مجموعة من سكان البرازيل الأصليين عام 1552 (من كتاب Newe Welt und Americanische Historien ليوهان لودفيج جوتفريد، نُشر عام 1631) ثقافة و فنون أنثروبولوجي فرنسي يحاول تصحيح “صورة” سكان البرازيل الأصليين by admin 27 يوليو، 2024 written by admin 27 يوليو، 2024 126 دي ليري ينفي ويؤكد ويبرر: “صحيح أنهم من آكلي لحوم البشر لكنهم بشر أيضاً” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في عام 1935 حين وطأت قدما عالم الإناسة الفرنسي المعاصر كلود ليفي ستروس أرض البرازيل في أول زياة علمية قام بها إلى هذا البلد الذي سيهتم بدراسته ودراسة شعوبه الأصليين طوال حياته، كان أول ما فعله أنه تحسس حوائجه وجيوبه ليتأكد أنه لا يزال يحمل ذلك الكتاب الذي كان قد حرص على إحضاره معه من دون مئات الكتب التي تشكل مكتبته الأنثروبولوجية. كان كتاباً قرأه مرات عدة من قبل ويكاد يحفظه عن ظهر قلب ناهيك بأن أوراق الكتاب نفسه كانت، كما سيروي، مهترئة ليس فقط من كثرة الاستعمال، بل لأن النسخة التي يحملها منه نسخة قديمة جداً كان يعتقد أنها كانت مملوكة من قبل لسلفه المفكر الفرنسي مونتانيْ وأن هذا بدوره كان يحرص على الاحتفاظ بها والرجوع إليها باستمرار. ومع ذلك لم يكن الكتاب أثراً ذا قيمة مادية ولم يكن كتاباً مقدساً ولا متحفياً. كان كتاباً حقيقياً لا يعرفه سوى نخبة من المثقفين عنوانه “حكاية رحلة إلى أرض البرازيل” صدر للمرة الأولى عام 1587 ويحمل توقيع جان دي ليري الذي يعرف في عالم الأنثروبولوجيا بكونه الأب الشرعي لعلماء الإثنولوجيا والعلوم القريبة منها. ومن هنا لا بد من التأكيد على أن قيمة الكتاب فكرية بل بالتحديد إنسانية. ومن المؤكد أن تلك القيمة كانت هي ما أثار اهتمام مونتانيْ بالكتاب ومن بعد اهتمام ليفي ستروس الذي كان يعلم حقاً أنه لا يشتغل اليوم على أرض وحوش حتى وإن كان الكتاب يتحدث من قطاع من الشعب البرازيلي، السكان الأصليين طبعاً، بوصفهم من أكلة لحوم البشر. كلود ليفي ستروس في البرازيل (غيتي) هرباً من اضطهاد ما ولنتذكر هنا أنه في ذلك الزمن، النصف الثاني من القرن الـ16 كانت الغالبية العظمى من سكان البرازيل سكاناً أصليين إذ إن زمن الهجرات الكثيفة لم يكن قد بدأ بعد. ولعل جان دي ليري نفسه، كما نستشف من حكاية حياته كان واحداً من مئات الألوف ثم الملايين الذين راحوا يسافرون من أوروبا وغيرها إلى ذلك العالم الجديد بحثاً عن الثروات أو هرباً من الاضطهاد أو لأي سبب كان. وحكاية دي ليري تعود بنا على أية حال إلى ربيع عام 1557 حين كان دي ليري مجرد صانع أحزمة جلدية يعيش ويعمل في مسقط رأسه الفرنسي متحدراً من أسرة بروتستانتية كالفينية بدأت تحس ربقة الاضطهاد على يد السلطات الكاثوليكية. ولما كان المضطهدون لأسباب دينية خاصة في تلك الأحايين لا يجدون أمامهم إلا المجابهة أو الفرار ها نحن نراه يختار الفرار متوجهاً في سفينة حملته من مرفأ أونفلور في الغرب الفرنسي نحو العالم الجديد. وهو وصل إلى ذلك العالم بعد أربعة أشهر من بدء رحلته وقد آلى على نفسه أن ينضم هناك إلى طائفة من الهوغونوت (البروتستانت الفرنسيين) كانت تسعى إلى تكوين جمهورية صغيرة مستقلة في جنوب البرازيل سوف تتكون بالفعل لكنها لن تعيش سوى ستة أعوام. غير أن هذا ليس أهم ما في الأمر بالنسبة إلى حكايتنا هنا. المهم هو مهاجرنا دي ليري نفسه وكيف عاش ولماذا وضع ذلك الكتاب الذي سيطبع خمس مرات في عام ظهوره وسيفتن كثيراً من كبار الإنسانويين الفرنسيين بدءاً من مونتانيْ وصولاً إلى ليفي ستروس. طبعة مبكرة من كتاب دي ليري (أمازون) حكاية مهاجر في القسم الأول من كتابه يحكي دي ليري حكايته الخاصة. ما الذي دفعه إلى الرحيل؟ كيف مضت مغامرة السفر بعواصفها ووحوشها البحرية التي يستخدم الكاتب بالتأكيد كل ما يسعه خياله ليصفها كما وكأنه يكتب نصاً في الخيال العلمي. لم تكن الرحلة سهلة بأية حال من الأحوال. كانت أربعة أشهر من الأخطار والصعوبات والموت والمرض وما إلى ذلك. لكن ذلك كله كما يستخلص دي ليري يبقى سهلاً ومقبولاً طالما أنه في نهاية الأمر يحمل الخلاص من وحوش الموطن الأصلي الذين “كانوا يتعاملون معنا بسلطتهم الغاشمة وأفكارهم المتخلفة وجهلهم التام حتى لتعاليم الإله الرحيم الذي يعتقدون أنهم يعبدونه، تعامل الوحوش مع فرائسهم”. و”طالما أنه سيمكننا من الوصول إلى ديار نخدم الله وكلمته فيها ونعيش حياتنا بحرية” كما يؤكد. وهو يؤكد هذا على أية حال من دون أن تخامره أوهام حول ما ينتظره وينتظر رفاقه في الرحلة حين يصلون. فالأقاويل في ذلك الحين كانت كثيرة والتحذيرات أكثر لا سيما من “وحشية سكان البلاد الأصليين وتحديداً من بينهم آكلو لحوم البشر”. في سبيل الله بصراحة يخبرنا دي ليري منذ البداية أنه ورفاقه كانوا عند وصولهم مستعدين لكل شيء ولسان حالهم يقول، لقد سلمنا أمرنا لله. ومهما حدث سيحدث في سبيل الله وبالتأكيد لن يكون أسوأ مما سبق أن حدث لنا في بلادنا وسط إخواننا في المدنية والإنسانية!. والحقيقة أن الذي حدث بالفعل بعد لحظة اللقاء الأول عند مرفأ ريو ي جانيرو حيث حطت السفينة يمكن اعتباره من المفاجآت الجيدة على عكس ما كان متوقعاً. فالموقع الذي كان قد تم اختياره لإقامة المستوطنة الكالفينية كان يقع وسط منطقة تضم ما يمكن اعتباره ثلاث قرى متآلفة متجانسة هي مارغاياس وويتاكاس وبخاصة توبينامبس. فلماذا يقول الكاتب هنا “خاصة” لأنه لئن كان كل سكان تلك المنطقة من آكلي لحوم البشر فإن سكان القرية الأخيرة بدوا منذ اللقاء الأول لطفاء رحبوا بالواصلين وراحوا يسعون إلى التفاهم التبادلي معهم بصورة تجارية بدت متحضرة. كانوا عراة بصورة عامة لكن أجسادهم كانت تحمل رسوماً تغمرها تماماً وكأنها ثياب يرتدونها. بيد أن دي ليري يلفت نظرنا هنا بصورة بالغة المرح كيف أنه ارتعب بصورة استثنائية حين فهم بسرعة أن اسمه كان يعني في لغتهم “محارة” وهم كانوا يعشقون أكل المحار ومن هنا أمضى أسابيعه الأولى وهو في رعب من أن يلتهمه واحد منهم في لحظة غفلة. بيد أن دي ليري إذ يضع ذلك التفصيل جانباً لا يتوقف في كتابه عن الحديث بصورة إيجابية عن الكياسة والود اللذين أبداهما أولئك الجيران والأصدقاء الجدد تجاهه وتجاه رفاقه وقد تبين أنهم “ذوو نزعات إنسانية مدهشة يمارسون البر والإحسان من تلقائهم ويخدمون بعيونهم كل من يحتاج إلى خدمة”. وهنا إذ يؤكد دي ليري أنه في حياته كلها لم يسبق أن التقى أناساً يفوقون أولئك القرويين حسن أخلاق وتعاطفاً مع الضعيف سواء كان منهم أو من جيرانهم يقول، “لقد كانوا أكثر عقلانية وتلقائية من كل منافقينا الوطنيين من الذين بدأوا مع وصولهم مدججين بالسلاح، إفساد علاقتنا بأولئك الناس الصالحين بنهب ممتلكاتهم وإفساد مزروعاتهم وهم صابرون يأملون في اصطلاحنا عما قريب طالما أنهم وضعوا كل خيراتهم مشتركة بيننا”. المزيد عن: سكان البرازيل الأصليينكلود ليفي ستروسالأنثروبولوجياالمفكر الفرنسي مونتانيْجان دي ليريأكلة لحوم البشر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post افتتاح تاريخي مؤثر لـ”أولمبياد باريس” على نهر السين next post مهى سلطان تكتب عن: حليم جرداق الساحر المفتون بـ”الزيح” You may also like بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن.. جولان حاجي: الكتابة... 25 ديسمبر، 2024 (20 رواية) تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 25 ديسمبر، 2024 “الحياة الفاوستية” رحلة في عوالم غوته السرية 25 ديسمبر، 2024 “أن تملك أو لا تملك” تلك هي قضية... 25 ديسمبر، 2024 أضواء جديدة على مسار فيكتور هوغو السياسي المتقلب 24 ديسمبر، 2024 صبحي حديدي يقارب شعر محمود درويش بشموليته 24 ديسمبر، 2024 الثنائي هتلر – ستالين في ما هو أبعد... 24 ديسمبر، 2024 رحيل محمد الخلفي الممثل الرائد الذي لم ينل... 24 ديسمبر، 2024 كاتب مسلسل “يلوستون” أبدع قصة ويسترن معاصرة وصنع... 24 ديسمبر، 2024