ثقافة و فنونعربي “أخوات معهن ترانزيستورات” يحتفي برائدات الموسيقى الإلكترونية by admin 2 مايو، 2021 written by admin 2 مايو، 2021 90 غيّرن مسارها التاريخي لكنهن عرضة للتجاهل في الغالب اندبندنت عربية / كايت هاتشينسون في مطلع فيلم “أخوات معهن ترانزيستورات” Sisters With Transistors تشير لوري سبيغل (75 سنة) التي تعتبر من رائدات موسيقى الكمبيوتر، إلى أن “التكنولوجيا تمثّل عامل تحرير عظيم، إذ تنسف هياكل السلطة. وتنجذب النساء تلقائياً إلى الموسيقى الإلكترونية، فتنتفي ضرورة أن يَنَلن الاعتراف من قبل المصادر التي يسيطر عليها رجال كالمحطات الإذاعية وشركات التسجيل (والإنتاج) وقاعات الحفلات الموسيقية ومنظمات (ومؤسسات) التمويل، إذ يمكن خلق الأعمال بواسطة الإلكترونيات، ويُتاح تقديم الموسيقى مباشرة إلى الجمهور، وذاك يمنحكِ حرّية عظيمة”. بيد أن سبيغل، في لحظة ما من حديثها تضيف بنبرة جدّية، أن “النساء يواجهن التجاهل والإقصاء في ذلك التاريخ (تاريخ الموسيقى الإلكترونية)”. ومقابل ذلك الواقع من التجاهل والإقصاء، يسعى عدد من الأفلام إلى تصحيح الخلل وتصويب التناسي، عبر سرد قصص نساءٍ حُرمن من أن يكُنّ مؤلفات كلاسيكيات، فشكّلت الموسيقى الإلكترونية غداه غرّة ظهورها، عزاءهن ومضمار احتمالاتهن. ومثّلت لوري سبيغل بنفسها، ما يمكن اعتباره شخصية أساسية في أوساط النخبة الثقافية بمدينة نيويورك إبان حقبة السبعينيات من القرن العشرين، على غرار أقرانها (الذكور)، الأكثر شهرة منها كفيليب غلاس وجون كايدج وستيف رايش. وتُعتبر مساهمات سبيغل هائلة في مجال الموسيقى الإلكترونية الغربية خلال المراحل المبكرة من تطوّر تلك الأخيرة. ومن المستطاع قول الأمر ذاته بالنسبة إلى أعمال نساء أميركيات كسوزان تشياني وبولين أوليفيروس وماريان أماتشير وويندي كارلوس، وفي بريطانيا دافني أُرام وديليا ديربيشاير، اللواتي تردُ قصصهن أيضاً في فيلم “أخوات معهن ترانزيستورات”. وعن قصص أولئك النساء الموسيقيات، تذكر مخرجة الفيلم (أخوات معهن ترانزيستورات) ليزا روفنير، “لاحظت أن الأمر يمثّل حكاية تحرّر بالغة الفرادة. وقبل الموسيقى الإلكترونية، لم يكن ثمة في الحقيقة أي منفذ يمكن للمؤلفات النساء الدخول منه (إلى المشهد الموسيقي). فهن تمكّنّ من فعل ذلك بواسطة هذه التكنولوجيا الجديدة”، إذ تحرّرن من قيود الآلات والسلطة الهرمية التقليدية. وخلال الأعوام المنصرمة، جرى تناول أولئك النساء الرائدات كتابةً على نحو واسع، وظهرن في مؤلفات استثنائية، لكنهن بالكاد حقّقن شهرةً بالمعنى الواسع للكلمة، على غرار ما حقّقه (فريق) “كرافتويرك” Kraftwerk، وجان ميشال جار، أو حتى كارلهينز ستوكهاوسن (الذي احتلت صورته غلاف ألبوم فريق البيتلز، “سانت بيبر” St pepper). وفي ذلك السياق، يُلاحظ أن سيرة لوري سبيغل المهنية، كسير مؤلفات كثيرات من مجايليها، قد أُقصيت من المشهد الموسيقي العام، قبل أن يُعاد عام 2012 إصدار ألبومها المدوّي من عام 1980، “الكون المتوسع” The Expanding Universe الذي يمثّل تحفة في “الموسيقى المحيطة” ambient music وموسيقى القرن العشرين الكلاسيكية والإلكترونية. وينطبق وصف مماثل على دخول مقطوعتها “ترسّبات” Sediment، من عام 1972، في مشاهد معارك سلسلة أفلام “ألعاب الجوع” Hunger Games. في المقابل، مع “أخوات معهن ترانزيستورات”، الذي يروي حاضراً من وجهة نظر المؤلفات النساء سيرة تطوّر الموسيقى الإلكترونية عبر أجهزة التسجيل (المسجلات)، وأجهزة “سنثسايزر البث التناظري” analogue synthesizers، وأخيراً أجهزة الكمبيوتر، [مع تلك الأمور] يبدو أن الوقت قد حان، بحسب المخرجة ليزا روفنير، كي يتبدّل ذلك الإجحاف. وفي الإطار، صُدمت روفنير إزاء الفجوة الفاصلة بين المشاهد الأرشيفية التي جمعتها، وانعدام الاعتراف بالنساء الحاضرات فيها وغياب الإشارة إلى أدوارهن. وعن هذا الأمر، ترى روفنير “في ذلك الوقت، برز إدراك بشأن أهميتهن، إذ أجريت معهن المقابلات وصُوّرن في الأفلام، وكذلك سُلّط بعض الضوء عليهن، وفق ما تثبته المواد الأرشيفية”، كتلك التي تصوّر سوزان شياني تلعب على آلتها الـ”سينثسايزر” في فقرة تلفزيونية مباشرة ضمن برنامج ديفيد ليترمان الحواري الاستعراضي (الذي لم يستطع تصوّر وجود امرأة تتحكّم بآلة وتخلق أصواتاً تتعدّى طاقة استيعابه). وفي ما بعد، لم يكن مفاجئاً أن يخفت ذلك الضوء (الذي سلّط على الموسيقيات النساء)، وفق ما تابعته روفنير، إذ تفيد المخرجة بأن “النساء والملوّنين تعرّضوا تقليدياً للإقصاء، عبر نظام الامتيازات الهرمي. لقد تعامل مجتمعنا البطريركي وفق طرقه الخاصة مع قصصنا، قصص النساء، وذاك أدى إلى حذف ما أنجزنه”. وأضافت، “إن توقنا المديد والمعروف عموماً إلى بطلٍ أبيضٍ ذكر” أدى إلى تهميش إنجازات النساء عبر التاريخ. وفي المقابل، من المستطاع الآن القول إن هذا الإجحاف انتهى، إذ توجد إضافة إلى “أخوات معهن ترانزيستورات” الذي انطلقت عروضه أخيراً على منصات رئيسة عدة، فيلم وثائقي قصير من صنع سام غرين، تُبثّ عروضه الأولى على شبكة الإنترنت كجزء من مهرجان أفلام “كاونترفلوز” Counterflows Festival. ويقدّم الفيلم لمحة عن تجربة المؤلفة الأميركية – النيوزيلندية أنيا لوكوود وعن “عالم أصواتها الآسر”. وكذلك ظهر عمل حديث آخر، من نمط “التاريخ الشفهي” التوثيقي، بعنوان “آخرٌ يشبهني” Other, Like Me يتناول فريق “ثروبينغ غريستل” Throbbing Gristle الرائد في الموسيقى الصناعية، ويضيء على عروضه المبكرة تحت مسمّى فرقة “كوم” COUM. وكذلك تظهر قائدة الفريق وعقله المدبّر كوزي فاني توتي، في فيلم “ديليا ديربيشاير: الأشرطة الخارقة والأسطورية” Delia Derbyshire: The Myths And Legendary Tapes الذي سيُعرض على قناة “بي بي سي الرابعة” BBC Four الشهر المقبل، وذلك بموازاة المسلسل الدرامي التلفزيوني الذي يجري تطويره راهناً تحت عنوان “فن جنس موسيقى” Art Sex Music المستند إلى مذكراتها (كوزي فاني توتي). في سياق متصل، لم تحظَ ديليا ديربيشاير، بما يشير إلى مساهمتها في واحد من أكثر الأعمال الموسيقية التلفزيونية شهرة (والمقطوعة الإلكترونية السبّاقة) إلا بعد مرور 12 عاماً على وفاتها في 2001، إذ يأتي فيلم “ديليا ديربيشاير: الأشرطة الخارقة والأسطورية” ليظهر تلك المغامِرة الرائدة في مجال الأصوات التي تؤدي دورها مخرجة الفيلم كارولين كاتز، أثناء عملها في “قصّ ولصق” مقاطع الأشرطة خلال وقت متقدم من الليل، عام 1963، وذلك كي تبتكر عمل “غرابة الدكتور مَنْ التي لا لبس فيها ووو- ووو- ووو” Doctor Who’s unmistakably eerie woo-woo-woo، فوق موسيقى آلة باص مشؤومة ومُطّردة. ونحن نعود في “أخوات معهن ترانزيستورات”، فنستمع إلى تلك العملية المضنية، التي استلزمها تحقيقها 40 يوماً، أو بالأحرى 40 ليلة. ولا يختلف ما تستخدمه ديربيشاير في هذه العملية، عن جهاز الأسطوانات الذي يستخدمه الـ”دي جي” (المنسّق الموسيقي) في هذه الأيام. واستكمالاً، حدثت تلك الاختبارات (الموسيقية – الصوتية) في “المحترف الصوتي الإذاعي” Radiophonic Workshop لـ “بي بي سي” BBC، ذاك المحترف الذي مثّل وحدة مؤثرات صوتية عَمِلَتْ في الدرجة الأولى على إعداد الموسيقى المرافقة للبرامج الإذاعية والتلفزيونية (وقد شاركت دافني أُرام بتأسيسها عام 1957. وتُعدّ أُرام رائدة في هذا النمط الموسيقي الذي يعتمد على نسج مقاطع الأشرطة ووصل بعضها ببعضها الآخر، النمط المعروف بـ “موزيك كونكريت” (الموسيقى الملموسة) musique concrete). وتُعتبر ديربيشاير من بين أكثر رواد الموسيقى الإلكترونية المبكرة إثارة للاهتمام، لأنها بحسب عنوان فيلم كارولين كاتز، تبقى حتى الآن أشبه بلغز. وتبدو الأصوات التي ابتكرتها كأنها مستمدّة من عالم آخر تماماً. وفي ذلك الصدد، تتحدث كارولين كاتز عن ديليا مشيرة إلى أن “ديليا شخصية استثناء”، وأُعجِبَتْ طوال طفولتها بالموسيقى الافتتاحية لـ”الدكتور مَنْ” Doctor Who. لذا فإن “الموسيقى التي ابتكرتها قبل خمسين عاماً، وقد سبقت كلها ظهور أجهزة الـ “سنثسايزر”، وكلها موسيقى مشغولة بالتقنية التقليدية التناظرية [بمعنى أيضاً أنها ليست رقمية]، ما زالت إلى اليوم كأنها موسيقى معاصرة. وما زلنا نحاول اللحاق بها. لا أعرف إن كنّا سنتمكّن من ذلك، إذ لديها ذاك الكون الصوتي، بالغ الفرادة والوحشية. وتكمن في صلب موسيقى ديليا الفكرة القائلة إن أصواتها تمثّل تعبيراً عن أشياء غير مرئية، لا سبيل لنا إلى إدراك حقيقتها”. وفي هذا السياق، ثمة دلالة كبيرة لاختتام فيلم كارولين كاتز بمقطوعة ديربيشاير “رقصة من نوح” Dance From Noah التي تعود إلى 1971. وكذلك لا تختلف كثيراً تلك المقطوعة العائدة إلى عقود خلت، وتستحضر لوحة إشارات وأصوات تناجي الأرواح، عمّا نسمعه في أندية الليل، قرابة السادسة صباحاً، من نمط موسيقى التكنو التي تَصهر الوجوه. بذلت نساء جهوداً أسطورية في تطويع أشرطة التسجيل المصنوعة من الفينيل، لكنهن بقين مجهولات (فيسبوك) وفي ملمح متصل، تتضمن الأفلام التي تتناول اليوم شخصيات غيّرت مسار الموسيقى، مقاربات فكرية في الشكل والنمط، إذ يتجنّب فيلم “أخوات معهن ترانزيستورات” أن يكون وثائقياً تقليدياً، فيتميّز ببعد شاعري، ويتضمّن تسجيلات صوتية ترِد في خلفية مشاهده لرائدات الموسيقى يتحدثن عن أعمالهن. وفي هذا الإطار، يعتمد فيلم “ديليا ديربيشاير: الأشرطة الخارقة والأسطورية” توجّهاً مختلفاً تماماً، فيبدو كأن مايا ديرين (مخرجة طليعية أميركية في أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته) حققت عمل سيرة سينمائي. وتعمد كارولين كاتز التي تؤدي دور ديربيشاير في الفيلم، إلى قيادة دراجة هوائية عبر مشاهد متتابعة أشبه بحلم تظهر فيه كوزي فاني توتي أثناء تأليفها موسيقى جديدة انطلاقاً من أرشيف ديربيشاير، الذي كان ضائعاً في ما مضى. كذلك يضم الفيلم مقابلات مع أشخاص تعاونوا معها (ديربيشاير)، إضافة إلى لقطات بالأسود والأبيض لديربيشاير الغامضة والغرائبية، لكن “الفاتنة”، بحسب وصف كاتز، وتكون المؤلفة محاطة بالآلات، في أجواء المحترف المتوهجة بأضواء درامية باللونين الفضّي والقرمزي، وهي تصهل وتتنشّق، وتلثم محبيها، المحيطين بها. في المقابل، أثناء معظم زمن الفيلم، نشاهد كارولين كاتز بدور ديربيشاير مستكشفة مسارها وتجاربها. فتتحدث في مقاربة تحليلية عن الصوت، وعلاقته باليونانيين القدامى والرياضيات (هذا العلم الذي درسته ديربيشاير في جامعة كامبريدج، وبعده درست الموسيقى). ويمثّل ذلك مقاربة غير اعتيادية لسيرة تخيّلية تتناول مؤلفة موسيقية. وغالباً ما تستحضر تلك الأجواء كلها، الصدمات أو العلاقات التي حجبت الجوانب الإبداعية والقدرات الفنية. وإضافة إلى ذلك، تشير كارولين كاتز موافقة “أجل بالتأكيد، إذ إن ما يحصل مع الشخصيات الأسطورية في غالبية الأوقات، وبالنسبة إلى النساء، يشكّل انحرافاً نحو البعد التمثيلي الدرامي على حساب الحصيلة الإبداعية الحقيقية”. وأكثر من أي شيء آخر في الفيلم (ديربيشاير…)، أرادت الممثلة- المخرجة (كاتز) الدخول إلى رأس بطلتها. وفي هذا الإطار، تشير كاتز إلى أن إحدى الأساطير حول ديربيشاير تتمثّل في أن “طول شرائطها المتكررة تبلغ ميلاً واحداً، إذا مُدّت في ممرّ داخلي”، الأمر الذي تصدّقه كاتز. وفي الواقع، لقد أُسِرَتْ كاتز بذلك المنهج من العمل المكثف، فذكرت، “فكرت في نفسي، حسناً، كيف يمكن أن نجعل من شرائط متكررة شيئاً يمتدّ إلى هذا الحد؟ ما هي العملية التي اعتُمدت في تحقيق ذلك؟”، ومن ثم يكتشف المرء أنها (ديربيشاير) كانت في الحقيقة تلصق الشرائط ببعضها بعضاً، نوتة إثر نوتة، إثر نوتة، إثر نوتة. الأمر الذي مثّل عملية يدوية بالغة الدقّة، وهائلة وغريبة ومستهلكة للوقت”. وحين يفكر المرء في مغامرة إلكترونية من هذا النوع، فإنه من السهل الافتراض أن الموسيقى (الناتجة من ذلك) ستكون إلى حدّ ما موسيقى تحليلية وجامدة وباردة. لكن، يبدو واضحاً في الفيلمين مقدار الجهد الجسدي الذي كانت تتطلّبه صناعة الموسيقى الإلكترونية المبكرة، قبل حقبة الكمبيوتر. وفي السياق ذاته، تبيّن سوزان شياني بآلتها الـ”بوتشلا” Buchla، وهي نوع من آلات السنثيسايزر، المتصلة برقعة أوتار فاقعة الألوان، مدى حسّية أدائها الموسيقي. ويبدو ذلك غامراً ودافئاً. وفي فيلم “أخوات معهن ترانزيستورات”، يأتي مشهد كلارا روكمور، المولودة عام 1911 والمصوّرة هنا في حقبة السبعينيات من القرن العشرين، وتعتبر في العادة أعظم عازفة عرفها التاريخ على آلة الـ”ذيرمين” theremin، [يأتي المشهد] كي يمثّل إحدى أكثر اللحظات تأثيراً في هذا الفيلم، إذ يصوّر تلك الآلة (ذيرمين) على نحو تفصيلي. وضمن ذلك الإطار، تظهر يد روكمور المشققة، تتمايل بانفعال في الهواء. وستقول حينها (إن يدها تلك) “تنصت إلى غناء الروح”. وعلى نحو مماثل، نستمع إلى مدى محورية موقع روكمور ودورها في تطور آلة “ذيرمين”، إلى جانب دور مبتكرها ليون ذيرمين. ويوازي ذلك أهمية الدور الذي أدّته بيبي بارون بالنسبة إلى روكمور وزوجها لويس، في سياق تطوير المجالات الصوتية التي يمكن التلاعب بها عبر الأشرطة. وتمثّل المقطوعة الصوتية التي ألفّاها لفيلم “الكوكب المحرّم” Forbidden Planet عام 1956 أول مقطوعة من نوعها، إلكترونية بالكامل. وتقول صديقتهما أنييس نين، التي عرفتهما خلال سنوات الخمسينيات البوهيمية في “غرين ويتش فيليدج” بنيويورك، إن ما عملا عليه من اختبارات أصوات فُقاعية هادرة، تبدو، على نحو حاذق، كأنها “جزيئات ترتطم بأصابع قدميها”. ولقد جسّدت تلك الأشياء، وفق كلمات الراوية في “أخوات معهن ترانزيستورات” الموسيقية لوري أندرسون، “أحلاماً أتاحتها التكنولوجيا”. بيد أن أعمال أولئك النساء الموسيقيات جاءت أيضاً متصلة بالواقع على نحو عميق. ومن المدهش فعلاً مقدار ما مثّلته اختباراتهن آنذاك من ردود فعل على الأزمات، سواء تجسّد ذلك باستلهام ديربيشاير لـ”الصوت التجريدي” لصفارات الإنذار قبيل الغارات الجوية على بلدتها كوفينتري إبان غارات القصف الكثيفة [التي شنها سلاح الجو الألماني على المملكة المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية]، أو بفكرة بولين أليفيروس عن “السماع العميق”، بمعنى أنها تلك الاختبارات التأمّلية الدقيقة التي تفترض من الشخص تنشّق الصوت المحيط به، بغية تجاوز الضرر النفسي الناتج من حرب فيتنامـ إذ إن شبح الحرب وتأثيرها يلقيان بظلّهما الكثيف فوق عدد من هذه القصص. صنع الموسيقى الالكترونية في ستينيات القرن العشرين (فيسبوك) وبالطبع تتغلغل وصمة التمييز الجنسي، العرضي أو غير العرضي، في حكايا وقصص الفيلمين. وتروي المؤلفة الموسيقية الفرنسية إليان راديغ، باتت اليوم في الـ89 من عمرها، أن أحد مهندسي الاستديوهات في خمسينيات القرن العشرين، أخبرها أنه سعيد بحضورها كمساعدة لبيير شوفير مؤلف “الموسيقى الملموسة” musique concrete، لأن “رائحتها طيبة”. وكذلك كتبت بولين أوليفيروس مقالة رأي في صحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان “ولا تنادونا بالسيدات المؤلفات” And Don’t Call Us’Lady Composers، اعترضت فيها على وسمها بحسب انتمائها الجندري. وتتحدث المخرجة ليزا روفنير عن ذلك، مشيرة إلى أن “المقالة التي كتبتها (أوليفيروس) جاءت كردّ فعل على تقديمها بـ”إليكم بولين، إنها واحدة من أعظم السيدات المؤلفات”. تابعت روفنير “تلك الفكرة أغضبتها، إذ تمثّل شعورها في سؤال “لماذا لا يمكنني أن أكون مؤلفة فحسب”؟ أعتقد أن كثيراً من أعمالها ينبع من مظاهر التمييز والإجحاف التي شعرت بها”. من هذا المنطلق، فإنه من الغريب أيضاً أن نجمع نساء معاً ونقدّمهن باعتبارهن حالة واحدة، إذ لم يشكّلن ما يمكن تسميته “أخوية” حقيقية، وهنّ كنّ يعشن مثلاً في أمكنة مختلفة، ولم يكُن ثمة جولات رحلات مكرّسة للنخبة الموسيقية الطليعية، على غرار ما يحصل اليوم. وكذلك تؤكد ليزا روفنير أيضاً أن فيلمها لا يشكّل مرويّة حاسمة ونهائية عن الرائدات الموسيقيات (في هذا الإطار، ينبغي أن تحظى أميركا اللاتينية بفيلمها الوثائقي الخاص، مع رائدات من أمثال فانيا دانتاس لييت وجوسي دي أوليفيرا ومارلين ميغلياري من البرازيل، وبياتريز فيريرا وهيلدا دياندا من الأرجنتين). وعلى الرغم من هذا، فإن في قصصهن مواضيع أو ثيمات متشابهة. ولا تتعلق تلك المواضيع بالانتماء الجندري، أو الموقف النسوي فحسب، بل أيضاً، وفق ما ترى روفنير، بالـ”المثابرة والعزلة والسماع وبالطرق الفريدة جداً في النظر إلى العالم”. ويأتي فيلم ليزا روفنير كشهادة على فضول نساء عظيمات وفكرهنّ، بدل أن يكون مجرد تصوير لما واجهنه من عوائق في سيرهنّ. وفي هذا الإطار، تصف المخرجة فيلمها بأنه “يتعلق بالسماع أكثر مما يتعلق بالأفعال. وبالنسبة لي، يمثّل ذلك ما جمع أولئك النساء مع بعضهن بعضاً في الحقيقة بمعنى تجسّده في واقع أنهن كنّ فعلاً مُستمعات حاذقات. إن ما تولّده الموسيقى الإلكترونية في الحقيقة، يتجسّد في ذلك الاستماع الفطن إلى الموسيقى في الأصوات (العادية)”. وبالنسبة إلى المخرجة، ترددت أصداء تجارب أولئك النساء على المستوى الشخصي أيضاً. وتصف ذلك، “أنا بالتأكيد أتماهى تماماً مع طريقتهن في الوجود بهذا العالم”. وتتابع “كامرأة مخرجة، فقد واجهت تحديات مماثلة”، ليس أقلها تحديات الحصول على تمويل بغية تحقيق أفلام وثائقية مستقلة. وفي بعض الأحيان، تشير تلك الأفلام إلى التطور الضئيل الذي تحقق في هذا المجال. وقبل الجائحة، تكاثرت قصص كراهية النساء ومعاداتهن بين أوساط المشتغلين بالموسيقى الإلكترونية. ففي سبتمبر (أيلول) قبل الماضي، أطلقت الـ”دي جي” البريطانية “ربيكا” حملة بهدف تسليط الضوء على مظاهر التحرش الجنسي المستمرة التي تواجهها النساء في الدوائر الثقافية. وخلال لقاء أسئلة وأجوبة نظّمته هذا الأسبوع حول الفيلم، ضم روفنير والموسيقية الإلكترونية لايما ليتون، ذكرت ليتون كيف سئلت في استوديو بالبرازيل، حيث كانت برفقة زوجها وشريكها في العمل، إن كانت ستحضّر القهوة. في المقابل، إن “روح البحث” عند النساء، وفق تعبير كارولين كاتز، لا تقهر بهذه السهولة. وتضيف كاتز “ما أراه مدهشاً فعلاً في ديليا هو ما تحلّت به من طاقة دؤوبة وفريدة”. وتتابع، “أعتبر ديليا بطريقة ما بمثابة ناشطة، لأن الاستمرار والمثابرة في سلوك طريق بهذه الأنماط من الاستكشافات يتطلبان مقاربة نضالية. لقد شقّت طريقها في أرض جديدة بمقطوعاتها الطموحة. وفي فسحة مصممة لتأليف مقطوعات صوتية مدّتها 30 ثانية، خلقت ديليا مجالات أرضية شاسعة”. بدأت عروض “أخوات معهن ترانزيستورات” Sisters With Transistors. وفي شهر مايو (أيار)، تبدأ عروض “ديليا ديربيشاير: الأشرطة الخارقة والأسطورية Delia Derbyshire: The Myths And Legendary Tapes على قناة “بي بي سي الرابعة” BBC Four. © The Independent المزيد عن: موسيقى إلكترونية/محطات الراديو/عنصرية/فرقة البيتلز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حين صور ملفيل حكاية المقاومة الفرنسية بلغة هوليوودية next post سان سانص والكونشرتو “المصري” في رحاب الأقصر You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.