لوحة تمثل مشهداً من "إريك الرابع عشر" (موسوعة الفن الكلاسيكي) ثقافة و فنون آخر تجليات السويدي الذي غاص في الجنون by admin 7 أكتوبر، 2024 written by admin 7 أكتوبر، 2024 62 الضرورة القصوى التي أوصلت بائسي العاصمة وجائعيها إلى عرس الملك نكاية بإليزابيث اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كثر من كتاب المسرح الكبار في القرن الـ20 يعدون أوغست ستريندبرغ، السويدي الكبير، أستاذهم في فن الكتابة للخشبة، بل حتى مفتتح الحداثة المسرحية في القرن الـ20، مع أنه عاش وكتب خلال العقود الأخيرة من القرن السابق عليه. فمن تشيخوف إلى أوجين أونيل، وربما من بيرانديلو إلى أرثر ميلر وتينيسي وليامز، وحتى النرويجي هنريك إبسن، كانوا يرون أن “المدرسة الحقيقية” التي علمتهم كتابة النصوص المسرحية كانت مسرحيات هذا الكاتب. وهو ما يعترف به، أيضاً، عدد من كتاب كانوا أقل تفرغاً للكتابة المسرحية من أمثال إنغمار برغمان، وحتى وودي آلن وصولاً إلى مبدع، قد يكون ذكره في سياقنا هنا مفاجأة حقيقية، مبدع نقرأ في يومياته نصاً لا يمكنه إلا أن يثير دهشتنا “هأنذا أشعر بالارتياح الآن، لأنني قرأت ستريندبرغ. أنا لا أقرأ ستريندبرغ لمجرد أن أقرأه… بل لكي أرتمي على صدره منفثاً عن همومي. وهو، بدوره، ما إن أفعل حتى يحملني مثل طفل على ذراعه اليسرى. أما أنا، فإنني سرعان ما أجلس هناك مرتاحاً مثل رجل يجلس فوق تمثال. 10 مرات أشعر أنني في خطر السقوط، لكنني عند المحاولة الـ11 أشعرني وقد استقررت في شكل قوي”. أوغست ستريندبرغ (1849 – 1912) بريشة إدفارت مونك (غيتي) هكذا تكلم كافكا هذا الكلام عن ستريندبرغ كتبه فرانز كافكا في إحدى صفحات يومياته، التي تعود لعام 1915. وإذا كان من المفاجئ أن يتحدث كافكا عن كاتب سبقه بمثل هذه اللغة الطيبة، هو الذي اعتاد أن يرفض أباه، ثم أي أب آخر يتنطح لتبنيه، فإن كثراً من كتاب بدايات القرن الـ20 وفنانيه كانوا يرون أن في قراءتهم لستريندبرغ أو مشاهدتهم مسرحياته، نوعاً من الأمان، على رغم كل ضروب القلق التي ينقلها ذلك الكاتب إلى قارئيه، وإلى متفرجي تلك المسرحيات. بل ربما كان الاطمئنان نتيجة طبيعية لقلق تطهيري تحمله الأعمال. وحتى في يومنا هذا لا نعدم أن نجد كتاباً وفنانين كباراً يعلنون انتماءهم، في شكل أو في آخر إلى ستريندبرغ، سواء تعلق الأمر بمسرحه الواقعي أو بمسرحه التاريخي، أو بأعماله ذات الصبغة الفانتازية، أو بنصوصه الأخرى. حالة خاصة كان أوغست ستريندبرغ حالاً خاصة، ولعل وحدة مواضيعه، على تنوعها، وصفاء أسلوبه على اختلاف مراحله، وارتباط حياته بأعماله، كلها عناصر أسهمت في تلك القراءة، وكذلك في العدوى التي كان يثيرها إلى درجة أن المشاهد الحصيف، حتى للوحة فنية من طراز “الصرخة” لإدفارت مونك، لا يسعه إلا أن يلمح سمات ستريندبرغ في خلفيتها. لستريندبرغ أعمال كبيرة وشهيرة، وله أخرى قد تقل عنها أهمية أو شهرة… ومع هذا، ربما يصح القول هنا إن بعض الأعمال، هذه الأخيرة، تنم عن عمله وارتباطه بحياته، أكثر مما تفعل أعمال كبيرة له من طينة “الحلم”، أو “الآنسة جوليا”، أو حتى “الأب”، أو “الطريق نحو دمشق”. ومن الأعمال “الثانوية” التي يمكن التوقف عندها في هذا السياق، تبرز بالتأكيد مسرحية “إريك الرابع عشر” التي عدت ما إن ظهرت في عام 1899، استكمالاً لثلاثية مسرحية تاريخية تحمل توقيع ستريندبرغ، وتضم من قبلها “المعلم أولاف”، و”غوستاف فازا”. وهذه الأعمال الثلاثة معاً أعمال تاريخية تستقي، من ناحية مبدئية، شكلها وموضوعها من مراحل معينة في تاريخ السويد، وطن ستريندبرغ، ومع هذا يظل ثمة سؤال: هل حقاً يمكن النظر إلى “إريك الرابع عشر” باعتبارها مسرحية تاريخية… حتى وإن كان من المؤكد ارتباطها بالمسرحيتين السابقتين لها؟ جواب ملتبس بالضرورة الجواب الوحيد الذي يمكن إيراده هنا، جواب ملتبس… ويميل نحو النفي على أية حال. ولكن من ناحية مبدئية تتحدث المسرحية عن ملك حقيقي هو إريك الحامل الرقم 14، وهذا الملك كان سبق لشخصيته أن ظهرت في شكل أول ومبتسر في المسرحية السابقة “غوستاف فازا”، لكنه هنا في المسرحية الجديدة، يحتل الصف الأول من الاهتمام، ذلك أن المسرحية إنما هي، في منتهى الأمر، صورة لهذا الملك الذي لم يكن بأي حال من الأحوال ملكاً عادياً، أو حتى كائناً عادياً… هو الذي ترك له سلفه الملك السويدي السابق، ومنذ صباه، إرثاً ثقيلاً ينوء به حتى ملوك مكتملو الشخصية والتدريب على السلطة. وكل هذا نعرفه هنا منذ الفصل الأول للمسرحية، إذ سرعان ما سنعرف، إثر ذلك، أن إريك مرتبط بعلاقة مع كارين، امرأة من الشعب اتخذها خليلة له، لكنه لا يتوانى عن تعذيبها وإشعارها بالمذلة في كل لحظة، وستعنف معاملته لها، لاحقاً، حين سيتناهى إلى علمه أن الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، رفضت، في شكل قطعي، عرضه الزواج منها. بعيداً من التطور الدرامي وكان من الواضح بالنسبة إلى ستريندبرغ، وهو يصوغ هذه المسرحية، أن أوضاع الشخصيتين الرئيستين فيها، إذ يضعها على هذا النحو منذ بداية المسرحية، لا تترك مجالاً لأي تطور درامي أو حتى تراجيدي يقتضيه العمل على المسرح التاريخي. وكان يعرف أنه مع تطور الأحداث، لا الانفعالات، تجازف المسرحية بأن تظهر كعمل جامد روتيني يصعب معه الوصول إلى نهاية قوية مقنعة، حتى وإن شهدت فصول المسرحية اغتيالاً بطريقة وحشية للكونت نيلس ستور، إذ إن هذا الاغتيال سيعجز، بدوره، عن تحريك الأطر التراجيدية وإحداث القلبة المسرحية التي كان يمكن للمتفرجين توقعها، بيد أن هذا لم يكن أبداً ليغيب عن ذهن ستريندبرغ ووعيه. وها هو، بعدما بدا، لوهلة أولى وخلال الفصلين الأولين، أن المسرحية لا تحمل أكثر من تصوير تاريخي أكاديمي لأحداث يعرفها الناس جميعاً في السويد، إذ إنها تدرس لهم في المدارس وتحفل بها كتب التاريخ، ويأتي الفصل الثالث، وهو الفصل الذي عليه اشتغل ستريندبرغ أكثر بكثير مما اشتغل على الفصلين الأولين، ليبدل ليس في الأحداث، ولكن في معنى الأحداث، وليقلب العمل كله من عالم الدراما التاريخية إلى عالم الدراما الحميمية، بل السيكولوجية حتى. لماذا تغيب الكبار؟ فالفصل الأخير مكرس هنا بأكمله لتصوير عرس الملك “إريك الرابع عشر” على كارين مانسدوتر، فتاة الشعب نفسها التي وجد إريك ألا مفر أمامه الآن، وبعد رفضه من إليزابيث الإنجليزية، من أن يقترن بها. صحيح أن هذا الاقتران يأتي من إرادة ملكية سامية لا يمكن لأحد، مبدئياً، الاعتراض عليها، لكن الأعيان وكبار أفراد الحاشية والنبلاء جميعاً، يحرصون على أن يتغيبوا عن العرس. وهكذا ستكون مأدبة العرس خالية، تماماً مثلما كانت حال المأدبة حول القديس بولس في “الطريق نحو دمشق”. وإذ ينتهي الاحتفال وقد أخفق كل ذلك الإخفاق، يقف إريك ليقول، وقد شعر بأقصى درجات العار والأسى “إن كل شيء زئبقي وقذر في حياتي، وهذا اليوم، الذي شهدني أقود إلى مذبح ربنا، عروس سنوات شبابي، لم يكن أكثر من يوم عار وشنار بالنسبة إليَّ”. وكرد فعل لذلك، وإذ يتحسب إريك لما ستفكر به إليزابيث في لندن إزاء إخفاق عرسه، وفشله في اجتذاب الأعيان إليه، يأمر بأن يدخل إلى القاعة جميع مشردي المدينة وجائعيها “وجميع الفقراء القاطنين في التحصينات، وكل فتيات الشوارع”، وهكذا يتم العرس ويسود فيه الفرح. ولكن أي عرس! وأي فرح! جنون وترحال وسجالات ولد أوغست ستريندبرغ عام 1849 ورحل عن عالمنا في عام 1912، مما يعني أن “إريك الرابع عشر” كانت واحدة من آخر المسرحيات التي كتبها، وهو الذي سيطرت موهبته المسرحية على بلاده السويد وعلى أوروبا الشمالية خلال الربع الأخير من القرن الـ19، لتسود أعماله لاحقاً أوروبا كلها، ناهيك بأن الرجل الذي عاش خلال العقود الأخيرة من حياته متنقلاً بين أنحاء أوروبا، ولا سيما مقيماً في باريس التي كان يعرفها جيداً ويتقن لغتها، أصيب، ذات حقبة من حياته، بذلك الجنون الخلاق الذي عبر عنه، بخاصة بكتابه “إنفرنو” الذي كتب معظم صفحاته في باريس، وباللغة الفرنسية، متضمناً صفحات كثيرة تغوص في جنونه كما في سيرته. ومن أبرز أعمال ستريندبرغ في المسرح كما في السيرة الذاتية وفي أدب التأمل، إلى ما ذكرنا، مسرحيات مثل “أزمات الجحيم” و”الأب” و”ملحمة آل فولدونغر” و”شارل الثاني عشر”، ونصوص أخرى، على غرار “إنفرنو” و”الغرفة الحمراء”، أثارت سجالات عاصفة توزعت بين باريس وستوكهولم عند نهايات القرن الـ19 وبدايات تاليه. المزيد عن: أوغست ستريندبرغإريك الرابع عشرإدفارت مونكفرانز كافكاالملكة إليزابيثكارين مانسدوتر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الذكاء الاصطناعي التوليدي… ثورة أم فقاعة؟ next post ويليام بويد: “عوليس” النهاية المثالية للأدب الروائي You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024