذا الكتاب في مساره الفكري، بل حتى في حياته.

المزيد عن: أندريه مالروالأدب الفرنسيالشرق والغربالحرب الإسبانيةالجنرال ديغول

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00