التساؤلات لا تنقطع بدءاً من السر وراء رسم لوحة دا فينشي (ويكيميديا) ثقافة و فنون أسرار دا فينشي في “العشاء الأخير” by admin 4 أغسطس، 2024 written by admin 4 أغسطس، 2024 121 ما هي لحظة الحواريين الخاطفة التي التقطها الرسام الإيطالي وخبأها في لوحته بعيداً من حشرية العوام؟ اندبندنت عربية بعيداً جداً من الجدل الذي ثار أخيراً على هامش حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس، وما إذا كان العرض قد تضمن مشاهد مشابهة لما قال البعض إنه محاكاة لا تليق بواحدة من أهم الصور قدسية في تاريخ المسيحية، لا لذاتها، بل لدلالاتها ورمزيتها، تبقى لوحة العشاء الأخير، أو العشاء السري، أكثر من مجرد لوحة فنية خلفها عصر النهضة عبر أحد كبار فنانيه ليوناردو دا فينشي. منذ خمسة قرون، أي منذ وقت رسمها، والتساؤلات لا تنقطع، بدءاً من السر وراء رسم هذه اللوحة، وحقيقة الأشخاص الظاهرين فيها، والحركات الرمزية للأجسام، عطفاً على الأشياء الكائنة فوق المائدة، ومعنى ومبنى كل قطعة فوقها، ناهيك بقصة الصور الماورائية التي لا تظهر بالعين المجردة، والتي ربما خبأها دا فينشي في ثنايا وحنايا اللوحة. ليوناردو سيربيرو دا فينشي لم يكن رساماً فحسب، بل مهندساً وميكانيكياً وعالم نبات وجيولوجياً وموسيقياً ونحاتاً ومعمارياً وطبيباً مهتماً بالتشريح (ويكيميديا) ولعل الذين لهم دالة على أعمال دا فينشي الفنية يدركون مقدار الصعوبة في فهم الرسائل الخفية التي تحملها لوحاته، مما فتح الباب واسعاً لحكايا مطولة عن هويته، وكذلك انتماءاته السرية، وما إذا كان واحداً من أعضاء الجماعات الماورائية التي انتشرت تاريخياً في أوروبا في القرون الوسطى. خذ إليك على سبيل المثال تلك الابتسامة المحيرة على شفتي “الموناليزا“، والتي ستظل غالباً مثار البحث والتساؤل، وما إذا كانت ابتسامة فرحة، أم ابتسامة حزن دفين يوارى ويدارى من خلال تعبيرات الوجه. تتعمق المفاجأة حين نعلم أن ليوناردو سيربيرو دا فينشي لم يكن رساماً فحسب، بل مهندساً وميكانيكياً وعالم نبات وجيولوجياً وموسيقياً ونحاتاً ومعمارياً وطبيباً مهتماً بالتشريح، وغالب الظن أنه ضمن لوحة العشاء الأخير كثير من أفكاره الظاهرة إلى جانب الخفية، والتي كان يخشى من أن يجاهر بها، حتى لا يقع في حبائل الصراع مع مواليه، ومن يسروا لها حياة رغيدة، ليبدع فناً يبقى لقرون طويلة مثار إعجاب البشر وخلافاتهم في الوقت عينه، ولهذا تصفه الموسوعات العالمية بأنه كان “إنساناً بمفرده”، وكأنه عاش في عزلة عن العالم الخارجي. العشاء الأخير… الحدث لا اللوحة ما الذي يعنيه مصطلح العشاء الأخير؟ باختصار مفيد، ومن دون الإغراق في المعاني اللاهوتية الدينية المسيحية، هو بالفعل آخر عشاء التقى فيه السيد المسيح حوارييه، وقد كان ذلك ليلة الخميس، عشية الجمعة التي سيصلب فيها، بحسب المفهوم المسيحي، أو يرفع فيها، بحسب الفقه الإسلامي، وقد التقى حوارييه في ذلك المكان الذي يعرف باسم “علية صهيون”، والذي يرجح أنه كان منزلاً يخص والدة واحد من تلاميذه، وهناك تم الإعداد ليحتفل معهم بعيد الفصح، بحسب المفهوم اليهودي، والذي كان يواكب تلك الليلة تاريخياً. في هذه الليلة تنبأ السيد المسيح بأن أحد تلاميذه سيسلمه لليهود “وفيما هم متكئون يأكلون، قال لهم الحق أقول لكم، إن واحداً منكم سيسلمني، وهو آكل معي”. الجدل ثأر حول ما قال البعض إنه محاكاة لا تليق بواحدة من أهم الصور قدسية في تاريخ المسيحية (مواقع التواصل) هذا العشاء يعد من أهم الأوقات في تاريخ المسيحية، إذ يعد المؤمنون أنها الليلة التي رسم فيها السيد المسيح سرين من أدق وأهم الأسرار في حياة المسيحية كافة: سر الكهنوت، إذ سلم تلاميذه العهد المقدس، وسر الإفخارستيا، أو القربان المقدس، الذي يعد الركن الرئيس في الحياة اليومية لأي مسيحي، وربما من هنا يمكننا أن ندرك لماذا شعر ملايين من المسيحيين حول العالم، بإهانة كبرى من جراء اللوحة الاستعراضية، التي قيل إنها تحاكي لوحة العشاء الأخير، واعتبروا الأمر بمثابة إهانة وسخرية كبريين من الإيمان والمعتقد المسيحي. لوحة دا فينشي التاريخ والحكايا قد يلزم الإشارة بداية إلى أنه توجد أكثر من لوحة لأكثر من فنان تحمل اسم العشاء الأخير Ultima cina، ذلك أن أهمية الحدث ومحوريته في الديانة المسيحية جعلت عديداً من الرسامين العالميين يهتمون في تقديم لوحات عنه، كل بحسب مفهومه ورؤيته، ومدى إيمانه من عدمه. ومن هؤلاء الرسام الألماني ألبرخت دورر (1471 – 1528) في القرن الـ15 ونيكولا بوسان (1594 – 1665) الملقب بـ”أبي الكلاسيكية الفرنسية” في القرن الـ17، وجيوفاني باستيستا تييبولو (1696 – 1770) في القرن الـ18، وسلفادور دالي (1934 – 1982)، عطفاً على عشرات الرسامين الآخرين الذين تركوا أعمالاً مستوحاة من العشاء الأخير، لكن على رغم كل تلك اللوحات تظل لوحة ليوناردو دا فينشي هي الأشهر، وربما هي الأخطر في الوقت عينه. لماذا؟ يعتقد كثر من الباحثين والدارسين المسيحيين، عبر أجيال متعاقبة، أن اللوحة لا تنتمي إلى المفاهيم المسيحية التقليدية التي رسمت اللوحة أساساً للتعبير عنها، ومرد الأمر هو أن دا فينشي كان ينتمي إلى عقيدة سرية مخالفة للعقيدة المسيحية الكاثوليكية التي كانت سائدة ومزدهرة في القرون الوسطى في أوروبا، ذات السلطة الدينية والمدنية في ذلك الوقت. الابتسامة المحيرة على شفتي “الموناليزا” (رويترز) تبدأ القصة من عام 1495 حين طلب عمدة مدينة ميلان الإيطالي لودفيكو سفورزا، ذلك المغرق في كاثوليكيته، من دا فينشي أن يرسم له صورة العشاء الأخير، تلك اللحظة الدراماتيكية التي قدرها المسيحيون عبر تاريخهم الطويل. لم يجد دا فينشي أفضل من جدار قاعة الطعام في دير سانتا مارتا في تلك المدينة، وهناك أنشأ لوحة عملاقة تبلغ ثمانية أمتار و83 سنتيمتراً عرضاً، و57 سنتيمتراً ارتفاعاً، ولهذا تكاد تنطق الصورة بلسان كل شخص فيها من الحواريين لدقة الملامح ووضوح الرؤية وجلاء التفاصيل. رسم دا فينشي لوحته على الجص الجاف، وقبل أن يباشر عمله أعطى الخلفية مادة بيضاء مشعة لتبدو الصورة أكثر بريقاً ولمعاناً، ولهذا يقول المؤرخون لتلك الفترة الزمنية إنها كادت تنطق على رغم الصمت الرهيب الذي يطبق على شخوصها، فقد اكتشفوا أنها اللحظات الأخيرة في حياة المعلم، والذي أظهره دا فينشي مغمض العينين، وكأنه يرى الخيانة قائمة وسط حوارييه، وتوزيعهم على المائدة يخبر بقرب البعض منهم بصورة خاصة، لا سيما الشخص الجالس عن يمينه، والذي جعله دا فينشي مثار شكوك لا تنتهي، وما إذا كان هو التلميذ القريب إلى قلبه يوحنا، أم مريم المجدلية تلك الشخصية الإشكالية منذ 2000 سنة. لم يكن دا فينشي كاثوليكياً ورعاً مثل مايكل أنجلو أو رفائيل سانزيو اللذين عرفا بارتباطهما الوثيق واللصيق بالبابوية طوال حياتهما، ولهذا تظل اللوحة قصة من الغموض لا الوضوح. وكانت دراسة دا فينشي لعلم التشريح ضمن عبقرياته المتعددة، مما جعله ناجحاً إلى أبعد حد ومد في تصوير ملامح الوجوه بقدرة نادرة في انفعالاتها الدقيقة. على أنه قبل الدخول في عمق أسرار لوحة دا فينشي عن العشاء الأخير، ربما يمكن لنا أن نتساءل “كيف استطاعت لوحة على جدار البقاء أكثر من 500 عام على رغم التغيرات البيئية والمناخية والحروب والكوارث الطبيعية، وهل يمكن للعلم الحديث أن يقدم لنا نسخة منها كما صورها دا فينشي على جدار الدير في ذلك الوقت؟ لنؤجل الجواب قليلاً ونستعرض ما قاله المؤرخون لدا فينشي عن عبقرية هذه اللوحة. دراما إنسانية في لوحة بشرية من أهم المؤرخين الذين تناولوا شأن هذه اللوحة بمزيد من التحليل الإنساني والفكري، وليس الفني فحسب، الكندي روس كينغ، ففي تصريحات له لموقع “بيزنس إنسايدر”، أشار إلى أن شغفه بدا فينشي دفعه إلى كتابة كتاب عنه عنوانه “ليوناردو والعشاء الأخير”. يقطع كينغ بأن دا فينشي ليس رساماً، ولو كان أحد أهم من عرفهم عصر النهضة، لكنه فنان عالم، متسلق للجبال، أديب بنكهة مفكر، جامع الصخور، باحث في أعماق النفس البشرية، وقد نجح نجاحاً باهراً في تقديم عمل حلم به ملايين المسيحيين منذ البدايات، عمل يكرس هذه اللحظات التي تحتاج إلى عالم نفس، بأكثر من ريشة فنان. من بين أحداث العشاء الأخير الذي استمر حكماً بضع ساعات، كانت هناك لحظة خاطفة، غير طبيعية، لم يعشها الحواريون طوال معرفتهم بالمسيح التي امتدت ثلاث سنوات، تلك التي صدمهم فيها بقوله “إن واحداً منكم يسلمني”. هنا بدا دا فينشي عبقري اللحظة، عبر تصويره ردود فعل الرسل لدى سماعهم هذه العبارة التي زلزلت أعماقهم. أنصف دا فينشي هذه اللحظة بريشته وعقله وقلبه على نحو لم يفعله أحد من قبله، فقد جمع شخصية التلاميذ الـ12 معاً على المستوى نفسه، وهي مهمة بالغة الصعوبة، وبطريقة تجعل كل شخصية مميزة من خلال الإيماءات والتعبيرات، ولكن لا شيء من هذا ينتقص من التأثير الإجمالي. بدت كل شخصية في لوحة دا فينشي فريدة من نوعها لا تنقصها حتى أصغر التفاصيل، وهو ما لم يسبقه فيه أحد، فقد خلق نوعاً من الدراما ضمن لوحة فنية بشخصيات تشبه الحياة، وتفاصيل دقيقة للغاية. خذ إليك على سبيل المثال أنه يقدم اليد اليمني للسيد المسيح في مشهد فني بالغ الروعة، إذ يمكن رؤية مفصلين من الإصبع الصغيرة، وكرة إصبعه الثالثة من خلال شفافية الكأس المقدسة، تلك التي ستدور من حولها الأساطير بعد 2000 عام من الحدث الكبير. لعب دا فينشي بعمق على أدق أسرار المسيحية، إذ فكرة الثالوث، ذلك أنه نظم صور لوحته في أربع مجموعات تضم كل منها ثلاثة أشخاص، عطفاً على النوافذ الثلاث الموجودة في الخلفية. وحال استعرضنا بقية شخصيات الحواريين سنجد أن دا فينشي قدم ربطاً هائلاً بين شخوص الحواريين وتفاصيل حياتهم كما وردت في كتاب العهد الجديد. الرسام الألماني ألبرخت دورر كانت له لوحة تحمل اسم العشاء الأخير (ويكيبيديا) على سبيل المثال يظهر دا في نشي يوحنا الذي يلقب بالحبيب، والذي كان قريباً جداً من المعلم، مستسلماً وعيناه مغلقتان، وكأنه كان على دراية بساعات الآلام الرهيبة المقبلة. أما توما الذي يعرف بالتوأم والمتميز بشكوكه فيظهره الرسام رافعاً إصبعه، وهو الإصبع نفسها التي سيضعها في مكان الجراحات لتنتهي شكوكه. أحد أهم الأشخاص الذين يظهرون في الصورة، يهوذا الخائن، ذاك الذي سيسلمه لرؤساء الكهنة اليهود، مقابل 30 من الفضة، هذا يبدو في لوحة العشاء الأخير، وهو حامل حقيبة في يده اليمنى، إضافة إلى ذلك تم تأكيد خيانته من خلال تصويره وهو يبتعد عن المسيح ويلقي بوجهه في لوحة رائعة من الضوء والظل. لقد برع دا فينشي في تقديم يهوذا بصورة غريبة ومبتكرة، ففي اللوحات التقليدية صور يهوذا على الجانب الآخر من الطاولة، منفصلاً عن بقية الرسل، المخلصين، لتأكيد خيانته، بدلاً من ذلك، وضعوا جميعاً للمرة الأولى في تاريخ الفن، إذ تعمل الطاولة، بالتالي، كفاصل بين العالم الأرضي (قاعة الطعام) والعالم السماوي (حيث يقيم يسوع المسيح)، وقد كان هذه هو عصر النهضة العالي في أفضل حالاته. هل حان الوقت للغوص في بعض من أعماق أسرار هذه اللوحة في حدود ما اكتشف حتى الساعة، ناهيك بالذي لم يكتشف بعد؟ غياب الهالات… المسيح كبشر عادي ألقت رواية الأميركي دان براون، والمعروفة باسم “شيفرة دا فينشي”، كثيراً جداً من الأجواء الأسطورية حول أحداث العشاء الأخير، وقد ركز كثيراً جداً على فكرة “الكأس المقدسة”، وما إذا كان مجرد كأس صب النبيذ فيه في تلك الليلة، بحسب المفهوم المسيحي، أم أنه كان شخص المجدلية، والذي تؤمن الجماعات السرية الأوروبية، والخارجة عن الفكر المسيحي التقليدي، بأنها كانت زوجة المسيح. لكن هناك في لوحة دا فينشي سراً أكثر أهمية، ربما لم يتلفت إليه كثر، ويتعلق بشخص المسيح نفسه، ومحاولة دا فينشي نفي صبغة الألوهية عنه، وإظهاره على أنه مجرد بشر عادي. جرت العادة أن يصور فنانو عصر النهضة، ومن سبقهم من فنانين في العصور السابقة، إظهار رسل المسيح، وعلى رؤوسهم هالات من نور، وفي جميع اللوحات السابقة لدا فينشي، كانت للسيد المسيح وضعية خاصة، بالهالات والألوان، بما يحمل تمايزه الواضح عن بقية البشر، وفي المقدمة منهم أتباعه. لكن لوحة العشاء الأخير تظهر المسيح وتلاميذه من غير تلك الهالات، مما يعني أنه حاول أن ينقل لبني جلدته رؤيته الخاصة، وهي أن المسيح كان بشراً عادياً. ولعل الذين قدرت لهم المقارنة بين لوحة العشاء الأخير لدا فينشي ولوحات فنانين سبقوه رسموا الحدث نفسه يقطعون بغياب هذه الهالات ومعانيها اللاهوتية عند هذا الإيطالي المثير للشغب الفكري عل عبقريته، مما دعا كثيرين إلى وصفه بأنه نتاج فكري لجماعات عميقة مثل الماسونيين والمتنورين وغيرهم. في هذا السياق يؤكد المخترع الميلاني وخبير دا فينشي، ماريو تادي، فكرة الرسالة السرية المشفرة التي تركها في لوحته، وهي أنه “لم تكن هناك كائنات فضائية أو خارقة للطبيعة داخل العشاء الأخير، وهذه رسالة دا فينشي النهائية. لقد كان هناك 12 حوارياً ومعهم معلمهم، وجميعهم من الرجال البسطاء. ولا شيء أكثر من ذلك يمكن أن يقال”. والشاهد أن الجزئية السرية التالية في اللوحة هي الموصولة بالمجدلية السر الأكبر والمحير حتى الساعة. يوحنا الحبيب أم مريم المجدلية؟ تكاد تكون هذه الجزئية، بعد جزئية الهالات، الأكثر إثارة للجدل عبر تاريخ طويل، وحتى قبل أن تظهر رواية “شيفرة دا فينشي”، إذ درجت جماعات دينية أوروبية سابقة بمئات السنين لدان براون على الاهتمام الفائق بمريم المجدلية. بداية من هما الشخصيتان اللتان دق دا فينشي مسمار الشك في عقول الناس من حولهما؟ يوحنا الحبيب هو القديس يوحنا الإنجيلي، بالعبرية والآرامية יוחנן يوحانون ومعناه الله يتحنن، اسمه باليونانية Ἰωάννης، يوأنس بالقبطية، ويعرف أيضاً بيوحنا الرائي، هو ابن زبدي وسالومة وشقيق يعقوب الكبير، وكان الشقيقان من تلاميذ المسيح الـ12، وبحسب التقليد المسيحي فإنه كاتب إنجيل يوحنا، لذلك يلقب بالإنجيلي، وكاتب الرسائل الثلاث التي تنسب إليه، وأخيراً كاتب “سفر الرؤيا”. أما مريم المجدلية، فقد كانت من الذين تبعوا المسيح في وقت مبكر، وقد كان سبعة شياطين تسكنها، وقد طردهم المعلم منها، فتبعته، وصارت من المقربين، وانتهت حياتها بالتبشير به في روما لدى الإمبراطور الروماني وقت قيامة المسيح أو رفعه. يخبرنا التقليد المسيحي أن ليلة العشاء الأخير لم تكن هناك نسوة في “علية صهيون”، إذ جرى عشاء الفصح اليهودي، وعليه فمن يظهر في اللوحة، هو يوحنا حكماً، وقد كان الوحيد بين التلاميذ غير المتزوج وجميل الهيئة والطالع، على أن دا فينشي أعطى يوحنا ملامح جمالية زائدة، انطلاقاً من أنه كان الأصغر بين الحواريين، وقد كان آخر من قضى منهم بالفعل في آسيا في نهاية القرن الأول الميلادي أو أوائل القرن الثاني الميلادي (110 تقريباً). غير أن دا فينشي، حين رسم لوحته، ترك مساحة بين صورة السيد المسيح، وبين الشخص الذي على يمينه، والمعترف به إنجيلياً أنه يوحنا، مساحة على شكل حرف V باللغة اللاتينية. وهذه الإشارة فسرها البعض أن دا فينشي كان يشير إلى زواج تم بين المسيح والمجدلية، وأن هذا الحرف يعني “بطن المجدلية” الذي حمل بابن نتيجة زواجهما، بل أكثر من ذلك، فإن بعض المفسرين المدققين للوحة قالوا إنها شخصية الحبيب – المجدلية، يحمل حرف M مخفياً، مما يعني أن هذه الشخصية هي Marimotmio، أي وجود حالة زواج بينهما. غير أن هذا التفسير لا يبدو أنه مقبول بصورة كبيرة، وليس أكثر من تفسير مُلتوٍ من الجماعات السرية التي يتم عادة استدعاؤها، لا سيما في أوقات المد العلماني الكاسح، لا سيما أنه من غير المرجح أن يخاطر ليوناردو برسم شيء مثير للجدل في غرفة، حيث يرى الرهبان اللوحة بصورة يومية، إضافة إلى أن الإنجيل يقطع بحضور يوحنا في العشاء، وليس المجدلية، لذا على رغم مدى عمق تفسيرات دا فينشي ومن وراءه، فإنها غالباً نظرة خيالية لا حقيقية. فكم من رموز سرية أخرى غاطسة في قاع لوحة العشاء الأخير؟ ملح مسكوب ولحن مخفي ورسالة عددية تبدو اللوحة وكأنها كنز دفين، وقد يكون كذلك ثميناً، من الرموز والشيفرات التي تحملها، ومن بينها فكرة الملح المسكوب فوق المائدة، والذي بالكاد يلاحظه الباحث المهتم بدقائق هذه اللوحة. ما الذي يفيده هذا المشهد؟ المعروف أنه في ذلك التوقيت، أي قبل نحو 2000 عام، كان الناس يخشون سكب الملح، لم يكن الأمر مجرد حدث عادي، بل كان علامة تحذيرية، أو سوء حظ، وربما فألاً سيئاً، وهي خرافة تعود إلى العصور الرومانية، بالضبط مثل الظلال المخيمة على وجه يهوذا الإسخريوطي، أو العملات المعدنية البادية في الكيس الذي يحمله. كان سكب الملح تلميحاً آخر من دا فينشي، ودليلاً على حضور الخيانة التي ستقود إلى النهاية بعد بضع ساعات من نهار الجمعة. هل كانت اللوحة تحمل لحناً موسيقياً ما بعينه؟ يبدو أنه ما بين قطع الخبز المنثورة على المائدة، وأيدي المسيح، وتوزيع الرسل، يبدو أن هناك لحناً سرياً مخفياً. هل يعقل هذا الحديث؟ ربما تمكن مرشح للدكتوراه من فك شيفرة ترنيمة مخفية داخل لوحة دا فينشي الشهيرة هذه، فقد اكتشف الموسيقى الإيطالي جيوفاني ماريا بالا بعض النوتات الموسيقية من خلال تتبع الخطوط في العمل الفني. ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن أحد الفنانين استخدم هذه النوتات لإنشاء لحن مدته 40 ثانية عام 2007، أما المفاجأة الكبرى التي تعزز من رؤيتنا لدا فينشي كموسيقى عبقري، هو أن النوتة الموسيقية هذه كانت تقرأ من اليمين إلى لليسار، مما يعني أن دا فينشي لم يكن يرسم فحسب، بل كان يؤلف أيضاً. آخر هذه النقاط ما هو موصول بالأعداد، وقد أشرنا في المقدمة إلى فكرة الرقم 3. والحقيقة أن العلماء ظلوا عصوراً طويلة يحكون رؤوسهم سعياً في طلب فك شيفرة ما كان ليوناردو يحاول إخبارنا به. ولدينا الرقم ثلاثة في كل مكان، وقد قلنا إنه حاول أن يربط بينه وبين فكرة الثالوث المسيحي، لكن تمهل، فالأمر لا يتوقف عند هذا الحد فحسب، فالرقم أربعة يلعب أيضاً دور البطولة؟ الرسل مرتبون في أربع مجموعات من ثلاثة. انظروا إلى الحائط، أربع مجموعات من المفروشات المزخرفة مع ثلاث فجوات بينها. انظروا إلى النوافذ المؤطرة بأربع دعامات. غير أن علماء من الكتاب المقدس استطاعوا، من خلال هذه الأرقام، التوصل إلى أن دا فينشي، كان قد استحضر آية من الكتاب المقدس، العهد القديم، وبالتحديد من “سفر مراثي إرميا النبي”، الإصحاح ثلاثة، الآية من 31 إلى 33، وفيها “لأن الرب لا يقصيه إلى الأبد”، وهي ضمن ما يعرف بـ”مراثي إرميا النبي”، والتي تقرأ عادة ضمن صلوات جمعة الآلام في قراءات الكنائس كافة في ذلك النهار. هل يتوقف سر الأرقام عند هذا التفسير فقط؟ هنا انقسم المفسرون حول هذه الآية، فقد قال البعض إنها إشارة إلى يهوذا، وإن الرب سيرحمه يوم الدين على رغم أنه سلم معلمه وخانه، لكنه تفسير ضعيف، إذ توجد نصوص قطعية تصفه بأنه ابن الهلاك، ولهذا لا تتسق معه فكرة الرحمة. التفسير الثاني يدور حول دا فينشي نفسه، والذي يطلب الرحمة لنفسه، فقد كان له ماضٍ مشين بعض الشيء، حيث اتهم بالمثلية الجنسية أثناء شبابه في مدينة فلورنسا، وربما كان يرسم ويخبئ الآيات، طمعاً في عفو الرحمن، وكطريق للتكفير عن خطاياه. هل هذا كل شيء عن هذه اللوحة؟ غالب الظن أن قادم أيام الذكاء الاصطناعي، سيفتح لنا مسارات مساقات جديدة لفهم أعمق وأشمل لما أراد دا فينشي تضمينه في هذه اللوحة التي تعد بمثابة سر كبير، ملفوف ضمن لغز خطر، وقد ألقي به في عمر عميق. المزيد عن: ليوناردو سيربيرو دا فينشيالعشاء الأخيرالعشاء السريالموناليزاألبرخت دوررمريم المجدليةيوحنا الحبيبيهوذا الإسخريوطي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “رعشات” الصخور… رسوم منسية في سراديب البشر next post مؤتمر «الانبعاث اليهودي» يعدّ عودة استيطان غزة واقعياً جداً You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024