مشهد من فيلم _دوغفيل_ للارس فون ترير (موقع الفيلم) ثقافة و فنون أفلام هوليوودية تمجد الانعزالية الأميركية “العائدة” by admin 13 أبريل، 2025 written by admin 13 أبريل، 2025 23 تستعيدها سياسات دونالد ترمب الاقتصادية التي زعزعت السياق العالمي السائد اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هي بالنسبة إلينا في هذا الموضوع الذي فرضته علينا الظروف الغريبة التي يمر بها العالم منذ أيام قليلة لتفوق في قوة تأثيرها أموراً قد تكون أكثر غرابة منها تمر بنا في الأقل منذ مطالع الألفية الثالثة. هي بالنسبة إلينا هنا، ثلاثة أفلام عرضت في وقت متقارب خلال العقد الأول من هذه الألفية لتضعنا مرة واحدة أمام نمط من الذهنيات الأميركية كان قد خيل إلينا أنه غاب في النسيان منذ زمن السيناتور ماكارثي ولجنته التي أحدثت شروخاً مرعبة في التطور الذي كانت الذهنيات الأميركية قد عرفته خلال القرن الـ20، لا سيما بعد حربين عالميتين خاضتهما الولايات المتحدة وأخرجتها مما كان يبدو عزلة لها عن العالم مرة تحت وصاية الرئيس وودرو ويلسون ومرة ثانية تحت رعاية الرئيس روزفلت وكان العنوان واحداً: أميركا جزء من العالم بل جزء أساس يجده سنداً له في الملمات والكوارث الكبرى. غير أن الأفلام الثلاثة التي نستعيدها هنا لمناسبة “العزلة الجديدة” التي تنبني اليوم على يدي ساكن البيت الأبيض لتلخص ما يدور في أذهان ناخبيه أي ما يقارب نصف الأميركيين مقابل نصف آخر يتساءل غاضباً ولكن بقدر مرعب من الصمت: إلى أين يقودنا الرئيس دونالد ترمب؟ ما بعد سبتمبر! الأفلام الثلاثة التي نتناولها هنا هي “دوغفيل” للدنماركي لارس فون ترير، و”السمكة الكبيرة” للمهمش الأميركي تيم بيرتون، وأخيراً وبخاصة “القرية” للأميركي من أصل هندي نايت شيامالان. مما يعني أننا أمام أفلام تكاد تكون هامشية لكنها بالتحديد تدور في الهامش وبتحديد أكثر في قرى هي في نهاية الأمر كناية عن أميركا نفسها. وأكثر من ذلك، في مجابهة مع تلك الانعزالية الأميركية العائدة، وفي الأقل منذ أحداث سبتمبر الإرهابية في نيويورك، التي أعادت “الغريب” و”الشر الذي يمثله” إلى الواجهة متمثلاً هذه المرة بالعربي والمسلم، بعدما ظل الغريب والشرير طوال محطات عديدة من القرن الـ20 يابانياً أو شيوعياً أو أي ممثل لتلك الأمم التي تثير رعب الأميركيين حتى وإن كانوا منشقين عن بلدانهم وأعراقهم ومعتقداتهم الأصلية. من مشاهد “القرية” لنايت شيامالان (موقع الفيلم) وطبعاً لا بد لنا من أن نشير هنا إلى أنه حتى ولو كان أي من هذه الأفلام التي نتحدث عنها هنا، لا يدنو مباشرة من أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 فإنها معاً، وتحديداً من خلال عنصر رئيس فيها، تطاول خلفية الأحداث سبتمبر إنما بالترابط مع تلك الذهنية الأميركية الانعزالية التي ترى الشر كل الشر في الغريب، والخير في الانغلاق على الذات، وغالباً حتى حدود مرضية. وهذا البعد تمثله في الأفلام الثلاثة معاً فكرة القرية، المعزولة جغرافياً غالباً، وبشكل طوعي إرادي في غالب الأحيان عن “العالم الخارجي”. قرى رمزية طبعاً لسنا هنا في صدد قرى، رمزية في نهاية الأمر، تتعرض لغزو من الخارج، يدفع السكان إلى التماسك في ما بينهم للتصدي له على الطريقة التبسيطية. لكننا في صدد ثلاث قرى يمثل كل منها نمطاً من أنماط الانعزالية الأميركية. ففي “دوغفيل” تقوم القرية هادئة وسط الجبال الصخرية سلسلة جبال روكي وكان يمكن لحياتها الوديعة القائمة على التوافق بين شتى الشرائح والأفراد، أن تظل هكذا إلى الأبد. ولكن يحدث ذات يوم أن تصل إلى القرية، غريبة حسناء تستجير بها من مطاردة عصابة دموية لها. في البداية تستقبل القرية الفتاة لكنها على الفور تبدأ بإظهار رغبتها في لفظها ما دام ثمة في وجودها ما يحدث تبديلاً ولو بسيطاً في النسيج الاجتماعي المتجانس. في اختصار تصل الأمور إلى حد استبعاد الفتاة التي هي لم تسبب أي أذى للقرية وتكمن جريمتها الوحيدة في كونها غريبة. وفي النهاية تسلم القرية الفتاة إلى العصابة لنكتشف أن زعيم العصابة هو والد الفتاة التي بعد تفكير طويل تقرر الانتقام من القرية… كل القرية. إن في وسعنا طبعاً أن نجد في هذا الفيلم أبعاداً ميتافيزيقية تتجاوز الكناية الأميركية لتجابه حكاية السيد المسيح مع البشر الذين أتى لافتدائهم فصلبوه. لكن هذا البعد، يمكن هنا في هذا تنحيته جانباً بعض الشيء للتوقف عند البعد الأميركي، والقرية المنغلقة الظالمة ومجابهة الغريب بكل لؤم وكراهية. الشاعر في وول ستريت في قرية “السمكة الكبيرة” لتيم بورتون، ليس ثمة أصلاً موقف سلبي واضح من الغريب، حتى وإن كان هذا الغريب يشكل رعباً للسكان حتى خارج تلك القرية المثالية التي أقيمت وسط الغابات، لتمثل النقاء الأميركي الصرف. ولكن هل هي نقية هذه القرية إلى هذا الحد؟ أبداً يقول لنا تيم بورتون… بل الأدهى من هذا أن هذه القرية، التي ترمز إلى أميركا ما، يمكننا العثور عليها في آداب أميركية تعود إلى القرنين الـ18 والـ19، ولدى واشنطن خاصة على سبيل المثال في “سليبي هالو”، من خلال منحرف شرير، لكنه يعرف كيف يخفي انحرافه وشره خلف قناع النقاء المزيف إلى درجة يبدو معها أصيلاً إلى درجة أن السكان يخلعون أحذيتهم قبل وطء أراضيها. وكما في “السمكة الكبيرة” سنكتشف أن شاعرها نفسه، الذي يمثل عادة صورة النقاء في مجتمع ما طالما أنه لم يقدم إلينا كشاعر متمرد بل كشاعر يمجد قريته وحياتها في صيغ وطنية أخاذة، هو في الوقت نفسه لص كبير يسرق المصارف ليتحول بعد ذلك إلى رجل أعمال كبير يضارب في وول ستريت. وهذا التحول ليس صدفة هنا، وكذلك ليس صدفة أن نجد كيف أن حسناء القرية الناعمة الهادئة تجسدها في الفيلم هيلين يوهان كارتر، التي تلعب في الفيلم نفسه دور الساحرة الشريرة. قرية وسط غابات مرعبة فماذا مقابل هذين الفيلمين هناك فيلم شيامالان الذي يحمل تحديداً اسم “القرية”؟ إنها الوجه الثالث لصورة أميركا. والوجه الذي بات، في رأي المخرج، جديراً بأن يصور بتركيز، بعد التغيرات التي راحت تطرأ على الذهنية الأميركية إثر حدث أيلول. ومن هنا تبدو الكناية الأميركية في “القرية” أكثر وضوحاً، حتى وإن كان مسار الفيلم يؤخر ظهورها حتى اللحظات الأخيرة. ومسار الفيلم هذا يتحدث هنا عن مجموعة من الناس تعيش معزولة عن العالم الخارجي الذي تفصلها عنه غابات مرعبة سنفهم أن سكانها وحوش يستفزهم اللون الأحمر، جرى بينهم وبين أعيان القرية اتفاق ضمني على حسن الجوار، شرط ألا يخرق أحد هذا الاتفاق. والخرق هو أولاً وقبل أي شيء آخر يقوم في دخول الغابات. بوستر فيلم “السمكة الكبيرة” لتيم بيرتون (موقع الفيلم) طبعاً لاحقاً في الفيلم ستضطر حسناء عمياء إلى عبور الغابات، بعد ابتداء حمى الصراع ودخول الشر لدى أول خرق جزئي للاتفاق، وسنكتشف الحقيقة المروعة وهي أننا لسنا في القرون الوسطى، بل في القرن الـ20، وأن أعيان القرية، الذين ترعبهم المدينة هم الذين اخترعوا الحكاية من ألفها إلى يائها، من أجل إبقاء قريتهم في منأى من العصر ومن الأغراب ومن الحداثة، بعدما تعرضوا قبل ذلك لمساوئ المدنية الحديثة. نفاق جماعي مرة أخرى إذاً، ها نحن أمام ذهنية الانعزال الأميركية… وها هي السينما تكشف أبعاد هذه الذهنية، في إدانة واضحة لا لبس فيها ولا غموض. واللافت، في الحالات الثلاث، أن السينمائيين الذين يستخدمون أفلامهم لممارسة تلك الإدانة، هم مخرجون هامشيون ومن الخارج كما أشرنا، بشكل أو بآخر. ولكن هل يمكن حقاً لمن هو في الداخل أن يكتشف الحقيقة؟ أبداً وفق ما تقول لنا الأفلام الثلاثة معاً. فنفاق أهل “دوغفيل” ووعي الفتاة لا يتحرك إلا بتدخل رئيس العصابة الآتي من الخارج. ونفاق وضلال “سبكتر” تيم بورتون لا يتكشف إلا أمام الزائر إدوارد بلوم… أما حقيقة “القرية” لدى شيامالان، فلن تدرك إلا بفعل اكتشاف الهامشي مجنون القرية لها من ناحية، وإلا بعد وصول الحسناء العمياء إلى الخارج من ناحية ثانية. وفي يقيننا أن هذه الحقائق تكاد بدورها تقول لنا كثيراً عن أميركا، بل أكثر من عشرات الدراسات ومئات الخطب والشعارات. وربما في السياق نفسه، بقدر ما يمكن أن تقوله اليوم تلك الصور الاستعراضية، وإلى حد لا يطاق كما يقول بعض الإعلام الأميركي الأكثر وعياً، التي يرتبها الرئيس ترمب بنفسه وهو يهندس فيها حركاته وسكناته وصولاً إلى المشهد المعتاد الذي يصوره وهو يوقع على تلك المراسيم توقيعاً إذا كان يشبه شيئاً فإنه يشبه صورة تلك الشيكات الضخمة التي تصور بمبالغة مضحكة عادة، المبالغ التي يفوز بها هواة مدجنون في مسابقات تلفزيونية. المزيد عن: أميركاالولايات المتحدةدونالد ترمبالانعزاليةأفلامالسينما 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ما الذي يفتح شهية المنصات لدراما المراهقين؟ next post فيلم هادي زكاك يشهد على ماضي “سينمات” طرابلس You may also like خوليو سانتانا على طريق إيخمان أوفر حظا وأهدأ... 15 أبريل، 2025 ماريو فارغاس يوسا… حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني 15 أبريل، 2025 فارغاس يوسا يسدل الستار على الجيل الذهبي لكُتَّاب... 15 أبريل، 2025 “غيبة مي” لنجوى بركات: الغائبة الحاضرة في كل... 14 أبريل، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: رثاء البشر في شيخوختهم... 14 أبريل، 2025 أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو... 14 أبريل، 2025 هاروكي موراكامي والرواية بوصفها مهنة 14 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: 50 عاما على الحرب... 13 أبريل، 2025 فيلم هادي زكاك يشهد على ماضي “سينمات” طرابلس 13 أبريل، 2025 ما الذي يفتح شهية المنصات لدراما المراهقين؟ 13 أبريل، 2025