ثقافة و فنونعربي هل تنافس دا فينشي ومايكل أنجلو لبناء أول جسر “حديث” يربط أوروبا بآسيا؟ by admin 9 يناير، 2023 written by admin 9 يناير، 2023 19 بين رسالة من ليوناردو إلى بايزيد ورغبة صاحب جدارية “الخليقة” في إغاظة بابا روما اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يروي الكاتب الفرنسي سيرج براملي، في سيرة معاصرة لحياة ليوناردو دا فينشي أعيد إصدارها قبل أعوام قليلة، أن المنقبين في الأوراق القديمة العائدة إلى قصر توبكابي في إسطنبول، قد عثروا في عام 1952 على وثيقة سيرونها بالغة الأهمية، مكتوبة بالتركية إنما بأسلوب سيصفه الخبراء بأنه عربي لامتلائه بعبارات المديح والشكر والحمد لله. وسيرون أن الوثيقة عبارة عن رسالة موجهة من الموقع عليها إلى “جناب السلطان العالي بايزيد” يبدي فيها كاتب الرسالة فخره بما أنجزه حتى ذلك الحين في أوروبا من بناء عدد كبير من طواحين الهواء إضافة إلى اختراعه “آلة أوتوماتيكية” يمكنها تجفيف قاذورات الفضلات البشرية على متن السفن، كما يبدي قدرته على إنشاء “ذلك الجسر الضخم الذي يكثر الحديث عنه منذ سنوات”. ويذكر الكاتب بكيف أن السلطان نفسه كان قد بعث إلى إيطاليا قبل فترة من الزمن سفيراً له يبحث عن مهندسين أكفاء يتولون بناء ذلك الجسر. صحيح أن هذا النوع من الرسائل كان يكثر في ذلك الحين موجهاً من خبراء وفنيين وعلماء إيطاليين خصوصاً إلى ملوك ومسؤولي الدول المجاورة. وصحيح أيضاً أن معظم تلك الرسائل كان موجهاً إلى القسطنطينة بالذات أيام السلطان بايزيد الذي عرف حينها بانفتاحه على أوروبا والتقنيات الإيطالية بل حتى الفنانين الإيطاليين ولعل مثال جينتيلي بيليني خير ما يمكن ذكره في هذا السياق. التوقيع: خادمكم المخلص ليوناردو غير أن المهم بالنسبة إلى رسالة “توبكابي” فلا شك أن فرادتها التاريخية بل أهميتها القصوى، تكمن في التوقيع الذي تحمله. إنه ببساطة “خادمكم المخلص ليوناردو” وكادت تمر مرور الكرام لولا وجود تطابقات تاريخية تفترض، بل تؤكد بحسب براملي، أن ليوناردو هذا لا يمكنه أن يكون سوى ليوناردو دا فنشي نفسه، صاحب “الموناليزا” واللوحات النهضوية عديدة، ولكن كذلك صاحب عشرات الاختراعات والتجديدات في المجالات التقنية والعسكرية والعمرانية… وطبعاً لا أهمية كبيرة هنا لأن تكون الرسالة مكتوبة بالتركية وبأسلوب عربي، إذ حسبنا أن نتأمل عدداً كبيراً من اللوحات التي تعود إلى تلك المرحلة كي نكتشف وجود عشرات الشخصيات بأزياء عربية تجوب شوارع المدن الإيطالية التقطها الرسامون وخصوها بأماكن مميزة في لوحاتهم، وهو ما سيجعل الكاتب المغربي الطاهر بن جلون يكتب قبل فترة مقالاً بالغ الأهمية عنوانه “عندما كانت البندقية تحب العرب”. صحيح أن الزمن الذي يتناوله الكاتب المغربي يتحدث عن عقود بل قرون لاحقة على عصر ليوناردو، لكن حكايتنا ليست هنا. حكايتنا تتعلق بليوناردو والعرض الذي من الواضح أنه هو الذي قدمه للسلطان العثماني، ولكنها تتعلق أيضاً وخصوصاً بذلك الجسر الذي أراده بايزيد أن يكون أول رابط بري بين أوروبا وآسيا وبعث برسله إلى بلاط آل بورجيا كي يساعدوه في العثور على عمراني كبير يتولى المشروع. ونعرف أن دا فنشي كان حينها من رجالات بلاط آل بورجيا. ليوناردو قبل دا فنشي واضح من الرسالة أن الاختيار لم يقع عليه في نهاية الأمر ولكن دون أن نعرف لماذا، لكننا نعرف أن دا فينشي لم يكن بعد قد أضحى ذلك المعلم النهضوي الكبير الذي نعرفه اليوم، ولكن في المقابل كان آل بورجيا حماة نهضة فكرية وعمرانية وتجارية وفنية كبيرة. ومن هنا، لم يكن بايزيد على خطأ في اختياره التوجه إليهم. أما بالنسبة إلى دا فنشي فإنه عرف من خلال الأخبار المتداولة برغبة بايزيد واتصاله بالبلاط المديتشي من أجل الربط البري بين القسطنطينة وبيرا. ويبدو أن ليوناردو، على خطى جنتيلي بيلليني كان يتطلع إلى أن يكون له موطئ قدم في تلك البلاد الناهضة، ومن هنا انصرف من فوره إلى دراسة المشروع بكل عناية وإيجابية، هو الذي كان قد سبق له أن تأمل ودرس بكل تفاصيله جسراً لا يقل طولاً وقوة عن ذاك الذي يريده بايزيد رمزاً لانفتاحه على العالم الأوروبي. وكان ذلك الجسر الذي كثيراً ما لفت نظر دا فينشي مبنياً في منطقة رومانيا وتكمن “أعجوبته” في أنه قد شيد بقنطرة عريضة واحدة ما يسمح بمرور السفن تحتها. وكان هذا الجسر ذو القنطرة الفريدة يعد عجيبة تقنية ولطالما فكر ليوناردو في أنه بتقدمه التقني ليس عاجزاً عن بناء مثله وقال لنفسه “إذا كان أندريا فيريري من إيمولا قد شيد هذا الجسر، لست أرى ما يمنعني من تشييد ما هو أهم منه”. دراسة المدينة عن بعد وهكذا لم يكتف ليوناردو بدراسة الجسر القائم بل بعث إلى القسطنطينة، وكما يبدو، مساعدين له أحضروا خرائط المدينة ودرسوا طوبوغرافيتها بدقة حتى تمكن من أن ينجز مخططات تقنية من الأسف أنه لم يُعثر عليها لاحقاً. وتقول معلومات متقاطعة إن الجسر الذي يبدو أنه رسمه بالفعل يتألف من قنطرة واحدة لا يقل عرضها عن 240 متراً ما كان من شأنه أن يجعلها أعرض قنطرة لجسر في العالم حتى ذلك الحين. وهو بعد أن أنجز هذا العمل وسط تكتم شديد، انصرف إلى كتابة تلك الرسالة التي يحق لنا أن نفترض أنه كلف عربياً من سكان فلورنسا أو غيرها، بترجمتها إلى التركية، وأن ذلك العربي طعمها بأسلوب يحمل ليس فقط كل ضروب التفخيم للسلطان العثماني الذي يفترض أن تغريه النعوت المغدقة عليه، بقدر ما تغريه المواصفات المغدقة على باعث الرسالة نفسه. والأظرف من ذلك أن الرسالة تتحدث عن الكلفة الزهيدة التي أنفقت على مشروع تجفيف مراحيض السفن واعدة بأن كلفة الجسر المنشود ستكون ضئيلة كذلك “بإذنه تعالى…”. ويستشف من تلك الرسالة التي لا شك أن ليوناردو هو من بعث بها إلى بايزيد، أن الرسام النهضوي الكبير كان بالفعل راغباً في أن يضع خبرته ومواهبه في خدمة الباب العالي، لكنه وبحسب جورجيو فازاري هذه المرة، لم يكن الوحيد. في الصراع السياسي يحكي لنا فازاري في كتابه العمدة “حياة الرسامين والنحاتين والمعماريين” كيف أن مايكل أنجلو بدوره، وبعد سنوات من إقدام ليوناردو دا فينشي على مبادرته، أقدم بدوره على تقديم عرض مماثل إلى السلطات العثمانية، ولكن في ظروف مختلفة بعض الشيء، لكنها ظروف تشي بأن الجسر المنشود الذي كان يتطلع إليه بايزيد، لم يكن قد أنجز بعد، كما تشي بأن مايكل أنجلو إنما كان يريد من مبادرته أن تحمل معاني مختلفة تماماً. فلئن كان دافنشي قد توخى تحقيق عمل عمراني حقيقي من خلال عرضه بناء الجسر، لا شك أن مايكل أنجلو كان يهدف إلى غايات سياسية لم تكن لتخفى على أحد. وبخاصة إن نحن تفرسنا بدقة في ما يرويه فازاري. فالحال أن صاحب جدارية “الخليقة” وكل تلك المنحوتات الفريدة من نوعها في تاريخ البشرية، كان في ذلك الحين على خلاف عميق مع بابا روما ومن هنا وجد التوجه إلى بايزيد كي يبني له الجسر الضخم الذي يتطلع إليه ذلك السلطان العثماني، وسيلة لإغاظة البابا عبر خلق حال من الخطر الإسلامي الدائم يترصده. ومن هنا لأن للسلطان عيوناً ترصد كل حركة وسكنة في المدن والدول الإيطالية المجاورة، وهو الذي لم يكن راغباً في استفزاز أي منها، غض نظره من جديد وأجل المشروع لأسباب سياسية جيوستراتيجية هذه المرة، بعد أن كان قد تغاضى قبل ذلك عن مبادرة ليوناردو دا فنشي ولكن من دون أن نعرف الأسباب. مكيافيلي يعوض بقي المهم في الحكاية كلها أو في الحكايتين طالما أن فازاري يثني على حكاية دا فنشي التي بالكاد نجد ذكراً لها في كتابه نفسه، حكاية مايكل أنجلو، ما يضعنا أمام حكاية مزدوجة تتعلق بجسر واحد لم يبنه في نهاية الأمر أي من كبيري عصر النهضة. أما بالنسبة إلى دا فينشي (1452 – 1519) فإنه بعد إخفاقه في إقناع بلاط بايزيد بجدارته ببناء ذلك الجسر الرابط بين القارتين، سيلتقي بمكيافيلي الذي سيكلفه بمهام أخرى لا تقل أهمية عما كان من شأن بايزيد أن يكلفه به، لكن هذه حكاية أخرى بالطبع. المزيد عن: ليوناردو دا فينشي\السلطان بايزيد\الدولة العثمانية\آل بورجيا\إيطاليا\أوروبا\آسيا\الجسور\مايكل أنجلو أنطونيوني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Tight labour market means rise in gig work unlikely during recession: economists next post هجرة حسونة المصباحي من منفى عربي إلى آخر غربي You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024