الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » أسطرة الفكرة في مجموعة «لا حرب في طروادة» لنوري الجراح

أسطرة الفكرة في مجموعة «لا حرب في طروادة» لنوري الجراح

by admin

القدس العربي /  علي لفته سعيد-كاتب عراقي

يضع الكثير من الأدباء عناوين مهمة يراد لها أن تكون دالا لدليل يبحث عنه المتلقي، عناوين ليس فقط أنها تحمل شعريتها أو موسيقاها الداخلية، أو معناها الدلالي، أو حتى مرتكزها الجامع لتأويلات النص، التي يزخر بها الكتاب، أو حتى لو كانت مجرد مزاج يستهوي الأديب في أن هذا العنوان سيكون مؤثرا، وأكثر قربا من المتلقي، أو أنه يحمل بين طياته معلومة تاريخية، أو حادثة واقعية، أو أي فكرة ما.

ومن هذا الاتجاه تبدو كل الأشياء متاحة للأديب، فهو صاحب البناء، وهو الذي يضع البوابة لمدينته النصية، حتى لو كان هذا العنوان في حاجة إلى مراجعة تاريخية لما يقصده في الاختيار من مثل عنوان المجموعة الشعرية للشاعر نوري الجراح «لا حرب في طروادة» التي تأتي بوابة كبيرة لها العديد من الأبواب الفرعية، التي على المتلقي الدخول من جميعها، ومن ثم الولوج إلى داخل المدينة الشعرية التي وزعها على أحياء النصوص وشوارعها وحدائقها .

هذا العنوان الرئيس وضع له في الصفحة التالية ما بعد صفحة الدار (منشورات المتوسط) وعنوانها وسنة النشر عنوانا فرعيا «كلمات هوميروس الأخيرة» وبالتالي على المتلقّي أن يتسلح بمعرفة طروادة وحربها، ومن ثم معرفة هوميروس، فالدخول من الباب يعني المعرفة الكاملة في التفاصيل.. خاصة أن طروادة ربما يكون اسمها محفورا في ذاكرة العديد من المثقفين، لكن قد تغيب التفاصيل الواقعية عنها، وبالتالي التسلح بالمعرفة يتوجب معرفة تلك الحرب التي اشتعلت، أو ما يطلق عليه حصار طروادة، ولماذا اجترح الجرّاح هذا العنوان أن لا حرب فيها.. فتلك تأويلات ومقاصد ومعان جديدة، يضعها الجراح بين دفتي مجموعته الشعرية.. فهل كان الجراح معنيا بالحداثة التاريخية والذهاب إلى الميثولوجية اليونانية، ونبش الأثر عن الحرب بين الطرواديين والإغريق؟ أم أنه كان معنيا بملحمتي الإلياذة والأوديسا، اللتين تعدان من أشهر الملاحم العالمية بعد ملحة جلجامش؟ أم كان معنيا بخدعة الحرب، وحصان طروادة الخشبي العملاق الذي صنعه الإغريق للدخول إلى قلاع طروادة، وما تلى ذلك من خدعة الحرب؟ ثم لماذا (كلمات هوميروس الأخيرة)؟ هذه الأسئلة لا بد أن يبدأ بها المتلقي لكي يتمكن من جمع حاصل تلقيه من بيدر الشعر.. فالشعر هنا ربما لا يكون يوميا، أو أنه زمن حاضر يربطه الجراح بما حصل قبل أكثر من 1200 عام على تلك المعركة، لكن المتلقي الذي يقرأ الشعر يقرأ التاريخ أيضا، فيكتشف أنه من ألّف الملحمتين وهو شاعر إغريقي.. وبغض النظر عن آراء الباحثين، فإن ما يعنينا هنا من هوميروس أنه كان شاعرا، وأنه مدون أيضا للنصوص الملحمية، فإن العلاقة بين الجرّاح وهوميروس، هي علاقة إنجاز نصوص شعرية، ترتبط بتلك العلامة الدالة على وجود الملحمة والحرب، فكل ملحمة تعني أنها معنية بالحرب والصراعات والفعل الثوري، فضلا عن الأساطير، ولهذا فإن العتبات الأولى للمجموعة هي مداخل أولية لمعرفة إدراكية، لما سيأتي، ومن ثم لما سيكون بالارتباط بما حصل، ولو كان أسطورة. فواقعها هو أسطورة بحد ذاتها، خاصة أن الجراح يعلن تاريخية كتابة النصوص/ القصائد، على أنها كتبت في لندن القريبة من أثينا بين أعوام 2017- 2019 لذا فإن الخيط الأول الذي يمسكه المتلقي أن الجراح غير معني بطروادة وشاعرها، وإن كان إغريقيا، بل هو معني بطروادة العالم الحديث، عالم الحروب والحصان، أو الأحصنة الحديدية العملاقة، بدلا من الخشبية، وأن الخداع تحول من بساطة المواد إلى تقنيات العقل والموت المجاني.

المفردة والتأويل العام

لا يطرح الجراح متنه الشعري على أساس اللعبة اللغوية فحسب، بل أيضا على أساس مقدار الإزاحة التي تطرحها الفكرة في عملية التدوين، لذا تأتي البنية الكتابية لديه معتمدة على مقدرة التِأويل في مستواه العالي، وكذلك القدرة على مزج المستوى الإخباري بالمستوى القصدي. ومن هنا يكون المحمول هو المستوى الفلسفي، الذي لابد أن يأتي عبر المستويات التحليلية لماهية المفردة. ولهذا نرى المتن الشعري لديه هو المراوحة بين السرد كنثر، والنثر كشعر، وهو هنا يسعى أيضا إلى تقسيم النص الواحد إلى عدة أقسام أيضا، حسب الفكرة، وبالتالي يلجأ إلى اللعبة التدوينية، التي لا تخرج عن انتهاج أسلوب التقطيع النصي الذي نراه في أغلب النصوص وأن عدد أسطر المقطع الواحد غير متساوي الأضلاع أو الكلمات، حسب ما تحمله الفكرة الشعرية من قدرة على المراوغة، التي يبدع فيها الجراح، في جعل النص يرتدي ثوب الدهشة، مثلما يرتدي عباءة الشعرية التي تغلّف الشعر. وهنا لا يعني حاجب النص، بقدر ما يعني أن المتلقي بإمكانه تعرية وتقشير النص عبر تجميع المقاطع في النص الواحد، التي تخلص المنتج من تبعية الاستمرارية المتوالية، في سكب الفكرة لمرة واحدة في قالب النص. الذي يكون لدى الجراح وكأنه يخلو من استهلال، وإنه لا يعتمد على تبشيرية العنوان، ولا يعطي نفسه بسهولة من مقطع شعري بمتن شعري يعتمد على مهارة اللغة، ولا يعتمد على تراكمية الحدث والفكرة، ولا يعتمد على تدوينية تصاعدية في مهام القصدية الشعرية، بل يعتمد على ما هي اللعبة في الوجه التصويري لها، والتبريري أيضا، الذي يذهب مباشرة إلى المستوى الفلسفي للفكرة، وهو ما يعطي مفعول العنصر الدرامي للمقاطع في مجموعها العام.

  • الشاعر لا يريد استقامة للفكرة لكي يفعل الأسلوب التصاعدي كإنتاج صوري، بقدر ما يعمل على تضادية المقاطع مع بعضها.

إن اللعبة التدوينية تعتمد على أربع حركات رئيسية
الحركة الأولى: إنه يعتمد على فكرة ساكنة في عمق الشعر
الحركة الثانية: إنه يعتمد على تدوين قابل للتوزيع على شكل مقاطع مترابطة هارمونيا
الحركة الثالثة: إنه يعتمد على ما ينتجه العنصر الدرامي في تفعيل المستوى التصويري
الحركة الرابعة: إنه يعتمد على مفردة قادرة على الإتيان بتلك الحلقات الترابطية القادرة على رسم مشهدية النص الشعري في تعدد المقاطع
إن أغلب النصوص، إن لم نقل جميعها، تعتمد على تفاعل المفردة مع تضادها، وبالتالي تفاعلها مع الفكرة، وهو ما ينتج أيضا نصا له مفعول الدهشة في تقبل التضادات، لكونها التي تنتج لنا النصّ الشعري بشاعريته، وليس بنظمه الشعري. فالنص الذي يخلو من الشاعرية يعد تنظيما لغويا لا يدرك ماهية الفكرة، ولا يتابع ما هي المفردة في اتساقها العام.. ولهذا نرى أن الفكرة المستقاة والمعلقة في رقبة العنوان الرئيس، والمزاحة عن كيانات مهمة في المزاح الحالي، المرتبط بأحداث البلاد التي يوضحها الشاعر في قصديته، سواء بما تكنى أو بما يمكن من تقريب القصد والتأويل. وهو بالتالي أي الشاعر يسعى إلى بناء الفاعل الشعري، بالابتعاد عن المباشرة الوصفية أو المبالغة في مفعول المفردة، بقدر اهتمامه بتوضيح العلاقة بين الماضي والحاضر، لأسطرة الفكرة في البنية الكتابية، ولهذا يمكن الحصول على نتائج الاستخدام للمستويات البنائية من خلال:
1 ـ أن الشاعر لا يلتفت إلى الاستهلال على أنه أول السلم، بل يدخل إلى اللعبة مباشرة. وسواء جاء بمستوى إخباري أو مستوى تصويري، فإن الأهم هو أنه سيبدأ بمستوى قصدي مباشر.
2 ـ الشاعر يريد ربط الماضويات بالحاضر، من خلال المستوى التحليلي الذي ينتج إزاحة لولادة المستوى الفلسفي، الذي يتوج من خلال حاصل جمع المقاطع الكلية وتنظيم آلياتها.
3 ـ الشاعر ينتبه إلى العنصر الدرامي والصراع الفكري في النص، وإنه يسعى إلى الابتعاد عن جلد الذات بطريقة السياسة، ولا ينتهج أسلوب النقد الانفعالي، بقدر ما ينتبه إلى لوحة المفردات لإنتاج متن شعري.
4 ـ الشاعر لا يريد استقامة للفكرة لكي يفعل الأسلوب التصاعدي كإنتاج صوري، بقدر ما يعمل على تضادية المقاطع مع بعضها.

الخاتمة وتبيان المستويات

لعبة التقطيع توازي لعبة الفكرة ذاتها، مثلما توازي لعبة التدوين أيضا في كيفية إخراج النص من جعبة الفكرة إلى مساحة التأويل. وهو الأمر الذي ينعكس جديا على عملية إخراج النصّ من بوابة النهاية. فعملية ترسيم حدود المشاهد في النص الواحد، ربما تكون هي عملية ترسم الخريطة الشعرية عند الجراح، في هذه المجموعة، التي تكون فيها عملية سكب النص في بوتقة الشعر، بعد أن قام بصهر اللغة التي يريدها، لكي يشكّل منها خاصيته الخاصة. ولهذا تكون خاتمة النصوص عبارة عن مستويين متجاورين مرة، أو متقاطعين مرّة أخرى، وربما متعاقبين مرّة ثالثة، وهما المستوى التأويلي والمستوى الفلسفي. وهي عملية ليست هيّنة على الإطلاق، كون النص الشعري يميل إلى خاتمة مراوغة لغويا أكثر منها مراوغة فلسفية أو تأويلية، فهنا اللعبة تحتاج إلى مقدرة وصناعة تجاوزت الموهبة إلى قدرة إنتاج نصّ لا يحمل الشاعرية التي تعيش في روح الشعر، بل الدهشة التي تنبثق من روح الشعر. وهنا كانت المعادلة في جسد النص الواحد ليكون بقوام رشيق، له أهداف معلنة كفكرة قائمة ولها قصدية شعرية كتدوين ماهر. وما بين الحالتين أنتجت لنا الخاتمة في النص مهمة اكتمال الارتباطات العلنية والسرية التي تبدأ من العنوان إلى المفردة الأخيرة كتفاصيل.

إن النهاية في النص تبدو مسؤولة عن:

ـ إظهار المستوى الفلسفي في غائية النص.
ـ إظهار المستوى التأويلي الذي يبغيه الشاعر من أجل قطاف الشعر والشاعرية معا.
ـ اكتمال جسد النص وتدويره ما بين البداية والنهاية في النص الواحد، كما في نص (أعمال المسوخ).
– تبيان مفعول اللغة ومراوغتها، كنوع من استنطاق المفردة والتلاعب بها، بهدف الوصول إلى عملية التسابق الشعرية كتدوين محكم.
ـ توضيح العلاقات العاطفية، من خلال رسم مستوى تصويري لمعاني المفردة بهدف توضيح الفكرة ومكانتها البنائية في النص.
ـ تبيان الصراع والفعل الدرامي الذي تحفل به الفكرة من انزياحات واقعية، لا تخلو من وجود الجانب السياسي، المرتبط بالانفعال من حيثيات المكان، بكل ما يحمله من ذاكرة ووجع.
ـ العمل على أسطرة الواقع والمقابلة مع الأسطورة، وما حمله العنوان الرئيس من ماهية الاستعانة في عملية المقارنة، بين واقعين كانا مشتركين في الحرب أو الصراع.
– المجموعة الشعرية زاخرة بما يمكّن من التواصل بين مادتين رئيستين، هما الفكرة والتدوين، حيث انتهج الشاعر بنية كتابية ماهرة، فيبدو فيها صانعا للقصـــيدة وزارعا للشعرية فيها.

المزيد عن : علي لفته سعيد/لا حرب في طروادة/نوري الجراح

 

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00