بأقلامهمعربي إصدارات الشهر: بتلة إيزابيل أييندي الطويلة ومذكرات أليس فينسنت النباتية by admin 12 يناير، 2020 written by admin 12 يناير، 2020 84 في نسختنا الثانية من عمود الإصدارات الشّهريّة، تقييم مارتن شيلتون لستة من أفضل كتب شهر يناير (كانون الثاني) اندبندنت عربية / مارتن شيلتون كاتب وصحفي @MartinChilton يظهر أنّ عام 2020 سيكون عاماً واعداً وحافلاً بالإصدارات المذهلة، إذ كانت بدايته مسك مع إصدارات شهر يناير (كانون الثاني)، وفي طليعتها: “بتلة طويلة من البحر” (A long Petal of the Sea) لإيزابيل ألليندي و”أوساخ أميركية” (American Dirt) لجانين كومينز. وكلا الكتابين يُشجّع على التّمسّك بالحب في أوقات اليأس وكلاهما يُضيء على أعمال الشّاعر الرّاحل بابلو نيرودا الحائز جائزة نوبل في الأدب. والمعروف عن نيرودا أنّه الرّجل الذي أخذ على عاتقه نقل المهاجرين من أوروبا الفاشية إلى موطنه تشيلي، مستعيناً بسفينة “وينيبيغ” (SS Winnipeg)؛ ويظهر أنّ الدّكتور فيكتور، الطبيب اللاجئ في رواية أييندي، كان واحداً من هؤلاء المهاجرين. وفي المقدّمة الافتتاحية لـ”أوساخ أميركية” الذي يعرض بإثارة تجربة العبور المريرة وغير الشّرعية للحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، ثمة اقتباس من “أغنية الخيبة” (The Song of Despair) لنيرودا (“كان هناك حزنٌ وأنقاض وكنت أنت المعجزة”). وصحيح أنّ الرّوايتين الجديدتين مليئتان بالخيبة والأسى، لكنّهما بالتأكيد قصتا نجاحٍ للحياة. وعلى ما يبدو فإنّ حاصد الأرواح هو النّمط السّائد في إصدارات هذا الشّهر، الخيالية منها وغير الخيالية. فكيم يونغ-ها هو أحد روّاد الرواية الخيالية العصرية في كوريا الجنوبية وتتضمّن مجموعته من القصص القصيرة والممتعة بعنوان “يوميات قاتل” (Diary of a Murderer) (ترجمة كريس لي وإصدار دار “أتلانتيك بوكس” (Atlantic Books) للنشر) قصة رئيسة عن قاتلٍ متسلسل يتقدّم في السنّ ويُعاني من فقدان في الذّاكرة. ومع تسلسل الأحداث، يستذكر السّفاح لحظات من “حربه الأحادية والدامية على العالم” ويُقرّر اختتامها بضحية أخيرة: الصّديق الحميم لابنته. وبالنّسبة إلى “عزيزتي الحياة” (Dear Life) لرايتشل كلارك، فهو عبارة عن يوميات مؤثرة لطبيبةٍ متخصّصة في الرعاية المخفّفة للآلام؛ إنّه كتاب رقيق وبديع في آن. أما “هذا الكتاب قد يُنقذ حياتك: علم العيش بشكل أفضل ولفترة أطول” (This Book Could Save Your Life: The Science of Living Longer Better) (الصّادر عن دار “جون موراي” (John Murray) للنشر)، فهو المنبر الذي اختاره الصّحافي في “نيو ساينتيست” (New Scientist) غراهام لاوتون، ليُعرّف قرّاءه على ضرورة البحث عن طرقٍ ناجعة لدرء النهاية الحتميّة المفروضة علينا جميعاً، واضعاً بين أيديهم دليلاً مثبتاً لاتباع أسلوب عيش أكثر صحيّة. ولعلّ مذكرات ديبورا أور بعنوان: “موذرويل: نشأة فتاة” (Motherwell: A Girlhood) (الصّادرة عن دار “ويدينفيلد أند نيكولسون” (Weidenfeld & Nicolson) للنشر) هي أحد أكثر المؤلّفات المتوقع صدورها أوائل العام 2020. وفي إطار هذه السيرة الذاتية البريئة واللاذعة في آن، تروي أور التي توفيت بمرض السّرطان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تفاصيل نشأتها مع أمها في اسكتلندا. ومن الرّوايات الشخصية الممتازة أيضاً، رواية “جذور متشعّبة: إعادة الطّبيعة البرية إلى الحياة الإنسانية” (Rootbound: Rewilding a Life) لأليس فينسنت التي تمزج بين الذكرايات والتأملات الفطنة التي تُسلّط الضّوء على السّلوان الذي يجده جيل الألفية الجديدة في قوة النّباتات. لطالما كانت لندن مرتعاً للروائع الأدبية؛ ورائعة “شبح السّاحة” (Square Haunting) (الصّادرة عن دار”فابر” (Faber) للنشر) لفرانشيسكا وايد هي ملخّص تاريخي مذهل عن روّاد الكتابة والتأليف الذين عاشوا في ساحة ميكلينبرغ بين الحربين العالميتين، إذ تروي بطريقةٍ ثاقبة ومدروسة تفاصيل حياة خمس نساء استثنائيات، هنّ دوروثي سايرز وجاين هاريسون وأيلين باور وفيرجينيا وولف والشّاعرة المعروفة بـHD، من دون أن تغفل عن ذكر الأسباب التي جعلت من إحدى ساحات بلومزبري التاريخية ملاذاً مستقلاً لهؤلاء الكاتبات حتى يُبدعن. وفي هذا الشهر أيضاً، يتجدّد الاهتمام برواية “إيما” (Emma) لـجاين أوستن التي تحدّثت فيها عن ساحة برونزويك المجاورة. وفيما يخصّ “الشقيقة الأخرى بينيت” (The Other Bennet Sister) لجانيس هادلو (دار “مانتل” (Mantel) للنشر)، فمن المتوقع أن يُفرح جمهور المعجبين والمعجبات برواية “الفخر والإجحاف” (Pride and Prejudice)، مثله مثل “السّيدة أوستن” (Miss Austen) لجيل هورنبي (دار”سنتشوري” (Century) للنشر) الذي يبحث في الأسباب التي حدت بكساندرا أوستن إلى إحراق رسائل الروائية الشهيرة بعد مرور 23 عاماً على وفاتها. من الواضح أنّ شقيقة أوستن كانت قلقة جداً إزاء ما يمكن أن يحصل لو خرجت الرّسائل المذكورة إلى العلن في يومٍ من الأيام. وفي كتاب “أزمة وعي” (Crisis of Conscience) (عن دار “أتلانتيك” (Atlantic) للنشر)، يعتبر توم مولر أننا على الأقل نعيش الآن في “عصر الإبلاغ المبكر”. لكن ما كل النّاس سعيد بهذا التطور. فالرئيس دونالد ترمب الذي فرض على الوزارات الحكومية “تدريبات لمكافحة التسرّب”، قلّل من فرص إجراء التحقيقات في مجال الرّعاية الصّحية، وذلك عن طريق إعادة تخصيص معظم المدّعين العامين في “وحدة مكافحة التزوير في مؤسسات الرّعاية الصّحية” التّابعة لوزارة العدل. وإلى جانب ما تقدّم من مؤلفات، ثمة كتب “جديّة” مهمة جداً هذا الشّهر، بدايتها مع “الموجة السوداء: السعودية وإيران والخصومة التي قوّضت الشّرق الأوسط” (Black Wave: Saudi Arabia, Iran and the Rivalry That Unravelled the Middle East) (الصّادر عن دار “وايلدفاير” (Wildfire) للنشر) لكيم غطاس. وهذا الكتاب عبارة عن سرد مفصّل ومقنع للحقد المترسّخ بين دولتين مهمتين في الشّرق الأوسط. وفي سياقه، تُفنّد الصّحافية غطاس الحائزة على جائزة إيمي تفاصيل “سباقٍ كئيب نحو الحضيض” مستمرّ منذ العام 1979، ولكنّها تحتفي في الوقت نفسه بأولئك الذين يُحاربون ببسالة من أجل حريّتهم في عصرٍ مليء بالسّموم. ومع عودة ميانمار (المعروفة أيضاً باسم بورما) إلى الواجهة من جديد عقب الادّعاءات بارتكاب جيشها إبادة جماعية لأقلية الرّوهينغا أواخر العام 2019، يأتي كتاب ثانت ماينت-أو المذهل بعنوان: “تاريخ بورما الخفي” (The Hidden History of Burma) بمثابة تذكيرٍ مناسب بأهمية التّاريخ الاجتماعي الذّكي. ومن بين أفضل قصص الإثارة الجديدة هذا الشّهر، قصة “موت صامت” (A Silent Death) لبيتر ماي و”سرّ هتلر” Hitler’s Secret)) لروري كليمنتس و”دولة دفينة” (Deep State) لكريس هوتي و”الهارب” (The Runner) لستيفن ليذر و”ثلاث ساعات” (Three Hours) لروزاموند لوبتون و”نهر طويل ومضيء” (Long Bright River) لليز مور و”ستة أسباب خبيثة”(Six Wicked Reasons) لجو سباين و”التعطّش” (Pine) لفرانسين تون و”وكالة” (Agency) لويليام غيبسون وهو عبارة عن رواية علميّة خيالية تدور أحداثها في لندن ما بعد نهاية العالم. وبالنّسبة إلى كتاب “العتبة” (Threshold) لروب دويل، فيتحدّث بطرافة وجموح عن المخدرات ومغامرات رحالة متسكّع. وهذا النّوع من المغامرات الفاشلة والمليئة بالممنوعات نقطة مشتركة بينه وبين رواية “دنيا” (Low) المسليّة لجيت ثاييل. ولا يخلو هذا الشّهر كذلك من عددٍ من المؤلفات البواكير المثيرة، ونعني بها “طفل الجزيرة” (The Island Child) (دار “كانونغايت” (Canongate) للنشر) لمولي آتكين الذي يتناول موضوعي الأمومة والهوية، و”دورية الجنّ عند الخط البنفسجي” (Djinn Patrol on the Purple Line) (دار “شاتو أند ويندوس” Chatto & Windus)) للنشر) لديبا أنابارا، وهو عبارة عن قصة مدوية عن اختفاء أطفال في دولة الهند الحالية. إضافة إلى هذين الكتابين، هناك أيضاً رواية “رجل طيب” (A Good Man) (دار “ويليام هينيمان” (William Heinemann) لآني كاتز؛ وتُعتبر هذه الرّواية قصة عصرية صارخة عن العنف والتحرّش الجنسي وحب الانتقام. وفي سياقها، تقوم كاتز بإمعان النّظر والتدقيق في عائلات مفككة وعلاقات فاشلة وثقافة معاصرة تثير قلق رجل عنيفٍ يعتبر “إنتهاك” خصوصية الهاتف أكثر سوءاً من إنتهاك جسد امرأة. ولعلّ الأكثر غرابة بين روايات هذا الشهر، هي رواية “المخاطرة المزدوجة”(Highfire) الخيالية الشاذة للراشدين (الصّادرة عن دار “جو فليتشر بوكس” (Joe Fletcher Books) للنشر). فيها يتناول كاتب “دجاجة أرتيميس” (Artemis Fowl) أوين كولفير الحديث عن رابط الصّداقة الذي يجمع بين تنينٍ سكّير يُدعى فيرن وطفل من لويزيانا المليئة بالمستنقعات والتّراكمات الوحليّة، مع العلم أنّ التّنين “الذي يجازف بحياته” من أجل إنقاذ الصبي من فندقٍ خاضع لإدارة العصابات، لا يفكّر بإيجابية بالبشر. فمعظمهم على حدّ قوله، “أكثر سذاجة من تغوّط خنزير في دلو من الفضلات المقزّزة”. في نسختنا الأخيرة من عمود الإصدارات الشّهريّة، تقييم مفصّل لستة كتب متوقّع نزولها في الأسواق خلال يناير (كانون الثاني) 2020. “تاريخ بورما الخفي ” (The Hidden History of Burma) بقلم ثانت ماينت-أو ★★★★☆ يعود تاريخ بعض مشاكل بورما (ميانمار) إلى فترة الاستعمار. وعن هذه المشاكل، يقول جورج أورويل الذي كان يعمل فيها كشرطي منتصف عشرينيات القرن الماضي: “إذا كنّا صادقين مع أنفسنا، لا بدّ أن نقرّ ونعترف بأنّ بريطانيا تنهب بورما وتسرقها من دون أي شعور بالخجل”. فالجنود البريطانييون السّكارى هم الذين أحرقوا المكتبة الملكيّة التي لا تُعوّض عام 1905. وفي الوقت الحاضر، تندرج بورما التي وُجّهت لها مؤخراً اتهامات بارتكابها جرائم إبادة جماعية، ضمن قائمة الوجهات التي لا ينبغي زيارتها في دلائل فودور السياحية. وفي مقدّمة كتاب “تاريخ بورما الخفي”، يحرص ثانت ماينت-أو الذي تعاون مع الأمم المتحدة لأكثر من عقد من الزّمن ويُعتبر أعظم مؤرخ على قيد الحياة في بلاده، على شرح السّبب الذي حدا به إلى استخدام تسمية بورما بدلاً من ميانمار على امتداد الرواية المقنعة والقاتمة التي خصّها للبلد الذي يقع في بؤرةٍ خطيرة بين الصّين والهند. والمعروف عن بورما أنّها عانت الأمرين من حكمٍ عسكريٍّ غاشم، حتى أنّ العديد من أفراد شعبها الحالي يعيش في أحياء عشوائية فقيرة ينهشها المرض. هذا ولم تفلت بورما من غضب الطّبيعة، حيث أصابتها الفيضانات والجفاف مسببةً هجرة الملايين من أهلها. والأمور مذاك من سيء إلى أسوأ: يُتوقّع أن تكون بورما واحدة من أكثر دول العالم تأثراً بالتغيّر المناخي. وعلى الرّغم من ثرواتها الطّبيعية الكبيرة – واحتوائها أكبر تجمعات فيلة وحشيّة في آسيا – تُواجهها اليوم مشكلة كبيرة على صعيد الاتّجار بالأحياء البريّة إلى الصّين. ومن خلال كتابه، يُحاول ماينت-أو تقديم تحليلٍ ذي طابع إنسانيّ للهويّة الوطنية ومخاطر القومية؛ والاستنتاجات التي خلص إليها لا تُنبئ بالخير. لطالما عاش الشّعب البورمي في القاع ولطالما كانت حياته حكاية “غابات مخفيّة وأنهار ملوّثة وأطعمة مسمّمة وديون متراكمة وأراضٍ مصادرة و –مؤخرا- هواتف ذكية رخيصة ونفاذ إلى الإنترنت وصفحات الفيسبوك التي تُريه ولساعاتٍ طويلة في اليوم نوعية الحياة التي لن يحصل عليها أبداً”. في السّادس عشر من شهر يناير (كانون الثاني)، يصدر كتاب “تاريخ بورما الخفي: سباق ورأسمالية وأزمة ديمقراطية في القرن الواحد والعشرين”( The Hidden History of Burma: Race, Capitalism, and the Crisis of Democracy in the 21st Century) لثانت ماينت-أو عن دار” أتلانتيك بوكس” (Atlantic Books) للنشر بسعر 18.99 جنيهاَ إسترلينياً. “بتلة طويلة من البحر” (A Long Petal of the Sea) بقلم إيزابيل أييندي ★★★★★ تُعتبر إيزابيل ألليندي التي نالت “وسام الحرية الرّئاسي” عام 2014، روائية بالفطرة وكتابها الجديد بعنوان “بتلة طويلة من البحر” عبارة عن ملحمة تاريخية تبدأ أحداثها عام 1939 وتستمرّ إلى ما بعد عقود طويلة لتشمل قارات مختلفة. تتمثّل الشخصيات الرئيسية في الملحمة بالأرملة الشابة والحامل (روزير) والطّبيب العسكري (فيكتور) وشقيق حبيب (روزير) المتوفي. كان على هؤلاء أن يهربوا من إسبانيا الخاضعة لحكم الجنرال فرانكو إلى جانب ألفي لاجئ آخر على متن سفينة “وينيبيغ” المتجهة نحو تشيلي. وكانت السّفينة قد استُقدمت من قبل الشّاعر بابلو نيرودا، صاحب القصيدة التي استقت منها أييندي عنوان روايتها (“البتلة الطويلة من البحر والخمر والثلج”). ومن أجل البقاء على قيد الحياة، أُجبر روزير وفيكتور على عقد قرانهما. إنّها قصة عاطفية رقيقة بإمتياز، ولكنّها في الوقت نفسه استنباط لمصير اللاجئين الذين واجهوا “حملة خوف وحقد” ممنهجة وكانت حياتهم عبارة عن كتلة مخاطر، فيها معسكرات اعتقال واضطهاد وعنف وضربات عسكريّة. ومع مرور الوقت وتتالي الأحداث، يُدرك فيكتور ألا قدرة له على التحكّم بأهم تفاصيل حياته. وبعد مشاهدته بأم العين مقتل مراهق، يخشى فيكتور أن يكون قلبه قد انكسر أخيراً. “وكانت هذه لحظة إدراكه المعنى العميق لتلك العبارة الشائعة: اعتقد بأنّه سمع صوت تحطّم زجاج وشعر بأنّ جوهر كيانه قد انسكب حتى آخر قطرة”، تكتب أييندي. وتستند رواية “بتلة طويلة من البحر” إلى أحداثٍ حقيقية وشخصيّات فعليّة. في إطارها، تحاول الكاتبة التي وُلدت في البيرو وعاشت تجربة اللجوء السياسي، سبر أغوار طبيعة جذور الإنسان وأهمية الإنتماء أو الارتباط الحقيقي بشيءٍ ما. “بتلة طويلة من البحر” هو عمل خيال تاريخي رائع عن الأمل والمنفى والانتماء والطّريقة التي نعيش بها حياتنا اليوم. يصدر كتاب “بتلة طويلة من البحر” لإيزابيل ألليندي عن دار “بلومزبري” ((Bloomsburry في الحادي والعشرين من يناير (كانون الثاني)، بسعر 16.99 جنيهاً إسترلينياً. “العتبة” (Threshold) بقلم روب دويل ★★★★☆ يسير كاتب “العتبة” روي دويل في رحلةٍ طويلةٍ وجامحةٍ وفاسدة ومليئة بالمخدرات عبر مختلف أقطار العالم. وفي نادٍ ليلي في برلين، يُخبرنا عن لقائه برجلٍ يزحف على يديه وركبتيه “في مستنقعٍ من البول والقذارة”. وفي كلّ مرة يقول فيها لأحد أصدقائه بأنه التقى برجلٍ مجنون أراد أن يشرب من بوله، يُجيبه الصديق بطريقةٍ ساخرة: “آه نعم، رجل الحمام”. قد تكون المشاهد الأولى من “العتبة” سطحية ولكنّها لا تنفي أبداً حقيقة كونه متعة طريفة للقراء. فدويل المولود في دبلن طالب سابق في مجال الفلسفة وروايته الأخيرة هذه تغوص في أعماق فكر كاتبٍ شاب (متكاسل) يجوب العالم ويفكّر في البوذية والمجتمع الحديث والتأمل والمخدرات؛ الكثير من المخدرات. وفيما يستكشف القراء رحلاته الصّاخبة، يتعلّمون الكثير عن الفطريات السّحرية والنباتات المهلوسة والكيتامين وثنائي الميثيل تريبتامين (DMT). ولمّا يقرّر بطل الرّواية مغادرة إيرلندا للسفر إلى آسيا وأوروبا، يترك وراءه (“مستنقعاً من الأشخاص السطحيين والمشوّهين”) وعملاً بدوامٍ جزئي في كتابة “المقالات التحليلية” في إحدى الصّحف (“الآراء هي مجارير العالم، أليست كذلك؟”). وإذ لديه ما يكفي من استصغار الذات، لا ينفكّ دويل يتحدّث عن أنقاض حياته وما تتضمّنه من تجارب فاشلة في كتابة “رواية السّائح الجوال العظيم” (The great backpacker dropout novel) أو “رواية برلين العظيمة” (The great Berlin techno novel). وعبر صحفات الكتاب، يتقطّر ماضي الرّواي العاطفي كجرحٍ أليم ينزف وسط مشاهد الحرب المتكررة. فنراه يعود بالذاكرة إلى مرحلة الشباب التي اعتبرها “حملة انتقام من النساء” ولم يتوانَ عن وصف علاقاته الفاشلة والكثيرة خلالها بـ”الدّبابات المحترقة في ساحة معركة حياتي”. وفي كتاب “العتبة” أيضاً، لا تخفى على أحد آراء دويل المثيرة للاهتمام عن الذكورية المشوّهة والهوس الجنسي. ولا تخفى أيضاً روح الجاز العشوائية – عند ذكر موسيقى البيبوب بشخصي تيلونيوس مونك ومايلز دايفيس – التي تبدو مستفزّة ومهدّئة في آنٍ واحد. “النفس تخفق كألم الأسنان”، يروي الكاتب الذي يشعر بقلقٍ متنامٍ إزاء ضعف نظره وقدراته – “حسابي القديم مع الشيخوخة اللعينة”، على حدّ تعبيره. وفي لحظة تأملٍ يتيمة، يتجرأ الكاتب على وصف الثقافة بـ”جائزة الترضية”. قد يكون وصفه في محلّه، لكنّ رواية دويل المتفرّدة تستحقّ الكثير من التقدير. يصدر كتاب “العتبة” لروب دويل عن دار “بلومزبري” (Bloomsburry) للنشر في الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني) بسعر 14.99 جنيهاً إسترلينياً. “أوساخ أميركية” (American Dirt) بقلم جانين كومينز ★★★★★ في كلّ عام، يموت مئات المهاجرين أثناء محاولتهم عبور الحدود الأميركية-المكسيكية، حيث يُصاب معظمهم بضربة شمس أو جفاف أو انخفاض في حرارة الجسم. برأي ليديا كيسانو بيريز، مالكة مكتبة وابنها لوكا البالغ من العمر ثماني سنوات، الضرورة المميتة هي السّبب وراء هروبهما من موطنهما أكابولكو وصولاً إلى الأوساخ الأميركية. كان عليهما الإفلات من قبضة رئيس عصابة مخدرات أَجهز على زوج ليديا الذي كان يعمل محقّقاً إعلامياً ووالدتها و14 من أصدقائها وأقربائها. ومع استهلالها الرواية بحالات قتل صادمة، تكون جانين كومينز قد نجحت في التقاط فظاعة مكسيك العصر الحديث – بوصفها مكاناً تكثر فيه الجريمة أو تُعتبر أمراً عادياً، قل”مسابقة جماعية للدم ومزايدة مروّعة”. وتروي كومينز قصتها المليئة بالمطاردات، بأسلوبٍ سينمائي آسر سرعان ما استقطب اهتمام هوليوود”. فالوصف المتسارع والمدروس لتحركات الناس الذين أُجبروا على ركوب أسطح قطارات البضائع المعروفة بـ”لا بيستيا” أو “الوحش” لاجتياز الحدود من دون أن يعلم بهم أحد، أقل ما يُقال فيه أنّه على درجة عالية من المهارة ومحفوف بالإثارة والتشويق. وإلى جانب التحوّلات الشّائقة، يزخر كتاب “أوساخ أميركية” بلمسات ذكية، وهو بالتالي أكثر بكثير من مجرّد رواية مثيرة. إنّه استكشاف للطريقة التي يُجبَر فيها البشر إبان القرن الواحد والعشرين على مغادرة بيوتهم والهجرة إلى أماكن أخرى. إنّه قصة مؤثرة تُدمى لها القلوب، وقوّتها في تركيزها على ضحايا الوحشية وقلّة الإنسانية أكثر من مرتكبيها. وكلّ شخصية من شخصيات الرواية الرئيسية تستحقّ بأن تبقى خالدة في القلب والذّاكرة. ليديا (مامي) ولوكا، ابنها الظّريف والنّشيط، ثنائيٌّ لامع وهو الذي أوحى لكومينز بوصفٍ مؤثر إلى حدٍّ كبير عن حبّ الأم لطفلها. أما الشّقيقتان المميّزتان سوليداد وريبيكا، فتتمتعان بروح مناعة ومرونة استثنائية مكّنتهما من تجاوز حالة الصدمة التي عانيا منها جراء تعرّضهما للاغتصاب والتعذيب أثناء رحلة هروبهما من هندوراس إلى المكسيك. هذا بالنسبة إلى الشخصيات؛ أما حبكة الرواية فلا يُمكن للقارئ منا إلا أن يلحظ أنّ التّضامن هو جزء إيجابي لا يتجزأ منها، كما أنّ الفكاهة والمهارة العالية جزء لا يتجزأ من النقاط السياسية، على شاكلة وصف مجموعات الرقابة الأميركية على الحدود بـ”حراس القوة الليليين”. وقد يُشكّل الفسق الجنسي والجشع وعنف العصابات تهديدات مستمرة للمهاجرين الفقراء، لكنّ الأمور لا تتوقف عندها؛ فـ”أوساخ أميركية” تتضمّن تصرفات إيثارية مفاجئة، وهذه التصرفات هي التي تغذّي ذاكرة القرّاء بلحظات من الإنسانية المشتركة. في العشرين من يناير (كانون الثاني)، يصدر كتاب “أوساخ أميركية” لجانين كومينز عن دار “تيندر بريس” (Tender Press) للنشر بسعر 14.99 جنيهاً إسترلينياً. “عزيزتي الحياة: قصة طبيبة مع الحب والفقد” (Dear Life: A Doctor’s Story of Love and Loss) بقلم رايتشل كلارك ★★★★★ تأكدتُ أنّني بين أيدٍ أمينة بُعيد قراءتي الصّفحات القليلة الأولى من “عزيزتي الحياة: قصة طبيبة مع الحب والفقد”، حيث تذهب كاتبته رايتشل كلارك إلى أبعد من اقتباس قصيدة لرايموند كارفر، وتُضمّنه مرجعاً طريفاً عن “الصّديق الضال” في أفلام “طرزان” (Tarzan) لجوني ويزمولر، “طفل متّسخ ومحمّر الوجنتين يُدعى” بوي” أو “صبي”.” فبعد عملها كمعدّة برامج وثائقية تلفزيونية، تلقّت كلارك تدريبات جديدة لتصبح طبيبة عام 2009 وها هي تتخصّص اليوم في مجال الرعاية المخفّفة للآلام وتعمل مع المرضى المصابين بأمراض عضال. بالفعل، تعمل كلارك حالياً مع مرضى يُحتضرون ولمّا ستقرأون يومياتها ستفهمون سبب قولها بأنّ “الشيخوخة نعمة” وستلمسون مدى براعتها وحرصها على مهنتها كطبيبة – هناك طرفة عن طبيب نسائي مشهور يُطلق عليه الممرضات فيما بينهنّ لقب “غولدفينغر” – وصراحتها بشأن الخبرات التي اكتسبتها من الحياة ومن معاناة أحد المقربين لها من مرض السرطان. وبصفتها طبيبة شابة ومكافحة، تعترف كلارك بأنها تمنّت لو كان والدها، الطبيب المخضرم إلى جانبها “ليُرشدني”. وتنتقل بعدها إلى تقديم وصفٍ بليغ لوالدها الذي تدهورت حالته الصّحية جراء إصابته بمرض السّرطان المستعصي. من الصّعب ألا نلمس ألمها مع كلّ جلسة تصوير بالأشعة وكل تحليل دم وكل علاج كيمائي “يتآكله”، ومن الصّعب على كلّ من عايش تجربتها ألا يتأثر بوصفها الجميل لكلّ لحظة أمضتها وأمها برفقة والدها المحتضر. لا بدّ لكتاب “عزيزتي الحياة” أن يكون ضمن القراءات الأساسية لكلّ شخص يهتم لأمر نظامنا الصّحي المنكوب بفعل الضّربات التي تلقّتها “هيئة الصّحة الوطنية” خلال العقد المنصرم المليء بالتقشف والإهمال والتي أفضت إلى اكتظاظ المستشفيات بالمرضى وبروز مفهوم “طبابة الرّدهة”. ولأنّ “حلاوة” الحياة تُهيمن على فترات منتظمة ومع كلّ فرصة سانحة، يُمكن القول إنّ “عزيزتي الحياة” كتاب مؤلم أحياناً، بحيث يُجبر قرّاءه على التفكير في بعض أسوأ الحالات والمواقف التي يمكن أن يواجهها إنسان. ولكنّه أيضاً جوهرة متعاطفة مليئة بنوبات من الحلاوة. لن أُفسد القصة عليكم ولكنّ طرفة كلارك الحقيقية عن “الخيط السحري” الذي يساعد الأطفال في مواجهة العلاج بالأشعة، ملهمة جداً ومؤثرة. في 30 يناير (كانون الثاني) يصدر كتاب “عزيزتي الحياة: قصة طبيبة مع الحب والفقد” لرايتشل كلارك عن دار النّشر “ليتل براون” (Little Brown بسعر 16.99 جنيهاً إسترلينياَ. “جذور متشعبة: إعادة الطّبيعة البرية إلى الحياة الإنسانية” Rootbound: Rewilding a Life)) بقلم أليس فينسنت ★★★★☆ يجمع كتاب “جذور متشعبة” لأليس فينسنت بين المذكرات والتاريخ وعلم البستنة، آخذاً قرّاءه في رحلة طويلة تمتد عاماً كاملاً – وينقسم إلى فصولٍ شهرية – ويتنقّل بين المنتزهات الخفيّة في لندن وعجائب غلاستونبري والحياة البرية في باريس والحدائق النّباتية في أمستردام وشوارع برلين المرصوفة بالأشجار وحدائق المعابد “القابلة للتفكيك والنّقل” في اليابان. ولكنّه يتحدّث كذلك عن البطلة في البستنة الحضرية وصاحبة حساب الإنستغرام الشّعبي “Noughticulture”، ومساعيها الأليمة من أجل إعادة خلط أوراقها وبناء حياتها بعد الأزمة المفاجئة التي “أَودت بها إلى الهاوية”. وفي كتابها، تُخبر فينسنت عن تجارب جيل العشرينات المدمن على شاشات الإنترنت والتكنولوجيا التي سلّطت الضوء على الفوائد التّصحيحية للنباتات والبستنة. وفيما تسعى إلى “تصفية ذهنها”، تقول إنّ “أنغام الطبيعة تحوّلت تدريجياً إلى جرس إنذار”. ومن بعدها، تنتقل إلى وصف قوة النباتات بوضوح، لتُنهي الكتاب عند استطرادات رائعة ومنوّعة تُعرّفنا من خلالها على تاريخ عائلتها في مجال البستنة والسعادة التي كانت تتملّك جدّها في رقعته النباتية والهوس الفيكتوري بالسّراخس وتزايد “شعبية الدّفيئة” في القرن الواحد والعشرين. وأكثر من ذلك، “جذور متشعبة” هو قصة الاعتراف بتهميش دور المرأة والتحرّك من أجل وضع حدّ لهذا التّهميش، سواء من خلال الصّداقات الدّاعمة لفينسنت في حياتها أو الروايات الملهمة لخبيرات مخضرمات في علم النباتات. من المسلّي أن نقرأ عن العالمة النباتية الفيكتورية ماريان نورث التي تحدّت كافة المعاهدات الموقّعة في أيامها (“أنا طائر بري وأحبّ الحرية”) واعتبرت أنّ الحدائق مكنز أسرار. مَن كان يعلم أنّ نمو العشب بشكلٍ عشوائي أمام أحد المنازل وتلوّثه بالوحل يعكس أخلاقيات المقيمين فيه ونفسياتهم؟ وفيما يستطلع الكتاب أحداث عامٍ مليء بالاضطرابات، يستشفّ القارئ منا حسّ التجديد في تأملات فينسنت بنبتة تالفة تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة وفي حديثها عن البستنة الهادئة بطبيعتها وكيف ساعدتها في التخلص من ذيول الخيبة والعثور على طرق جديدة تُخفّف عنها. وإلى جانب نشيد الطبيعة، يتعرّف القارئ أيضاً على قصة وقوع فينسنت في حب مات وكيف تفتّحت براعم مشاعرهما تدريجياً لمّا تجرأت على فتح قلبها من جديد. “جذور متشعبة” هو شهادة مؤلمة للفرح الذي تُدخله الخضرة إلى حياتنا وتذكير ساحر بأنّ البشر كما النباتات يصلحون ويكبرون في أوانهم. في 30 يناير (كانون الثاني)، يصدر كتاب “جذور متشعبة: إعادة الطبيعة البري إلى الحياة الإنسانية” لأليس فينسنت عن دار “كانونغايت”(Canongate) للنشر بسعر 14.99 جنيهاً إسترلينياً. © The Independent المزيد عن: الثقافة/إصدارات ثقافية كويتية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فيلم “1917” يكشف محدودية تقنية المحاكاة الانغماسية next post احتجاجات إيران تتوسع… وتوقيف المبعوث البريطاني لساعات You may also like مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024 سايمون هندرسون يكتب عن.. زعماء الخليج: “مرحبًا بعودتك... 15 نوفمبر، 2024 الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط 15 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.