لوحة للرسام نصر ورور (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون “هدهد سين” ديوان الحب الوجداني ببعده الواقعي by admin 29 أكتوبر، 2024 written by admin 29 أكتوبر، 2024 42 علي مطر ينسج أسطورة الحبيبة بغنائية سردية اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد يقول رومان ياكوبسون، في كتابه “مسائل في الشعرية”، “إن الحب في الشعر هو الموضوع غير العقلاني بامتياز”، بالتالي هو المادة الأثيرة التي من شأنها أن تحول الكلام عن سكته الواقعية والمرجعية، وتكسبه حللاً من الرموز والانطباعات والصور والرؤى والهواجس والإسقاطات. وهذه الأخيرة إن هي إلا الشعر الذي يتعالى على مدارج البوح والغنائية وتشكيل زوايا النظر إلى العالم المتخيل، مع الحبيبة، وبفضلها، يحسن نظمها الشاعر، وإخراجها على الأسلوب والنوع (قصيدة النثر، هنا)، اللذين يخلص إلى تكوينهما وتحميلهما معاني دالة على تجربة الشاعر وغنى موسوعيته ودفقه الأسلوبي. وبالعودة إلى المجموعة الشعرية هذه تتشكل من 55 قصيدة، تراوح ما بين قصائد مفردة، وأناشيد تتكون بدورها من قصائد، من مثل نشيد (“كي ترى سين مثلي” المؤلفة من ثلاث قصائد)، و”مسرحية (شعرية) قصيرة جداً”. على أن الظاهرة المضافة والجديدة في تكوين هذه المجموعة، المعتبرة أثراً كاملاً، هو تعديل الشاعر النظر إلى بعض القصائد، بل توشيح معظمها بوشاح نوع آخر رديف للشعر، وملائم لخطابية وجدانية غنائية سار عليها الشاعر، أعني المسرح، إذ اعتبر القصائد أقرب ما تكون إلى مشاهد شعرية، كل منها يسلط ضوءاً على جانب من المحبوبة “سين”، أو يخلق زاوية للنظر جديدة إليها أو يمسرح من خلالها مشاعره حيال المحبوبة وأفعاله وتصرفات الكائنات التي يصنع بها صورتها المثالية، بل أسطورة سين، أو “أيقونة للمجون”، كما يقول الشاعر علي مطر، في قصيدة بهذا العنوان، لأن ما يدخل في حسبان الشاعر العاشق كون المحبوبة ماثلة في فعل الحب جسداً، وإثارة، واشتهاءً، وأحاسيس. ومن هذا القبيل، كان إدخال الشاعر عناوين بالإنجليزية لـ17 قصيدة، وجعل لبعضها عنواناً رديفاً بالعربية. ديوان علي مطر (دار مرفأ) بيد أنه لم يدع هذا التطعيم في الشكل والنوع يسهمان وحدهما في حفلة التغريب الفني، وإنما أدخل إلى متن نصه ست رسمات تعبيرية بريشة الفنان شوقي يوسف، موزعة على مقاطع الكتاب ومفاصله الكبرى. غنائية من أجل سين لا تخطى العلامات النصية التي لا يني الشاعر يرسلها في ثنايا قصائده، في الدلالة على وجدانية غنائية تكاد تكون عارمة، أو أقله محافظة على وتيرتها العالية عبر القصائد كلها، في المجموعة. ذلك أن أنا الشاعر العاشق تصدح، على امتداد العمل الشعري، معلنة انحيازها إلى المحبوبة، بل ذوبانها في كيان المحبوبة، وتسخيرها كل ما تملك، أي ذات الشاعر، من مشاعر، ومظان، وحواس، وأجهزة جسمانية، وأعضاء، وقدرات على النظم، في خدمة المحبوبة، وفي سبيل تمكين حضورها وإعلاء صورتها، وإدامة أثرها في روحه. مثلما لا تخطى الإشارات المتناثرة، على توالي القصائد، إلى تنامي الخطاب الغنائي حتى بلوغه ذروة البوح بالعشق الكلي والاستسلام الكامل للحبيبة. يقول في قصيدة بعنوان “اسم ليل أم نهار، أم ما حار بينهما” بهذا الشأن: “كل طريق يؤدي إليك/ كل واد، كل خيط على جبين غيمة/ كل ممر هوائي/ أنا عصفورك الذي لا عش له غيرك/ سين أنا منغمس بالحب الذي أنت/ أسطورة واقعية أنت. هكذا تحقق المستحيل/ ليكن نهارك نهار العاشقة/ ستخرج نوتة كان يفسر فيها الغموض/ أحبك، أحبك فحسب، أنا رفيق شهدك” . على أن تتبعها ذروة غنائية أخرى، وبوح آخر، في ختام كل قصيدة أو نشيد، أو أحد مفاصل المجموعة ذات البنيان المتكامل، ينشد فيها حبه للمحبوبة، ويعلن تحقيق وعده لذاته، ووفاءه لها، وصيرورة كيانه المخلوق لأجلها. الشاعر علي مطر (دار مرفأ) يقول: “لقد حولوا مجرى التضرع إلى الذي يلجأون إليه/ وأنا حولت مجرى العشق برمته/ إلى سين”، “أنا شيف الحب يا حبيبتي/ وهذه ال يامّي التي حملتها أنفاسك/ هي سعر أطباقي”، “أنا أفكر طوال الوقت كيف أموت بجسدك/ كيف أشرب رطوبتك المتحركة بين مدينتين/ لن يكون سوى حبنا بعد اليوم…”، “أنا حبك الحقيقي الذي يجوب بيروت/ يتحدث عنك، حبيبتي تنسج في قصائدها/ حكايات الزمان والمكان”. وبالإجمال هي غنائية تعبيرية، وإن حاكى فيها الشاعر علي مطر سائر التجارب الغنائية في تراث الغزل العربي والأجنبي، قديمه وحديثه، فإنه سلك فيها سلوكاً خاصاً، منوعاً في خطابه، ومبتكراً في صوره الشعرية، ومتخيراً في ألفاظه وخزينه المعجمي وتراكيب لغته، ومزجه بين العربية المبسطة والسردية وبين بعض الكلمات والعبارات بالإنجليزية المستلة من معجم الكتابة المسرحية والسينمائية، على حد ما كان أورده في عناوين قصائده الـ17، المشار إليها أعلاه. لغة شعرية وفيما تشكلت منه لغة الشاعر علي مطر، في مجموعته الشعرية الآنفة، يتبدى للقارئ أن فيها أثراً من رومنطيقية الاندفاعة الوجدانية الغنائية التي سبق الكلام عليها، مشحونة بمعجم الحب، والإقبال على كل النعم التي يوفرها التقرب من المحبوبة، ذات الكينونة المثالية المستدل عليها بصور شعرية نموذجية (النبع، و”الحب في منتهاه”، وزهرة اللوتس، وساندريلا، وشقيقة القمر)، وأن فيها أثراً من سوريالية ملطفة، تدعمها سردية قصيدة النثر، وانسيابها، يوظفهما الشاعر لإبراز وجود الحبيبة في المكان والزمان المرجعيين. “كنت أصادفها أينما كان تقريباً/ في نيوتن سويراي حيث كنت مارست صيد الكاميرات القديمة من محال “ثريفت ستورز/ حيث عملت في صناعة البيتزا،/ أو في النواحي البعيدة عن المدن/ حيث بقيت الجداول تذكر بالدموع/ كلما مررت بها تستوقفني قليلاً/ لأسمع خرير دموع الأرض”. وأيا يكن الأمر، لا يجد الشاعر ضيراً من أن يترسم سبيل شعراء أجانب آخرين، نظير ما صرح به في أحد عناوين قصائد (“ما لم يقله تشارلز بوكوفسكي لحبيبته، أقوله لسين”) في أنه، وإن حاكى بوكوفسكي في نزعته الخمرية المعروفة، فإنه عازم على تجاوزه في الكلام على مغامرته الغرامية مع حبيبته، وسرد تفاصيلها بحرية، من دون أن يدعي أولية في ذلك الإنجاز، بالعودة إلى تراث الغزل العربي العتيد. يقول: “إذ أسكر بك/ منذ أن اجتاحني حبك/ استعدت معنى الخمر اليوناني/ حيث الحقيقة في خلايا النبيذ/ أتعرى وأجرك من يدك عارية إلى ساحة أثينا/ أكون حصانك وعربتك وجوعك/ وأضاجعك وسط حلقة من الفلاسفة/ ستزغرد لنا الحقيقة في خلايا النبيذ/ أرتشفها/ أشمها/ أضمها/ ألحسها/ ألتهمها/ ألهمها وتلهمني/ كل أمس ويوم، إلى أبد الآبدين”. إلى ذلك كله يجد القارئ أثراً من رمزية غير مقصودة لذاتها، في شعر مطر، هي رمزية قصد منها تكثيف معاني تجربته العشقية، أو تجنب المباشرة في وصف طبيعة العلاقة التي تحكم كلاً من الشاعر والحبيبة سين بالمجتمع حيث هما، فلا نحسب، على سبيل المثال، أن رمز الغابة، في قصيدة “أسئلة الغابة” لا يحيله القارئ غلى معناه الرومنطيقي، وإنما تفيد دلالته السياقية بمعنى الرقابة الجماعية والحشد، بحسب التأويل الفرويدي. على أن بقية الرموز العائدة إلى التراث الأسطوري اليوناني، من مثل كيوبيد، وليليث، وأخيلوس، وغيرها تندرج في باب تأصيل تجربة الشاعر العشقية، ومحضها بعداً في الزمن يتجاوز آنيتها المنظورة. في المحصلة الأخيرة، يعد عمل الشاعر اللبناني علي مطر الشعري المذكور آنفاً علامة على أن المسار الشعري المتواصل، مع قدر من التجريب والجرأة والتمرس والغنى الإنساني والعرفاني والمعرفي، كفيل بتأصيل الإبداع الشعري والفني وإبرازه في متن تراثه الأعم. المزيد عن: شاعر لبنانيقصيدة النثرالحداثةالحبالواقعيةالغنائيةالحبيبةالوجدان 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المصريون والكلاب… من أنوبيس حارس المقابر إلى كلب الهرم الأكبر next post الفرنسيون حيروا ريتشارد فاغنر مرتين You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024