ثقافة و فنونعربي أميرة غنيم تروي مفارقات السقوط والصعود الإجتماعيين by admin 2 يونيو، 2021 written by admin 2 يونيو، 2021 53 رواية “نازلة دار الأكابر” تستعيد تونس الثلاثينيات والمصلح الطاهر الحداد اندبندنت عربية / محمد الغزي شهدت الساحة الأدبية التونسية، خلال السنوات الأخيرة، طفرة روائية لافتة، كان من نتائجها فوز عدد من الأدباء التونسيين بجوائز عربية وعالمية، وإقبال واضح لدور النشر على إصدار الرواية التونسية والاحتفاء بها. لكن هذه الطفرة لم تواكبها حركة نقدية جادة تتأملها، وتكشف عن خصائصها. والقليل الذي كتب عنها لم يستطع أن يطفئ فضول القارئ، أو يجيب عن أسئلته الكثيرة. هكذا ظلت الرواية التونسية تتطور شيئاً فشيئاً في غفلة من الجميع، لتحقق، في السنوات الأخيرة، حضوراً كبيراً على الساحة الثقافية العربية، وتحظى باهتمام نقاد عرب وأجانب. ومن الروايات التي جذبت الانتباه بعد إدراجها في القائمة القصيرة للروايات المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية، أو “البوكر العربية” 2021، رواية “نازلة دار الأكابر” للكاتبة التونسية أميرة غنيم. وعبارة النازلة في اللهجة التونسية تعني “المصيبة”، أما “دار الأكابر” فتعني بيت الأعيان وعلية القوم. الكتابة الأخرى للتاريخ هذه الرواية التي اختارت أن تغوص في التاريخ التونسي الحديث، وتوظف أحداثه، بفطنة كبيرة، تمكنت من تجاوز الخطاب الروائي السائد في تونس منذ البشير خريف لتنجز خطاباً جديداً فيه قوة وعمق، وفيه جدة وطرافة، وفيه، على وجه الخصوص، استشراف لآفاق تعبيرية جديدة من خلال لغة روائية مبتكرة تتميز بشفافيتها وأناقتها. تعمدت الكاتبة اختيار شخصية واقعية لتقتسم مع أبطال آخرين مغانم البطولة، وهي شخصية المصلح التونسي الكبير الطاهر الحداد الذي دعا خلال الثلاثينيات إلى تحرير المرأة التونسية، وكتب تاريخ الحركة العمالية التونسية، وأسهم، مع عدد من الأدباء والسياسيين، في خلق وعي حداثي أعاد النظر في الكثير من المسلمات الاجتماعية والثقافية. لكن هذه الشخصية نهضت في الرواية بجملة من الأحداث المتخيلة، هي من وضع الكاتبة، ما جعلها تفقد الكثير من توهجها الواقعي وتكتسب، داخل الرواية، أبعاداً رمزية واستعارية. هذه المراوحة بين الواقعي والمتخيل، وبين التاريخي والاستعاري، تعد من أخص خصائص هذه الرواية. فالكاتبة تعمدت هدم الحدود الفاصلة بين هذه العوالم المتباعدة، كما تعمدت المزج بينها من أجل خلق عالمها الروائي الذي يتقاطع مع العالم الواقعي دون أن يكون هو نفسه. الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر (دار مسكلياني) من أقصى الجنوب التونسي يأتي الطاهر الحداد إلى العاصمة التونسية، وقد لازمه إحساس عميق بالخلل ينتاب كل جوانب المجتمع التونسي، كما لازمه إحساس أعمق بضرورة الإصلاح يعيد صياغة الحياة على نحو جديد، لهذا تحولت الثقافة عند الحداد إلى طريقة لنقد الحياة، إلى محاولة لتقويم ما اختل من أمرها، إلى تعديل الساعة المتوقفة منذ عهد بعيد، والتي ما فتئت تقرع عالياً، معلنة عن زمن مضى وانقضى. في هذا السياق، نشر الحداد عمله “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”، داعياً إلى الانخراط في إيقاع العصر، ومنح المرأة حقوقها، والخروج من منطق الدهر وقوانينه الجامدة والدخول في منطق التاريخ وقوانينه المتحولة. فكان من نتائج ذلك أن تألبت عليه قوى التخلف فحاصرته بالتهمة تلو التهمة. الطاهر الحداد المتخيل شغف الحداد حباً بـ”للا زبيدة “(وعبارة للا تعني في اللهجة المغاربية السيدة) بنت “الأكابر”، لكن أسرتها ترفض هذا الرجل القادم من الآفاق، محتمية بثقافة قديمة تصر على إبقاء الحواجز قائمة بين الطبقات والفئات والجهات، منتشية بألقابها القديمة التي فقدت بمرور الأيام ألقها وقيمتها. وككل العشاق الخائبين انسحب الحداد من ساحة العشق خافياً جراحه الغائرة، فيما تزوجت حبيبته وفق تقاليد الكبار وعاداتهم. وتنغلق الدائرة على نفسها، على نحو درامي يذكر بالقصص العشقية القديمة. والواقع أن الرواية، كل الرواية، إدانة لبنية المجتمع القديمة ولجملة القيم التي يقوم عليها، وهي شهادة على تحلل طبقاته وتفسخها. ولعل في مقدمتها طبقة “الأكابر” الذين تحصنوا بألقابهم القديمة، وناهضوا كل تغيير. كل ما في الرواية من أحداث يشير إلى الأفول الوشيك لهذه الطبقة، إذ باتت تنتمي إلى عصر آخر بعيد، إلى منظومة قيم لم تعد قادرة على الصمود أمام الأحداث والوقائع تؤذن بقرب رحيلها. تؤكد الكاتبة أن قصة العشق التي ترددت أحداثها في فصول الرواية لم تكن إلا تعلة، محض حيلة فنية لإثارة قضايا أخطر. كان هم الكاتبة أن ترفع صوتها بالاحتجاج على الطبقية والاستغلال والعنف والتطرف واحتكار المعرفة والسلطة والجهل والظلامية. وهنا يمكن أن نسأل: لِمَ التهوين من شأن التجربة الوجدانية واعتبارها مجرد “تعلة” فنية؟ ألهذا السبب لم تلتفت الكاتب إلى حبكتها الفنية فجاءت باهتة؟ رواية المكان تتعدد الأصوات في هذه الرواية، وبتعددها تتعدد زوايا النظر. فالرواية هي خلاصة أحاديث يسردها أفراد من أسرتي علي الرصاع وعثمان النيفر، وخلال هذه الأحاديث تنكشف لنا عن وجوه تونس المتعددة/ المتفردة في آنٍ واحد: تونس الفنانين والسماسرة الأفاقين والأدباء والشعراء والصحافيين والمناضلين والسياسيين، كما تنكشف تونس الأعماق، تونس الغوايات واللقاءات السرية والمواعيد المسترابة. أكثر الشخصيات هنا معطوبة، مهزومة، تبحث عن عزاء لا يكون، كلها ضحايا خيانات ودسائس ومؤامرات تحاك في السر: محسن زوج زبيدة، زبيدة، محمد سلف زبيدة، فوزية زوجته، خدوج، ياقوتة… كلهم ينوؤون تحت أعباء قدر أعمى، يأخذهم، على طريقة المأساة اليونانية، إلى مصير قاتم مجهول. لكأننا نشهد، في هذه الرواية، أفول مجتمع قديم، بات عاجزاً عن التلاؤم مع العصر الحديث وبروز مجتمع آخر جديد، يحمل قيماً مختلفة، ويسعى إلى اجتراح أسئلة جديدة. الرواية كلها تصوير لهذين المجتمعين في اختلافهما وائتلافهما… في تباعدهما وتقاربهما. ثمة حنين يتسرب في كل أجزاء الرواية إلى تونس الثلاثينيات التي كانت بمثابة المختبر الكبير للحركات العمالية والنقابات العربية الأولى، وللحركات النسوية التي تتوق إلى تحرير أول مجلة للأحوال الشخصية وللأحزاب العلمانية وتخوض أول صراعاتها ضد الأحزاب الدينية المتطرفة. المكان هنا ليس مجرد عنصر فني يضاف إلى بقية العناصر الفنية الأخرى التي تقوم عليها الرواية، وإنما هو جوهر الرواية، بل ربما الهدف من وجود الرواية. وبعبارة أخرى نقول إن المكان هنا ليس قطعة القماش بالنسبة إلى اللوحة، وإنما هو اللوحة ذاتها. نلح على هذا على الرغم من إدراكنا أن المكان في الرواية هو مكان لفظي متخيل صنعته اللغة استجابة لأغراض التخييل الروائي. قد لا نبالغ إذا قلنا إن سحر هذه الرواية يكمن في فضائها، في التفاصيل التي تأنت الكاتبة في وصفها، في التاريخ الذي يعبق من كل منعرج من منعرجاتها، في اقتحام العالم الخارجي لعالم الرواية لكي تلتبس الحدود مرة أخرى بين التخييلي والواقعي. ثمة في صفحات الرواية هذه الرغبة الجارفة في الحكي، الحكي الذي لا ينقطع، حكي جذاب، ساحر، يشدنا إليه قبل أن يشدنا إلى شيء آخر. لكأن هدف الكاتبة البعيد أن تكتب، بطريقة ما، حكاية شعبية، فيها تمتزج الحكمة العميقة بالأمثال السائرة. فالرواية، كل الرواية، احتفال بالروح التونسية بخرافاتها وأساطيرها ولغتها واستيهاماتها. ثمة في هذه الحكايات ما يذكر بالخرافات الشعبية من “ألف ليلة وليلة” إلى الحكاء الشعبي التونسي عبدالعزيز العروي. ثمة هذه الفتنة بالسرد بوصفها رديفة الحياة والمتعة، بل بوصفها جوهر كل رواية. المزيد عن: رواية/روائية تونسية/جائزة البوكر/الرواية العربية/الطاهر الحداد/تونس/السرد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إطلالة على “منهج” إدغار موران ذي الأجزاء الستة next post من الأندلس إلى بعلبك اللبنانية في صحبة “مجنون إلسا” المعاصر You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.