من أعمال الفنان شوقي يوسف بأقلامهم مهى سلطان تكتب عن : أكبر معرض للفنّ التّجريدي في أروقة قصر بيت الدّين by admin 31 يوليو، 2023 written by admin 31 يوليو، 2023 247 إنهم يعيشون حوادث العصر لكأنهم يحملون حقائب الزمن وكوابيسه ورياحه التغييرية، التي يواجهونها بجدية أو عبثية وأحيانًا بالنزق والفرح والترهات، بين التقشف والامتلاء، ومرارًا بين الصمت والتأمّل والانشغال بالشكل والخطوط والمحتوى اللوني أو بالاندفاع نحو سطح اللوحة بوصفه أرضًا أو سَكَنًا أو جدارًا أو صفحة في كتاب العمر، بيروت- النهار العربي \ مهى سلطان ضمن احتفالات صيف 2023، تزينت الأروقة المقبّبة لقاعات العرض في قصر بيت الدين بأعمال الفنانين اللبنانيين، عبر المعرض التجريدي الضخم الذي أعدّه ونظّمه صالح بركات (يستمر حتى 5 آب/ أغسطس). ويأتي هذا المعرض كي يفتح المجال للنقاش أمام جمالياتٍ يطرحها عشرون فناناً وفنانة اختارهم بركات من نخبة الفنانين المعاصرين. هؤلاء الفنانين أضحوا اليوم روادًا محترفين بأساليبهم ورؤاهم وتوجهاتهم الفنية واختباراتهم التي زاولوها على مدى قرابة ثلاثة عقود من الممارسة والشغف والارتماء. وهو ما كرّس بالتالي حضورهم في مشهدية الفن اللبناني الشاب، الذي لا يمكن وصفه إلا بالجودة العالية والتميّز. بحث بركات من خلال تعاونه مع ندين بكداش على تخطي الأطر الخاصة لدائرة العرض الخاصة بهما، وعمل على تلوين المشهد التجريدي بأطياف قوس قزح، بأوسع قائمة من الأسماء كي يصل المعرض إلى أقصى تنوعه واحتمالاته في الإثارة والجذب والانتباه للقيمة الفنية. وهو أتاح بذلك التنقل بين التصادمات والتناغمات، مثل التنقل بين المقامات الموسيقية والتنقل ما بين القلب والفكر، لا سيما أن بركات استقطب فنانين آخرين من خارج دائرة العرض التابعة لهما، وكانت بكداش في آن واحد قد نقلت إلى جناح آخر من قصر بيت الدين ثمرات الفنانين الناشئين الذين سبق وتعرّف إليهم الجمهور في المعرض الذي نظمته لمناسبة مرور ثلاثين عامًا على تأسيس غاليري جانين ربيز. لم يختر صالح بركات الاتجاهات والأساليب الصاعدة في الفن التجريدي عن عبث، بقوله: “على الرغم من أنّنا قطعنا شوطًا كبيرًا بعيدًا من أزمنة الحداثة والحروب الطويلة الأمد، ما زلنا لم نتجاوز الكوارث التي مرّت بنا تمام التجاوز. ولاستعادة كلمات وليد صادق عن “زمن ما بعد الزمن”، يتجلّى التجريد حالةً يوظّفها الفنّان في علاقته مع الماضي والحاضر والمستقبل على ضوء الكوارث المفجعة التي توالت على لبنان”. بالطبع ليس كل التجريديين في لبنان مُمثلين، فثمة دومًا خيارات، وفي هذا السياق اعتبر بركات أن المعرض لا يدّعي الشمولية بل جاء نتيجة دراسة مطوّلة مبنية على مقابلات ومناقشات قام بها مع الفنانين المشاركين في السنتين الأخيرتين. غير أن المجموعة المختارة تفتح باب التساؤل حول جنوح العديد من الفنانين اللبنانيين نحو التجريد منذ نشوء الأزمة وارتباط التجريد كمدرسة فنية بمرحلة ما بعد الأزمات، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية. هذه المجموعة تمثّل عشرين فنانًا وفنانة هم: وليد صادق، شوقي يوسف، جوزف حرب، عفاف زريق، هنيبعل سروجي، غسان زرد أبو جودة، بسام قهوجي، أمل داغر، هبة كلش، هلا شقير، أدليتا أسطفان، ريبال ملاعب، مازن الرفاعي، هلا مزنّر، ليلى جبر جريديني، بسام جعيتاني، عايدة سلوم، آرا أزاد، ندى صحناوي، يوسف عون ومنصور الهبر. تجريد أقليّ للفنانة ندى صحناوي نجوم الفنّ التّجريدي ثمة أنوار وعوالم ملونة وحدائق، وبقع شموس وكُراتٌ زرق وحمر وأثوابٌ مثل سواد الليل تنبعث من أروقة قصر بيت الدين، تشد إليها أنظار زوار القصر، من السيّاح والمغتربين والذوّاقة، على مختلف مشاربهم. فالنجوم التي تسطع وتشع في ليالي القصر ليست نجوم الغناء والرقص والعزف والموسيقى فحسب، بل نجوم الفن البصري، الذين لم يطاردوا موضوعًا ولم يبحثوا عن ملامح أو هيئات أو أمكنة، ولا عن احتمالات أخرى خارج ذواتهم المعذّبة والحالمة، والصاخبة والمؤججة بالأفكار والتصوّرات والأحلام. إنهم يعيشون حوادث العصر لكأنهم يحملون حقائب الزمن وكوابيسه ورياحه التغييرية، التي يواجهونها بجدية أو عبثية وأحيانًا بالنزق والفرح والترهات، بين التقشف والامتلاء، ومرارًا بين الصمت والتأمّل والانشغال بالشكل والخطوط والمحتوى اللوني أو بالاندفاع نحو سطح اللوحة بوصفه أرضًا أو سَكَنًا أو جدارًا أو صفحة في كتاب العمر، ويملأونه بإيهاماتهم وظنونهم وألاعيبهم الخادعة، ويهيلون عليه طبقات وخامات وبوحًا دفينًا. منهم من يؤمن بالهندسة على أنها النظام الذي يؤسس بنية اللوحة وقوامها، ومنهم من يؤمن بالتجريد كخطاب للبصر أو كعمل تجهيزي في الفضاء الثلاثي البعد، أو كتعبير لوني وحركي متفلت من العواقب، ومنهم من ينحاز إلى التجريد الأقليّ (المينمال – آرت) الذي يختصر العالم بأقل الدلالات لمَ لا؟ ولكن بالتاكيد فإن أعمالهم ليست سوى مرايا لتعبيراتهم التي تتأرجح بين طموحاتهم وانكساراتهم التي جرفت فنّهم، ليس نحو القاع بل نحو الأوج. لوحتان من أعمال الفنانة هبة كلش أنواع وأساليب مروحة من كل الأنواع التجريدية والأساليب في التجارب اللبنانية الشابة المنتقاة في المعرض، تذكّر بتوجهات المدارس التجريدية وفلسفتها وجمالياتها التي ظهرت في الغرب ما بين ضفتي “ما بعد الحداثة” حتى المعاصرة. بالطبع فإن هذه التجارب لفنانين من مختلف الأعمار ليست على مستوى واحد من التكافؤ والعمق والخبرة، لكنها تستمد أهميتها من خصوصيتها الفنية، المتأتية من انشغالاتها الذاتية في استنباط حقولها وعواطفها الداخلية وأزماتها وضروراتها ودوافعها الفنية التي تعكس تداعيات الحرب في لبنان طوال 15 عاماً، وما تحمله ذاكرتهم الجريحة من عذابات وتصدّعات ومعاناة الهجرة والإقامة. تجهيز للفنان هنيبعل سروجي جيل الحرب يكفي الاطلاع على السِّير الذاتية للفنانين، كي نتعرف إلى خلفيات دوافعهم الفنية وما تحمله من ترسّبات وطبقات خوف وحرمان ونقمة داخلية. والواقع أن صالح بركات قد طرح جديًا العلاقة بين التجريد وجيل الحرب، كإشكالية تحتاج إلى البحث والتحليل والنقاش، فاعتبر أن ردود أفعال الفنانين تجاه الواقع، تختلف وتتباعد وتصل أحيانًا حدّ التصادم بضراوة، لكن نراهم جميعهم يجعلون من التجريد ملاذهم وردّهم على واقعهم المَعيش قوله: “يرى البعض أنّ اللوحات لا تمثّل مجرّد أشياء متخيّلة غير موجودة في مكان، بل على العكس، يرون في هذه الأعمال إدخالًا لأشياء جديدة إلى أرض الواقع، بمعنى أنّ مساحة اللوحة بحدّ ذاتها تصبح هذا الشيء الجديد. يرى البعض الآخر أنّ صفحة اللوحة إنّما هي ممزّقة، مفلّعة ومُخاطة الأطراف، في فضاء ينكر الخراب والدمار شرّ نكران، يأتي العمل الفنّيّ ليفضح الندوب التي يُراد إخفاؤها عن العيون. من الألوان الزاهية الحيّة الكثيفة الأصباغ، وصولًا إلى الصمت القاتل للسراب الزهريّ القاطع للأنفاس، تجسّد العمليّةُ التجريديّةِ على مساحةِ اللوحةِ رغبةً دفينةً تتفاوت بين فنّان وآخر، فهي إمّا رغبة في الهرب من الحاضر، وإمّا رغبة في استعادة صدماته، وإمّا الرغبة في تهشيمه. توحي هذه الأعمال بطريق مسدود، رمزيًّا أو فعليًّا، طريق لا بدّ من الاستكانة إليه أو التغلّب عليه، لا محالة”. المزيد عن : بيت الدين صالح بركات معرض 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حازم صاغية يكتب عن : لا مانديلّا لدينا ولا دوكليرك next post رضوان السيد يكتب عن : الدول «الأقوامية» في أَوج ازدهارها! You may also like عبد الرحمن الراشد يكتب عن: نهاية الحروب اللبنانية... 11 يناير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: سوريا بعد الأسد واستقبال... 10 يناير، 2025 ابراهيم شمس الدين يكتب عن: هوية الشيعة الحقيقية... 10 يناير، 2025 منير الربيع يكتب عن: “الوصاية” الدولية-العربية تفرض عون... 10 يناير، 2025 لماذا يسخر ترمب من كندا بفكرة دمجها كولاية... 9 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل مسلحو سوريا... 9 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لا يطمئن السوريّين إلّا…... 9 يناير، 2025 ديفيد شينكر يكتب عن: لبنان يسير نحو السيادة... 9 يناير، 2025 غسان شربل يكتب عن: إيران بين «طوفان» السنوار... 7 يناير، 2025 ساطع نورالدين يكتب عن: بيروت- دمشق: متى تُقرع... 5 يناير، 2025