ثقافة و فنونعربي “أشجان الفتى فيرتر” أنهار من الدموع ومنتحرون كثر من أجل رواية by admin 18 أغسطس، 2022 written by admin 18 أغسطس، 2022 14 رسائل تصف الحب المستحيل ولا تجد غير الموت علاجاً للعواطف الصادقة اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب هو أمر يصعب اليوم بالتأكيد تصوره: واحد من أكثر المفكرين عقلانية في التاريخ الأوروبي ومن أكثر الباحثين والعلماء جدية، تمكن ذات يوم وبفضل رواية مبكرة كتبها، أن يجعل الدموع تنهمر مدراراً من عيون عشرات ألوف… الشبان، كما تسبب بالكتاب نفسه في أن يدفع عدداً منهم إلى الانتحار. صدقوا أو لا تصدقوا!. حدث هذا عند نهايات القرن الثامن عشر. والمفكر المعني هو يوهان وولفغانغ غوته الذي سيعرفه العالم كمبدع مسرحية “فاوست” وسيعرفه القراء العرب في القرن العشرين بوصفه صاحب “الديوان الشرقي الغربي” وواحداً من كبار الكتاب الأوروبيين الذين عرفوا كيف ينصفون الإسلام والمسلمين في كتاباتهم وأبحاثهم. أجل غوته كان مؤلف رواية “أشجان الفتى فرتر” التي كانت ولا تزال تعتبر قمة في الأدب الروائي العاطفي وقمة في النزعة الرومانطيقية التي عبرت عن ذلك الأدب. ونعرف أن فعل تلك الرواية كان من القوة إلى درجة أن الباحثين والنقاد ومؤرخي الأدب نحتوا انطلاقاً منها مصطلح “الفيرترية” للتعبير عن الحب الشغوف وألام الغرام والتضحية بالذات في سبيل المحبوبة وما إلى ذلك. وطبعاً لا يمكن التعلل هنا بأن غوته كان حين كتب روايته شاباً في مقتبل العمر فهو لم ينكرها لاحقاً بل كتب حتى من وحيها نصوصاً أخرى “تستكملها بشكل أو بآخر” في سنوات متأخرة من حياته ومنها “لوت في فايمار”، ولوت هذه هي بالطبع شارلوت حبيبة فيرتر التي من أجل حبه لها كانت كل تلك الدموع واقتُرفت كل تلك الانتحارات! حتى انتحار مارلين مهما يكن فإن كثراً من العلماء سوف ينكبون على دراسة الظاهرة التي سيطلق عليها عالم الاجتماع الأميركي دافيد فيليبس في العام 1974 اسم “أثر فيرتر”، لمناسبة المئوية السنوية الثانية لصدور الرواية محللاً من خلالها ظاهرة الانتحار واصلاً إلى الحديث عن انتحار مارلين مونرو باعتبارها أقرب الظواهر المعاصرة المعبرة عن “أثر فيرتر”. لكن الحقيقة أن غوته الذي كان حين كتب روايته هذه في الخامسة والعشرين من عمره، وعلى شكل رسائل، إنما كان يعبر عن غرام خاص به لم يقده طبعاً إلى الانتحار ما يفرق بينه وبين بطل الرواية. فالحال أن غوته سيتجه بعد أن يفرغ “همومه وأحزانه” في الرواية، إلى دراساته العلمية من دون أن ينسى لحظة ذلك الغرام الذي سيرافقه طوال حياته لأكثر من 50 عاماً تالية، هو الذي حين نشر الرواية للمرة الأولى في العام 1774 نشرها من دون توقيع ليعود وينقحها مراراً في طبعات لاحقة. والطريف أن الطبعة الأولى الغفلة – أي من دون اسم الكاتب – من الرواية قد اعتبرت من إرهاصات الرومانطيقية الألمانية التي كانت تعبر عنها حركة “العاصفة والاندفاعة”، فإن أولى طبعاتها التالية المنقحة اعتبرت من تحف الكلاسيكية الألمانية الأدبية (كلاسيكية فايمار التي ارتبطت باسم غوته نفسه). مكاسب مالية ثم شهرة مدوية ولنتوقف هنا عند الطبعة التي تعود وقد نقحت وأضيف إليها، إلى العام 1787 وهي الطبعة التي انتشرت على نطاق واسع ولا تزال هي المعتمدة حتى اليوم علماً بأن غوته كان ومنذ الطبعة الأولى التي انتشرت على الفور بألوف النسخ، قد حقق منها مكاسب مالية هائلة، فأتت الطبعات التالية وقد كفت عن أن تكون غفلة، لتضفي عليه شهرة ما بعدها شهرة. وتتألف الطبعة “النهائية” من كتابين يضم كل منهما مجموعة من رسائل كتبها فيرتر قبل انتحاره حيث تبدأ المجموعة الأولى برسالة مؤرخة يوم 4 مايو (أيار) 1771، فيما أُرخت أولى رسائل المجموعة الثانية يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1771 لتؤرخ الأخيرة عند نهاية العام 1772، بمعنى أن مجموع تلك الرسائل يحكي لنا على لسان صاحب العلاقة حكاية حبه على مدى ينيف عن عام ونصف العام. أما موضوع حبه فهي الحسناء شارلوت التي يلتقيها ذات يوم، وكما يروي طبعاً في رسائله، خلال حفل راقص فيغرم بها على الفور ويقرر أن تكون امرأة حياته هو الذي يقدم نفسه لنا منذ البداية عاشقاً للطبيعة يغرم بكل ما هو جميل ويكاد يمضي وقته كله متجولاً بين البراري والوديان منكباً على تأملها ورسمها. أما الآن فإنه يريد أن يرسم شارلوت التي سيعرف أنها منذ رحيل أمها تهتم برعاية إخوتها وتكرس وقتها لهم، لكنه يعرف أيضاً أنها مخطوبة لشاب يدعى ألبيرت. لكن شارلوت تبدو له أقرب إليه منها لألبيرت لغرامها بالشعر والفن ونعومتها ودماثة خلقها. بيد أن فيرتر حين يلتقي ألبيرت يرى لديه من الميزات ما يجعله، وكما يقول لنا في آخر رسائل الكتاب الأول، جديراً بحب شارلوت له. لذلك يحاول فيرتر الهرب من حبه ويتوقف عن كتابة الرسائل. مشهد من حياة فيرتر (غيتي) فشل الغرام البديل ولكن ليس عن التفكير بشارلوت. فهي الآن تملك عليه كل عواطفه وأحاسيسه. لكن قراءة الفتى لملحمتي هوميروس تلهيه ولو سطحياً عن غرامه الذي لا يهدأ… إلا لفترة محدودة يعود بعدها إلى رسائله وإلى حكاية غرامه، ولكن هنا يعتقد صاحبنا أنه قد أُنقذ من ذلك الحب المستحيل وليس من طريق الفن والكتب، بل بفضل التقائه بامرأة أخرى بدا له أنها سوف تكون بديلة لشارلوت في فؤاده. لكنه حين يحاول أن يكرر لقاءاته بتلك “الحبيبة البديلة” يكتشف أن من المستحيل عليه أن يفعل بالنظر إلى أن الفرص المتاحة له لذلك تتعلق بعضويتها في ناد أرستقراطيّ يطرد منه حين يحاول ارتياده. فالنادي وقف على النبلاء، وفيرتر ليس من طبقة هؤلاء. وهكذا يشعر الآن بإهانة طبقية يكون من نتيجتها أنها تعيده إلى… ولهه المشبوب بشارلوت. لكن شارلوت تكون أثناء ذلك، قد اقترنت بألبيرت وبات من المستحيل على العاشق الموله أن يحلم حتى بأن تكون جزءاً من تفكيره فكيف أن تكون جزءاً من حياته!… وهكذا لا يعود أمامه سوى حل وحيد وهو أن يضع بنفسه نهاية لحياته بحسب ما نفهم من الرسالة التي ستكون آخر رسائله وخاتمة للكتاب ولحياة الفتى العاشق. من الرواية إلى الحياة ولئن كانت رواية غوته الأولى هذه قد استثارت كما ستكتب الأديبة الفرنسية جرمين دي ستايل، من الانتحارات “أكثر كثيراً مما استثارته أجمل نساء التاريخ” فإن ما يمكن قوله هنا هو أن “أشجان الفتى فيرتر” قد دفعت عشرات الكتاب الشبان من ألمان وغير ألمان إلى كتابة العديد من الروايات التي تحاول أن تسير على منوالها. والطريف أن المتحف الخاص بالرواية والقائم في مدينة فيتزلر التي يفترض أن غوته قد موضع أحداث روايته فيها، يعرض إلى جانب طبعات الرواية وترجماتها إلى شتى لغات العالم، نسخاً لروايات حاولت أن تقلدها وتعد بالعشرات. غير أن الأهم من هذا هو السجالات الحادة والعنيفة أحياناً التي دارت من حول “أشجان الفتى فيرتر” في حياة غوته وبعد رحيله وربما حتى اليوم كما رأينا في دراسة الأميركي دافيد فيليبس أعلاه، وتركزت في مرحلة أولى حول الصورة المثيرة للدهشة التي يرسم بها الكاتب شخصية بطله في تناقضها التام “مع الأعراف والقواعد الاجتماعية والخلقية البورجوازية”. وهو أمر يذكر المؤرخون أن سلطات مدينة لابتزغ حيث نشر الكتاب في المرة الأولى، حاولت حظر بيع نسخه باعتبار أن الانتحار أمر لا يجوز تناوله في الأدب إلا من موقع الإدانة. أما هنا فها هو الكاتب، ولم يكن قد عرف بعد أن الكاتب هو غوته، “يكاد يجعل من روايته دعوة فصيحة إلى الانتحار في سبيل الحب”. سجالات وحمّى وربما لا نكون في حاجة إلى أن نضيف هنا أن الرواية وأكثر منها، السجالات التي دارت من حولها، قد خلقت ما سمّي بـ”حمى فيرتر”. وهي حمى تجلت بخاصة في تماهي الفتيات مع شارلوت بحيث رحن يظهرن في السهرات الراقصة وكأنهن نسخة طبق الأصل من الفتاة التي يصفها حبيبها في رسائله، فيما راح الشبان يتماهون مع فيرتر نفسه إلى درجة انتشرت بها في حفلات الرقص “موضة” ارتداء الشبان ثياباً زرقاء وصفراء على لوني ثياب فيرتر التي كان يرتديها خلال الحفلة التي التقى فيها شارلوت للمرة الأولى! المزيد عن: يوهان وولفغانغ غوته\مسرحية فاوست\رواية أشجان الفتى فرتر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Local charity requests help fulfilling back to school supplies next post الرئيس السابق لـ”غوغل”: الذكاء الاصطناعي لا يقل خطرا عن الأسلحة النووية You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024