ثقافة و فنونعربي أحمد المديني يرصد تحولات الدار البيضاء في السبعينيات by admin 8 مارس، 2021 written by admin 8 مارس، 2021 107 أحداث الرواية تجري في دوائر متداخلة وتقدم صورة عن الصراع الشامل اندبندنت عربية / سلمان زين الدين في العام 1976، أصدر الروائي المغربي أحمد المديني روايته الأولى بعنوان “زمن بين الولادة والحلم”. وفي العام 2021، صدرت روايته السادسة عشرة بعنوان “رجال الدار البيضاء” عن المركز الثقافي للكتاب. وبين الإصدارين أربعة عقود ونيف، وخمسة وستون كتاباً في الأنواع الأدبية المختلفة. تتوزع على، ست عشرة رواية، خمس عشرة مجموعة قصصية، خمسة كتب في أدب الرحلة، ثمانية كتب في السيرة الذاتية، أربع مجموعات شعرية، وسبع عشرة دراسة جامعية ونقدية. والحبل على الجرار. “رجال الدار البيضاء” رواية ضخمة كماً ونوعاً، تعكس حِرَفية الكاتب، وطول تجربته، وسعة ثقافته، وإلمامه بالتفاصيل والجزئيات، ما يجعل من الرواية شهادة فنية على مرحلة تاريخية معينة، لها جذورها وفروعها، في مدينة مغربية عريقة، وما يجعل من الروائي مؤرخاً فنياً بامتياز. ففي روايته، يرصد أحمد المديني الحَراك السياسي والاجتماعي والثقافي في الدار البيضاء، خلال السبعينيات من القرن العشرين. ويتناول التحولات التي تطاول الإنسان والمكان والزمان، من خلال الأحداث الدائرة، في مجموعة من الدوائر الصغرى المتداخلة، هي دائرة العلاقة بين السلطة والمعارضة. وهي أحداث تنخرط فيها مجموعة من الشخوص، المتخيلة والحقيقية. تتفاعل في ما بينها في شكل أو في آخر، وتتقاطع مساراتها وتتوازى، ويكون لكل منها مصيره المتجانس مع مصائر الآخرين أو المفارق لها. وهي، في الغالب، مصائر قاتمة. جريدة المحرر تُشكل جريدة “المحرر” التي يُصدرها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المعارض، الدائرة المحورية للأحداث، المتداخلة مع دوائر الحزب، والنقابة والمقهى والساحة والمدينة والمخزن. ففي هذه الدائرة، تلتقي مجموعة من الحزبيين والسياسيين والمناضلين والانتهازيين والمتسلقين والصحافيين والمدرسين وعمال الطباعة، وينخرطون في شبكة من العلاقات المتنوعة. يختلط فيها العمل والنضال والسياسة والزمالة والصداقة والصراع والنفاق والانتهازية. وتتمخض عن معدن كل منهم. ومن خلال هذه الشبكة، تضيء الرواية الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي، في العالم المرجعي الذي تحيل إليه. ونتعرف إلى قمع السلطة وأساليب عملها وترغيبها وترهيبها، وتكتيكها واستراتيجيتها من جهة. ونتعرف إلى ازدواجية المعارضة وتضحيات قاعدتها ونفاق بعض قياداتها، ورهاناتها الخاسرة من جهة ثانية. ويكون على الشعب الفقير أن يدفع أثمان الصراع الغالية بين الطرفين. مع العلم أن العلاقة بينهما مشوبة بتاريخ من التوتر وانعدام الثقة والتربص المتبادل. يتمثل الطرف الأول في دائرة المخزن والأدوات التي تستخدمها، والممارسات التي تقوم بها، فالمخزن هو السلطة المركزية صاحبة القرار. والأدوات هي رجال الحكم وأجهزة الأمن وعناصر الشرطة والمخبرون، و”البراغيث” والمحققون والسجانون، وغيرهم. والممارسات هي التلصص على المعارضين ومطاردتهم واعتقالهم والتنكيل بهم، وقمع الصحافة واختراق الأحزاب واستخدام الشعب ورقة تفاوض في الاستحقاقات الكبرى والحؤول دون تحقيق تطلعاته إلى التغيير، وغيرها. وهذه الآليات ليست وقفاً على العالم المرجعي للرواية، بل تنسحب على النظام العربي برمته. ولعلها كانت السبب الرئيس لاندلاع ما سمي بالربيع العربي في غير منطقة عربية، بمعزل عن النتائج الكارثية التي ترتبت عليه في بعض المناطق. على أنه لا بد من الإشارة إلى أن حضور هذا الطرف في الرواية هو حضور غير مباشر، يتم من خلال الأفعال المنسوبة إلى أدواته من قِبَل رواة الرواية المنتمين إلى الطرف الآخر. الرواية المغربية (المركز العربي) يتمثل الطرف الثاني في دوائر الجريدة والنقابة والحزب. والأدوات التي يستخدمها هي، العمال والحزبيون والنقابيون والصحافيون والمثقفون، وغيرهم. وأشكال المعارضة هي، الكتابة الصحافية والعمل النقابي والنضال الحزبي والتظاهرة والاعتصام والانتفاضة الشعبية، وغيرها. وهذا الطرف المغيب عن المشاركة في السلطة يستأثر بالحضور النصي في الرواية، وكأن الكاتب أراد من حيث يقصد أو لا يقصد، معاقبة الطرف الأول المستأثر بالسلطة الفعلية في الواقع، بتغييبه عن الحضور المباشر في النص، من جهة، وأراد التعويض على الطرف الثاني، المغيب عن المشاركة في السلطة في الواقع، بحضوره الطاغي في النص، لكن هذا الحضور الطاغي لا يحجب الأعطاب التي تعتوره، من انقسام وصراع أجنحة وازدواجية ولاء وانتهازية سلوك واقتناص فرص وزحف على البطون ونفاق سياسي وممالأة الحاكم. شخوص وأنماط من هنا، نقع بين المنخرطين في الدوائر الثلاث على نماذج مختلفة من الشخوص، وأنماط متعددة من السلوك. ومن هذه الشخوص والأنماط، القائد السياسي والمناضل النقابي والزعيم الشعبي والمعتقل السابق والمبدئي الذي لا يساوم، ويتوج حياته بالاستشهاد (عمر بن جلون). الصحافي الحر الذي يضيق بالأطر الحزبية، ويؤثر الحرية والتفرد، ويترفع بمهنيته عن السياسة، ويصادق الأدباء والشعراء، وينخرط في حب الحياة (زهوان). والصحافي الحذر، المتحفظ الذي يؤثر البقاء في الظل، ويبقى على حافة الحياة، لكنه لا يتوانى عن فضح سادية السلطة وفساد المعارضة (عبد الهادي). الصحافي المحترف اللطيف، خفيف الظل، واسع الاطلاع، الشغوف بالعمل، القريب من العمال، المؤثر للوحدة على الاختلاط (حسن العلوي). العامل الجدي، والمناضل القديم الذي يكون عليه تلقي التعليمات من بعض محدثي النعمة (المصطفاوي). المناضل الحزبي المعتقل السابق، المنقطع للعمل المؤثر مصلحة الحزب على مصلحته الخاصة، لكنه لا يتورع عن التلصص على الزملاء لمصلحة المسؤول الحزبي الكبير (قاسم مول الفز). الزعيم الازدواجي الذي يتزعم القاعدة الحزبية وينادم الملك، في الوقت نفسه (بو عبيد). المسؤول المحدث النعمة الذي يغمط الآخرين حقهم، ويبعدهم من مركز القرار، ويحاول الاستئثار بالسلطة الحزبية أو الصحافية (يحيى القرطبي). الروائي المغربي أحمد المديني (صفحة الكاتب على فيسبوك) هكذا، يستأثر الرجال بمواقع النضال والقرار والعمل في الدوائر المعارضة، ويقتصر حضور المرأة على شخصية واحدة، هي عاملة الهاتف التي تتعرض للتحرش الجنسي، ويكثر خُطابها في موقع العمل. وحين تجاري المتحرشين والخطاب، وتعاملهم بأساليبهم ذاتها يتم الاستغناء عنها، وتُطرد من العمل (نفيسة)، ما يعني أنه حتى الدوائر المعارضة المطالبة بالتغيير تغرق في ذكوريتها حتى النخاع. وإذا كانت دائرة المخزن حكراً على السلطة، ودوائر الجريدة والنقابة والحزب حكراً على المعارضة، فإن ثمة دوائر أخرى كانت تجمع بين الطرفين في شكل أو في آخر، كالمقهى والساحة، ففي الأول يمكن أن نجد المعارض والمخبر، وفي الثانية، يمكن أن نجد المتظاهر والشرطي. وفي الدائرتين قد يندلع صراع مضمر أو معلن. التحولات المختلفة انطلاقاً من حركة الأحداث في الدوائر المختلفة، يمكن الكلام عن تحولات بطيئة أو سريعة، سلبية أو إيجابية تطاول المكان والزمان والإنسان في الرواية، فالمكان، بتمظهراته الكثيرة لا سيما مرس السلطان، يجعل منه الكاتب شخصية روائية واسعة الحضور، ويقوم برسم خرائط نصية في الفصول المختلفة تحدد مواقعه ووظائفه، ما يفتح الرواية على الجغرافيا. وهو بذلك، يحتفي بالمكان أيما احتفاء، ولعله يفعل ذلك تعويضاً عن ابتعاده عنه بحكم إقامته الباريسية، فيقرب بالرواية ما هو بعيد في الجغرافيا. على أن تحولات سلبية تطرأ على المكان بتمظهراته العديدة في نهاية الرواية، فتزول منصة الوسط، وتتغير ملكية المطعم، ويُغلق مشتل الورد، وتُفلس المكتبة، وتخلو المقاهي من الأدباء والمثقفين ليشغلها السماسرة والولدان والعرافون. وتطاول التحولات السلبية الشخوص الروائية المختلفة، فيُقتل عمر بن جلون، ويُصاب زهوان بالصرع، ويموت أحمد المجاطي وأحمد الجوماري ومحمد زفزاف ومحمد المازني وسعيد الصديقي وزينون، ويهاجر أحمد المديني، ويقلع مصطفى النيسابوري عن كتابة الشعر. هذا على المستوى الفردي. أما على المستوى الجماعي، فتتخذ التحولات منحى إيجابياً بعد طول مراوحة، فتندلع تظاهرات الربيع المغربي في العام 2011 دون أن تقوم السلطة بقمعها كما جرت العادة في الأعوام 1965 و1971 و1972 و1981، ما يفتح الأفق الروائي على التفاؤل بمستقبل أفضل، لا سيما بعد أن تتخذ السلطة المبادرة، وتقوم بإجراء الإصلاحات اللازمة. الخطاب الروائي يضع أحمد المديني روايته في ثلاثة وأربعين فصلاً، تشغل نحو الستمائة صفحة. ومع ذلك، استطاع بحِرفية واضحة أن يجنب روايته أعطاب الطول وأعراضه، من ترهل وتكرار ونُبُو وقلقلة ورتابة وغيرها. ولعل إفراده حيزاً واسعاً للوصف على أنواعه في الرواية ناهيك بطولها، جعل الإيقاع الروائي بطيئاً وهو ما يجانس الامتداد الزمني للمرحلة التي يرصدها البالغة عشر سنوات، يُضاف إليها العودة إلى العام 1965، والذهاب إلى العام 2011. وعليه، تتعدد أنماط الكلام في الرواية، وتتراوح بين السردي والحواري والوصفي والوجداني والإيعازي والبرهاني وغيرها، بنسب مختلفة بين نمط وآخر. وتتجاور الأنماط داخل الفصل الواحد، وهو يتنقل بين ضمائر السرد، ويعدل بالضمير عما وُضع له في الأصل مستخدماً ضمير المخاطب في معرض المتكلم والغائب، على سبيل المثال، فيخاطب الراوي نفسه أو الغائب عنه، في خطوة لا تخلو من دلالات بلاغية معينة. وهو يدمج الحوار في متن الصفحة مع السرد دون أي تمايز إخراجي بينهما. ويكسر نمطية السرد بأنواع كتابية أخرى كالخبر الصحافي والمقالة والقصيدة والأغنية والخطاب السياسي والتقرير الأمني وإفادة الشرطي والتقرير الصحافي ومطالعة الدفاع وخطبة المشعوذ والمنشور السياسي، وغيرها، ما يجعل من النص عالماً موازياً للعالم المرجعي بتنوعه وتعقيداته الكثيرة. وهو يسند عملية الروي إلى الشخوص المختلفة بوتيرة فصل واحد للشخصية في الحد الأدنى، كما في حال عاملة الهاتف نفيسة، وعدد كبير من الفصول، كما في حال الصحافي زهوان، الراوي الأساسي وبطل الرواية. ويترك للراوي العليم مساحات ضئيلة تكتفي بالربط والتنسيق، على أنه قد يجتمع أكثر من راو واحد في الفصل الواحد. بهذه التقنيات والحكايات، تشكل “رجال الدار البيضاء” علامة فارقة، ليس في الرواية المغربية فقط، بل في الرواية العربية. وهي بانفتاحها على الحقول المعرفية المختلفة تشكل مصدراً للفائدة. وهي بانخراطها في التقنيات السردية المتنوعة تشكل مصدراً للمتعة. وفي الحالتين، تحفظ لأحمد المديني موقعه المتقدم على خريطة الرواية العربية. المزيد عن: رواية/السبعينيات/الصراع/شخصيات متعددة/سرد/دوائر سردية/المغرب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الشاعر الّذي يجوب العالم بـ «قصائد سفر» next post أسئلة برتولت بريخت “البريئة” في تصديه الحائر لممارسات ستالين You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.