ثقافة و فنونعربي أحمد رجب شلتوت يوثق مواجع المصريين قصصيا by admin 23 يناير، 2021 written by admin 23 يناير، 2021 34 40 نصا سرديا تدور حول الواقع وتجنح نحو الفنتازيا اندبندنت عربية / عبد الكريم الحجراوي يغلب على كتّاب القصص القصيرة العرب الطابع الرومانسي لأسباب عدة، منها طبيعة الشخصية العربية التي يطغى عليها الجانب العاطفي، وتشابه القصة القصيرة والشعر في الطبيعة الغنائية لجهة تركيزهما على تصوير المشاعر الإنسانية. لا تختلف مجموعة القاص والروائي المصري أحمد رجب شلتوت “فاتحة لصاحب المقام” (الهيئة المصرية العامة للكتاب) في منحاها الإبداعي عن النزعة الرومانسية حيث الرؤية المأساوية للعالم في المجموعة التي تضم أكثر من 40 قصة قصيرة، الاهتمام بالطبيعة والاحتفاء بالليل والطيور المحلِّقة والخيول الجامحة كدلالة على نشدان الحرية، إضافة إلى الجنوح بالخيال بقصص ذات طابع صوفي، بخاصة في القسم الثاني من الكتاب المعنون بـ”رؤى”. ومن خصائص النزعة الرومانسية البارزة في المجموعة أن أصحاب هذا المذهب الأدبي لا ينشغلون بالقضايا المجتمعية ككل ولكن بانعكاس هذه القضايا والمشكلات على الأفراد ووصف مشاعر الحزن والألم. لذا يبدو من المنطقي تصدير المجموعة بقول جوزيه ساراماغو: “إن كل واحد منا هو القلق الخاص بنا جميعاً؛ لأننا بسبب ذلك القلق نكون قليلي العدد للغاية، وبسبب ذلك القلق أيضاً ننجح في أن نكون كثيرين للغاية”، وبقول بابلو نيرودا: “ربما لم أعِش حياتي قط، ربما عشت حيوات الآخرين”. المشهدية السردية ويكثر في مجموعة أحمد رجب شلتوت تقسيم كل قصة قصيرة إلى مشاهد منفصلة عدة، عين كاميرا سينمائية تتنقل من مشهد إلى آخر بسلاسة لترسم في النهاية لوحة متشابكة توضح صورة المجتمع المصري ككل. ففي قصة “مفترق طرق”، يصف السارد الزحام الشديد في شوارع القاهرة الذي يشبّهه بـ”يوم الحشر”، إذ يرصد متناقضات شتى تملأ لحظة واحدة من لحظات الشارع إذا أعدت تأملها، ومنها ينطلق إلى المشهد الثاني صوت الميكروفون الذي يمسك به ملتحٍ يدعو الناس إلى تبرّع لأعمال الخير ومكتبة تبيع كتباً عن الآخرة وعذاب القبر وبالقرب منه كتاب آخر فيه وصفات جنسية تعيد الشيخ إلى صباه. وفي المشهد الثالث، يعبر السارد وصديقه إلى الضفة الأخرى من الشارع، يجد مسيحياً يحمل مكبر الصوت يدعو المؤمنين إلى التبرّع، وفرشة عليها كتب تبشّر بجنة أخرى، فيما تعلو أصوات الترانيم من الدير القريب. وبعبور هذا الطريق، ينظر السارد ناحية المستشفى التي تقف أمامها سيارة إسعاف وبمكبر صوت، يدعو المسعف المواطنين إلى التبرّع بالدم، فيشدّ منه الميكروفون شخص بالقرب منه ويطالب المواطنين بالتبرّع لأطفال مبتسرين وأطفال مرضى القلب. وفي المشهد الأخير، تقترب شابة بثوب بالٍ أسود، تمدّ يدها وتستعطفهما بابنها الرضيع لكن صديق السارد يرفض أن يعطيها شيئاً لتنصرف حزينة وتجلس تحت صورة كبيرة للرئيس الذي يمدّ يده بابتسامة، فيما المتسولة تمد يدها تماماً تحت يد الرئيس كي يعطف عليها المارة. المجموعة القصصية (الهيئة المصرية للكتاب) يقول السارد معلّقاً: “أهمّ بنصحها بالابتعاد وتغيير المكان، فاليد الممدودة في الصورة لن تعطي شيئاً لكن صديقي يشدّني لنواصل العبور”. مشاهد سريعة مكثفة تكشف عما تعانيه طبقات مطحونة وسط غياب حقيقي لدور الدولة وغياب للعدالة الاجتماعية. ومن القصص التي أجاد في رسمها بالسرد السينمائي قصة “المبخرة والمجرة” التي يحكي فيها مراحل حياة العجوز مرعي في مشاهد سريعة يبدأها بالمشهد “أ، ثم ب، ت، ث” وبعد المشهد “ثاء” ينتقل مباشرة إلى المشهد الأخير (ي) الذي يعني نهاية البطل وموته بعدما عانى طوال حياته من شتاء طويل لا انتهاء له. رحلة من الشقاء حتى يستطيع أن يكمل مسيرته في حياة لم تكن طموحاته فيها كبيرة… فقط منزل يسكنه ولقمة عيش تقيم أوده مع أسرته. وتزخر المجموعة بالقصص التي تعبّر عن تأثيرات الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه فئات مختلفة. ففي قصة “تحقيق الحلم”، نحن أمام المثقف الذي يحلم في سكن مريح، ومرتّب ثلاثة أضعاف مرتّبه الضئيل الذي يأخذه من عمله الحكومي. وترصد قصة “مفترق طرق” الوضع الاقتصادي الصعب للطبقات الدنيا، كما تظهره شوارع العاصمة المزدحمة. وفي “المبخرة والمجمرة” وسيلة أخرى من وسائل التحايل على الرزق لذلك الرجل العجوز الذي وجد أن عليه أن يعيل ابنته الأرملة، فيما المعاش الذي يحصل عليه جد هزيل، فيطوف الشوارع بمبخرته يبخّر المحلات والبيوت مقابل بضعة قروش. وفي “فاتحة لصاحب المقام”، وصف لشقة أرملة في الطابق الأرضي، فما إن تفتح شباكه الذي غطّاه الشارع وتفرش سريرها بثوب أخضر، يأتي فقير ويقف أمام الشباك ويتلو سورة الفاتحة، معتقداً أن المكان هو ضريح لأحد الأولياء. وتحكي قصة “انكسار” عن الموظف الذي شهد ضد مديره بما رآه، فنكّل به ونقله من عمله بمساعدة أقاربه الذين يعملون في أجهزة نافذة في الدولة، فيتخلى عن كرامته ويركع أمام المدير ليعفو عنه من أجل أبنائه ويعيده إلى العمل. الإضمار الداخلي ويكثر في نصوص أحمد رجب شلتوت الحوار الذي يكشف كيف يستعمل المصريون اللغة على نحو أشار إليه عالم الاجتماع اللغوي وأحد كبار المنظرين للنظرية التداولية جاكوب ماي في كتابه “مقدمة للتداولية” (pragmatics: an introduction). الكاتب الصمري أحمد رجب شلتوت (اندبندنت عربية) والمقصود هنا هو الإضمار الذي يعدّ أصلاً مترسخاً في الوعي المجتمعي، ويتجلّى في استعمال العبارات غير المباشرة في الحوارات العادية. وتلك الفرضية استمدها جاكوب ماي من فلاسفة اللغة العادية وعلى رأسهم النمسوي لودفيغ فتغنشتاين، القائل بنظرية “الألعاب اللغوية”. وفي قصة “تحقيق حلم”، يتعمّد الصديق الغني العائد من السفر أن يوجّه الإهانات إلى صديقه المثقف الفقير عبر عبارات غير مباشرة، لكن في سياق اللعبة اللغوية التي يعرف الطرفان قواعدها، تصل الرسالة المقصودة مباشرة في مثل هذا الحوار الدائر بين المثقف وصديقه الغني. يقول المثقف مجاملاً صديقه الذي عاد بثراء فاحش “- أنت هنا تكشف عن أحد أسرار نجاحك. لكمني قائلاً من خلال ابتسامة بغيضة – بل أكشف عن أحد أسباب فشلك”. هكذا يستخدم الطرفان اللغة لتوجيه الإهانات بشكل غير مباشر. الأمر ذاته يتكرر في عددٍ من القصص، من بينها “ذلك النداء” بين سعيد وزوجته. وهذه اللغة الإيحائية المعمّاة ليست مقتصرة على الحوار فقط الذي يدرجه شلتوت داخل نصوصه، بل هي أيضاً من سمات سرده، كما في قصة “عيون” وفيها السارد الذي يضيق ذرعاً برجل يحملق فيه، فيزجره بعينه لعله يتوقف عن ذلك، فيبعد الرجل عينيه لثوانٍ ثم يعيد النظر ويتركهما بين قدمي السارد الذي يشرب الشاي في المقهى. وحين يغادر هذا المكان، يدرك سبب فضول ونظر الرجل إلى حذائه الذي يعلوه الغبار، بينما الرجل الناظر يعمل ماسح أحذية. واعتمد شلتوت على هذه الإضمارية والتلويح بالمعنى في خلق ما يُعرف في علم البديع بـ”براعة الختام”، صانعاً المفارقات والنهايات المفتوحة لقصصه مثل ما هو في قصة “ذلك النداء” عن حكاية ذلك الرجل الذي ولد بإعاقة تمنعه من المشي، ويجيد صنع الطائرات الورقية التي يتهافت الأطفال على شرائها منه حتى قتل بسببها طفل، فيقرر صناعة طائرة أكبر من المعتاد ويطلقها، وهو ممسك بطرف خيطها، “يحبو باتجاه حافة السطح، وتظل طائرته تناديه فلا يملك سوى أن يلبّي النداء”. شملت المجموعة قصصاً ذات طابع فانتازي بعضها يشبه الحكايات الشعبية، وبعضها جاء بلغة سريالية، وغالبية القصص لم يتجاوز طولها الصفحة الواحدة، وتناقش مشاعر شتى مثل الغربة والوحدة والحزن والقهر والانكسار، معاناة كبار السن والمعاقين بما يشهده واقعهم من مفارقات وأحداث مؤلمة. المزيد عن: مجموعة قصصية/كاتب مصري/الواقع اليوميإلتزام/فانتازيا/سخرية/بؤس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إيران ستنتقم لموت سليماني من إسرائيل في عام 2041 next post كيف وقع هاينريش مان ضحية شهرة أخيه وسطوة الفن السابع؟ You may also like أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.