ثقافة و فنونعربي هل انتهى زمن كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد؟ by admin 26 أغسطس، 2022 written by admin 26 أغسطس، 2022 27 ترجمة جديدة تعيد إحياء السجال القاسي وتؤكد الصفة الإنسانوية للمفكر الذي كان فلسطينياً ثم أميركياً اندبندنت عربية \ سامية عيسى مع صدور ترجمة جديدة لكتاب “الاستشراق” للمفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد، أنجزها الأكاديمي محمد عصفور (دار الآداب 2022)، يعود إلى الذاكرة الجدل العنيف الذى أثاره الكتاب فور صدوره عام 1978، بترجمة أولى قام بها الناقد كمال أبو ديب. قد يتبادر إلى الذهن سؤالان: هل فات الزمن على الكتاب؟ هل سيحتفظ بقيمة تضعه في مصاف كلاسيكيات الفكر العالمي؟ حين صدوره عام 1978 أثار عاصفة من النقاش في الغرب الأوروبي والأميركي، بين مؤيد ومعارض في سياق نقد موضوعي. استفز الكتاب كبار المفكرين العرب وألهب حماسة آخرين ممن استقبلوه بحفاوة بالغة، في الوقت الذي دفع عديد الطلبة حول العالم، بخاصة في الدول العربية والإسلامية والآسيوية عموماً، إلى دراسة خطاب الاستشراق على خلفية جديدة متفحصة، وانطلاقاً من كونه خطاباً اشتغل على تمثيل الشرق وابتكاره وإبراز تخلفه تمهيداً للهيمنة عليه، بحسب فرضية إدوارد سعيد. وإن لم تقتصر هذه الدراسات الاستشراقية على ما تناوله إدوارد سعيد في كتاب “الاستشراق”، فهو شكل حافزاً على مدى أربعة عقود لإعادة النظر في ظاهرة الاستشراق، وإن بعيداً من النبرة التعميمية في بعضها التي وقع فيها سعيد في عديد المواضع التي غذت الفكرة التي حاول سعيد أن يفندها. سوء الفهم أدت هذه التعميمات فضلاً عن سوء الفهم الذي تعرض له سعيد إلى نتيجة عكسية، إذ تصاعدت الاتجاهات العنصرية عند الكتاب العرب وبعض الكتاب الأوروبيين والأميركيين. بل أوحت بعض الأفكار التي أوردها، كما الأمثلة التي ساقها ليثبت فرضيته، أن سعيد نفسه ظل سجين الاستشراق الذي ينتقده، بحسب المفكر اللبناني اليساري مهدي عامل. هذا فضلاً عن تجاهله التام لأسماء مثقفين غربيين كنماذج إيجابية لم تنضو بتاتاً في خطاب الاستشراق. الترجمة الجديدة للكتاب (دار الآداب) مياه كثيرة جرت تحت جسر كتاب “الاستشراق” منذ صدور طبعته الأولى وفي ترجماته لأكثر من ٣٥ لغة حول العالم، لكن هذا لا يعفينا من طرح السؤال، هل فات الزمن عليه؟ بخاصة أنه شكل فور صدوره فتحاً عظيماً وصادماً. وصدرت دراسات أكاديمية لطلبة متميزين انطلاقاً منه، أكثر تطوراً ودقة وموضوعية، استناداً إلى انضباطية المعايير البحثية التي التزموا بها، التي يصعب سوقها في هذه السطور، وإن لم تقلل من شأنه. يعترف سعيد بالجانب الإيجابي لظاهرة الاستشراق في كونها أسهمت في إحياء اللغات القديمة لهذا الشرق، فراحت تدرسها مؤسساته الأكاديمية. هذا فضلاً عن حفظ آلاف النصوص من الإرث الحضاري العربي والإسلامي وتحقيقها وأرشفتها، وتوثيقها في ألمانيا على وجه الخصوص، لكنه حلل الجانب السلبي” الطاغي” برأيه لخطاب الاستشراق بوصفه خطاب القوي (الغرب) نحو الضعيف (الشرق والشرقي). اللافت هنا أن آدم شيتز الصحافي اللامع والناشط في تاريخ أوروبا الحديث كتب مقالة بعنوان “الاستشراق إلى أين؟” نشرت في لندن “ريفيو أُف بوكس” عام 2019 حول كتاب سعيد مدحه فيها، واعتبره واحداً من أشهر الأعمال تأثيراً في التاريخ الفكري لحقبة ما بعد الحرب. لكنه يرى أنه من أكثر الأعمال التي أسيء فهمها أيضاً، بخاصة في ما يتعلق بمضمون الكتاب، وكأنه يتحدث عن الشرق الأوسط، ولكن لم يكن هذا هدفه، يقول شيتز. أسطرة الشرق الكتاب دراسة تصور تمثيلات الغرب للعالم العربي الإسلامي، وهي تلك الصورة التي ينعتها سعيد بمصطلح وليم بليك، “القيود التي يصوغها العقل”. إذ قام الاستشراق بأسطرة الشرق والشرقي، عبر تعميم مظاهر فردية أو فئوية تبتكر صورة متخلفة عنه، تسمح بترويج خطاب عن الشرق، يهدف إلى الهيمنة عليه. وإذ يعتبر شيتز أن سعيد زعزع قوة هذا الخطاب بشجاعة جعلته عرضة لهجوم شرس من نقاد مستشرقين من أمثال برنارد لويس، لكنه نجح في إخضاع هذا الخطاب للنقاش والنقد. وبهذا شكل سعيد سداً كبيراً ساهم في وقف المد الاستشراقي لهذا الخطاب. وبهذا يؤكد شيتز استمرار تأثيره، وإن ما زال خطاب الاستشراق كخطاب هيمنة، سارياً في عديد الأروقة الأكاديمية ووسائل الإعلام، لكنه لم يكن أساساً هو الخطاب المهيمن على خطاب الاستشراق بشكل تام. فضلاً عن تجاهل سعيد نماذج إيجابية عديدة، كما سبق وأسلفنا، لكنه أورد مغالطات أثارت حفيظة اليساريين العرب وانتقادات وجيهة، جعلتنا نعتقد أنها قللت من شأن الكتاب وإن لم تقلل من شأن فرضيته كخطاب هيمنة استعلائي عنصري، لكن من غير تعميم. الترجمة الأولى للكتاب (مؤسسة الأبحاث الفلسطينية) لعل كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد ما زال حياً في جوهره. فهو شكل حين صدوره صدمة حقيقية للمؤسسات الاستشراقية التي تجاهلت القضايا التي شكلت هموماً وجودية لهذا “الشرق”. هي الهموم التي شغلت سعيد طوال حياته، وربما كانت الدافع الأول لتأليف هذا الكتاب. وتعتبر قضية فلسطين على رأس هذه القضايا، كما قضايا الجوع والفقر والبيئة وحقوق المرأة وما إلى ذلك من قضايا، بات نقاشها حياً وأكثر إنسانية وموضوعية نسبياً في أروقة مؤسسات الاستشراق الأكاديمية نفسها. مثل كتاب الاستشراق نوعاً من “التحذير” من خطورة هذا الخطاب، ليس بوصف إدوارد سعيد فلسطينياً فقط، بل من منطلق أنه أميركي أيضاً. وذلك بسبب طبيعة القوة والهيمنة اللتين كرسهما خطاب الاستشراق في معرض تلفيق صورة معينة عن الشرق وأهله، شكلت الأرضية الفكرية للتوسع الاستعماري لهذا “الشرق”، وبررت نهب موارده، هو الجاهل المتخلف العاجز عن إدارتها والاستفادة منها. ساهم هذا الخطاب في تزييف الوعي والانحراف بالثقافة عن بعدها الإنساني وطبيعتها التبادلية وانحيازها للحقيقة. ينسحب هذا الخطاب على العقلية التي تميزت بها الرأسمالية وتحولها في أعلى مراحلها إلى إمبريالية متوحشة وضارية. فهي تستبيح ليس فقط الدول الضعيفة بل فئات اجتماعية مهمشة، وتتجاهل قضايا تهدد الحياة على كوكب الأرض، ومنها تلوث البيئة والتغير المناخي وحقوق النساء. وكأن النخبة الرأسمالية لهذه الطبقة ليست مع هؤلاء في مركب واحد، وكأن هذه النخبة لن تتعرض هي وشعوبها ومستشرقيها للغرق. هذا هو هم سعيد الذي لمس خطورة هذا الخطاب وتداعياته بوصفه مفكراً إنسانوياً متخصصاً أساساً بالإنسانيات. تجاهل مفكرين غربيين مع ذلك، يؤخذ على إدوارد سعيد تجاهله لمثقفين كانوا مناهضين طبيعيين لخطاب الاستشراق، أمثال حنة آرندت صاحبة كتاب “آيكمان في القدس” وما تضمنه من انتقادات علنية لإسرائيل بسبب انتهاكاتها تجاه الفلسطينيين. وهي انتقادات سعت إلى تحذير إسرائيل من سلوكياتها الفظة ولا أخلاقيتها التي ستجعلها تصطدم عاجلاً أم آجلاً بحائط مسدود يعيد إنتاج المظالم التي أدت إلى محرقة الهولوكوست. وعلى رغم يهودية حنة آرندت، فهي ناهضت الحركة الصهيونية دائماً وكانت تعيش في نيويورك مع إدوارد سعيد وتدرس في جامعاتها، لكن سعيد لم يتخذها في كتابه ولا لاحقاً كنموذج للمثقفين غير المنضوين في خطاب الاستشراق، وهو ما يثير الاستغراب والتساؤل. كذا لم يأت على ذكر فرانز كافكا صاحب رواية “في مستوطنة العقاب” و”بنات آوى وعرب”، وتجاهل إرثه الإنساني في الأدب العالمي الذي يخرج أساساً على خطاب الاستشراق، وعلى كل الصلف الذي يمارس بحق الإنسان. وتعرض بالنقد لكارل ماركس من خلال جملة تحدث فيها عن شعب الهند قائلاً “ليس بإمكانهم تمثيل أنفسهم، لا بد من تمثيلهم”. واعتبر تعاطفه معهم ضد الاستلاب الإنساني الذي مارسه الاستعمار البريطاني عليهم، بوصفه استثناء لخطاب الاستشراق، متجاهلاً إرث ماركس الفلسفي والفكري ضد الرأسمالية، وفي تحولها في أعلى مراحل تطورها إلى إمبريالية تستعمر الدول وتستضعف الشعوب وتنهب ثرواتها. وفي كتابه “هل القلب للشرق والعقل للغرب؟”، يرد المفكر اللبناني مهدي عامل على أطروحة سعيد قائلاً “يبدو أن إدوارد سعيد في رؤيته لموقف ماركس المتميز في نقده للاستلاب الإنساني، وما مارسه التدخل الاستعماري في الهند من الجشع والقسوة الوحشية الصريحة، كأنما ماركس ينطلق من وجهة نظر فردية أخلاقية وإنسانية، بحيث يسجل له تعاطفه الإنساني مع الشعوب الشرقية كخروج استثنائي عن الاستشراق. بينما يفسر تحليله المادي والطبقي كنزعة عقلانية استشراقية معرفية لهذه الشعوب”. ويتابع “كأن ماركس في صراع بين قلبه وعقله وكأن القلب للشرق والعقل للغرب”. ويواصل مهدي عامل، وبمنهجية علمية تفكيك رؤية سعيد الاستشراقية، في معالجته لإشكالية موقف ماركس من الشرق، ووفقاً لمنطق التماثل بين فكر الفرد وفكر الأمة. ويلاحظ عامل أن إدوارد سعيد أوقع نفسه في إشكالية معرفية تتحدد في ماهية السؤال الآتي، هل أن علاقة ماركس بالشرق هي علاقة استشراقية أم أن ماركس هو الاستثناء من تلك العلاقة؟ ويستاءل في الوقت ذاته عن الأساس الموضوعي لحيرة سعيد الظاهرة في النص، وهل أنها وليدة المنطق الفكري للاستشراق نفسه الذي ينتقده، كما لو بات هو نفسه إدوارد سعيد أسير هذا الخطاب؟ ردود اليسار ثمة نبرة تعميمية يشعر بها القراء، كما لو أن كل مثقف “أبيض” مستشرق تنضوي إبداعاته تحت “خطاب الاستشراق” مهما بلغت إبداعاته الأدبية والفكرية من العظمة. وهو ما سمح بإساءة فهم الغرض من دراسة الاستشراق عند المثقفين الغربيين والعرب والمسلمين على السواء، وأثار حفيظة مثقفي اليسار أمثال صادق جلال العظم صديق سعيد الحميم. كتب العظم مقالة نقدية لاذعة تحت عنوان “الاستشراق والاستشراق معكوساً” اعتبر فيها أن خطاب إدوارد سعيد انزلق في استشراق معكوس لم يخرجه من خطاب الاستشراق، أي على غرار النقد الذي قدمه مهدي عامل. بل ربما كان أشرس منه و جارحاً أكثر في مواضع عدة. وقد تبادل الصديقان على أثر المقال، مراسلات حادة وغاضبة أدت إلى قطيعة لسنوات طوال. يبقى برأيي هذا الكتاب ذا قيمة كبيرة لكونه زعزع أسس خطاب الاستشراق بوصفه خطاب قوة وهيمنة واستعلاء، وإن لم يحطمه تماماً. ودليلنا على ذلك خطاب الإسلاموفوبيا المعادي للمهاجرين العرب والمسلمين، الذي يعتبر الامتداد الطبيعي لخطاب الاستشراق. وكذلك خطاب معاداة السامية الحديث الذي يخلط بين اليهود والصهيونية. وهو ما يطرح تحديات جديدة أين منها كتاب “الاستشراق”. أخيراً لا بد من التنويه بترجمة محمد عصفور السلسة التي تنسجم مع أسلوب الكتابة الرشيقة البليغة عند سعيد. ترجمة أكثر سلاسة من سابقتها تجعل من كتاب “الاستشراق” مقابلاً للقراءة والفهم، حتى من القراء العاديين وليس الأكاديميين فقط. المزيد عن: الإستشراق\نقد الإستشراق\الغرب\اليسار\صادق جلال العظم\السجا\لالهوية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المغناة التي أنتجها جيش “الإقليم الشمالي” نذيرا بفرط الوحدة مع مصر next post أوتاوا إلى جانب كيبيك لمواجهة العنف المسلح في مونتريال الذي بات قضية انتخابية You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024