السبت, ديسمبر 28, 2024
السبت, ديسمبر 28, 2024
Home » ألبرتي سبق فازاري في التأريخ لارتباط الهندسة بالحياة الاجتماعية

ألبرتي سبق فازاري في التأريخ لارتباط الهندسة بالحياة الاجتماعية

by admin

 

النهضوي الإيطالي ملهم شكسبير يعود إلى الواجهة وهذه المرة كواحد من مؤسسي نظريات العمران

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

عندما طلب من واحد من كبار مؤرخي الجانب الإنساني – الاجتماعي في عصر النهضة الإيطالية أن يتحدث عن معاصره ليون باتيستا ألبيرتي مركزاً على التعريف به، نظر بحيرة إلى سائليه قائلاً بعد تفكير: “والله إنني لفي حيرة من أمري كيف أصفه وأتحدث عن عمله. ومنبع الحيرة أن الرجل لا تحده حدود ولا يمكن الزعم أن عمله يقتصر على ناحية أو نواح قليلة من النشاطات الإبداعية فهو كاتب ومهندس معماري وعالم فلك وشاعر ونحات ورسام ومنظر في الفنون”. كان هذا صحيحاً لكنه لم يكن كافياً وباعتراف صاحب الشأن نفسه الذي يضيف بعد حين أنه قد نسي أن يختم كلامه بعبارة “… إلخ” باعتبار أن ألبرتي كان أكثر من ذلك كثيراً وأن الإنصاف كان يقتضي الإشارة الأساسية إلى إسهاماته اللغوية عبر كتاب أصدره لاحقاً بعنوان “في قواعد اللغة” الذي سد فراغاً كبيراً في جديد اللغة الإيطالية يتعلق بتدوينه لقواعد اللغة المحكية الإيطالية التي كانت قد بدأت تحل مكان اللاتينية بدءاً من فلورنسا ومحكيتها وكان الوقت قد حان للتنظير لها، أي لما كان المحافظون المتمسكون باللاتينية، يعتبرونه ابتذالاً للغة. بالنسبة إلى ألبرتي لم يكن الأمر ابتذالاً بل تماشياً مع الحياة الاجتماعية وتطورها.

محفورة تمثل بورتريهاً لألبرتي (غيتي)

 

مكانة لا تنكر

والحقيقة أن هذا العالم والمبدع الذي عاش بين 1404 و1474 كان يقنن اللغة السائدة في حياة البشر تماماً كما كان يتعامل مع كل شأن من شؤون الحياة لا سيما مع الفن والعلم في زمن كان هذان قد انتقلا من الكتب إلى السوق. ومن هنا يمكن القول إن مساهمة ألبرتي في فن المعمار بشكل خاص كانت سابقة على شتى التغيرات الواقعية التي طرأت على ذلك الفن وتجلت في واحد من تلك الكتب التأسيسية التي تحتل مكانة لا تنكر في تاريخ العمران، بل تعتبر وبشهادة جورجيو فازاري كبير مؤرخي فنون النهضة، الكتاب الذي افتتح اهتمام ذلك العصر بالقضية العمرانية. وهو لئن كان قد عاد للواجهة بعد زمن طويل من موسوعة فازاري حول رسامي وعمرانيي زمنه، فإن عودته شكلت مفاجأة حقيقية بعدما كان منسياً بعض الشيء ولا يضاهى بكتاب فازاري الذي سار على خطاه فانطوى ألبرتي منسياً على صفحات موسوعة هذا الأخير. وهو لم يعد إلى الواجهة وحده خلال الحقبة الرابطة بين القرن الـ20 وتاليه الـ21. ففي وقت تمثلت تلك العودة عبر ظهور ترجمة فرنسية جديدة منه بعنوان “فن العمران”، تواكب ذلك مع صدور كتاب آخر لألبرتي نفسه هو ترجمة فرنسية أيضاً لكتابه “في الرسم” لتتلوه كتب أخرى له في مجالات كانت علاقته بها شبه منسية أيضاً كالرياضيات والحقوق من دون أن ننسى الموسيقى التي كان من كبار علمائها المنظرين!

كما قلنا إذن لم يكن علم أو فن ليغيب عن تاريخ ألبرتي. لكن الواقع يقول لنا على أي حال، إن شؤون العمران كانت أكثر ما يشغل اهتماماته، وليس كمنظر فقط. فحتى اليوم لا يزال عدد لا بأس به من منجزات ألبرتي العمرانية، وبخاصة على شكل كاتدرائيات تنتشر خصوصاً بين فلورنسا، وريميني ومانتوفا، ويعتبر بعضها منذ تلك الأزمنة تحفاً عمرانية استثنائية من بينها على وجه الخصوص كاتدرائية فلورنسا الأجمل “سانتا ماريا نوفيلا”.

جذور حكاية العاشقين

والحقيقة أن النص الرائع الذي يملأ صفحات كتاب ألبرتي عن فن العمران، يبدو على علاقة وثيقة بتشييده تلك الصروح بحيث إن جزءاً أساسياً من كتاب “في العمران” يبدو تفسيراً للدوافع التي حدت به إلى سلوك درب التجديد وهي دوافع ستدهش القارئ حقاً لا سيما قارئ أزمنتنا المعاصرة بحداثتها وتعمقها في ربط القضية العمرانية، بحسب الاسم الذي اختاره بنفسه منذ ذلك الزمن المبكر، بالقضية الاجتماعية تماماً كما فعل في كتابه حول فن الرسم، ولكن أيضاً كما فعل بالنسبة إلى الفنون الأخرى التي لم يتردد دون الخوض فيها وإنتاجه في مجال كل منها أعمالاً “تطبيقية” ستخلد من بعده. ولعل المثال الأكثر إثارة للدهشة في مجال التلازم بين ما يتعلق بالتنظير والتطبيق، يتجلى في الأدب وتحديداً من خلال كتابه الذي يبدو في نهاية الأمر روائياً، “تاريخ ليونارا وإيبوليتو” الذي يعتبر نوعاً من التدوين للسيرة المزدوجة لتينك العائلتين المتنافستين في ذلك الزمن وهي السيرة التي ستصل إلى شاعر الإنجليز الأكبر وليام شكسبير ليبني عليها وعلى ما وصل إليه منها، مسرحيته الكبرى “روميو وجولييت”، التي انطلقت من ذلك التنافس بين العائلتين ومما كان له من أثر في العاشقين الشهيدين، اللذين خلدهما الإبداع الشكسبيري في ما نسيت “مساهمة” ألبرتي في هذا المجال.

غلاف طبعة مبكرة من “في العمران” (أمازون)​​​​​​​

 

فن أن تكون رائداً

المهم هنا هو أن الزمن الراهن بدأ يشتغل من جديد على استعادة ذكرى ألبرتي في مجالات كانت شبه غائبة وذلك على خطى استعادة ذلك المبدع الاستثنائي مكانته في مجالي التأريخ للرسم وللعمران اللذين باتت ذكراه مرتبطة بهما، لا سيما العمران الذي نجده، وتحديداً في كتاب ضخم بعنوان “النظرية العمرانية” أصدرته منشورات “طاخن” الألمانية في عدة لغات في الوقت نفسه يفتتح فصول الكتاب التي تؤرخ لشتى التيارات العمرانية منذ بدايات النهضة الإيطالية وحتى نهايات القرن الـ20. ففي ذلك الكتاب الذي يعتبر اليوم “كتاب العمران المقدس” يفتتح عرض كتاب ألبرتي استعراض النظريات العمرانية التي يعرفها العالم منذ القرن الـ15، ليعتبر هذا المنظر من ثم مفتتح عمران الزمن الإنساني، من دون أن يحط من شأن ما سبقه من كتب ودراسات نظرت لشؤون هذا الفن منذ الإغريق وما سبقهم. ففي السياق تعاطى الكتاب الجامع الجديد مع العمران تعاطي ألبرتي معه: فاليوم، أي عند بدايات زمن الإنسان الذي أطلقته النهضة الإيطالية بات العمران شأناً إنسانياً تأتي منجزاته وتطبيقاته لتخدم الإنسان وحياته الاجتماعية بأكثر مما تخدم غاية أخرى. غير أن هذا لم يمنع ألبرتي، وهذه المرة في موسوعته “في الرسم” التي سيسير فازاري على نهجها، من أن يعتبر كتابه هذا نوعاً من التأريخ لجانب من جوانب الحياة المسيحية معنونا إياه في عنوان ثانوي “في التأريخ لأوروبا المسيحية” حتى وإن كان في حقيقته وبحسب مقدمة ألبرتي نفسه له، في نوع من التحديد وطوال قرون من الزمن تالية لصدوره عام 1436 “أول تاريخ حقيقي للفن يحدد مكانة الفنون التشكيلية في المجتمع من خلال التأريخ للرسامين والنحاتين وتصور التراتبية في ما بينهم” تصوراً لا شك أن فازاري قد اعتمد عليه بصورة جدية في تصميمه لكتابه الشهير الذي، حتى وإن كان يفرد صفحات عديدة لسيرة ألبيرتي ولكن خصوصاً في مجال التركيز على الفنون العمرانية، لا ينكر مكانته في الرسم وإن كان لا يتوخى الدقة في الكلام عما استفاده هو نفسه بصورة عملية من نصوص سلفه الكبير!

تفسير تقني

ومع ذلك يعترف فازاري بكون ألبرتي وضع في المجالين الفنيين اللذين يهمانه هنا، بل خصوصاً في التنظير للفنون العمرانية بصورة خاصة، أول تاريخ صدر في الإيطالية للنظرية العمرانية وفي الأقل، “منذ المتن الما – قبل – تأسيسي الذي وضعه سلفهما معاً، فيرتوفي”. ولعل ما يمكن أن نختتم به هذا الحديث عن ألبرتي أن الناشر الفرنسي “لوسوي” الذي أقدم عند مفتتح القرن الـ21 على نشر ترجمتين جديدتين للكتابين، كان مصيباً حين ألحق بالكتاب الثاني المخصص للفنون الجميلة، كتاباً آخر هو أيضاً من إبداعات ألبرتي ويحمل عنواناً يشير إلى بعده التقني “عناصر الرسم” هو كتاب لم يكن قد نشر مرة أخرى على أي حال منذ صدر للمرة الأولى… في عام 1533 واعتقد كثر منذ ذلك الحين أنه ليس سوى فصل من “في الرسم” ليكشف إصداره الجديد أنه كان نصاً مستقلاً تقنياً بحتاً أصدره مؤلفه كملحق تفسيري قد تبدو نصوص الكتاب الأصلي غامضة من دونه.

المزيد عن: عصر النهضة الإيطاليةليون باتيستا ألبيرتيكاتدرائية فلورنساوليام شكسبير

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00