"نحن أشرف الناس والآخرون ضالون ومتخاذلون وفاسدون ومتآمرون" (Getty) بأقلامهم يوسف بزي يكتب عن: كابوس “الثنائي”.. رئيس الحكومة مقاوم ورئيس الجمهورية جنوبي by admin 16 يناير، 2025 written by admin 16 يناير، 2025 27 من الغرائب الأخيرة التي شهدناها حين اندلعت الحرب، أن الحزب اتهم كل من كان يطالب بوقف إطلاق النار بالخيانة والتخاذل. وفي نهاياتها، عندما استمات الثنائي للحصول على وقف إطلاق النار، راح يتهم الآخرين بأنهم يتمنون استمرار الحرب طمعاً بالقضاء عليه. جريدة المدن الالكترونية / يوسف بزي – كاتب وصحافي لبناني من ليس منا هو عدو. هذا مبدأ سياسي يعتنقه “الثنائي الشيعي” في علاقته مع الآخر. إبقاء الطائفة متراصة ومستنفرة ومتوجسة من أي آخر، حتى ولو كان حليفاً مرحلياً أو صديقاً قديماً، يقوم على إيمان راسخ بهذا المبدأ. وتتم تغذيته بعقيدة “التخوين”. فمن يعارض أو يخالف هو متآمر أو خائن أو عميل، وفي أفضل الأحوال هو غبي. فلا أحد حريص على مصلحة الطائفة ومصلحة لبنان، بل ومصلحة المسلمين قاطبة، وشعوب العالم بأسرها، سوى حزب الله، وحركة أمل المنضوية تحت جناحه. لا أحد يملك البصيرة والعقل والمعرفة في تقرير مصير الطائفة أولاً والبلد ثانياً، وإدراك مصلحتهما، سواهما. والحق يقال، إن هذا الثنائي على امتداد العقدين الأخيرين نجح إلى حد بعيد في دمج الإيمان الديني الشيعي بالولاء السياسي والغريزي إما للحزب بالدرجة الأولى أو للحركة. فمن لم ينتسب إليهما ولو شعورياً وانتخابياً ومبايعة سياسية يومية، صح التشكيك بانتمائه للطائفة، حتى وإن كان ملتزماً دينياً. على هذا النحو، وبفضل القوة المالية والعسكرية، وامتياز اللجوء إلى العنف، وبعد تحويل ما يسمى “البيئة الحاضنة” إلى مجتمع حرب دائمة، واحتكار “المقاومة” التي صارت غاية الحياة ومنتهاها.. أصبح هذا “الثنائي” غالباً للدولة وكاسراً للآخرين. فالنموذج الاسبارطي هذا، انتصر -بالعنف المنظم وبديمومة الحرب- على النظام اللبناني ودستوره مرات ومرات. كان يكفي وضع مسدس “المقاومة” على طاولة مجلس الوزراء، أو على منبر مجلس النواب، حتى يفرض الثنائي مشيئته على الآخرين. وبالصدفة، الآخرون هم أغلبية اللبنانيين! وعماد هذه السياسة القاهرة وشرعيتها، إنما مستمدة من ثيمتين: الأولى، نحن أشرف الناس والآخرون ضالون ومتخاذلون وفاسدون ومتآمرون. والثانية، نحن القابضون على الحق والآخرون أبناء الباطل. باختصار، نحن الخير وهم الشر. قسمة لا تحتمل الرمادية. وعليه، يمكن اللجوء إلى وسائل العنف والترهيب والقتل بلا أي تشكيك أخلاقي. يمكن التهديد بالحرب الأهلية، أو إشهار الاحتقار للقضاء إن لزم الأمر. التجارب الممتدة من شباط 2005 وحتى الأمس القريب، تعلمنا أن “الثنائي” فرض سلطته بقدر كبير من العنف والعسف والإكراه. وبرر باستمرار كل هذا، بوصم الخصوم والمعارضين إما بالتآمر أو الخيانة. بالطبع، هؤلاء الخصوم، أفراداً وجماعات وطوائف وأحزاب، يملكون تصورات وسياسات ونظرة إلى العالم مغايرة تماماً. وهذا ما سهّل على الحزب خصوصاً، ترسيخ الكراهية تجاههم في بيئته. إذ يسع الحزب المذكور تعبئة “شعبه” ضد فؤاد السنيورة ولو على أساس تهم مختلقة، أو معاداة حزبي الكتائب والقوات اللبنانية بالمطلق، حتى ولو قالا “السماء زرقاء واللبن أبيض”. يمكنه إنزال مئات غاضبين هاتفين “شيعة، شيعة..” ضد متظاهرين في النبطية عام 2019 يصدف أنهم كلهم شيعة! كان كابوس “الثنائي” باستمرار، أن يفوز شيعي واحد مستقل بمقعد نيابي. فهذا انشقاق وتصديع لا يُحتمل. خيانة قصوى لا يمكن السكوت عنها. وينسحب هذا على السياسة اللبنانية بأسرها. فلا يمكن انتخاب رئيس مجلس نواب أو تسمية رئيس حكومة أو ترشيح رئيس جمهورية أو تشكيل مجلس وزراء إلا وفق إرادة الثنائي. فهذا هو الدستور الوحيد. هذا هو “التوافق”. وهذا هو التجسيد لـ”الوفاق الوطني”. وإلا فالسلاح يحسم الأمور. ومن الغرائب الأخيرة التي شهدناها حين اندلعت الحرب، أن الحزب اتهم كل من كان يطالب بوقف إطلاق النار بالخيانة والتخاذل. وفي نهاياتها، عندما استمات الثنائي للحصول على وقف إطلاق النار، راح يتهم الآخرين بأنهم يتمنون استمرار الحرب طمعاً بالقضاء عليه. في كل الأحوال، وبعد أكثر من سنتين على فراغ رئاسي سببه شعار “فرنجية رئيساً أو لا أحد” رغماً عن إرادة أغلبية الشعب اللبناني ونوابه، وبذريعة منع وصول رئيس ما “يطعن بظهر المقاومة”، وأيضاً لا رئيس حكومة إلا الذي يرتضيه “الثنائي”، ولا مجلس وزراء إلا بثلث معطِّل، بحجة صون السلاح وأهل السلاح وبيئة السلاح، من المتأمركين والمتصهينين، إلخ.. أفضى الضعف المستجد على “الثنائي” جراء الحرب وتبعاتها، إلى استقامة النظام الديموقراطي نسبياً، وانتصرت إرادة أغلبية شعبية ونيابية مؤكدة إلى انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية، كما أن موجة “التحرر” السياسي هذه أدت إلى تسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة الجديدة. ما لم يحسب له حساب هذا الثنائي الغاضب الآن، والذي يكتم غيظاً سياسياً كبيراً، أن الخصوم هذه المرة ليس سهلاً وصمهما بتلك التهم الجاهزة دوماً، خصوصاً أن اتهام نواف سلام قبل سنتين أنه “أميركي” تهافت على نحو فاضح، حين تبيّن أن “الإسناد” المجدي الوحيد ربما للفلسطينيين ولأهل غزة تحديداً، إنما قدمه سلام نفسه في موقعه القضائي الدولي، وبوجه أميركا أولاً وضد إسرائيل حتماً. فسلام كما نعرف “مقاوم” عريق، وقبل تأسيس حزب الله وحركة أمل. أما رئيس الجمهورية جوزاف عون، فهو كابوس من نوع آخر. إنه أول رئيس جمهورية من جنوب لبنان. ومعه تتوضح أكثر حقيقة الجنوب، المتعدد والمتنوع والغني ببشره وطبيعته وثقافته ومجتمعاته المتآلفة والمختلفة. وقد أتى في لحظة، لا أمل للجنوبيين اليوم للعودة إلى قراهم ولإعادة إعمارها إلا بالجيش اللبناني وبالدولة اللبنانية. هذا هو الكابوس الذي لا يُحتمل. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post غزة بحاجة إلى مليارات وسنوات لتنفض عنها غبار الحرب next post اليوم الثاني من الاستشارات.. مطالبة بإستحداث وزارة لتوجيه الموارد You may also like دلال البزري تكتب عن: الفلسطينيون نحو النسيان 16 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: ربّما باتت آخر «المعارك... 16 يناير، 2025 ساطع نورالدين يكتب عن: لبنان المغضوب عليه..من الاميركيين 15 يناير، 2025 مايكل بيكلي يكتب عن: النصر الغريب لأميركا المتصدعة 15 يناير، 2025 ماجد كيالي يكتب عن: انهيار الخيار العسكري ضد... 15 يناير، 2025 غسان شربل يكتب عن: عون رئيساً لاسترداد لبنان 13 يناير، 2025 ريفا غوجون تكتب عن: رهانات فعلية في سباق... 12 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: مسألة «الصراع» و«القضيّة» اليوم! 12 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: نهاية الحروب اللبنانية... 11 يناير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: سوريا بعد الأسد واستقبال... 10 يناير، 2025