السبت, أبريل 12, 2025
السبت, أبريل 12, 2025
Home » “أطفال الإمبراطور” تعري الوسط الثقافي الأميركي

“أطفال الإمبراطور” تعري الوسط الثقافي الأميركي

by admin

 

الروائية الجزئرية الاميركية كلير مسعود  تكشف خيبة ما بعد الحداثة

اندبندنت عربية / لنا عبد الرحمن

تدور أحداث رواية “أطفال الإمبراطور”في الأشهر التي سبقت هجمات الـ11 من سبتمبر، وتتابع حياة ثلاثة أصدقاء في الثلاثينيات من العمر كانوا زملاء دراسة، مارينا ثوايت ودانييل مينكوف وجوليوس كلارك. كل منهم يسعى إلى إيجاد المعنى الحقيقي لحياته، وتحقيق ذاته في عالم يبدو أنه يقدر المظاهر أكثر من الجوهر. في أسلوب سردي مباشر، ولغة سلسة، تنسج مسعود بين السخرية الاجتماعية والثقافية، وبين التأمل العاطفي في جيل تائه بين الطموح والبحث عن ذاته الحقيقية.

حدود الوعي

رواية “اطفال الأمبراطور” (أمازون)​​​​​​​

 

كل شخصية من الشخصيات الثلاث تعبر عن نموذج ثقافي واجتماعي يحمل معاناته الداخلية، الكامنة عميقاً: مارينا هي ابنة ناقد أدبي بارز هو موراي ثوايت، لديها طموح إبداعي غير متحقق، جوليوس ناقد أدبي حر يتمتع بذوق رفيع، لكنه يعاني مهنياً، فهو رجل مثلي، من خلفية اجتماعية غير ثرية، يعيش على هامش المشهد الثقافي، على رغم ثقافته الواسعة وحساسيته الفنية، فإنه يواجه صراعاً دائماً من أجل القبول به في عالم نيويورك الثقافي والنخبوي، إلى جانب فشله في علاقاته العاطفية. يحتقر الاستهلاكية السطحية، لكنه يتورط فيها أحياناً بدافع الحاجة، يدين طبقة الأثرياء، لكنه يحسدهم ويرغب أن يقبلوه بينهم. هذا الصراع بين الاحتقار والانجذاب يجعل شخصيته مليئة بالمرارة والتهكم، وأحياناً السخرية اللاذعة من كل ما حوله.

دانييل، تعمل في التلفزيون تبحث عن ذاتها، وهي تراقب المحيطين بها بدقة، تبدو هادئة وعادية، لكنها في الحقيقة شديدة العمق والتمزق من الداخل. تمثل دانييل شريحة مهمة من أبناء الجيل الجديد الذي تتناوله الرواية، من صنع نفسه بنفسه، لكنه ضائع بين الكفاءة والفراغ، وبين النزاهة والرغبة. على رغم أن دانييل ناجحة مهنياً إلى حد ما، لكنها تشعر بأنها على هامش المشهد الإعلامي والثقافي. ليست لها عائلة قوية تحميها مثل مارينا، ولا لديها مجتمع داعم مثل جوليوس. كما أنها لا تمارس سلوكيات انتهازية، بما يكفي لأن تتقدم خطواتها بثبات في عالم الإعلام. تقضي معظم وقتها في العمل، وتعيش في شقة صغيرة، وتحاط بأصدقاء يعيشون رفاهية فكرية وعاطفية لا تملكها. تظهر دانييل قدرة على تحليل سلوك من حولها، تفهم زيف مارينا، وتعقيد جوليوس، وانتهازية موراي، لكنها عاجزة عن فعل أي شيء. هذا يجعلها نموذجاً واقعياً لنوع من الأذكياء الهادئين، الذين لا يستطيعون تغيير مصائرهم. لنقرأ: “صعب على دانييل أحياناً ألا تحسد مارينا، على رغم نقائص مارينا، على رغم حقيقة كون دانييل مثلاً تبقى مقتنعة سراً بأن مارينا لم تحمل قدر ما تحمله هي من ذكاء، علمت دانييل أن حسدها ينبع من شخصيتها الأكثر سطحية، لم تكن لتتبادل الأماكن مع صديقتها في مقابل أي شيء، أن تكون في الـ30، وغارقة من دون إنجاز”.

الروائية كلير مسعود (صفحة الكاتبة – فيسبوك)

 

ما يجمع بين هذه الشخصيات الثلاث، إلى جانب الصداقة، هو شعور عميق بعدم التحقق، تكشف الرواية، بسخرية رفيعة، عن وجود طموح خفي للحفاظ على صورة معينة، من أجل السعي إلى إرضاء الآخرين، مما يؤدي إلى تلاشي الشغف الحقيقي للأبطال.

زيف الظل العالي

تبدو شخصية مارينا ثوايت، من أكثر الشخصيات حيرة وتأزماً، هي تعيش في منزل والديها، وتتلقى الإعجاب والاهتمام فقط بسبب اسم والدها الناقد الشهير، الذي لا يجرؤ على مصارحتها بأنها غير موهوبة في الكتابة. مارينا في الـ30 من عمرها، بلا وظيفة فعلية، وبلا استقلال حقيقي. تبدو مجرد ظل لوالدها، لقد تربت في بيئة تحتفي بالفكر والحوار والنخبوية، مما وضعها تلقائياً في خانة “الشخص المميز”. لكنها، في عمقها، تشعر بالفراغ والشك في الذات، لأنها لم تصنع هويتها الخاصة. تعاني مارينا هشاشة عاطفية واضحة، تظهر في ارتباطها عاطفياً بعلاقة مع صديق والدها. هي تعرف، في قرارة نفسها، أنها لا تنتج شيئاً، لكنها لا تملك الشجاعة لمواجهة هذا الواقع، وتكتفي بالوجود في دائرة ناعمة من الإعجاب الاجتماعي الزائف.

في المقابل، تحضر شخصية بوتي تاب، ابن عمتها ليمثل النقيض لها، حين يأتي ليعيش معهم، يحتضنه والدها، ويجد فيه ضالته، خصوصاً وهو يظهر انبهاره بخاله موراي. لم ينشأ بوتي في نيويورك ولا في وسط ثقافي نخبوي. يدخل هذا العالم بعينين شغوفتين ومثالية مفرطة، يعتقد أن الحقيقة هي المعيار الوحيد، وأن الكبار يعيشون بالمبادئ نفسها التي يتحدثون عنها.

لكنه سرعان ما يكتشف أن الوسط الثقافي في نيويورك مليء بالتناقض، وأن خاله الذي كان يراه قدوة يعيش حياة مزدوجة، تملؤها العلاقات الخفية والمجاملات والانتهازية الفكرية. يبدو في الظاهر أنه مفكر رصين، مدافع عن القيم، لكنه في العمق، شخص انتهازي، مهووس بالظهور، ومتورط في علاقات غير أخلاقية.

عندما يدرك بوتي أن النخبة الثقافية التي حلم بالانتماء إليها ليست كما ظن، يبدأ في التمرد، عبر القيام بفعل صامت وخطر، كتابة مقالة فاضحة عن موراي يكشف فيها عن زيف صورته. هذا الفعل، على رغم أنه مدفوع بنوايا أخلاقية من وجهة نظره، يكشف عن تطور الشخصية من براءة الطالب الحالم إلى شخص غاضب محبط، وربما متطرف في سعيه نحو العدالة. بوتي ضحى بكل الرفاهية التي قدمها له خاله، رفض المسايرة والمشاركة في حفلة النفاق الاجتماعي. لكنه أيضاً شخصية مأسوية، لأن عالماً مثل عالم النخبة لن يرحمه حين يقول الحقيقة، خصوصاً إذا كان قادماً من خارج أسواره، بوتي يضع القارئ أمام سؤال مهم: هل “الحقيقة الكاملة” دائماً خيار أخلاقي؟ أم أن الصمت أحياناً أكثر حكمة؟ ثم يعترف بوتي أنه: “كان ليعطي كثير ليعود لحالة الجهل الهانئ في ما يخص موراي”.

سبتمبر وخيبة أمل وجودية

يشكل ظل أحداث الـ11 من سبتمبر خلفية مؤثرة في الرواية، فبينما لا تقع الهجمات إلا قرب نهاية العمل، فإن شعور القلق والارتباك، الذي يخيم على السرد، يشي بحدوث أمر جلل. تمثل الكارثة لحظة تحول، ليس فقط في التاريخ الأميركي، بل في حياة الشخصيات نفسها. تسقط الأقنعة، وتتفكك العلاقات، ويعاد تشكيل العالم، داخل الرواية وخارجها، على أسس جديدة.

تستخدم كلير مسعود هذا الحدث الدامي، كمرآة عاكسة للانهيارات الداخلية التي تمر بها شخصياتها، إنها لحظة فاصلة تكشف عن مدى هشاشة الهوية، ومدى ارتباط السرد الشخصي بالمناخ العام المحيط. فتكون الرواية، في هذا السياق، تأملاً هادئاً وعميقاً في هشاشة الوجود الفكري والثقافي للأبطال. لنقرأ: “تمنى أن يقول الحقيقة هنا، لكن لم يرغب بها أحد. مع هذه الدراما الملعوبة، لاحظ موراي أن الوحش الجديد الذي صار عليه جوليوس أدار ظهره وسار بين القبور، يداه معلقتان إلى ظهره، ينحني لقراءة الشواهد ثم يسير بهدوء، كان كسائح يزور الموت”.

لعل كلمة الإمبراطور، في العنوان لا تشير إلى شخصية محددة داخل الرواية، بل تبدو مجازاً عن السلطة الثقافية، والامتياز الطبقي، والنخبة الفكرية التي تنتمي إليها الشخصيات الثلاث الرئيسة. إنهم أبناء الإمبراطور، بمعنى أنهم نشأوا في ظل منظومة تمنحهم أفضل الفرص والتعليم والتقدير الاجتماعي، وكأنهم ورثة عرش غير معلن، هو عرش الثقافة، لكن في الوقت عينه، يوجد في سياق السرد تلميح ساخر، لحكاية “الإمبراطور العاري”، التي تدور حول خداع النفس والتظاهر. وفي هذا السياق، أطفال الإمبراطور هم أيضاً جيل من النخبة يعيش في وهم التفوق، لكنهم يعانون فراغاً داخلياً وفقداناً للمعنى.

لا تسعى الرواية إلى تبرير سلوك شخصياتها أو إدانتهم، بل تقدمهم بصورة مجردة. تكشف عن ادعاءاتهم ونفاقهم، كما تمنحهم أيضاً لحظات من النقاء والضعف الإنساني. عبر هذا التوازن ومن خلال حوارات تنتشر على مدار السرد، تتحول الرواية إلى نقد اجتماعي بالغ الذكاء للطبقة المثقفة، لوسائل الإعلام، وللفكرة المهووسة عن النجاح الاستثنائي.

اختارت كلير مسعود أن تختم روايتها بنبرة تجمع بين الحزن والتأمل، إذ تنقلب حياة الشخصيات فجأة في ظل الأحداث الكارثية التي تغير وجه نيويورك إلى الأبد. في النهاية، لا أحد يعود كما كان: تتساقط الأقنعة، وتتكشف هشاشة كل الشخصيات أمام الواقع الكبير الذي لا يرحم. مارينا، دانييل، جوليوس، بوتي، يجدون أنفسهم مضطرين لمواجهة مرآة الذات بلا زينة، بلا ادعاء. العالم من حولهم تغير، لكن التغيير الأهم كان داخلهم: إدراك عميق بأن الحياة لا تنتظر اكتمال مشروع ولا نضج حلم، بل تمضي كما تشاء.

رواية ” أطفال الإمبراطور” صدرت عن دار روايات، وقامت بترجمتها من الإنجليزية سلمى وعمرو، وهي كاتبة ومترجمة مغربية، لها مساهمات عدة في الترجمة، والقصة القصيرة، واحتلت المرتبة الثانية في مسابقة القصة القصيرة في جائزة ملتقى الخنيفرة.

الجدير بالذكر أن الكاتبة كلير مسعود، صدر لها منذ أشهر عدة رواية “هذا التاريخ الغريب والمليء بالأحداث”، المستوحاة جزئياً من حكايات قديمة في تاريخ عائلتها الجزائرية. تتناول في هذا العمل حكاية عائلة “كاسار”، على امتداد سبعة عقود، من عام 1940 حتى 2010.

تتقاذف هذه العائلة تحولات كبرى، وتتفرق في خضم فوضى الحرب العالمية الثانية، ثم تهرب من وطن استعماري يضج بالتعقيدات، كي تجد نفسها بعد استقلال الجزائر بلا وطن على الإطلاق.

المزيد عن: روايةالمجتمع الأميركيكاتبة جزائريةاللغة الأنكليزيةما بعد الحداثةالمثقفونالوسط الثقافي

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili