تساءلات عدة حول إمكانية أن يغدر قوم بإمبراطور من هذا الوزن الذي لم يتكرر في تاريخ بلادهم (ويكيبيديا) X FILEعربي يوليوس قيصر… هل اغتال نفسه؟ by admin 19 أبريل، 2024 written by admin 19 أبريل، 2024 155 خلال السنوات الأخيرة بدا في روما من هو غير مقتنع بالرواية التاريخية الخاصة بقتله عبر مؤامرة بروتوس وكاسيوس اندبندنت عربية على رغم أن الإمبراطورية الرومانية توالى عليها العديد من القياصرة الذين حكموها، إلا أن اسم يوليوس قيصر احتل مكانة خاصة في تاريخ تلك الجمهورية أو الإمبراطورية التي حكمت في وقت ما أكثر من نصف العالم. فاق يوليوس قيصر هنيبعل والإسكندر فكان أول من استولى على أرين والأوقيانوس، وفرض الجزية على ألمانيا وبريطانيا، وبسط سلطانه فوق آسيا وأفريقيا، وافتتح إسبانيا وبلاد الغال، وانتصر على فرسنجتوريكس قائد مقاومة بلاد الغال في منطقة الإلزاس، وعلى فرناس من الذين تبقوا من مملكة البطالسة، في موقعة زيلا، كما قهر بطليموس في الإسكندرية، وبومباي في فرسال، ومشى من نصر إلى نصر، وأوقع العالم القديم في سياق العبودية للإمبراطورية الرومانية. يعن للقارئ أن يتساءل “كيف يمكن لقوم أن يغدروا بإمبراطور من هذا الوزن الذي لم يتكرر في تاريخ بلادهم، وكيف يدافع نفر منهم بالقول إن النهاية المأساوية التي تعرض لها، إنما كان سببها الحفاظ على الإمبراطورية من ديكتاتوريته؟”. قبل أقل من عقد من الزمن، كانت العاصمة الإيطالية روما، تشهد حدثاً مثيراً جداً، وهو إعادة التحقيق في عملية اغتيال القيصر، الأمر الذي يعيدنا من جديد للبحث في ركام واحدة من أشهر وأخطر الحوادث بل من الأكثر غموضاً على مر التاريخ القديم. من الذين خططوا ورتبوا لاغتيال قيصرهم؟ وكيف دافع الرجل باستماتة عن نفسه؟ ولماذا غطى وجهه بثوب حين رأى أحدهم المدعو بروتوس يشارك الجناة في تسديد طعناتهم لجسده النحيل؟ وهل كان هذا الأخير ابناً غير شرعي له سعى للانتقام منه ضمن جموع القتلة؟ أم أنه لم يدر بالأمر إلا لاحقاً؟ والثابت أن هناك الكثير من الأسئلة المعلقة تاريخياً بشأن نهاية يوليوس قيصر، وما هذه السطور إلا محاولة لمشاغبة التاريخ، عله ينطق ما صمت عن البوح به. غايوس يوليوس قيصر ابن الأشراف عام 100 قبل الميلاد، ولد غايوس يوليوس في عائلة من الأشراف الرومان، وعايش في مرحلة مراهقته عهد الحرمان من حماية القانون، ذاك الذي فرضه ماريوس صهر أبيه، كما عايش ديكتاتورية قائد وقنصل روما الشهير، وأوائل عهد بومبي القائد الروماني الفذ. يروى المؤرخون الرومان والإغريق على حد سواء، كيف كان غايوس طفلاً غير عادي منذ نعومة أظفاره، فقد تجلت منذ بواكير عمره ملامح ومعالم وقدرات فذة أثارت الدهشة واستحوذت على الإعجاب. اتصف في طفولته بالذكاء الحاد والكرم الفياض، وعرف بالنبل والشجاعة والوضوح والصراحة، وتناول الأمور والقضايا بصورة لا تخلو من الجدية اللافتة للانتباه. يقول المؤرخ الإغريقي بولتارك “لم تكن تجرفه تيارات الأهواء ولا تسحره عيون الحسناوات، كما تمتع بقدرة هائلة على نسج علاقات اجتماعية عديدة ومتنوعة مع مختلف رجال روما مما أكسبه قدراً هائلاً من التقدير والاحترام لدى أهالى المدينة العظيمة بين مدن العالم القديم، ولم يكن مفاجأة أن الجميع كان يتوقع له أن يضحى رجل روما القادم، سيدها المستقبلي وقيصرها المجيد، ومن ثم إمبراطورها المرتقب. من يونان العلوم إلى روما العسكرة تبدأ مسيرة غايوس الصغير من عند بلاد اليونان، حيث درجت الأسر المؤسرة في تلك الأوقات على أن ترسل أبناءها إلى هناك لتلقي العلوم الفلسفية والأدبية، اللغوية والذهنية، وكانت مدارس وجامعات اليونان في تلك الأزمنة بمثابة الحاضنات العلمية للعالم القديم. حين عاد الفتى غايوس إلى روما، كان ينتظره التكوين العسكري، الوجه الثاني من العملة اللازمة لمن يشغل أي منصب سياسي أو عسكري في روما القديمة. كانت المسيرة السياسية لغايوس انطلقت غير أن وجود الجنرال الديكتاتور سولا قنصل روما أي حاكمها، اعتبر عقبة في طريق كل من يسعى لرفض نظام حكم الأقلية من أعضاء مجلس الشيوخ الروماني، وكان غايوس من أوائل الرافضين لهذا الحكم، الأمر الذي سيكلفه القبض عليه وبقاءه في السجن لفترة قصيرة. وعلى رغم السجن كان غايوس من الحصافة والذكاء أن استطاع الحفاظ على علاقاته مع نبلاء روما في مجلس الشيوخ طوال 10 سنوات بعد إطلاق سراحه. اختير غايوس زميلاً لجماعة النبلاء في روما عام 73 قبل الميلاد، ثم انضم إلى صفوف الجيش الروماني كضابط ومحاسب تابع للحكومة الرومانية، إلى أن قاد جيشه الخاص والذي عرف كأكثر جيوش روما انضباطاً على الإطلاق. من خلال علاقة تنسيقية مع الجنرالين بومبي وكراسوس، كون غايوس أول حكومة ثلاثية لروما، تنهي حكم الأقلية من مجلس الشيوخ، وكان ذلك بحلول عام 71 قبل الميلاد. انشغل غايوس لمدة 10 سنوات تقريباً في جولات وصولات عسكرية، أظهر فيها براعة كبرى، غير أن ذلك كلفه فقدان نفوذه في داخل روما لمصلحة شريكيه بومبي وكراسوس، وسوف يموت الأخير ولا يبقى إلا الأول. كان من الممنوع أن يقود أي جنرال جيوشه إلى داخل روما، لكن غايوس يوليوس أطلق عبارته الشهيرة “لقد نفذ السهم” أو “لقد ألقى النرد”، ودخل روما بجيشه ليخضع الجميع لسلطته وإن كلف الأمر روما حرباً أهلية مع جيش بومبي. انتصر غايوس يوليوس انتصاراً ساحقاً على كافة مناوئيه، واعتبر من وقتها الحاكم الديكتاتور المطلق، لكن تعبير “الديكتاتور” هنا لا تعني أنه كان رجلاً سيئ التصرف، بل قادراً على جمع شمل الأمة تحت رايته، ولهذا عمل جاهداً على تحسين حياة المواطنين الرومان وزيادة فعالية الحكومة وجعلها تتبنى مواقف عن صدق وأمانة، وأعلن عام 44 قبل الميلاد عن بسط سلطته الدائمة على روما. في هذا السياق يتساءل المرء “هل كانت انتصارات غايوس يوليوس قيصر، وانكسارات أعدائه، المنطلق الرئيس الذي سيكلفه حياته، ضمن واحدة من أشهر الجرائم الغامضة تاريخياً، لا سيما أن خيوط نسج المؤامرة لا تزال غير واضحة لجموع المؤرخين حتى الساعة؟”. حكم يوليوس واتهامات بالديكتاتورية في مؤلفه الشهير “قادة الفكر” يتحدث عميد الأدب العربي طه حسين عن يوليوس قيصر قائلاً “كان حظه خيراً من حظ الإسكندر، فقد استطاع أن ينظم الوحدة السياسية التي أخفق الإسكندر في تنظيمها أو أن يضع الأساس لهذا التنظيم، غير أنه لم يكد يوليوس يستقر في روما حتى محا السيادة الفعلية للنظام واستأثر بالسلطة كلها، فجعل نفسه ديكتاتوراً طول حياته، كما جعل نفسه إمبراطوراً مقدساً، وحجز لنفسه السلطة الدينية ونصب نفسه زعيماً للضعفاء يحميهم ويحوطهم، ولم يبق إلا أن يتخذ لقب الملك”. يوليوس قيصر جعل من نفسه إمبراطوراً مقدساً (مواقع التواصل) في هذه الآونة علم الأشراف الرومانيون أن نهاياتهم قد تكون قريبة جداً، ولهذا حاول طمأنتهم، مما أطلق عليه لسان شيشرون الكاتب والخطيب الروماني المشهور بالثناء عليه. وعامل يوليوس هؤلاء الأشراف معاملة كريمة، وعفا عن كل من استسلم له من أعدائه، ولم يحكم بالإعدام إلا على عدد قليل من الضباط الذين خانوا عهده. وأحرق يوليوس كل الرسائل التي عثر عليها في خيمة الجنرالات بومبي وسكيبيو من غير أن يقرأها، وأرسل ابنة بومبي وأحفاده الأسرى إلى سكستوس ابن بومبي وكان لا يزال في حرب معه، وأصلح تمثال بومبي وأقامه في موضعه بعد أن طرحه أتباعه على الأرض. عين يوليوس بعد ذلك بروتوس وكاسيوس واليين على اثنتين من الولايات، كما عين غيرهم من الأشراف في بعض المناصب العليا، وصبر على كثير من الأذى والمثالب من دون أن يشكو أو يتذمر، ولم يتخذ شيئاً من الإجراءات ضد كل من كان يظن أنهم يأتمرون به ليقتلوه. أما شيشرون الذي طالما لبس لكل حالة لبوسها، وأدار شراعه لكل ريح، فإن يوليوس لم يكتف بالعفو عنه، بل كرمه ولم يبخل عليه بشيء مما طلبه الخطيب العظيم لنفيه أو لأصدقائه البومبيين، أي أتباع الجنرال بومبي، بل إنه انصاع لإلحاح شيشرون فعفا عن ماركس مرسلس وهو الرجل الذي خرج على قيصر ولم يندم على فعله، وقد امتدح شيشرون في خطبة له رنانة عنوانها “إلى مرسلس”، “كرم قيصر الذي لا يصدقه عقل”، وقال عن بومبي إنه لو انتصر لكان أشد منه انتقاماً من أعدائه. هل كانت هذه التصرفات التي ينظر لها بعين النبل، كفيلة بأن تصرف المؤامرة عن يوليوس، أم أنها كانت تزيد من حنق أعدائه على رغم عفوه عنهم، وتدفعهم في طريق إعداد مقتلة ستتحدث بها الأجيال عبر ألفي عام؟ بروتوس والاغتيال شخصي أم قومي؟ أحد أهم الأسئلة المختلف من حول الجواب عليها حتى الساعة في قضية مقتل يوليوس قيصر والتي جرت في الـ 15 من مارس (آذار) من عام 44 قبل الميلاد “هل كان بروتوس الصديق المقرب من القيصر يوليوس وحجر الزاوية في تشكل مؤامرة الاغتيال قاتلاً حقيقياً؟ أم أنه كان مدافعاً عن كيان الجمهورية الرومانية والتي حاول يوليوس أن يحولها إلى ملكية وأن ينصب نفسه ملكاً عليها؟ إنه ماركوس جونيوس بروتوس السياسي الروماني الفذ، والذي ظهر في فترة مفصلية من تاريخ الجمهورية الرومانية، تلك التي كانت مليئة بالحروب الأهلية والاضطرابات والشقاقات السياسية. وبحسب الموسوعة البريطانية فقد ولد بروتوس في عام 85 قبل الميلاد في شمال اليونان، وكان ابن عائلة رومانية بارزة، فوالده ماركوس جونيوس بروتوس الأب، ووالدته سيرفيليا. كانت عائلة بروتوس من ناحية والده تنتسب إلى مؤسس الجمهورية الرومانية لوسيوس جونيوس بروتوس، الذي يُنسب إليه الفضل في قيادة التمرد الذي أطاح بالملك تاركوين المتكبر آخر ملوك أتروسكان في عام 509 قبل الميلاد، وأسس النظام الجمهوري لروما ودافع عنه لدرجة أن أعدم بعض أبنائه علناً لتورطهم في مؤامرة ضد الجمهورية التي أسسها. وكانت والدة بروتوس، سيرفيليا، من عائلة لها تاريخ طويل في السلطة الرومانية، ويشاع أنها كانت عشيقة ليوليوس قيصر، وهناك من ينكر أن ذلك حقيقة، وأن يوليوس اخترعها لتشويه سمعتها، ومن هنا وجد المؤرخون أنفسهم أمام احتمالين الأول أن يكون بروتوس بالفعل ابناً غير شرعي ليوليوس، أو أن بروتوس انتقم من القيصر بسبب تشويهه لسمعة والدته. كان تأثير والدة بروتوس، سيرفيليا، جلياً على يوليوس قيصر، ولهذا وجد ابنها بروتوس طريقه بسرعة كبيرة إلى جانب القيصر، والذي كان يريد شخصاً يتمتع بسمعة كبيرة طيبة إلى جانبه، لأن ذلك منحه شكلاً من أشكال الشرعية، والعهدة هنا على الراوي، وهي المؤرخة كاترين تيمبست في كتابها “بروتوس: المتآمر النبيل”. تم تعيين بروتوس من قبل قيصر حاكماً لمنطقة سيسالين غال من عام 47 إلى 45 قبل الميلاد، ثم عين قيصر بروتوس في منصب “البريتور” المرموق والقوي في عام 44 قبل الميلاد وهو منصب يحمل العديد من الصلاحيات المتميزة. كيف قدر لبروتوس المقرب جداً على هذا النحو، أن يكون الفاعل الأول في اغتيال القيصر يوليوس؟ بروتوس خائن أم حامي الجمهورية؟ هذا هو السؤال الأكثر غموضاً في قصة اغتيال القيصر، والتي تحتاج إلى الكثير من سبر الأغوار، فعلى جانب قرب القيصر بروتوس منه بدرجة كبيرة جداً، قال بعض المؤرخين إنه كان يعتبره الأخ الأصغر له، أما آخرون فقد فسروا المشهد على أنه نوع من البنوة المستترة لبروتوس ما يقطع بأنه ابنه من علاقة غير شرعية مع والدته. على أنه مهما يكن من أمر هذه العلاقة، وفيما كانت تتزايد، وجد بروتوس القيصر يمضي بسرعة لإعلان نفسه إمبراطوراً أبدياً لروما، وهو الأمر الذي لم يتقبله بروتوس الذي كان مدافعاً ومنافحاً عن الجمهورية التي أسسها أجداده، لذلك بدأ موقف بروتوس من يوليوس قيصر يتغير بسرعة شديدة، وإن ظل في إطار من السرية والكتمان الشديدين. لم يكن بروتوس وحده من يستشعر خطر التغيرات التي تجري في ذهن القيصر يوليوس تجاه نظام الدولة، بل الرأي العام في روما برمته، والذي بدأ يأخذ في الانقلاب والتحول. في هذه الأوقات، ظهرت كتابات على الجدران في وسط شوارع العاصمة روما، تمجد بروتوس الجد، مؤسس الجمهورية، وتوجه الانتقادات لطموحات القيصر يوليوس الذي ينحو لجهة الملكية. عطفاً على ذلك كان من المثير لمشاعر بروتوس جونيوس، ربيب القيصر، أن يجد الإهانات توجه له من كل صوب وحدب، وليس على جدران شوارع روما فحسب، وتتهمه بفشله في الارتقاء إلى مستوى جده الذي أنقذ الجمهورية، خصوصاً بعد أن أعلن مجلس شيوخ روما يوليوس قيصر حاكماً أبدياً. هل هناك من حفز بروتوس على اغتيال يوليوس قيصر؟ الشاهد أن هناك العديد من الكتابات التي تقطع بأن الخطيب المفوه شيشرون كتب رسائل تطلب من بروتوس إعادة النظر في علاقته مع يوليوس قيصر، فيما يزعم المؤرخ الروماني الشهير كاسيوس ديو أن يورسيا زوجة بروتوس حفزته على تدبير مؤامرة ضد يوليوس قيصر للخلاص منه. ولدت مؤامرة اغتيال القيصر وراء جدران القصر الإمبراطوري، عبر ثلاثة أشخاص رئيسيين، بروتوس وكاسيوس، جنباً إلى جنب مع ابن عم بروتوس والحليف المقرب لقيصر، ديسيموس جونيوس بروتوس، وقد شرعوا في تجنيد العشرات من أعضاء مجلس الشيوخ الروماني للانضمام إليهم في أواخر فبراير (شباط) من عام 44 قبل الميلاد. العراف… احذر العاصفة يا قيصر في بداية الأمر لم تكن هناك خطة واضحة لعملية الاغتيال، لا سيما أن الوقت من تخمر الفكرة إلى تنفيذها لم يتجاوز أسبوعين. كان الحديث أول الأمر عن نصب كمين في منطقة فيا ساكر، حين يمر يوليوس من هناك، وتالياً اقترحت فكرة أن يجري قتله خلال انتخابات عامة، كما طرحت كذلك قتله خلال مباراة مصارعة من تلك التي أشتهرت بها حلبات روما القديمة، والتي عرفت باسم “المجالدات”، لكن في نهاية المطاف استقر الاختيار على اغتيال القيصر خلال اجتماع لمجلس الشيوخ في منتصف مارس. لو كان يوليوس استمع إلى نبوءة العراف الروماني الذي حذره من تاريخ الـ15 من مارس، وأن شراً عظيماً سيحدث خلاله، وكان لزم بيته، فهل كان يجنبه هذا المصير، أم أن المؤامرة كانت ماضية في كل الأحوال. كان ذلك النهار عيد الإله مارس إله الحرب، وفيه تجري عروض عسكرية ويسير الجند في ساحة بومباي، ضمن مظاهر القوة الإمبراطورية الرومانية. في الطريق، قابل يوليوس العراف نفسه، وبدأ معه الحديث متندراً عليه بالقول “لقد حل عيد الـ 15 من مارس ولم يحدث لي شر”، فأجابه “نعم لقد حل اليوم ولكنه لم ينقض بعد”. العراف حذر يوليوس قيصر من شر عظيم (ويكيبيديا) كانت العادة أن يجتمع القيصر مع أعضاء مجلس الشيوخ بعد الاحتفال العسكري، وفي الطريق إلى قاعة الاجتماعات تم طعن القيصر بأكثر من 23 مرة. هنا نجد أنفسنا أمام مشهد أكثر غموضاً وإثارة، إذ يقول المؤرخ بلوتارك، إن قيصر كجندي لم يعرف في حياته الاستسلام أبداً، وهو من خاض غمار معارك عديدة، وحقق فيها انتصارات كبيرة. دافع قيصر عن نفسه بسيفه دفاع الأبطال، ولم يلق سيفه إلى أن كانت الطعنة الأخيرة، والتي فوجئ أنها من بروتوس ابنه أو أخيه الأصغر، ربيبه المقرب منه قلباً وقالباً، وساعتها، ألقى سيفه ووجه كلماته له قائلاً “حتى أنت يا صغير”، ولم يقل القيصر كلمات شكسبير التي خلدها في مسرحيته الشهيرة “يوليوس قيصر”، “حتى أنت يا بروتوس”. كان مشهد الاغتيال بحسب بلوتارك، فوضوياً، إلى الدرجة التي أصيب فيها بروتوس نفسه في يده حين كان يطعن قيصر. لماذا قاد بروتوس مؤامرة اغتيال قيصر؟ تبدو الأسباب الشخصية متوارية وراء التذرع بحماية الجمهورية الرومانية ونظامها الرئيس وخوفاً من تحولها إلى نسق ملكي مغاير للتأسيس، غير أن هذا الطرح لم يلق رواجاً في وسط الجماهير الرومانية والتي كانت تحب يوليوس قيصر حباً جماً، ولهذا عمت الفوضى في البلاد واشتعلت الحرائق في المدن والشوارع، وبدت روما على شفا حرب أهلية جديدة، الأمر الذي دفع بروتوس وكاسيوس للفرار إلى مقدونيا هرباً من الغضب والمحاسبة المتوقعة على قتل القيصر. بعد نحو عامين، وفي معركة فيليبي الشهيرة عام 42 قبل الميلاد، هزم بروتوس وكاسيوس أمام قوات الجنرال مارك أنطونيو، حليفهم السابق في قتل قيصر، والذي أضحى لاحقاً حليفاً لغايوس أوكتافيوس الذي سيخلف يوليوس. وفي مواجهة تلك الهزيمة انتحر بروتوس في أكتوبر (تشرين الأول) عام 42 قبل الميلاد، وماتت معه أحلامه في روما جمهورية كما أسسها جده، إذ تم تنصيب أغسطس قيصر كأول إمبراطور لروما، معلناً نهاية العهد الجمهوري لروما. الكاربينيري… قيصر انتحر ولم يقتل في مارس 2003، بدا في روما من هو غير مقتنع بالرواية التاريخية الخاصة بقتل يوليوس قيصر عبر مؤامرة بروتوس وكاسيوس. وبدأت التحقيقات من جديد على يد الكولونيل الإيطالي لوسيانو غاروفانو”، مدير مركز التحقيقات القضائي “كاربينيري” والذي قرر القيام بفتح التحقيق في الجريمة التي جرت قبل 2058 سنة أمام قصر مجلس الشيوخ. كان الدافع عند أحفاد الرومان، هو أن الاقتتال الداخلي والفوضى التي جرت بعد اغتيال يوليوس قيصر، لم تسمح بإجراء تحقيق استقصائي شامل يحدد أسباب حدوث الجريمة الجماعية. طرح غاروفانو عدداً من الأسئلة المثيرة للتفكير حول الحادث الأشهر ومنها: – لماذا منع يوليوس قيصر حراسه من مرافقته إلى مجلس الشيوخ على رغم تأكده بأن خصومه يبيتون له الشر والغدر؟ – لماذا أصر على تحدي خصومه وحيداً، وتجاهل اعتراض زوجته وقائد معسكره؟ – لماذا صم أذنيه عن سماع صيحات العراف الذي حذره من الشؤم الموافق والمرافق ليوم 15 مارس؟ تظهر لنا قراءات مختلفة، وربما لا تحمل كل الحقيقة التي توصل لها المحقق الإيطالي المعاصر، وبعد تواصل مع علماء نفس وأطباء شرعيين أميركيين، أن يوليوس قيصر كان مصاباً بأمر من اثنين: الرواية الأولى تقول إنه كان مصاباً بالصرع الذي تسبب له في ضربة فوق رأسه خلال آخر معركة عسكرية خاضها، ومن أنصار هذا الرأي البروفيسور ستراوس من جامعة كورنيل في أميركا، ويقطع بأن يوليوس قيصر توقف عن حضور جلسات مجلس الشيوخ الروماني، واختفى داخل جدران قصره فقد كان يخشى من ظهور نوبات التشنج التي تتفاوت أعراضها بين حين وآخر، وكثيراً ما كان يقاومها بالارتماء في أرض الغرفة. الرواية الثانية هي أن يوليوس كان مصاباً بداء حاد في أمعائه يجعله في حالة مستمرة من الإسهال الشديد، والتي لا يستطيع معها ضبط حركته الطبيعة. هذان السببان، عطفاً على أن الجراحات التي وجدت في جسده غير مميتة، فيما عدا ضربة واحدة، يُرجح أنها في الظهر وكانت طعنة بروتوس، دفعا المحقق الإيطالي إلى القول إن يوليوس نفسه هو من خطط لهذه المعركة بالاتفاق مع بروتوس، لكي يحقق ثلاثة أهداف كاملة، وهي الموت السريع، والسمعة الطيبة والخالدة، وكذلك استمرار نسله في الحكم أي بروتوس الذي وصفه بأنه ابنه حين طعنه بقوله “حتى أنت يا ابني”. هل يمكن تخيل أو تقبل هذه الرواية الإيطالية الأخيرة؟ حكماً إنها تاتي لتزيد من غموض واحدة من أعقد جرائم التاريخ غموضاً وضبابية. المزيد عن: الإمبراطورية الرومانيةيوليوس قيصرإيطاليامجلس الشيوخنبلاء روماجرائم غامضة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post باحثون يحذرون من أخطار “التكنولوجيا العصبية” على البيانات الشخصية next post الواقع السحري لماركيز يطل على نتفليكس You may also like “الرواية الكاملة” لهروب الأسد “المرتبك”… و”مفاجأة” الشرع 20 ديسمبر، 2024 “المجلة” تنشر وثائق عن رسائل من إسرائيل إلى... 17 ديسمبر، 2024 تجربة “سوريا الفيدرالية” التي لم تعش طويلا 16 ديسمبر، 2024 قصة أول قائدة طائرات مغربية التي قتلت برصاص... 15 ديسمبر، 2024 كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟ 15 ديسمبر، 2024 من الستينيات إلى اليوم.. كيف جسدت السينما الفلسطينية... 13 ديسمبر، 2024 ماهر الأسد… البعبع الذي أرعب السوريين 13 ديسمبر، 2024 موطئ روسيا على “المتوسط” يصارع موج الاحتمالات 10 ديسمبر، 2024 من يرسم الخطوط بين تونس وليبيا؟ 7 ديسمبر، 2024 مفاوضات سوريا وإسرائيل… دمشق تعزز روابطها العربية (3-3) 1 ديسمبر، 2024