الأمير بيوتر كروبتكين (1842 – 1921) (موسوعة الأدب الروسي) ثقافة و فنون أمير روسي فوضوي أطلع العالم على تاريخ فريد للأدب في بلاده by admin 26 يونيو، 2024 written by admin 26 يونيو، 2024 104 عندما أرخ كروبتكين في بوسطن الأميركية لنتاجات المبدعين الروس بين الواقع والمثال اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يكن غريباً حين رحل الأمير والمفكر الروسي بيوتر كروبتكين عن عالمنا أوائل عام 1921 أن يعتقد القليلون الذين اهتموا بذلك الحدث الذي لم يثر على أية حال اهتمام كثير من الناس خارج حلقات المثقفين، أن كروبتكين لم يكن أكثر من ثوري محترف أنفق جل وقته في مجادلات أيديولوجية وسياسية، مع أن واقع حياته يقول لنا إن الرجل ضحى بكثير من ثقافته الموسوعية لمصلحة السياسة مما جعله واحداً من مؤرخي حياته، يقول “لو أن كروبتكين أنفق في العمل العلمي والأدبي ولو جزءاً من ذلك وقت أضاعه في نضال سياسي لا طائل من ورائه، لكان اعتبر واحداً من العقول الرئيسة في بدايات قرننا العشرين هذا”. ومن هنا يمكننا أن نقول إن المكانة التي يحظى بها الأمير بيوتر كروبتكين في أيامنا هذه لا يمكن أن تعد مكانة كبيرة، والأصح أن نقول إنه نسي تماماً إلى درجة أن مئويته مرت قبل ثلاثة أعوام من دون أن يتنبه إليها أحد. فلم يعد يذكره سوى قلة من الناس وبالكاد تعاد طباعة كتبه أو تنشر أفكاره، مع أنه كان عند الزمن الفاصل بين القرن الـ19 والقرن الـ20 واحداً من ألمع العقول ومن كبار المتنورين. والغريب في أمر كروبتكين على أية حال أنه إن ذكر، ذكر فقط بوصفه واحداً من زعماء التيار الفوضوي إلى جانب برودون وباكونين، أي بوصفه مناضلاً سياسياً أنفق جل عمره في النضال. بمعنى أن ذاكريه يضربون صفحاً عن جوانب أخرى من حياته ومن عمله الفكري، لو نظرنا إليها ملياً لوجدناها أهم من تحركه السياسي بكثير ولاكتشفنا في شخص ذلك الأمير الثائر المتنور، واحداً من العقول الموسوعية التي باتت نادرة في أيامنا هذه. تاريخ متقدم للأدب الروسي والحقيقة أن الجمهرة الرئيسة من محبي كروبتكين كانت تتألف من كبار المثقفين النخبويين الروس والفرنسيين في تلك الأزمنة، وبخاصة أولئك الذين أقبلوا باكراً على قراءة واحد من كتبه الرئيسة وهو المعنون “المثال الأعلى والواقع في الأدب الروسي“، وكان في الأصل عبارة عن ثماني محاضرت ألقاها الأمير الثائر بالإنجليزية في معهد لويل بمدينة بوسطن الأميركية عام 1901، جمعت معاً لتطبع في كتاب صدر عام 1905 ليترجم من فوره إلى الألمانية قبل لغات عديدة أخرى. وصدرت الطبعة الإنجليزية الأولى في طبعة جديدة أضيفت إليها عام 1916 مجموعة فصول وبحوث كان الكاتب نشرها هذه المرة بالروسية في سان بطرسبورغ وضمها إلى ترجمة روسية للكتاب الأصلي صدرت عام 1907 تحت إشرافه. وكل هذا جعل من كتابه ربما أفضل نص شامل حول ذلك الأدب الذي كان معروفاً في العالم بنصوصه وكتابه الكبار بأكثر مما كان معروفاً بتاريخه وارتباطه بالمجتمع الذي يعبر عنه. والحقيقة أن عنوان الكتاب يشير تماماً وبصورة محددة إلى هدفه وهو تعريف القراء بلغة واضحة وتحليل تاريخي معمق بـ”أهمية الدور الذي لعبه الأدب في المجتمع الروسي”، في نوع من التشديد على الصراعات التي تجابه عبرها ذلك الأدب مع السلطات التعسفية القمعية طوال عقود طويلة من السنين، وبصورة أكثر وضوحاً المجابهة التي دائماً ما قامت خلال تلك العقود بين الفكر التنويري الواعي والحكم الاستبدادي القيصري. ألكسندر بوشكين: البداية على يديه (غيتي) البداية مع بوشكين و”الديسمبريين” وللوصول إلى ذلك سبر المؤلف وربما عبر صفحات تمهيدية سريعة تاريخ الإنجازات الروسية الفنية خلال القرون الأولى، قبل أن يصل تحديداً إلى عام 1825 ويرسم صورة واعية لما جاء به بوشكين في أدبه متضافراً مع كتابات “الديسمبريين” الغاضبة وهم يستخدمون الأدب لتحسين مجتمعاتهم لما فيه “مصلحة الشعب”. وهكذا انطلاقاً من تلك اللحظة المفصلية يبدأ كروبتكين الانتقال من كاتب إلى آخر موضحاً إضافات كل واحد منهم إلى إنجازات سابقيه، منطلقاً من أولئك الكتاب وصولاً إلى تشيخوف الذي كان سيداً كبيراً من سادة الأدب عند نهايات القرن الـ19، بعدما كان بوشكين سيد الأدب عند بدايته. والحقيقة أن ذلك الانتقال الذي صوره كروبتكين سلساً وثورياً من دون لبس كان أكثر ما أثار اهتمام القراء الغربيين بصورة عامة، وبخاصة أن المؤلف لم يخف ولو للحظة كون غاية كتابه الأساس الاحتفال بالإنجاز الشعبي الذي يكمن خلف تلك الأزمنة الرائعة، التي حدد المؤلف أن روحها الأكثر عمقاً وتجلياً إنما تتمثل في القطبين الكبيرين تولستوي ودوستويفسكي، تماماً كما كان حدد بداياتها بإنجازات بوشكين ونهاياتها حتى زمنه في الأقل بتشيخوف، وهو التصنيف التراتبي الذي لا يزال معمولاً به حتى اليوم على أية حال. رحيل شبه صامت لقد كان من سوء حظ كروبتكين أن يموت في ديمتروف ضمن محافظة موسكو، في زمن كان الروس ملتهين فيه بحروبهم الأهلية وبصراعاتهم الفكرية، فلم يكن من شأن موت زعيم “فوضوي” أن يعني لهم شيئاً في حينه، وهو الذي كان يمثل فكرة لا تؤمن بها سوى قلة من الناس وينتمي إلى أقلية داخل تلك الأقلية. وكان رحيله إذاً في فبراير (شباط) 1921 بعد أعوام قليلة من انتصار الثورة البلشفية التي ناصبها كروبتكين العداء بكل صراحة، لأن أفكارها المركزية “الانقلابية” حسب تعبيره لم تكن تلتقي مع أفكاره الباحثة عن تطبيق ضروب اللا مركزية التطورية والتسيير الذاتي. ومع هذا كانت تلك الثورة هي التي أرجعته إلى روسيا بعد تشرد أوروبي طويل تواصل طوال فترة الحرب العالمية الأولى، التي ناصر فيها كروبتكين الحلفاء ضد ألمانيا في “انبعاثة” قومية كانت غريبة عن عالمه الفكري على أية حال. تكوين جغرافي علمي ولد الأمير كروبتكين عام 1842 في موسكو لأسرة من الأمراء وبدأ حياته كجندي، ثم ضابطاً في حرس سان بطرسبورغ قبل أن ينقل إلى فرق ترابط في القوقاز وسيبيريا بناء على طلبه. وكان سبب إصراره على مثل هذا النقل رغبته في استكشاف حوض نهر آمور ومناطق سيبيريا الشرقية، لأن تكوينه العلمي الأساس كان تكويناً جغرافياً وعلمياً. وهو بعد ذلك حين عاد إلى روسيا راح يدرس مادة الرياضيات في كلية موسكو وشغل منصب أمين الجمعية الجغرافية، ليصبح من ثم رئيساً لقسم الجغرافيا الطبيعية وينشر كتاباً مهماً حول العصر الجليدي. وخلال عام 1872 نجده يسافر في رحلة علمية إلى أوروبا، لكنه بدلاً من أن ينكب على بحوثه العلمية انضم إلى مجموعة برودون الفوضوية، ثم التحق بمجموعة باكونين ووقف موقف العداء من “الأممية الأولى” المتحلقة حول الاشتراكيين الألمان والروس. ولدى عودته إلى روسيا انضم إلى مجموعة فوضوية داخلية عرفت باسم مجموعة تشايكوفسكي وبدأ يهتم بالنشاط السياسي أكثر من اهتمامه بالنشاط العلمي، فقبض عليه عام 1874 وأودع السجن ثم ادعى الجنون فوضع في مستشفى تمكن من الهرب منه عام 1876، فلجأ أولاً إلى سويسرا ثم إلى لندن حيث عاش حتى عام 1917، أعوام وزع خلالها وقته بين السياسة والعلم والأدب وتمكن من أن يجمع حوله عشرات المناصرين حتى صار له صوت مسموع في النشاط السياسي، صوت كان غالباً ما يثير حفيظة الاشتراكيين أكثر مما يثير غيظ “الرجعيين” في طول أوروبا وعرضها. كتابات في المنفى وخلال وجوده في المنفى خصوصاً، وضع كروبتكين كتبه الرئيسة التي طبع معظمها بطابع الفلسفة المثالية التفاؤلية المرتبطة بنظرية التطور. وكان من أبرز كتبه في ذلك الحين كتابه “الحقل والمصنع والمحترفات أو الصناعة مرتبطة بالزراعة والعمل الذهني مرتبط بالعمل اليدوي”، وهو الكتاب الذي عرض فيه أبرز أفكاره السياسية والفلسفية وصدر عام 1909 ليترجم إلى عدد من اللغات في العام التالي. وفي الوقت نفسه وضع كروبتكين كتابه الشهير عن “الثورة الفرنسية” (1909) إضافة إلى “المثال والواقع في الأدب الروسي” الذي يعد كما تحدثنا أول هذا الكلام، واحداً من الكتب الأساس التي أرخت لذلك الأدب وربطته ربطاً محكماً بالأفكار الفلسفية التي عاصرت أبرز تياراته. وخلال عام 1906 نشر كروبتكين كتابه الأشهر “مذكرات ثوري” الذي أسبغ عليه شهرة كبيرة وغطى على كتبه الكثيرة الأخرى. المزيد عن: المفكر الروسي بيوتر كروبتكينالتيار الفوضويالأدب الروسيبوشكينتشيخوف 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الطاهر بن جلون يروي صراع الحب والخيانة في ظل الزواج next post لماذا يتعثر المسار الديمقراطي في العالم العربي؟ You may also like أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024