ثقافة و فنونعربي هاني عبد المريد يدفع الرواية إلى تأمل ذاتها في “عزيزتي سافو” by admin 8 يناير، 2022 written by admin 8 يناير، 2022 107 الكاتب الشاب خالد يينتقل إلى القاهرة ويقع ضحية لعبة تديرها ناشرة اندبندنت عربية \ محمد السيد إسماعيل تحكي رواية المصري هاني عبد المريد “عزيزتي سافو” (الهيئة المصرية العامة للكتاب) قصة “خالد”، الكاتب الذي ترك ميراث أبيه في القرية، وذهب إلى المدينة ليحقق ذاته، ويلتقى الناشرة “ميليسا”، التي تحاول أن يكون “خالد” مجرد أداة روائية لتبرئة جدها “بارثلميو يني”، الذي وصل إلى منصب “كتخدا” أيام الحملة الفرنسية، ونفذ بنفسه حكم الإعدام في سليمان الحلبي، ومن تستروا عليه في قتل كليبر. ظلت “ميليسا” تؤكد لـ”خالد” أن جدّها لم يكن وحشاً آدمياً، ولم يتعاون مع المستعمر ضد بني وطنه، وأن الحلبي نفسه قاتل استأجره بعض رجال الانكشارية العثمانية لقتل كليبر، وأنها سوف تمده بالمراجع التي تؤكد ذلك، وأن التاريخ – في النهاية – وجهات نظر. وإذا كان المنتصر هو الذي يفرض روايته للتاريخ، فإن قوة “ميليسا” تمثلت في المال الذي كان الكاتب في حاجة إليه. خيارات متنوعة هذه هى أزمة الرواية التي ظل الكاتب يراوغ في مواجهتها، فكتب رواية تقليدية عن قصة حب في محاولة للإيحاء بالرفض. والطريف أن تقوم “ميليسا” بطباعتها لتحقق أعلى المبيعات. وينصح الراوي العليم – وهو أحد أشخاص الرواية – “خالد” بأن يكتب روايته الأصلية متكئاً على سيرته وسيرة أسلافه. نحن إذاً أمام خيارات كتابية متنوعة: رواية لتزييف التاريخ كما تطرحها الناشرة، والرواية الاستهلاكية السطحية كما كتبها “خالد” على سبيل السخرية، والرواية الحقيقية التي ظلت مشروعاً مؤجلاً. الرواية المصرية (الهيئة المصرية) لهذا، لم يكن عجيباً أن تبدأ “عزيزتي سافو” بهذا السؤال: كيف تكتب الروايات؟ فإذا كانت الرواية مسحة من روح كاتبها فكيف تتكون هذه المسحة؟ وهل تمنح نفسها في الضيق أم الفرح؟ الشدة أم الرخاء؟ نحن إذاً أمام تفكير عقلاني يبتعد عن المجاز الشعري المشار إليه. ويرى الكاتب أن الرواية ابنة كل ذلك، وقد جعله هذا متحرراً من قيد الوظيفة وقادراً على مغالبة قهر الفقر وتأمل حكايات الناس ليستوحي منها الكتابة، أو تجريب ما قرأه عن فكرة تداعي المعاني، لكنه شعر بفشل هذه الطريقة وفشله – أيضاً – في كتابة رواية رعب. إن ما رصده من محاولات يعكس ما يمكن تسميته “الرواية داخل الرواية” على شاكلة “المسرح داخل المسرح” الذي نادى به بريخت، محطماً الحائط الرابع الوهمي بين الجمهور وشخصيات المسرحية بغرض ضرب الاستلاب وإطلاق الوعي، وهذا ما يفعله هاني عبد المريد داخل هذه الرواية مستخدماً أشياء الواقع أحياناً، والخيال أحياناً أخرى، والذي يبدو غالباً فانتازيا، كما في قوله: “النملة أسفل الترابيزة كانت تكبر وتستطيل وتتضخم، تتسبب تدريجياً في رفع الترابيزة عن الأرض حتى بدت كأنها معلقة في الفراغ”. توجهات المجتمع كثيراً ما تخيل سكان العمارة في أوضاع مختلفة تتسم بالرعب. وهم نماذج مختلفة حقاً: الشيخ “فارس” السلفي، وزوجته المنتقبة، وأولاده السبعة، والدكتور “فريد” الصيدلاني، وزوجته، وولداه، اللذان شاركا في ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، و”كريم”، وزوجته، وأولادهما، الذين يدرسون في جامعة الأزهر. ولكل فرد ميدالية مفاتيح عليها شعار جماعة “الإخوان”، و”مبروك”، الوحيد الذي يعلق صورة قديمة لعبد الناصر. ومن الواضح أن هذه النماذج ليست عشوائية، لأن الكاتب اختارها بدقة لتمثل توجهات المجتمع المصري. وكما تعددت أفكار الروايات المرشحة للكتابة ونماذج سكان العمارة/ المجتمع، تنوعت الشخصيات النسائية. فبالإضافة إلى “ميليسا”، نجد “سميرة”، الموظفة في المكتبة العامة التي يتردد عليها الكاتب، و”أشجان”، فتاة الليل، و”سافو”، وهي شخصية مؤثرة في السرد على الرغم من وجودها الطيفي. يستحضرها السارد مستلهماً منها أفكاره. ومن خلال “أشجان” نعرف قاع المجتمع وكيف يقتل رجل زوجته من أجل قطعة من اللحم وكيف أثر ذلك عليها في طفولتها. ولم تفترق حياة “سميرة” عن هذا كثيراً، فـ”بعد زواج دام لأربعة أشهر عاشرها – زوجها – خلالها مرتين فقط، بينما ضربها ما يزيد على عشر مرات”. هاني عبد المريد (صفحة فيسبوك) أما وصمة الجد فقد كان سر عذاب “ميليسا” التي حاولت محوه دون جدوى، ولم تخلُ حياة “سافو” من العذاب على الرغم من زواجها من ثري ترك لها ثروة كبيرة، فقد أحبت “فاوون” من دون أن يبادلها الحب. وفي مقابل ذلك، يعود السرد إلى “اغتيالات أحد الحكام الكوريين لمجموعة من معاونيه بطرق شرسة كأن يطلق الكلاب المسعورة لتلتهم أحدهم، أو أن يطلق على آخر صاروخاً مضاداً للطائرات”. وهو ما يتوازى مع ما صرح به من انتقادات سياسية. ولعل هذا ما يفسر انتقالات الأحداث من مكان إلى آخر، ومن زمن إلى زمن سابق، وتداخل الماضي والحاضر. يقول: “سافو تخرج من وسط ضباب كثيف حين تلمح دهشتي لوجودها تصمت قليلاً، ثم تنطق: الحنين يا خالد هو ما جعلني آتي إليك، وكنت أعرف أنه سيجعلك تبحث عني”. كما يتداخل الحلم والواقع حين يجد السارد ما حلم به مسطوراً على الورق عندما يصحو، أو حين تمر به – وهو يقظان – “السمراء التي تأتيه في الحلم دوماً”. نظام الحرية لا شك في أن هذه التداخلات تعد نوعاً من مقاومة قيود الواقع وقيود الضرورات الاجتماعية التي أشرنا إليها. ويأخذ الحلم بعداً محورياً في هذا، حين يحلم السارد أنه ذهب إلى الصحراء حتى عثر على واحة لا يوجد فيها كذب أو قهر أو ظلم، ما يجعلها ملاذاً للناس الذين كونوا دولة صغيرة. ومن ذلك أيضاً تمجيده للحرية حين يورد قول كوربيه: “عندما أموت قل هذا عني: لا ينتمي إلى أي مدرسة ولا كنيسة ولا مؤسسة ولا أكاديمية ولا نظام ما عدا نظام الحرية”. وذلك مقابل الخوف الذي لازمه طوال حياته. كما تصبح الكتابة ضرباً من التحرر. هكذا تنصحه “سافو”: “الكتابة لا تحولنا إلى عبيد. هي تفعل العكس. عليك أن تتحرر من عبوديتك بالكتابة”. ولا يتحقق هذا التحرر إلا بالحب الذي هو لب هذا العالم. ومن هنا تربط بين الكتابة والمرأة: “لو علمت الكثير عن المرأة، فقد علمت الكثير عن الكتابة. كلاهما لا يرجو منك سوى الحب”. وهذا قريب من نصيحتها له بألا يبحث عن حكاية، فالحكايات تملأ الدنيا، بل ينبغي أن يبحث عن “طريقة”. وهذا ما يقوم عليه النقد الحديث في تفرقته بين الحكاية التراتبية والحبكة التي تميز كاتباً عن آخر. وهذا ما فعله الكاتب حين جعل من الراوي الداخلي والراوي العليم شخصيتين داخل السرد وتبادل الجميع وضعية الراوي والمروي له. وتراوح ضمير السرد بين الغائب والمتكلم. ففي بداية الفصل السابع نجد ضمير الغائب: “استيقظ من نومه غارقاً في العرق. يتنفس بصعوبة. توقع أنه كان يحلم”. وفى بداية الفصل الثامن يتحول إلى ضمير المتكلم: “ربطني بالمكتبة شعور أنني المالك الأصلي لكل هذا المبنى”. ويقارن “خالد” حالته بحالة صديقه “بولا”، الفنان التشكيلي الذي يسعى إلى إظهار الجمال، بينما هو يفكر في تزييفه، “فأي جمال يمكن أن يقدمه للعالم بحكاية بارثلميويني، لمن سينحاز حين يفعل فعلته هذه”. على مستوى اللغة نجده يستخدم الفصحى بصورة عامة باستثناء عبارة واحدة استخدمت فيها “أشجان” العامية. كما يعتمد على الأمثال من قبيل “شرا العبد ولا ربايته”، و”اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب”، وتوظيف فن الرسالة بين الكاتب و”سافو”، وتضمين شعر المتنبي وفؤاد حداد وشعر سافو: “آه يا حبيبي، لقد عاقبتني على ذنب لم أقترفه/ أنت أحدثت جرحاً عميقاً في قلبي فقط لأنني أحبك”. والشعر الفرعوني: “أحب أن أغرق في الماء معك وأخرج من الماء معك/ حاملة سمكة ذهبية مضيئة”. هكذا تتداخل هذه الأشكال كلها داخل السرد محققة ثراءه الواضح. المزيد عن: روائي \ القاهرة \ فن الرواية \ الراوي \ الكاتب \ الناشر \ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post استجابة فاترة للعودة الجريئة لـ”الجنس والمدينة” و”ذا ميتريكس” next post ماذا يعني أن يكسر “فلاح” أسود جدار العنصرية في هوليوود؟ You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.